|
القول في قواطع السفر
وهي اُمور : أحدها: الوطن ، فينقطع السفر بالمرور عليه ، ويحتاج في القصر بعده إلى قصد مسافة جديدة ؛ سواء كان وطنه الأصلي ومسقط رأسه أو المستجدّ ـ وهو المكان الذي اتخذه مسكناً ومقرّاً له دائماً ـ ولايعتبر فيه حصول ملك ولا إقامة ستّة أشهر . نعم يعتبر في المستجدّ الإقامة فيه بمقدار يصدق عرفاً أنّه وطنه ومسكنه ، بل قد يصدق الوطن([1])بواسطة طول الإقامة ؛ إذا أقام في بلد بلا نيّة للإقامة دائماً ولا نيّة تركها . (مسألة 1) : لو أعرض عن وطنه الأصلي أو المستجدّ وتوطّن في غيره ، فإن لم يكن له فيه ملك ، أو كان ولم يكن قابلاً للسُّكنى ، أو كان ولم يسكن فيه ستّة أشهر بقصد التوطّن الأبدي ، يزول عنه حكم الوطنيّة . وأمّا إذا كان له ملك وقد سكن فيه ستّة أشهر ، بعد اتّخاذه وطناً دائماً ، أو كونه وطناً أصليّاً ، فالمشهور على أنّه بحكم الوطن الفعلي ، ويسمّونه بالوطن الشرعي ، فيوجبون عليه التمام بالمرور عليه مادام ملكه باقياً فيه ، بل قال بعضهم : بوجوب التمام إذا كان له فيه ملك غير قابل للسكنى ولو نخلة ونحوها ، بل فيما إذا سكن ستّة أشهر ولو لم يكن بقصد التوطّن دائماً ، بل بقصد التجارة مثلاً . والأقوى خلاف ذلك كلّه ، فلايجري حكم الوطن فيما ذكر كلّه . ويزول حكم الوطن مطلقاً بالإعراض ؛ وإن كان الأحوط الجمع بين إجراء حكم الوطن وغيره فيها ، خصوصاً الصورة الاُولى . (مسألة 2) : يمكن أن يكون للإنسان وطنان فعليّان في زمان واحد ؛ بأن جعل بلدين مسكناً له دائماً ، فيقيم في كلّ منهما ستّة أشهر ـ مثلاً ـ في كلّ سنة . وأمّا الزائد عليهما فمحلّ إشكال لابدّ من مراعاة الاحتياط([2]) . (مسألة 3) : الظاهر أنّ التابع ـ الذي لا استقلال له في الإرادة والتعيّش ـ تابع لمتبوعه في الوطن ، فيعدّ وطنه وطنه ؛ سواء كان صغيراً ـ كما هو الغالب ـ أو كبيراً شرعاً ، كما قد يتّفق للولد الذكر وكثيراً مّا للاُنثى ، خصوصاً في أوائل البلوغ ، والميزان هو التبعيّة وعدم الاستقلال ، فربما يكون الصغير المميّز مستقلاّ في الإرادة والتعيّش ، كما ربما لايستقلّ الكبير الشرعي . ولايختصّ ذلك بالآباء والأولاد ، بل المناط هو التبعيّة وإن كانت لسائر القرابات أو للأجنبي أيضاً . هذا كلّه في الوطن المستجدّ . وأمّا الأصلي ففي تحقّقه لايحتاج إلى الإرادة ، وليس اتّخاذيّاً إراديّاً ، لكن في الإعراض ـ الذي يحصل بالإعراض العملي ـ يأتي الكلام المتقدّم فيه . (مسألة 4) : لو تردّد في المهاجرة عن الوطن الأصلي ، فالظاهر بقاؤه على الوطنيّة ما لم يتحقّق الخروج والإعراض عنه ، وأمّا في الوطن المستجدّ فلا إشكال في زواله ؛ إن كان ذلك قبل أن يبقى فيه مقداراً يتوقّف عليه صدق الوطن عرفاً ، وإن كان بعد ذلك فالأحوط الجمع بين أحكام الوطن وغيره ؛ وإن كان