|
القول في النجاسات
(مسألة 1) : النجاسات إحدى عشر : الأوّل والثاني: البول والخُرء من الحيوان ذي النفس السائلة غير مأكول اللحم ولو بالعارض ، كالجلاّل وموطوء الإنسان . أمّا ما كان من المأكول فإنّهما طاهران . وكذا غير ذي النفس ممّا ليس له لحم ، كالذباب والبقّ وأشباههما . وأمّا ما له لحم منه فمحلّ إشكال ؛ وإن كانت الطهارة لا تخلو من وجه([1]) ، خصوصاً في الخُرء . كما أنّ الأقوى نجاسة الخُرء والبول من الطير غير المأكول([2]) . (مسألة 2) : لو شكّ في خُرء حيوان أنّه من مأكول اللحم أو محرّمه ؛ إمّا من جهة الشكّ في ذلك الحيوان الذي هذا خرؤه ، وإمّا من جهة الشكّ في أنّ هذا الخُرء من الحيوان الفلاني الذي يكون خرؤه نجساً ، أو من الذي يكون طاهراً ، كما إذا رأى شيئاً لايدري أنّه بعرة فأر أو خنفساء فيحكم بالطهارة ، وكذا لو شكّ في خُرء حيوان أنّه ممّا له نفس سائلة ، أو من غيره ممّا ليس له لحم ، كالمثال المتقدّم ، وأمّا لو شكّ في أنّه ممّا له نفس أو من غيره ممّا له لحم ، بعد إحراز عدم المأكوليّة ؛ ففيه إشكال كما تقدّم ؛ وإن كانت الطهارة لا تخلو من وجه([3]) . الثالث: المنيّ من كلّ حيوان ذي نفس حلّ أكله أو حرم ، دون غير ذي النفس ، فإنّه منه طاهر . الرابع: ميتة ذي النفس([4]) من الحيوان ممّا تحلّه الحياة ، وما يُقطع من جسده حيّاً ممّا تحلّه الحياة ، عدا ما ينفصل من بدنه من الأجزاء الصغار ، كالبثور والثؤلول وما يعلو الشفة والقروح وغيرها عند البُرء وقشور الجرب ونحوه ، وما لا تحلّه الحياة ، كالعظم والقرن والسنّ والمنقار والظفر والحافر والشعر والصوف والوبر والريش ، طاهر . وكذا البيض من الميتة الذي اكتسى القشر الأعلى من مأكول اللحم ، بل وغيره . ويُلحق بما ذُكر الإنفحّة ـ وهي الشيء الأصفر الذي يُجبن به ، ويكون منجمداً في جوف كرش الحمل والجدي قبل الأكل ـ وكذا اللبن في الضرع ، ولاينجسان بمحلّهما ، والأحوط ـ الذي لا يُترك ـ اختصاص الحكم بلبن مأكول اللحم . (مسألة 3) : فأرة المِسك إن اُحرز أنّها ممّا تحلّه الحياة نجسة على الأقوى ؛ لو انفصلت من الحيّ أو الميّت قبل بلوغها واستقلالها وزوال الحياة عنها حال حياة الظبي ، ومع بلوغها حدّاً لابدّ من لفظها فالأقوى طهارتها ؛ سواء كانت مُبانة من الحيّ أو الميّت ، ومع الشكّ في كونها ممّا تحلّه الحياة محكومة بالطهارة ، ومع العلم به والشكّ في بلوغها ذلك الحدّ محكومة بالنجاسة . وأمّا مسكها فلا إشكال في طهارته في جميع الصور ، إلاّ فيما سرت إليه رطوبة ممّا هو محكوم بالنجاسة ، فإنّ طهارته ـ حينئذ ـ لا تخلو من إشكال ، ومع الجهل بالحال محكوم بالطهارة . (مسألة 4) : ما يُؤخذ من يد المسلم وسوق المسلمين ـ من اللحم أو الشحم أو الجلد ـ إذا لم يُعلم كونه مسبوقاً بيد الكافر ، محكوم بالطهارة وإن لم يُعلم تذكيته ، وكذا ما