|
القول في النيّة
(مسألة 1) : يشترط في الصوم النيّة ؛ بأن يقصد تلك العبادة المقرّرة في الشريعة ، ويعزم على الإمساك عن المفطرات المعهودة بقصد القُربة . ولايعتبر في الصحّة العلم بالمفطرات على التفصيل ، فلو نوى الإمساك عن كلّ مفطر ؛ ولم يعلم بمفطريّة بعض الأشياء كالاحتقان ـ مثلاً ـ أو زعم عدمها ، ولكن لم يرتكبه ، صحّ صومه . وكذا لو نوى الإمساك عن اُمور يعلم باشتمالها على المفطرات ، صحّ على الأقوى . ولايعتبر في النيّة ـ بعد القربة والإخلاص ـ سوى تعيين الصوم الذي قصد إطاعة أمره . ويكفي في صوم شهر رمضان نيّة صوم غد ؛ من غير حاجة إلى تعيينه ، بل لو نوى غيره فيه ـ جاهلاً به أو ناسياً له ـ صحّ ووقع عن رمضان ، بخلاف العالم به([1]) فإنّه لايقع لواحد منهما . ولابدّ فيما عدا شهر رمضان من التعيين ؛ بمعنى قصد صنف الصوم المخصوص ، كالكفّارة والقضاء والنذر المطلق ، بل المعيّن أيضاً على الأقوى ، ويكفي التعيين الإجمالي ، كما إذا كان ما وجب في ذمّـته صنفاً واحداً ، فقصد ما في الذمّة ، فإنّه يجزيه . والأظهر عدم اعتبار التعيين في المندوب المطلق ، فلو نوى صوم غد لله تعالى ، صحّ ووقع ندباً لو كان الزمان صالحاً له ، وكان الشخص ممّن يصحّ منه التطوّع بالصوم . بل وكذا المندوب المعيّن ـ أيضاً ـ إن كان تعيّنه بالزمان الخاصّ ، كأيّام البيض والجمعة والخميس . نعم في إحراز ثواب الخصوصيّة يعتبر إحراز ذلك اليوم وقصده . (مسألة 2) : يعتبر في القضاء عن الغير نيّة النيابة ولو لم يكن في ذمّـته صوم آخر . (مسألة 3) : لايقع في شهر رمضان صوم غيره ؛ واجباً كان أو ندباً ؛ سواء كان مكلّفاً بصومه أم لا كالمسافر ونحوه ، بل مع الجهل بكونه رمضاناً أو نسيانه ، لو نوى فيه صوم غيره يقع عن رمضان كما مرّ . (مسألة 4) : الأقوى أنّه لا محلّ للنيّة شرعاً في الواجب المعيّن رمضاناً كان أو غيره ، بل المعيار حصول الصوم عن عزم وقصد باق في النفس ولو ذهل عنه بنوم أو غيره . ولا فرق في حدوث هذا العزم بين كونه مقارناً لطلوع الفجر أو قبله ، ولابين حدوثه في ليلة اليوم الذي يريد صومه أو قبلها ، فلو عزم على صوم الغد من اليوم الماضي ، ونام على هذا العزم إلى آخر النهار ، صحّ على الأصحّ . نعم لو فاتته النيّة لعذر ـ كنسيان أو غفلة أو جهل بكونه رمضاناً أو مرض أو سفر ـ فزال عذره قبل الزوال يمتدّ وقتها شرعاً إلى الزوال لو لم يتناول المفطر ، فإذا زالت الشمس فات محلّها . نعم في جريان الحكم في مطلق الأعذار إشكال ، بل في المرض لايخلو من إشكال وإن لايخلو من قرب . ويمتدّ محلّها اختياراً في غير المعيّن إلى الزوال دون ما بعده ، فلو أصبح ناوياً للإفطار ولم يتناول مفطراً ، فبدا له قبل الزوال أن يصوم قضاء شهر رمضان أو كفارة أو نذراً مطلقاً ، جاز وصحّ دون ما بعده . ومحلّها في المندوب يمتدّ إلى أن يبقى من الغروب زمان يمكن تجديدها فيه . (مسألة 5) : يوم الشكّ ـ في أنّه من شعبان أو رمضان ـ يبني على أنّه من شعبان ، فلايجب صومه ، ولو صامه بنيّة أنّه من شعبان ندباً ، أجزأه عن رمضان لو بان أنّه منه . وكذا لو صامه بنيّة أنّه منه قضاءً أو نذراً أجزأه لو صادفه . بل لو صامه على أنّه إن كان من شهر رمضان كان واجباً ، وإلاّ كان مندوباً ، لايبعد الصحّة ولو على وجه الترديد في النيّة في المقام . نعم لو صامه بنيّة أنّه من رمضان لم يقع لا له ولا لغيره([2]) . (مسألة 6) : لو كان في يوم الشكّ بانياً على الإفطار ، ثمّ ظهر في أثناء النهار أنّه من شهر رمضان ، فإن تناول المفطر ، أو ظهر الحال بعد الزوال وإن لم يتناوله ، يجب عليه إمساك بقيّة النهار تأدّباً وقضاء ذلك اليوم ، وإن كان قبل الزوال ولم يتناول مفطراً يجدّد النيّة وأجزأ عنه . (مسألة 7) : لو صام يوم الشكّ بنيّة أنّه من شعبان ، ثمّ تناول المفطر نسياناً ، وتبيّن بعد ذلك أنّه من رمضان ، أجزأ عنه . نعم لو أفسد صومه برياء ونحوه لم يُجزِهِ منه ؛ حتّى لو تبيّن كونه منه قبل الزوال وجدّد النيّة([3]) . (مسألة 8) : كما تجب النيّة في ابتداء الصوم تجب الاستدامة عليها في أثنائه ، فلو نوى القطع في الواجب المعيّن ـ بمعنى قصد رفع اليد عمّا تلبّس به من الصوم ـ بطل على الأقوى وإن عاد إلى نيّة الصوم قبل الزوال . وكذا لو قصد القطع لزعم اختلال صومه ثمّ بان عدمه . وينافي الاستدامة أيضاً التردّد في إدامة الصوم أو رفع اليد عنه . وكذا لو كان تردّده في ذلك لعروض شيء لم يدرِ أنّه مبطل([4]) لصومه أو لا . وأمّا في غير الواجب المعيّن لو نوى القطع ثمّ رجع قبل الزوال صحّ صومه . هذا كلّه في نيّة القطع . وأمّا نيّة القاطع ـ بمعنى نيّة ارتكاب المفطر ـ فليست بمفطرة على الأقوى وإن كانت مستلزمة لنيّة القطع تبعاً . نعم لو نوى القاطع والتفت إلى استلزامها ذلك فنواه استقلالاً ، بطل على الأقوى . -------------------------------------------------------------------------------- [1] ـ فيما كان عالماً بعدم صحّة الغير؛ لعدم تمشّي القربة منه ، لا لأنّ قصد الغير بما هو هو مضرّ ومبطل للصوم . [2] ـ إلاّ من جهله بعدم جواز ذلك، فيصحّ ويجزي عن شهر رمضان . [3] ـ لكن يجب عليه الإمساك تأدّباً . [4] ـ بل غير مبطل ولابأس به.
|