|
القول في مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
فإنّ لهما مراتباً لايجوز التعدّي عن مرتبة إلى الاُخرى مع حصول المطلوب من المرتبة الدانية ، بل مع احتماله . المرتبة الاُولى: أن يعمل عملاً يظهر منه انزجاره القلبي عن المنكر ، وأنّه طلب منه بذلك فعل المعروف وترك المنكر ، وله درجات : كغمض العين ، والعبوس والانقباض في الوجه ، وكالإعراض بوجهه أو بدنه ، وهجره وترك مراودته ونحو ذلك . (مسألة 1) : يجب الاقتصار على المرتبة المذكورة مع احتمال التأثير ورفع المنكر بها . وكذا يجب الاقتصار فيها على الدرجة الدانية فالدانية والأيسر فالأيسر ، سيّما إذا كان الطرف في مورد يهتك بمثل فعله([1]) ، فلايجوز التعدّي عن المقدار اللازم ، فإن احتمل حصول المطلوب بغمض العين المفهم للطلب ، لايجوز التعدّي إلى مرتبة فوقه . (مسألة 2) : لو كان الإعراض والهجر ـ مثلاً ـ موجباً لتخفيف المنكر ـ لا قلعه ـ ولم يحتمل تأثير أمره ونهيه لساناً في قلعه ، ولم يمكنه الإنكار بغير ذلك ، وجب . (مسألة 3) : لو كان في إعراض علماء الدين ورؤساء المذهب ـ أعلى الله كلمتهم ـ عن الظلمة وسلاطين الجور احتمال التأثير ـ ولو في تخفيف ظلمهم ـ يجب عليهم ذلك ، ولو فرض العكس ـ بأن كانت مراودتهم ومعاشرتهم موجبة له ـ لابدّ من ملاحظة الجهات وترجيح الجانب الأهمّ ، ومع عدم محذور آخر ـ حتّى احتمال كون عشرتهم موجباً لشوكتهم وتقويتهم ، وتجرّيهم على هتك الحرمات ، أو احتمال هتك مقام العلم والروحانيّة ، وإساءة الظنّ بعلماء الإسلام ـ وجبت لذلك المقصود . (مسألة 4) : لو كانت عشرة علماء الدين ورؤساء المذهب ، خاليةً عن مصلحة راجحة لازمة المراعاة ، لا تجوز لهم ، سيّما إذا كانت موجبة لاتّهامهم وانتسابهم إلى الرضا بما فعلوا . (مسألة 5) : لو كان في ردّ هدايا الظلمة وسلاطين الجور ، احتمالُ التأثير في تخفيف ظلمهم أو تخفيف تجرّيهم على مبتدعاتهم ، وجب الردّ ، ولايجوز القبول ، ولو كان بالعكس لابدّ من ملاحظة الجهات وترجيح الجانب الأهمّ كما تقدّم . (مسألة 6) : لو كان في قبول هداياهم تقوية شوكتهم وتجرّيهم على ظلمهم أو مبتدعاتهم يحرم القبول ، ومع احتمالها فالأحوط عدم القبول ، ولو كان الأمر بالعكس تجب ملاحظة الجهات وتقديم الأهمّ . (مسألة 7) : يحرم الرضا بفعل المنكر وترك المعروف ، بل لايبعد وجوب كراهتهما قلباً ، وهي غير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . (مسألة 8) : لايشترط حرمة الرضا ووجوب الكراهة بشرط ، بل يحرم ذلك وتجب ذاك مطلقاً . المرتبة الثانية: الأمر والنهي لساناً . (مسألة 1) : لو علم أنّ المقصود لايحصل بالمرتبة الاُولى ، يجب الانتقال إلى الثانية مع احتمال التأثير . (مسألة 2) : لو احتمل حصول المطلوب بالوعظ والإرشاد والقول الليّن يجب ذلك ، ولايجوز التعدّي عنه . (مسألة 3) : لو علم عدم تأثير ما ذكر انتقل إلى التحكّم بالأمر والنهي ، ويجب أن يكون من الأيسر في القول إلى الأيسر مع احتمال التأثير ، ولايجوز التعدّي ، سيّما إذا كان المورد ممّا يهتك الفاعل بقوله . (مسألة 4) : لو توقّف رفع المنكر وإقامة المعروف على غلظة القول ، والتشديد في الأمر والتهديد والوعيد على المخالفة ، تجوز ، بل تجب مع التحرّز عن الكذب . (مسألة 5) : لايجوز إشفاع الإنكار بما يحرم وينكر