|
القول في كيفية الإحرام
الواجبات وقت الإحرام ثلاثة : الأوّل: القصد ، لابمعنى قصد الإحرام ، بل بمعنى قصد أحد النسك ، فإذا قصد العمرة ـ مثلاً ـ ولبّى صار مُحرِماً ويترتّب عليه أحكامه . وأمّا قصد الإحرام فلايعقل أن يكون محقّقاً لعنوانه ، فلو لم يقصد أحد النسك لم يتحقّق إحرامه ؛ سواء كان عن عمد أو سهو أو جهل ، ويبطل نسكه أيضاً إذا كان الترك عن عمد ، وأمّا مع السهو والجهل فلايبطل ، ويجب عليه تجديد الإحرام من الميقات إن أمكن ، وإلاّ فمن حيث أمكن على التفصيل المتقدّم . (مسألة 1) : يعتبر في النيّة القربة والخلوص كما في سائر العبادات ، فمع فقدهما أو فقد أحدهما يبطل إحرامه ، ويجب أن تكون مقارنة للشروع فيه ، فلايكفي حصولها في الأثناء ، فلو تركها وجب تجديدها . (مسألة 2) : يعتبر في النيّة تعيين المنويّ من الحجّ والعمرة ، وأنّ الحجّ تمتّع أو قران أو إفراد ، وأنّه لنفسه أو غيره ، وأنّه حجّة الإسلام أو الحجّ النذري أو الندبي ، فلو نوى من غير تعيين وأوكله إلى ما بعد ذلك بطل([1]) . وأمّا نيّة الوجه فغير واجبة إلاّ إذا توقّف التعيين عليها ، ولايعتبر التلفّظ بالنيّة ولا الإخطار بالبال . (مسألة 3) : لايعتبر في الإحرام قصد ترك المحرّمات ؛ لا تفصيلاً ولا إجمالاً ، بل لو عزم على ارتكاب بعض المحرّمات لم يضرّ بإحرامه . نعم قصد ارتكاب ما يُبطل الحجّ من المحرّمات لايجتمع مع قصد الحجّ . (مسألة 4) : لو نسي ما عيّنه من حجّ أو عمرة ، فإن اختصّت الصحّة واقعاً بأحدهما تجدّد النيّة لما يصحّ فيقع صحيحاً ، ولو جاز العدول من أحدهما إلى الآخر يعدل فيصحّ ، ولو صحّ كلاهما ، ولايجوز العدول ، يعمل على قواعد العلم الإجمالي مع الإمكان وعدم الحرج ، وإلاّ فبحسب إمكانه بلا حرج . (مسألة 5) : لو نوى : كحجّ فلان ، فإن علم أنّ حجّه لماذا صحّ ، وإلاّ فالأوجه البطلان([2]) . (مسألة 6) : لو وجب عليه نوع من الحجّ أو العمرة بالأصل فنوى غيره بطل ، ولو كان عليه ما وجب بالنذر وشبهه فلايبطل لو نوى غيره ، ولو نوى نوعاً ونطق بغيره كان المدار ما نوى ، ولو كان في أثناء نوع وشكّ في أنّه نواه أو نوى غيره بنى على أنّه نواه . (مسألة 7) : لو نوى مكان عمرة التمتّع حجّه جهلاً ، فإن كان من قصده إتيان العمل الذي يأتي به غيره ، وظنّ أنّ ما يأتي به أوّلاً اسمه الحجّ ، فالظاهر صحّـته ويقع عمرة ، وأمّا لو ظنّ أنّ حجّ التمتّع مقدّم على عمرته ، فنوى الحجّ بدل العمرة ؛ ليذهب إلى عرفات ويعمل عمل الحجّ ثمّ يأتي بالعمرة ، فإحرامه باطل يجب تجديده في الميقات إن أمكن ، وإلاّ فبالتفصيل الذي مرّ في ترك الإحرام . الثاني: من الواجبات : التلبيات الأربع ، وصورتها على الأصحّ أن يقول : «لَبَّيكَ اللّهمَّ لَبَّيك ، لَبَّيكَ لا شَريكَ لَكَ لَبَّيك» ، فلو اكتفى بذلك كان مُحرِماً وصحّ إحرامه ، والأحوط الأولى أن يقول عقيب ما تقدم : «إنَّ الحمدَ والنِّعمَةَ لَكَ وَالمُلك لا شَريكَ لَكَ لَبَّيك» ، وأحوط منه أن يقول بعد ذلك : «لَبَّيكَ اللّهمَّ لَبَّيك ، إنَّ الحمدَ والنِّعمَةَ لَكَ وَالمُلك ، لا شَريكَ لَكَ لَبَّيك» . (مسألة 8) : يجب الإتيان بها على الوجه الصحيح بمراعاة أداء الكلمات على القواعد العربيّة ، فلايجزي الملحون مع التمكّن من الصحيح ولو بالتلقين أو