الأقوى بقاؤه على الوطنية أيضاً . الثاني من قواطع السفر: العزم على إقامة عشرة أيّام متواليات ، أو العلم ببقائه كذلك وإن كان لا عن اختياره . (مسألة 5) : الليالي المتوسّطة داخلة في العشرة ، دون الليلة الاُولى والأخيرة ، فيكفي عشرة أيّام وتسع ليال ، ويكفي تلفيق اليوم المنكسر من يوم آخر على الأقوى ، كما إذا نوى المقام عند الزوال من اليوم الأوّل إلى الزوال من اليوم الحادي عشر . ومبدأ اليوم طلوع الفجر الثاني على الأقوى ، فلو دخل حين طلوع الشمس ، كان انتهاء العشرة طلوع الشمس من الحادي عشر ، لا غروب الشمس من العاشر . (مسألة 6) : يشترط وحدة محلّ الإقامة ، فلو قصد الإقامة في أمكنة متعدّدة عشرة أيّام لم ينقطع حكم السفر ، كما إذا عزم على الإقامة عشرة أيّام في النجف والكوفة معاً . نعم لايضرّ بوحدة المحلّ فصل مثل الشطّ ونحوه ، بعد كون المجموع بلداً واحداً كجانبي بغداد وإسلامبول ، فلو قصد الإقامة في مجموع الجانبين يكفي في انقطاع حكم السفر . (مسألة 7) : لايعتبر في نيّة الإقامة قصد عدم الخروج عن خطّة سور البلد ، بل لو قصد حال نيّـتها الخروج إلى بعض بساتينها ومزارعها ، جرى عليه حكم المقيم ، بل لو كان من نيّـته الخروج عن حدّ الترخّص ، بل إلى ما دون الأربعة ، أيضاً لايضرّ إذا كان من قصده الرجوع قريباً ؛ بأن كان مكثه مقدار ساعة أو ساعتين ـ مثلاً ـ بحيث لايخرج به عن صدق إقامة عشرة أيّام في ذلك البلد عرفاً ، وأمّا الزائد على ذلك ففيه إشكال([3]) ، خصوصاً إذا كان من قصده المبيت . (مسألة 8) : لايكفي القصد الإجمالي في تحقّق الإقامة ، فالتابع للغير ـ كالزوجة والرفيق ـ إن كان قاصداً للمقام بمقدار ما قصده المتبوع ، لايكفي وإن كان المتبوع قاصداً لإقامة العشرة ؛ إذا لم يدرِ من أوّل الأمر مقدار قصده ، فإذا تبيّن له بعد أيّام أنّه كان قاصداً للعشرة يبقى على القصر ، إلاّ إذا نوى بعد ذلك بقاء عشرة أيّام ، بل لو كان قاصداً للمقام إلى آخر الشهر أو إلى يوم العيد ـ مثلاً ـ وكان في الواقع عشرة أيّام ولم يكن عالماً به حين القصد ، لايبعد عدم كفايته ووجوب القصر عليه ، ولكن لا يُترك الاحتياط ما أمكن . (مسألة 9) : لو عزم على الإقامة ثمّ عدل عن قصده ، فإن صلّى مع العزم المذكور رباعيّة بتمام ، بقي على التمام مادام في ذلك المكان ؛ ولو كان من قصده الارتحال بعد ساعة أو ساعتين ، وإن لم يصلِّ أو صلّى صلاة ليس فيها تقصير ـ كالصبح ـ يرجع بعد العدول إلى القصر ، ولو صلّى رباعيّة تماماً مع الغفلة عن عزمه على الإقامة ، أو صلاّها تماماً لشرف البقعة بعد الغفلة عن نيّة الإقامة ، فلا يُترك الاحتياط بالجمع ؛ وإن كان تعيُّنُ القصر([4]) فيهما لايخلو من وجه . (مسألة 10) : لو فاتته الصلاة على وجه يجب عليه قضاؤها ، فقضاها تماماً ، ثمّ عدل