كالسبّ والكذب والإهانة . نعم لو كان المنكر ممّا يهتمّ به الشارع ولايرضى بحصوله مطلقاً ـ كقتل النفس المحترمة وارتكاب القبائح والكبائر الموبقة ـ جاز ، بل وجب المنع والدفع ولو مع استلزامه ما ذكر لو توقّف المنع عليه . (مسألة 6) : لو كان بعض مراتب القول أقلّ إبذاء وإهانة من بعض ما ذكر في المرتبة الاُولى ، يجب الاقتصار عليه ، ويكون مقدّماً على ذلك([2]) ، فلو فرض أنّ الوعظ والإرشاد بقول ليّن ووجه منبسط مؤثّر أو محتمل التأثير ، وكان أقلّ إيذاء من الهجر والإعراض ونحوهما ، لايجوز التعدّي منه إليهما ، والأشخاص ـ آمراً ومأموراًـ مختلفون جدّاً ، فربّ شخص يكون إعراضه وهجره أثقل وأشدّ إيذاءً وإهانة من قوله وأمره ونهيه ، فلابدّ للآمر والناهي ملاحظة المراتب والأشخاص ، والعمل على الأيسر ثمّ الأيسر . (مسألة 7) : لو فرض تساوي بعض ما في المرتبة الاُولى مع بعض ما في المرتبة الثانية ، لم يكن ترتيب بينهما ، بل يتخيّر بينهما ، فلو فرض أنّ الإعراض مساو للأمر في الإيذاء ، وعلم أو احتمل تأثير كلّ منهما ، يتخيّر بينهما ، ولايجوز الانتقال إلى الأغلظ . (مسألة 8) : لو احتمل التأثير وحصول المطلوب بالجمع بين بعض درجات المرتبة الاُولى أو المرتبة الثانية ، أو بالجمع بين تمام درجات الاُولى أو الثانية ممّا أمكن الجمع بينها ، أو الجمع بين المرتبتين ممّا أمكن ذلك ، وجب ذلك بما أمكن ، فلو علم عدم التأثير لبعض المراتب ، واحتمل التأثير في الجمع بين الانقباض والعبوس والهجر والإنكار لساناً ، مشفوعاً بالغلظة والتهديد ورفع الصوت والإخافة ونحو ذلك وجب الجمع . (مسألة 9) : لو توقّف دفع منكر أو إقامة معروف على التوسّل بالظالم ليدفعه عن المعصية جاز([3]) ، بل وجب مع الأمن عن تعدّيه ممّا هو مقتضى التكليف ، ووجب على الظالم الإجابة ، بل الدفع واجب على الظالم كغيره ، ووجبت عليه مراعاة ما وجبت مراعاته على غيره من الإنكار بالأيسر ثمّ الأيسر . (مسألة 10) : لو حصل المطلوب بالمرتبة الدانية من شخص وبالمرتبة التي فوقها من آخر ، فالظاهر وجوب ما هو تكليف كلّ منهما كفائيّاً ، ولايجب الإيكال إلى من حصل المطلوب منه بالمرتبة الدانية . (مسألة 11) : لو كان إنكار شخص مؤثّراً في تقليل المنكر وإنكار آخر مؤثّراً في دفعه ، وجب على كلّ منهما القيام بتكليفه ، لكن لو قام الثاني بتكليفه وقلع المنكر سقط عن الآخر ، بخلاف قيام الأوّل الموجب للتقليل ، فإنّه لايسقط بفعله تكليف الثاني . (مسألة 12) : لو علم إجمالاً بأنّ الإنكار بإحدى المرتبتين مؤثّر يجب بالمرتبة الدانية ، فلو لم يحصل بها المطلوب انتقل إلى العالية . المرتبة الثالثة: الإنكار باليد([4]) . (مسألة 1) : لو علم أو اطمأنّ بأنّ المطلوب لايحصل بالمرتبتين السابقتين ، وجب الانتقال إلى الثالثة ، وهي إعمال القدرة مراعياً للأيسر فالأيسر . (مسألة 2) : إن أمكنه المنع بالحيلولة بينه وبين المنكر ، وجب الاقتصار عليها لو كان أقلّ محذوراً من غيرها . (مسألة 3) : لو توقّفت الحيلولة على تصرّف في الفاعل أو آلة فعله ـ كما لو توقّفت على أخذ يده أو طرده ، أو التصرّف في كأسه الذي فيه الخمر ، أو سكّينه ونحو ذلك ـ جاز بل وجب([5]) . (مسألة 4) : لو توقّف دفع المنكر على الدخول في داره أو ملكه ، والتصرّف في أمواله ـ كفرشه وفراشه ـ جاز لو كان