التصحيح ، ومع عدم تمكّنه فالأحوط الجمع بين إتيانها بأيّ نحو أمكنه وترجمتها بلغته ، والأولى الاستنابة مع ذلك([3]) . ولا تصحّ الترجمة مع التمكّن من الأصل . والأخرس يشير إليها بإصبعه مع تحريك لسانه ، والأولى الاستنابة مع ذلك ، ويُلبّى عن الصبيّ غير المميّز . (مسألة 9) : لاينعقد إحرام عمرة التمتّع وحجّه ، ولا إحرام حجّ الإفراد ، ولا إحرام العمرة المفردة ، إلاّ بالتلبية . وأمّا في حجّ القِران فيتخيّر بينها وبين الإشعار أو التقليد ، والإشعار مختصّ بالبدن ، والتقليد مشترك بينها وبين غيرها من أنواع الهدي . والأولى في البدن الجمع بين الإشعار والتقليد . فينعقد إحرام حجّ القران بأحد هذه الاُمور الثلاثة ، لكن الأحوط مع اختيار الإشعار والتقليد ضمّ التلبية أيضاً ، والأحوط وجوب التلبية على القارن وإن لم يتوقّف انعقاد إحرامه عليها ، فهي واجبة عليه في نفسها على الأحوط . (مسألة 10) : لو نسي التلبية وجب عليه العود إلى الميقات لتداركها ، وإن لم يتمكّن يأتي فيه التفصيل المتقدّم ـ في نسيان الإحرام ـ على الأحوط لو لم يكن الأقوى ، ولو أتى قبل التلبية بما يوجب الكفّارة للمُحرِم لم تجب عليه ؛ لعدم انعقاده إلاّ بها . (مسألة 11) : الواجب من التلبية مرّة واحدة . نعم يستحبّ الإكثار بها وتكرارها ما استطاع ، خصوصاً في دبر كلّ فريضة أو نافلة ، وعند صعود شَرَف أو هبوط واد ، وفي آخر الليل ، وعند اليقظة([4]) ، وعند الركوب ، وعند الزوال ، وعند ملاقاة راكب ، وفي الأسحار . (مسألة 12) : المعتمر عمرة التمتّع يقطع تلبيته عند مشاهدة بيوت مكّة ، والأحوط قطعها عند مشاهدة بيوتها في الزمن الذي يعتمر فيه إن وسع البلد . والمعتمر عمرة مفردة يقطعها عند دخول الحرم لو جاء من خارجه ، وعند مشاهدة الكعبة إن كان خرج من مكّة لإحرامها . والحاجّ بأيّ نوع من الحجّ يقطعها عند زوال يوم عرفة . والأحوط أنّ القطع على سبيل الوجوب . (مسألة 13) : الظاهر أنّه لايلزم في تكرار التلبية أن يكون بالصورة المعتبرة في انعقاد الإحرام ، بل يكفي أن يقول : «لَبَّيكَ اللّهمَّ لَبَّيك» بل لايبعد كفاية لفظة «لَبَّيكَ» . (مسألة 14) : لو شكّ بعد التلبية أنّه أتى بها صحيحة أم لابنى على الصحّة ، ولو أتى بالنيّة ولبس الثوبين وشكّ في إتيان التلبية ، بنى على العدم مادام في الميقات ، وأمّا بعد الخروج فالظاهر هو البناء على الإتيان ، خصوصاً إذا تلبّس ببعض الأعمال المتأخّرة . (مسألة 15) : إذا أتى بما يوجب الكفّارة ، وشكّ في أنّه كان بعد التلبية ـ حتّى تجب عليه ـ أو قبلها ، لم تجب عليه ؛ من غير فرق بين مجهولي التاريخ ، أو كون تاريخ أحدهما مجهولاً . الثالث من الواجبات: لبس الثوبين بعد التجرّد عمّا يحرُم على المُحرِم لبسه ؛ يتّزر بأحدهما ويتردّى بالآخر ، والأقوى عدم كون لبسهما شرطاً في تحقّق الإحرام ، بل واجباً تعبّديّاً . والظاهر عدم اعتبار كيفيّة خاصّة في لبسهما ، فيجوز الاتّزار بأحدهما كيف شاء ، والارتداء بالآخر ، أو التوشّح به ، أو غير ذلك من الهيئات ، لكن الأحوط لبسهما على الطريق المألوف . وكذا الأحوط عدم عقد الثوبين ولو بعضهما ببعض ، وعدم غرزهما بإبرة ونحوها ، لكن الأقوى جواز ذلك كلّه ما لم يخرج عن كونهما رداءً وإزاراً . نعم لايترك الاحتياط بعدم عقد