عن نيّة الإقامة ، بقي على حكم التمام على إشكال([5]) ، والأحوط الجمع . وأمّا إن عدل عنها قبل قضائها فالظاهر العود إلى القصر . (مسألة 11) : لو عزم على الإقامة فنوى الصوم ، ثمّ عدل بعد الزوال قبل إتيان الصلاة تماماً ، رجع إلى القصر في صلاته ، لكن صحّ صومه ، فهو كمن صام ثمّ سافر بعد الزوال . (مسألة 12) : لا فرق في العدول عن قصد الإقامة ، بين أن يعزم على عدمها ، أو يتردّد فيها ؛ في أنّه لو كان بعد الصلاة تماماً بقي على التمام ، ولو كان قبله رجع إلى القصر . (مسألة 13) : إذا تمّت العشرة لايحتاج البقاء على التمام إلى قصد إقامة جديدة ، فما دام لم يُنشئ سفراً جديداً يبقى على التمام . (مسألة 14) : لو قصد الإقامة واستقرّ حكم التمام بإتيان صلاة واحدة بتمام ، ثمّ خرج إلى ما دون المسافة ، وكان من نيّـته العود إلى مكان الإقامة ؛ من حيث إنّه مكان إقامته ـ بأن كان رحله باقياً فيه ـ ولم يعرض عنه ، فإن كان من نيّـته مقام عشرة أيّام فيه بعد العود إليه ، فلا إشكال في بقائه على التمام . وإن لم يكن من نيّـته ذلك سواء كان متردّداً ، أو ناوياً للعدم ـ فالأقوى أيضاً البقاء على التمام في الذهاب والمقصد والإياب ومحلّ الإقامة ؛ ما لم يُنشئ سفراً جديداً ، خصوصاً إذا كان المقصد في طريق بلده ، والأحوط الجمع خصوصاً في الإياب ومحلّ الإقامة ، وبالأخصّ فيما إذا كان محلّ الإقامة في طريق بلده . نعم لو كان مُنشئاً للسفر من حين الخروج عن محلّ الإقامة ، وكان ناوياً للعود إليه ؛ من حيث إنّه أحد منازله في سفره الجديد ، كان حكمه وجوب القصر في العود ومحلّ الإقامة([6]) ، وأمّا في الذهاب والمقصد فمحلّ إشكال ؛ لا يُترك الاحتياط بالجمع ؛ وإن لا يبعد وجوب التمام فيهما . هذا كلّه فيما إذا لم يكن من نيّـته الخروج ـ في أثناء العشرة ـ إلى ما دون المسافة من أوّل الأمر ، وإلاّ فقد مرّ([7]) : أنّه إن كان من قصده العود قريباً جدّاً يكون حكمه التمام ، وإلاّ ففيه إشكال([8]) . ولو خرج إلى ما دون المسافة ، وكان متردّداً في العود إلى محلّ الإقامة وعدمه أو ذاهلاً عنه ، فالاحتياط بالجمع بين القصر والتمام لاينبغي تركه ؛ وإن كان الأقوى البقاء على التمام ما لم يُنشئ سفراً جديداً . (مسألة 15) : لو بدا للمقيم السفر ، ثمّ بدا له العود إلى محلّ الإقامة والبقاء عشرة أيّام ، فإن كان ذلك بعد بلوغ أربعة فراسخ قصّر في الذهاب والمقصد والعود ، وإن كان قبله ، قصّر حال الخروج بعد التجاوز عن حدّ الترخّص إلى حال العزم على العود ، ولايجب عليه قضاء ما صلّى قصراً . وأمّا حال العزم فالأحوط الجمع وإن كان البقاء على القصر أقرب([9]) . وكذا إذا بدا له العود بدون إقامة جديدة بقي على القصر حتّى في محلّ الإقامة . (مسألة 16) : لو دخل في الصلاة بنيّة القصر ثمّ بدا