المنكر من الاُمور المهمّة التي لايرضى المولى بخلافه كيف ما كان ، كقتل النفس المحترمة ، وفي غير ذلك إشكال ؛ وإن لايبعد بعض مراتبه في بعض المنكرات . (مسألة 5) : لو انجرّت المدافعة إلى وقوع ضرر على الفاعل ـ ككسر كأسه أو سكّينه ـ بحيث كان من قبيل لازم المدافعة([6]) فلايبعد عدم الضمان ، ولو وقع الضرر على الآمر والناهي من قِبل المرتكب كان ضامناً وعاصياً . (مسألة 6) : لو كسر القارورة التي فيها الخمر ـ مثلاً ـ أو الصندوق الذي فيه آلات القمار ؛ ممّا لم يكن ذلك من قبيل لازم الدفع ، ضمن وفعل حراماً . (مسألة 7) : لو تعدّى عن المقدار اللازم في دفع المنكر ، وانجرّ إلى ضرر على فاعل المنكر ضمن ، وكان التعدّي حراماً . (مسألة 8) : لو توقّفت الحيلولة على حبسه في محلّ أو منعه عن الخروج من منزله جاز ، بل وجب مراعياً للأيسر فالأيسر والأسهل فالأسهل ، ولايجوز إيذاؤه والضيق عليه في المعيشة . (مسألة 9) : لو لم يحصل المطلوب إلاّ بنحو من الضيق والتحريج عليه ، فالظاهر جوازه بل وجوبه مراعياً للأيسر فالأيسر . (مسألة 10) : لو لم يحصل المطلوب إلاّ بالضرب والإيلام([7]) ، فالظاهر جوازهما مراعياً للأيسر فالأيسر والأسهل فالأسهل ، وينبغي الاستئذان([8]) من الفقيه الجامع للشرائط ، بل ينبغي ذلك في الحبس والتحريج ونحوهما . (مسألة 11) : لو كان الإنكار موجباً للجرّ إلى الجرح أو القتل ، فلايجوز إلاّ بإذن الإمام(عليه السلام)على الأقوى ، وقام في هذا الزمان الفقيه الجامع للشرائط مقامه مع حصول الشرائط . (مسألة 12) : لو كان المنكر ممّا لايرضى المولى بوجوده مطلقاً كقتل النفس المحترمة ، جاز ـ بل وجب ـ الدفع ولو انجرّ إلى جرح الفاعل أو قتله ، فيجب الدفاع عن النفس المحترمة بجرح الفاعل أو قتله لو لم يمكن بغير ذلك ؛ من غير احتياج إلى إذن الإمام(عليه السلام) أو الفقيه مع حصول الشرائط ، فلو هجم شخص على آخر ليقتله وجب دفعه ولو بقتله مع الأمن من الفساد ، وليس على القاتل ـ حينئذ ـ شيء . (مسألة 13) : لايجوز التعدّي إلى القتل مع إمكان الدفع بالجرح ، ولابدّ من مراعاة الأيسر فالأيسر في الجرح ، فلو تعدّى ضمن ، كما أنّه لو وقع عليه من فاعل المنكر جرحٌ ضمن ، أو قتلٌ يقتصّ منه . (مسألة 14) : ينبغي أن يكون الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ـ في أمره ونهيه ومراتب إنكاره ـ كالطبيب المعالج المشفق ، والأب الشفيق المراعي مصلحة المرتكب ، وأن يكون إنكاره لطفاً ورحمة عليه خاصّة ، وعلى الاُمّة عامّة ، وأن يجرّد قصده لله تعالى ولمرضاته ، ويخلّص عمله ذلك عن شوائب أهوية نفسانية وإظهار العلوّ ، وأن لايرى نفسه منزّهة ، ولا لها علوّاً أو رفعة على المرتكب ، فربما كان للمرتكب ولو للكبائر صفات نفسانية مرضيّة لله تعالى أحبّه تعالى لها وإن أبغض عمله ، وربما كان الآمر والناهي بعكس ذلك وإن خفي على نفسه . (مسألة 15) : من أعظم أفراد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأشرفها وألطفها وأشدّها تأثيراً وأوقعها في النفوس ـ سيّما إذا كان الآمر أو الناهي من علماء الدين ورؤساء المذهب ـ أعلى الله كلمتهم ـ هو الصادر عمّن يكون لابساً رداء المعروف واجبه ومندوبه ، ومتجنّباً عن المنكر بل المكروه ، وأن يتخلّق بأخلاق الأنبياء والروحانيّين ، ويتنزّه عن أخلاق