الإزار على عنقه . ويكفي فيهما المسمّى وإن كان الأولى ـ بل الأحوط ـ كون الإزار ممّا يستر السرّة والركبة ، والرداء ممّا يستر المنكبين . (مسألة 16) : الأحوط عدم الاكتفاء بثوب طويل ـ يتّزر ببعضه ويرتدي بالباقي ـ إلاّ في حال الضرورة ، ومع رفعها في أثناء العمل لبس الثوبين . وكذا الأحوط كون اللبس قبل النيّة والتلبية ، فلو قدّمهما عليه أعادهما بعده ، والأحوط النيّة وقصد التقرّب في اللبس . وأمّا التجرّد عن اللباس فلايعتبر فيه النيّة ؛ وإن كان الأحوط والأولى الاعتبار . (مسألة 17) : لو أحرم في قميص عالماً عامداً فعل محرّماً ، ولا تجب الإعادة ، وكذا لو لبسه فوق الثوبين أو تحتهما ؛ وإن كان الأحوط الإعادة ويجب نزعه فوراً . ولو أحرم في القميص جاهلاً أو ناسياً وجب نزعه وصحّ إحرامه . ولو لبسه بعد الإحرام فاللازم شقّه وإخراجه من تحت ، بخلاف ما لو أحرم فيه ، فإنّه يجب نزعه لا شقّه . (مسألة 18) : لا تجب استدامة لبس الثوبين ، بل يجوز تبديلهما ونزعهما لإزالة الوسخ أو للتطهير ، بل الظاهر جواز التجرّد منهما في الجملة . (مسألة 19) : لابأس بلبس الزيادة على الثوبين مع حفظ الشرائط ولو اختياراً . (مسألة 20) : يشترط في الثوبين أن يكونا ممّا تصحّ الصلاة فيهما ، فلايجوز في الحرير وغير المأكول والمغصوب والمتنجّس بنجاسة غير معفوّة في الصلاة ، بل الأحوط للنساء ـ أيضاً ـ أن لايكون ثوب إحرامهنّ من حرير خالص ، بل الأحوط لهنّ عدم لبسه إلى آخر الإحرام . (مسألة 21) : لايجوز الإحرام في إزار رقيق ؛ بحيث يرى الجسم من ورائه ، والأولى أن لايكون الرداء ـ أيضاً ـ كذلك . (مسألة 22) : لايجب على النساء لبس ثوبي الإحرام ، فيجوز لهنّ الإحرام في ثوبهنّ المخيط . (مسألة 23) : الأحوط تطهير ثوبي الإحرام أو تبديلهما إذا تنجّسا بنجاسة غير معفوّة ؛ سواء كان في أثناء الأعمال أم لا ، والأحوط المبادرة إلى تطهير البدن ـ أيضاً ـ حال الإحرام ، ومع عدم التطهير لايبطل إحرامه ولا تكون عليه كفّارة . (مسألة 24) : الأحوط أن لايكون الثوب من الجلود ؛ وإن لايبعد جوازه إن صدق عليه الثوب . كما لايجب أن يكون منسوجاً ، فيصحّ في مثل اللّبد مع صدق الثوب . (مسألة 25) : لو اضطرّ إلى لبس القباء أو القميص لبرد ونحوه جاز لبسهما ، لكن يجب أن يقلب القباء ذيلاً وصدراً ، وتردّى به ولم يلبسه ، بل الأحوط أن يقلبه بطناً وظهراً ، ويجب ـ أيضاً ـ أن لايلبس القميص وتردّى به . نعم لو لم يرفع الاضطرار إلاّ بلبسهما جاز . (مسألة 26) : لو لم يلبس ثوبي الإحرام عالماً عامداً أو لبس المخيط حين إرادة الإحرام عصى ، لكن صحّ إحرامه . ولو كان ذلك عن عذر لم يكن عاصياً أيضاً . (مسألة 27) : لايشترط في الإحرام الطهارة من الحدث الأصغر ولا الأكبر ، فيجوز الإحرام حال الجنابة والحيض والنفاس . -------------------------------------------------------------------------------- [1] ـ بل الصحّة غير بعيدة ؛ لعدم الدليل على الأزيد من القربة . نعم فيما كان الواجب عليه معيّناً لابدّ من التعيين ، وليس له الإيكال إلى البعد ؛ لعدم جواز إتيانه بغير الواجب عليه . [2] ـ بل الأقوى الصحّة . [3] ـ وإن لم يتمكّن من الترجمة، فالأقوى كفاية الملحون له وإضافة الاستنابة أولى . [4] ـ وعند المنام .
|