يوجد مطروحاً في أرض المسلمين . وأمّا إذا عُلم بكونه مسبوقاً بيد الكافر ، فإن احتمل أنّ المسلم الذي أخذه من الكافر قد تفحّص عن حاله ، وأحرز تذكيته ، بل وعمل المسلم معه معاملة المذكّى على الأحوط ، فهو أيضاً محكوم بالطهارة ، وأمّا لو علم أن المسلم أخذه من الكافر من غير فحص فالأحوط ـ بل الأقوى([5]) ـ وجوب الاجتناب عنه . (مسألة 5) : لو أخذ لحماً أو شحماً أو جلداً من الكافر([6]) أو من سوق الكفّار ، ولم يعلم أنّه من ذي النفس أو غيره كالسمك ونحوه ، فهو محكوم بالطهارة وإن لم يحرز تذكيته ، ولكن لايجوز الصلاة فيه . (مسألة 6) : لو اُخذ شيء من الكفّار أو من سوقهم ، ولم يعلم أنّه من أجزاء الحيوان أو غيره ، فهو محكوم بالطهارة ما لم يعلم بملاقاته للنجاسة السارية ، بل يصحّ الصلاة فيه أيضاً ، ومن هذا القبيل اللاستيك والشمع المجلوبان من بلاد الكفر ـ في هذه الأزمنة ـ عند من لم يطّلع على حقيقتهما . الخامس: دم ذي النفس السائلة ، بخلاف دم غيره كالسمك والبقّ والقمّل والبراغيث ، فإنّه طاهر ، والمشكوك في أنّه من أيّهما محكوم بالطهارة . والأحوط([7]) الاجتناب عن العلقة المستحيلة من المنيّ ؛ حتّى العلقة في البيضة وإن كانت الطهارة في البيضة لا تخلو من رجحان([8]) . والأقوى طهارة الدم الذي يوجد فيها ، وإن كان الأحوط الاجتناب عنه ، بل عن جميع ما فيها ، إلاّ أن يكون الدم في عِرق ، أو تحت جلدة حائلة بينه وبين غيره . (مسألة 7) : الدم المتخلّف في الذبيحة إن كان من الحيوان غير المأكول ، فالأحوط الاجتناب عنه ، وإلاّ فهو طاهر ، بعد قذف ما يُعتاد قذفه من الدم بالذبح أو النحر ؛ من غير فرق بين المتخلّف في بطنها ، أو في لحمها ، أو عروقها ، أو قلبها ، أو كبدها ؛ إذا لم يتنجّس بنجاسة كآلة التذكية وغيرها ، وكذا المتخلّف في الأجزاء غير المأكولة وإن كان الأحوط الاجتناب عنه ، وليس من الدم المتخلّف الطاهر ما يرجع من دم المذبح إلى الجوف ؛ لردّ النَّفَس أو لكون رأس الذبيحة في علوّ . والدم الطاهر من المتخلّف حرام أكله ، إلاّ ما كان مستهلكاً في الأمراق ونحوها ، أو كان في اللحم بحيث يعدّ جزءاً منها . (مسألة 8) : ما شُكّ في أنّه دم أو غيره طاهر ، مثل ما إذا خرج من الجرح شيء أصفر قد شكّ في أنّه دم أو لا ، أو شُكّ ـ من جهة الظلمة أو العمى أو غير ذلك ـ في أنّ ما خرج منه دم أو قيح ، ولايجب عليه الاستعلام . وكذا ما شكّ في أنّه ممّا له نفس سائلة أو لا ؛ إمّا من جهة عدم العلم بحال الحيوان كالحيّة مثلاً ، أو من جهة الشكّ في الدم وأنّه من الشاة ـ مثلاً ـ أو من السمك ، فلو رأى في ثوبه دماً ، ولايدري أنّه منه أو من البقّ أو البرغوث ، يحكم بطهارته . (مسألة 9) : الدم الخارج من بين الأسنان نجس وحرام لايجوز بلعه ، ولو استهلك في الريق يطهر ويجوز بلعه ، ولايجب تطهير الفم بالمضمضة