له الإقامة في أثنائها أتمّها ، ولو نوى الإقامة ودخل فيها بنيّة التمام ثمّ عدل عنها في الأثناء ، فإن كان قبل الدخول في ركوع الثالثة أتمّها قصراً ، وإن كان بعده قبل الفراغ عن الصلاة ، فالأقوى بطلان صلاته والرجوع إلى القصر ؛ وإن كان الأحوط إتمامها تماماً ثمّ إعادتها قصراً والجمع بينهما ما لم يسافر . الثالث من القواطع: البقاء ثلاثين يوماً في مكان متردّداً ، ويُلحق بالتردّد ما إذا عزم على الخروج غداً أو بعده ولم يخرج ، وهكذا إلى أن يمضي ثلاثون يوماً ، بل يلحق به ـ أيضاً ـ إذا عزم على الإقامة تسعة أيّام ـ مثلاً ـ ثمّ بعدها عزم على إقامة تسعة اُخرى وهكذا ، فيقصّر إلى ثلاثين يوماً ، ثمّ يتمّ وإن لم يبقَ إلاّ مقدار صلاة واحدة . (مسألة 17) : الظاهر إلحاق الشهر الهلالي بثلاثين يوماً إن كان تردّده من أوّل الشهر . (مسألة 18) : يشترط اتّحاد مكان التردّد كمحلّ الإقامة ، فمع التعدّد لاينقطع حكم (مسألة 19) : حكمُ المتردّد المستقرّ عليه التمام بعد ثلاثين يوماً ؛ إذا خرج عن مكان التردّد إلى ما دون المسافة ، وكان من نيّـته العود إلى ذلك المكان ، حكمُ العازم على الإقامة ، وقد مرّ حكمه . (مسألة 20) : لو تردّد في مكان تسعة وعشرين ـ مثلاً ـ أو أقلّ ، ثمّ سافر إلى مكان آخر وبقي متردّداً فيه كذلك ، بقي على القصر مادام كذلك إلاّ إذا نوى الإقامة بمكان أو بقي متردّداً ثلاثين يوماً . -------------------------------------------------------------------------------- [1] ـ صدق الوطن بطول المدّة على ما في المتن ، وإن كان محلّ إشكال، بل منع ؛ لاعتبار قصد الدوام في صدقه ، لكن ترتيب آثار الوطن فيما يتّخذه المسافر محلاًّ لإقامته مدّة كثيرة، مثل إقامة الطلاب في الحوزات العلمية، والمأمورين للخدمة في محلّ كذلك ، أو غيرهما من المماثلين لهما، لايخلو من قوّة ؛ لعدم صدق المسافر والسير في الأرض عليهم ، ومحض ذلك كاف في ترتيب أحكام الوطن ، فإنّ ترتيب أحكام السفر من قصر الصلاة وغيره خلاف الأصل ، ومنوط بصدقه ، كما لايخفى . [2] ـ وأن لايبعد الأزيد أيضاً . [3] ـ لا إشكال فيه مطلقاً ، ما لم يصل إلى المبيت زائداً عن الليلة الواحدة في خارج المحلّ ، فقصد الخروج حال النيّة ولو مكرّراً إلى المزارع والبساتين ، بل إلى ما دون المسافة ، مع قصد العود عن قريب ، بحيث لايخرج عن صدق الإقامة ، حتّى إذا كان من نيّته الخروج نهاراً والرجوع ليلاً ، غير مضرّ بالقصد ، ويجري عليه حكم المقيم . وأ مّا الزائد عن الليلة الواحدة فمضرّ بقصد الإقامة ، ولابدّ فيه من التقصير . [4] ـ بل تعيّن التمام . [5] ـ بل على الظاهر من دون إشكال . [6] ـ بل وفي الذهاب والمقصد أيضاً . [7] ـ مرّ حكمه . [8] ـ مرّ عدم الإشكال فيه . [9] ـ الأقربية ممنوعة، والأظهر التمام .
|