السفهاء وأهل الدنيا ؛ حتّى يكون بفعله وزيّه وأخلاقه آمراً وناهياً ، ويقتدي به الناس ، وإن كان ـ والعياذ بالله تعالى ـ بخلاف ذلك ورأى الناس أنّ العالم ـ المدّعي لخلافة الأنبياء وزعامة الاُمّة ـ غير عامل بما يقول ، صار ذلك موجباً لضعف عقيدتهم وجرأتهم على المعاصي وسوء ظنّهم بالسلف الصالح ، فعلى العلماء ـ سيّما ورؤساء المذهب ـ أن يتجنّبوا مواضع التُّهم ، وأعظمها التقرّب إلى سلاطين الجور والرؤساء الظلمة ، وعلى الاُمّة الإسلاميّة أن لو رأوا عالماً كذلك حملوا فعله على الصحّة مع الاحتمال ، وإلاّ أعرضوا عنه ورفضوه ، فإنّه غير روحانيّ تلبّس بزيّ الروحانيّين ، وشيطان في رداء العلماء ، نعوذ بالله من مثله ومن شرّه على الإسلام . -------------------------------------------------------------------------------- [1] ـ على جواز الأمر والنهي بمثله وبمثل ما يذكره الماتن في المسألة الرابعة من المرتبة الثانية ، وسيأتي عدم جواز أمثال ذلك على التفصيل . [2] ـ على جواز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالإيذاء والإهانة . [3] ـ إن لم يكن إعانة على الظلم وترويجه . [4] ـ سيأتي الكلام في إطلاقه . [5] ـ إطلاقه كإطلاق ما في المسألة الثامنة والتاسعة والعاشرة محلّ تأمّل، بل منع ؛ لانصراف أدلّة وجوبهما كبقية أدلّة الواجبات عن المحرّم ، كما أشار إليه الماتن في المسألة الخامسة من مسائل المرتبة الثانية ، فالأقوى في هذه المرتبة الاقتصار أيضاً بما ذكر في تلك المسألة من الاُمور المهمّة التي لايرضى الشارع بحصولها ، كقتل النفس المحترمة وارتكاب القبائح والكبائر الموبقة ، بل الاقتصار على نحو ذلك بالنسبة إلى ما يوجب هتك الفاعل أو إيذائه أو غيرهما من المحرّمات أيضاً هو الأقوى ؛ وذلك لما ذكر من الانصراف . وبالجملة ، الأقوى الاقتصار في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بما لايكون موجباً للتصرّف في حقوق الغير وسلطنته على نفسه وماله ، فإنّ الظاهر انصراف أدلّتها كأدلّة بقيّة الواجبات عمّا يوجب الحرمة وارتكاب الحرام ، ولك أن تقول : إنّ الظاهر من أدلّتهما أن لايكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منكراً ومحرّماً . والاستدلال للجواز بما في بعض الأخبار من الدلالة على جواز مثل الإيذاء والإيلام من المحرّمات غير تامّ ؛ للضعف في السند أو الدلالة ، فراجعها وتأ مّل فيها . وعلى هذا ، فالأمر والنهي بالاُمور المحرّمة ممّا هو مذكور في تلك المسائل وغيرها حرام وغير جائز ، وأ مّا بالنسبة إلى مورد الاقتصار الذي أشرنا إليه قبيل ذلك فهما واجبان فيها كبقية الموارد . [6] ـ الجائزة المختصّة بمواردها التي أشرنا إليها في التعليقة على المسألة الثالثة . [7] ـ فيما يجوز الأمر والنهي بهما على ما مرّ في المسألة الثالثة من هذه المرتبة . [8] ـ بل يجب فيهما وفي الحبس والتحريج وأمثالها ، ممّا يكون تصرّفاً في الغير دفعاً للهرج والمرج ، واقتصاراً على المتيقّن، فضلاً عن الجرح والقتل، فلايجوز شيء من هذه المرتبة مع عدم الإذن من الحكومة على النحو المقرّر في الجمهورية الإسلامية في القانون المصوّب في مجلس الشورى الإسلامي في إيران في زماننا هذا ، وهو سنة ألف وأربعمائة واثنتين وعشرين الهجري القمري. وبذلك يظهر حكم المسألة التالية .
|