ونحوها . (مسألة 10) : الدم المنجمد تحت الأظفار أو الجلد بسبب الرضّ ، نجس إذا ظهر بانخراق الجلد ونحوه إلاّ إذا علم استحالته ، فلو انخرق الجلد ووصل إليه الماء تنجّس ، ويشكل معه الوضوء أو الغسل ، فيجب إخراجه إن لم يكن حرج ، ومعه يجب أن يجعل عليه شيء كالجبيرة ويمسح عليه ، أو يتوضّأ ويغتسل بالغمس في ماء معتصم كالكرّ والجاري ، هذا إذا عُلم من أوّل الأمر أنّه دم منجمد ، وإن احتمل أنّه لحم صار كالدم بسبب الرضّ فهو طاهر . السادس والسابع: الكلب والخنزير البرّيّان عيناً ولعاباً ، وجميع أجزائهما وإن كانت ممّا لا تحلّه الحياة ، كالشعر والعظم ونحوهما . وأمّا كلب الماء وخنزيره فطاهران . الثامن: المسكر المائع بالأصل ، دون الجامد كذلك ـ كالحشيش ـ وإن غلى وصار مائعاً بالعارض . وأمّا العصير العنبي فالظاهر طهارته لو غلى بالنار ولم يذهب ثُلثاه ، وإن كان حراماً بلا إشكال . والزبيبي أيضاً طاهر ، والأقوى عدم حرمته ، ولو غليا بنفسهما وصارا مسكرين ـ كما قيل ـ فهما نجسان أيضاً ، وكذا التمري على هذا الفرض ، ومع الشكّ فيه يحكم بالطهارة في الجميع . (مسألة 11) : لابأس بأكل الزبيب والتمر إذا غليا في الدهن ، أو جعلا في المحشي والطبيخ أو في الأمراق مطلقاً ، سيّما إذا شكّ في غليان ما في جوفهما كما هو الغالب . التاسع: الفقاع ، وهو شراب مخصوص متّخذ من الشعير غالباً([9]) . أمّا المتّخذ من غيره ففي حرمته ونجاسته تأمّل وإن سُمّي فقاعاً ، إلاّ إذا كان مسكراً . العاشر : الكافر ، وهو من انتحل([10]) غير الإسلام ، أو انتحله وجحد ما يعلم من الدين ضرورة ؛ بحيث يرجع جحوده إلى إنكار الرسالة ، أو تكذيب النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ، أو تنقيص شريعته المطهّرة ، أو صدر منه ما يقتضي كفره من قول أو فعل ، من غير فرق بين المرتدّ والكافر الأصلي الحربي والذمّي . وأمّا النواصب والخوارج([11]) ـ لعنهم الله تعالى ـ فهما نجسان من غير توقّف ذلك على جحودهما الراجع إلى إنكار الرسالة . وأمّا الغالي فإن كان غُلُوّه مستلزماً لإنكار الاُلوهيّة أو التوحيد أو النبوّة ، فهو كافر ، وإلاّ فلا . (مسألة 12) : غير الاثني عشريّة ـ من فِرَق الشيعة ـ إذا لم يظهر منهم نَصب ومعاداة وسبّ لسائر الأئمّة ـ الذين لايعتقدون بإمامتهم ـ طاهرون ، وأمّا مع ظهور ذلك منهم فهم مثل سائر النواصب . الحادي عشر: عرق الإبل الجلاّلة([12]) ، والأقوى طهارة عرق ما عداها من الحيوانات الجلاّلة ، والأحوط الاجتناب عنه . كما أنّ الأقوى طهارة عرق الجُنُب من الحرام ، والأحوط التجنّب عنه في الصلاة ، وينبغي الاحتياط منه مطلقاً . -------------------------------------------------------------------------------- [1] ـ في الخُرء فقط ، وأ مّا البول فالأحوط كونه كبول غير المأكول من ذي النفس السائلة ، بل