|
القول في أصناف المستحقّين للزكاة ومصارفها
وهي ثمانية : الأوّل والثاني: الفقراء والمساكين ، والثاني أسوأ حالاً من الأوّل ، وهم الذين لايملكون مؤونة سنتهم اللائقة بحالهم ـ لهم ولمن يقومون به ـ لا فعلاً ولا قوّة ، فمن كان ذا اكتساب يموّن به نفسه وعياله على وجه يليق بحاله ، ليس من الفقراء والمساكين ، ولا تحلّ له الزكاة ، وكذا صاحب الصنعة والضيعة وغيرهما ممّا يحصل به مؤونته . ولو كان قادراً على الاكتساب لكن لم يفعل تكاسلاً ، فلايترك الاحتياط بالاجتناب عن أخذها وإعطائها إيّاه ، بل عدم الجواز لايخلو من قوّة([1]) . (مسألة 1) : مبدأ السنة ـ التي تدور صفتا الفقر والغنى مدار مالكيّة مؤونتها وعدمها ـ هو زمان إعطاء الزكاة ، فيلاحظ كفايته وعدمها في ذلك الزمان ، فكلّ زمان كان مالكاً لمقدار كفاية سنته كان غنيّاً ، فإذا نقص عن ذلك بعد صرف بعضه يصير فقيراً . (مسألة 2) : لو كان له رأس مال يكفي لمؤونة سنته لكن لم يكفه ربحه ، أو ضيعة تقوم قيمتها بمؤونة سنة أو سنوات لكن لا تكفيه عوائدها ، لايكون غنياً ، فيجوز له أن يبقيها ويأخذ من الزكاة بقيّة المؤونة . (مسألة 3) : الأحوط عدم إعطاء الفقير أزيد من مؤونة سنته([2]) ، كما أنّ الأحوط للفقير عدم أخذه ، وأنّ الأحوط ـ أيضاً ـ في المكتسب الذي لايفي كسبه ، وصاحب الضيعة التي لايفي حاصلها ، والتاجر الذي لايكفي ربحه بمؤونته ، الاقتصار على التـتمّة أخذاً وإعطاءً . (مسألة 4) : دار السكنى والخادم وفرس الركوب المحتاج إليها بحسب حاله ـ ولو لعزّه وشرفه ـ والثياب والألبسة الصيفيّة والشتويّة والسفريّة والحضريّة ـ ولو كانت للتجمّل ـ والفرش والظروف وغير ذلك ، لايمنع عن إعطاء الزكاة وأخذها . نعم لو كان عنده أزيد من مقدار حاجته المتعارفة ـ بحسب حاله وزيّه ـ بحيث لو صرفها تكفي لمؤونة سنته ، لايجوز له الأخذ . (مسألة 5) : لو كان قادراً على التكسّب ـ ولو بالاحتطاب والاحتشاش ـ لكن ينافي شأنه ، أو يشقّ عليه مشقّة شديدة لكبر أو مرض ونحو ذلك ، يجوز له أخذ الزكاة ، وكذا إذا كان صاحب صنعة أو حرفة لايمكنه الاشتغال بها ؛ لفقد الأسباب أو عدم الطالب . (مسألة 6) : إن لم يكن له حرفة وصنعة لائقة بشأنه فعلاً ، ولكن يقدر على تعلّمها بغير مشقّة شديدة ، ففي جواز تركه التعلّم وأخذه الزكاة إشكال([3]) ، فلايترك الاحتياط . نعم لا إشكال في جوازه إذا اشتغل بالتعلّم مادام مشتغلاً به . (مسألة 7) : يجوز لطالب العلم ـ القادر على التكسّب اللائق بشأنه ـ أخذُ الزكاة من سهم سبيل الله([4]) ؛ إذا كان التكسّب مانعاً عن الاشتغال أو موجباً للفتور فيه ؛ سواء كان ممّا يجب تعلّمه ـ عيناً أو كفاية ـ أو يستحبّ([5]) . (مسألة 8) : لو شكّ أنّ ما في يده كاف لمؤونة سنته ، لايجوز له أخذ الزكاة ، إلاّ إذا كان مسبوقاً بعدم وجود ما به الكفاية ، ثمّ وجد ما يشكّ في كفايته . (مسألة 9) : لو كان له دَين على الفقير جاز احتسابه زكاةً ؛ ولو كان ميّـتاً بشرط أن لايكون له تركة تفي بدينه ، وإلاّ لايجوز . نعم لو كانت له تركة ، لكن لايمكن استيفاء الدَّين منها لامتناع الورثة أو غيره ، فالظاهر الجواز . (مسألة 10) : لو ادّعى الفقر فإن عُرف صدقه أو كذبه عومل به ، ولو جُهل حاله اُعطي من غير يمين مع سبق فقره ، وإلاّ فالأحوط([6]) اعتبار الظنّ بصدقه الناشئ من ظهور حاله ، خصوصاً مع سبق غِناه . (مسألة 11) : لايجب إعلام الفقير أنّ المدفوع إليه زكاة ، بل يُستحبّ دفعها على وجه الصلة ظاهراً والزكاة واقعاً ؛ إذا كان ممّن يترفّع ويدخله الحياء منها([7]) . (مسألة 12) : لو دفع الزكاة إلى شخص على أنّه فقير فبان غناه ، استرجعت منه مع بقاء العين ، بل مع تلفها ضامن مع علمه بكونها زكاة ؛ وإن كان جاهلاً بحرمتها على الغني ، بل مع احتمال أنّها زكاة فالظاهر ضمانه . نعم مع إعطائه بغير عنوانها سقط الضمان ، كما أنّه مع قطعه بعدمها سقط . ولا فرق في ذلك بين الزكاة المعزولة وغيرها . وكذا الحال([8]) فيما لو دفعها إلى غنيّ جاهلاً بحرمتها عليه . ولو تعذّر استرجاعها في الصورتين ، أو تلفت بلا ضمان أو معه ، وتعذّر أخذ العوض منه ، كان ضامناً وعليه الزكاة ، إلاّ إذا أعطاه بإذن شرعيّ ، كدعوى الفقر بناء على اعتبارها ، فالأقوى ـ حينئذ ـ عدم الضمان . نعم لو كان إحرازه بأمارة عقليّة كالقطع فالظاهر الضمان . ولو كان الدافع هو المجتهد أو وكيله لا ضمان عليه مع عدم التقصير ، بل ولا على المالك ـ أيضاً ـ لو دفعه إليه أو إلى وكيله بعنوان أنّه وليّ عامّ على الفقراء ، وأمّا إذا كان بعنوان الوكالة عن المالك فالظاهر ضمانه ، فيجب عليه أداء الزكاة ثانياً . الثالث: العاملون عليها ، وهم الساعون في جبايتها ، المنصوبون من قِبَل الإمام(عليه السلام)أو نائبه لأخذها وضبطها وحسابها ، فإنّ لهم من الزكاة سهماً لأجل عملهم وإن كانوا أغنياء ، والإمام(عليه السلام) ـ أو نائبه ـ مخيّر بين أن يقدّر لهم جعالة أو اُجرة عن مدّة مقرّرة ، وبين أن لايجعل لهم جعلاً فيعطيهم ما يراه ، والأقوى عدم سقوط هذا الصنف في زمان الغيبة ؛ مع بسط يد الحاكم ولو في بعض الأقطار . الرابع: المؤلّفة قلوبهم ، وهم الكفّار الذين يراد اُلفتهم إلى الجهاد([9]) أو الإسلام ، والمسلمون الذين عقائدهم ضعيفة ، فيعطون لتأليف قلوبهم ، والظاهر عدم سقوطه في هذا الزمان . الخامس: في الرقاب ، وهم المكاتَبون العاجزون عن أداء مال الكتابة ، والعبيد تحت الشدّة ، بل مطلق عتق العبد ؛ سواء وجد المستحقّ للزكاة أم لا ، فهذا الصنف عامّ لمطلق عتق الرقبة ، لكن يُشترط في المكاتب العجز المذكور . السادس: الغارمون ، وهم الذين علّـتهم الديون في غير معصية ولا إسراف ، ولم يتمكّنوا من وفائها ولو ملكوا قوت سنتهم . (مسألة 13) : المراد بالدين : كلّ ما اشتغلت به الذِّمّة ولو كان مهراً لزوجته ، أو غرامة لما أتلفه أو تلف عنده مضموناً . والأقوى عدم اعتبار الحلول فيه ، والأحوط اعتباره . (مسألة 14) : لو كان المديون كسوباً يتمكّن من قضائه تدريجاً ، فإن لم يرضَ بذلك الديّان ، ويطلبون منه التعجيل ، فلا إشكال في جواز إعطائه من هذا السهم ، وإلاّ فالأحوط عدم إعطائه . (مسألة 15) : لو كان المديون ممّن تجب نفقته على من عليه الزكاة ، جاز له إعطاؤه لوفاء دينه وإن لم يجز لنفقته . (مسألة 16) : كيفيّة صرف الزكاة في هذا المصرف : إمّا بدفعها إلى المديون ليوفي دينه ، وإمّا بالدفع إلى الدائن وفاءً عن دينه ، ولو كان الغريم مديوناً لمن عليه الزكاة جاز له احتساب ما في ذمّـته زكاة ، كما جاز له أن يحتسب ما عنده من الزكاة وفاءً للدين الذي على الغريم ، ويبرأ بذلك ذمّـته وإن لم يقبضها ولم يوكّل المالك في قبضها ، بل ولم يكن له اطّلاع بذلك . (مسألة 17) : لو كان لمن عليه الزكاة دين على شخص ، وكان لذلك الشخص دين على فقير ، جاز له احتساب ما على ذلك الشخص زكاة ، ثمّ احتسابه له وفاءً عمّا له على ذلك الفقير ، كما جاز أن يُحيله ذلك الشخص على ذلك الفقير ، فيبرأ بذلك ذمّةُ ذلك الشخص عن دين من عليه الزكاة ، وذمّةُ الفقير عن دين ذلك الشخص ، ويشتغل لمن عليه الزكاة ، فجاز له أن يحسب ما في ذمّـته زكاة كما مرّ . (مسألة 18) : قد مرّ اعتبار كون الدين في غير معصية ، والمدار صرفه فيها ، لا كون الاستدانة لأجلها ، فلو استدان لا للمعصية فصرفه فيها ، لم يعط من هذا السهم ، بخلاف العكس . السابع: في سبيل الله ، ولايبعد أن يكون هو المصالح العامّة للمسلمين والإسلام ، كبناء القناطر وإيجاد الطرق والشوارع وتعميرها ، وما يحصل به تعظيم الشعائر وعُلُوّ كلمة الإسلام ، أو دفع الفتن والمفاسد عن حوزة الإسلام وبين القبيلتين من المسلمين وأشباه ذلك ، لا مطلق القربات كالإصلاح بين الزوجين والولد والوالد . الثامن: ابن السبيل ، وهو المنقطَع به في الغُربة وإن كان غنيّاً في بلده إذا كان سفره مباحاً ، فلو كان في معصية لم يعط . وكذا لو تمكّن من الاقتراض وغيره ، فيدفع إليه منها ما يوصله إلى بلده على وجه يليق بحاله وشأنه ، أو إلى محلّ يمكنه تحصيل النفقة ولو بالاستدانة ، ولو وصل إلى بلده وفضل ممّا اُعطي شيء ـ ولو بسبب التقتير على نفسه ـ أعاده على الأقوى حتّى في مثل الدابّة والثياب ونحوها ، فيوصله إلى الدافع أو وكيله ، ومع تعذّره أو حرجيّـته يوصله إلى الحاكم ، وعليه ـ أيضاً ـ إيصاله إلى أحدهما ، أو الاستئذان من الدافع في صرفه على الأحوط لو لم يكن الأقوى . (مسألة 19) : إذا التزم بنذر أو شبهه أن يعطي زكاته فقيراً معيّناً ، أو صرفها في مصرف معيّن من مصارف الزكاة ، وجب عليه ، لكن لو سها وأعطى غيره أو صرفها في غيره أجزأه ، ولايجوز استردادها من الفقير حتّى مع بقاء العين ، بل الظاهر كذلك فيما لو أعطاه أو صرفها مع الالتفات والعمد ؛ وإن أثم بسبب مخالفة النذر ـ حينئذ ـ وتجب عليه الكفارة . -------------------------------------------------------------------------------- [1] ـ إن كان ذلك قبل مضيّ وقت الاكتساب ، وأ مّا بعده فالظاهر الجواز إن لم يوجب إدامة تكاسله ، وإلاّ فغير جائز أيضاً ، كما لايخفى . [2] ـ إلاّ إذا كان الإعطاء دفعة . نعم في التدريجي لايجوز له أخذها بعد أن حصل عنده مؤونة السنة ، وكذا في تاليه. [3] ـ بل منع ، وعدم الجواز لايخلو من قوّة . [4] ـ بل ومن سهم الفقراء فيما يجب عليه عيناً أيضاً. [5] ـ وإن كان ممّا لايجب ولايستحبّ، كالفلسفة والنجوم والرياضيّات والعروض والأدبية لمن لايريد التفقّه في الدين ، فلايجوز أخذه إن كان فراراً من الكسب وجعل نفسه كلاًّ على الاجتماع ، وإلاّ فالظاهر الجواز . [6] ـ بل الأحوط الأقوى اعتبار الوثوق به . [7] ـ عفافاً ممدوحاً ، ففى كتاب الله : (يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ)، (البقرة (2) : 273) ، دون من يترفّع ويدخله الحياء كبراً وغروراً ورياءً وترفّعاً على المستحقّين ، وتحقيراً وبغضاً للزكاة ، فإنّها المقارنة للصلاة في كتاب الله والمجعولة عبادة لله تعالى ، فكيف يجوز دفعها إليه، فضلاً عن استحبابه ؟ ! هذا مع ما في صحيح ابن مسلم من المنع والتأكيد على عدم الاستحياء ، ففيه : قال : قلت لأبي جعفر(عليه السلام) : الرجل يكون محتاجاً فيبعث إليه بالصدقة فلايقبلها علىوجه الصدقة ، يأخذه من ذلك ذمام واستحياء وانقباض ، أفيعطيها إيّاه على غير ذلك الوجه ، وهي منّا صدقة ؟ فقال : «لا ، إذا كانت زكاة فله أن يقبلها ، فإن لم يقبلها على وجه الزكاة فلاتعطها إيّاه ، وما ينبغي له أن يستحيي ممّا فرض الله عزّوجلّ ، إنّما هي فريضة الله له فلايستحيي منها». (الكافي 3 : 564 / 4) وما في خبر عبدالله بن هلال بن خاقان من كون «تارك الزكاة وقد وجبت له مثل مانعها وقد وجبت عليه». (الكافي 3 : 563 / 1) وما يكون مستحبّاً ومورداً للأمر في النصّ الدفع بلا إعلام ، إنّما هو في الأوّل ، وهو الاستحياء عفافاً ، والجمع بين الأخبار المتعارضة بهذا الوجه جيّد جدّاً . هذا، مع أنّ في الأخذ بإطلاق الأمر بالدفع بلا إعلام حتّى في الاستحياء على النوع الثاني مخالفة للاُصول والضوابط والعقل وآيات الزكاة ، كما لايخفى على المتدبّر فيها ، وفي الأمر بها عبادة . [8] ـ أي في عدم الفرق بين المعزولة وغيرها . [9] ـ أو الدفاع .
|