لايخلو من وجه . [2] ـ بل الأقوى طهارتهما . [3] ـ مرّ الكلام في المسألة السابقة . [4] ـ والمراد بالميتة معناه العرفي ، وهو ما مات حتف أنفه مطلقاً ولو بحبس نفسه في مقابل المذبوح ، لا غير المذكّى في مقابل المذكّى ؛ وذلك لعدم الدليل على نجاسة غير المذكّى بمعنى المذبوح من دون الشرائط الشرعية ، ولا على مانعيّته في الصلاة ، فإنّ الموضوع في أدلّة النجاسة والمانعية الميتة الظاهرة في معناها العرفي ، وما استدلّ به للعمومية فيها من بعض الأخبار غير تامّ ، كما يظهر لمن راجعه في محلّه في الكتب الفقهية المفصّلة . نعم حلّية الأكل منوطة بإحراز التذكية ، أي الذبح بشرائطها الشرعية ، فمع عدم الإحراز، فضلاً عن إحراز العدم يحرم الأكل ؛ قضاءً لشرطية التذكية في الأكل بالضرورة ، وللأخبار الدالّة على لزوم الإحراز ، ووجوب الاجتناب مع الشكّ فيها . وعلى هذا فالمأخوذ من سوق المسلمين أو من يد المسلم محكوم بالتذكية مطلقاً ، فيحلّ أكله، فضلاً عن طهارته وعدم مانعيّته للصلاة ، من دون فرق بين كون الشكّ من ناحية رعاية الشرائط أو من ناحية الذبح في مقابل الموت حتف أنفه ؛ وذلك لكون السوق أو اليد حجّة عليها ، وأ مّا المأخوذ من سوق الكفّار وما يكون حجّة على عدم التذكية ، فإن كان الشكّ فيه من ناحية رعاية الشرائط الشرعية في المذبوح فمحكوم بعدم التذكية وحرمة الأكل فقط دون النجاسة والمانعية ؛ لما مرّ ، وإن كان الشكّ فيه من ناحية الموت والذبح ، فمحكوم بكونه ميتة محرّمة نجسة مانعة في الصلاة . وممّا ذكرناه يظهر أنّ ما في المسألة الرابعة من الحكم بالنجاسة للمشكوك تذكيته الشامل للشكّ في رعاية الشرائط الشرعية في المذبوح إن لم يكن ظاهراً فيه غير تامّ ، وأنّ الحكم بالنجاسة مختصّ بالميتة ، وبالمشكوك أصل ذبحه ، لا غير المذكّى المشكوك فيه رعاية الشرائط الشرعية المعتبرة في التذكية . [5] ـ الأقوائية ممنوعة ، بل الحكم بالتذكية لايخلو من وجه . [6] ـ إن لم يكن في سوق المسلمين وبلادهم ، وإلاّ فالحكم بالطهارة والتذكية لايخلو من وجه ، وإن كان الأحوط الاجتناب ؛ لمظنّة الإجماع . [7] ـ بل الأقوى . [8] ـ الرجحان ممنوع . [9] ـ أ مّا ماء الشعير الذي يستعمله الأطبّاء في معالجاتهم ليس من الفقّاع، فهو طاهر حلال . [10] ـ عن جحود وإنكار مع العناد الديني ، ومثله الشاكّ الملتفت المقصّر في الفحص والتفتيش في تحصيل الاعتقاد بحقّانية الإسلام ، وهذا هو المراد منه أيضاً في جميع أبواب النجاسات والمطهّرات . وبالجملة، القاصرين من غير المسلمين وكذا المقصّرين من دون العناد الديني لا دليل على نجاستهم ، بل الظاهر طهارتهم . [11] ـ الخوارج على قسمين: ففيهم من يعلن بغضه لأهل البيت(عليهم السلام) فيندرج في النواصب، وفيهم من لايكون كذلك، وإن عدّ منهم ؛ لاتّباعه فقههم ولا يحكم بنجاسته . [12] ـ على الأقوى .
|