|
القول في القسم الثاني
(مسألة 1) : لا إشكال في أنّ للإنسان أن يدفع المحارب والمهاجم واللصّ ونحوهم عن نفسه وحريمه وماله ما استطاع . (مسألة 2) : لو هجم عليه لصّ أو غيره في داره أو غيرها ليقتله ظلماً ، يجب عليه الدفاع بأيّ وسيلة ممكنة ولو انجرّ إلى قتل المهاجم ، ولايجوز له الاستسلام والانظلام . (مسألة 3) : لو هجم على من يتعلّق به من ابن أو بنت أو أب أو أخ أو سائر من يتعلّق به ـ حتّى خادمه وخادمته ـ ليقتله ظلماً ، جاز ـ بل وجب ـ الدفاع عنه ولو انجرّ إلى قتل المهاجم . (مسألة 4) : لو هجم على حريمه ـ زوجة كانت أو غيرها ـ بالتجاوز عليها وجب دفعه بأيّ نحو ممكن ولو انجر إلى قتل المهاجم ، بل الظاهر كذلك لو كان الهجمة على عرض الحريم بما دون التجاوز . (مسألة 5) : لو هجم على ماله أو مال عياله ، جاز له دفعه بأيّ وسيلة ممكنة ولو انجرّ إلى قتل المهاجم . (مسألة 6) : يجب على الأحوط في جميع ما ذكر أن يتصدّى للدفاع من الأسهل فالأسهل ، فلو اندفع بالتنبيه والإخطار بوجه كالتنحنح ـ مثلاً ـ فعل ، فلو لم يندفع إلاّ بالصياح والتهديد المدهش فعل واقتصر عليه ، وإن لم يندفع إلاّ باليد اقتصر عليها ، أو بالعصا اقتصر عليها ، أو بالسيف اقتصر عليه جرحاً إن أمكن به الدفع ، وإن لم يمكن إلاّ بالقتل جاز بكلّ آلة قتّالة . وإنّما يجب مراعاة الترتيب مع الإمكان والفرصة وعدم الخوف من غلبته ، بل لو خاف فوت الوقت وغلبة اللصّ مع مراعاة الترتيب لايجب ، ويجوز التوسّل بما يدفعه قطعاً . (مسألة 7) : لو لم يتعدّ عن الحدّ اللازم ، ووقع على المهاجم نقص ماليّ أو بدنيّ أو قتل ، يكون هدراً ، ولا ضمان على الفاعل . (مسألة 8) : لو تعدّى عمّا هو الكافي في الدفع بنظره وواقعاً ، فهو ضامن على الأحوط . (مسألة 9) : لو وقع نقص على المدافع من قبل المهاجم ـ مباشرة أو تسبيباً ـ يكون ضامناً ؛ جرحاً أو قتلاً أو مالاً ونحوها . (مسألة 10) : لو هجم عليه ليقتله أو على حريمه وجب الدفاع ولو علم أنّه يصير مقتولاً ، فضلاً عمّا دونه ، وفضلاً عمّا لو ظنّ أو احتمل ، وأمّا المال فلايجب ، بل الأحوط الاستسلام مع احتمال القتل ، فضلاً عن العلم به . (مسألة 11) : لو أمكن التخلّص عن القتال بالهرب ونحوه فالأحوط التخلّص به ، فلو هجم على حريمه وأمكن التخلّص بوجه غير القتال فالأحوط ذلك . (مسألة 12) : لو هجم عليه ليقتله أو على حريمه ، وجبت المقاتلة ؛ ولو علم أنّ قتاله لايفيد في الدفع ، ولايجوز له الاستسلام ، فضلاً عمّا لو ظنّ أو احتمل ذلك . وأمّا المال فلايجب ، بل الأحوط الترك . (مسألة 13) : بعد تحقّق قصد المهاجم إليه ـ ولو بالقرائن الموجبة للوثوق ـ يجوز له الدفع بلا إشكال . فهل يجوز مع الظنّ أو الاحتمال الموجب للخوف ؟ الظاهر عدم الجواز مع الأمن من ضرره لو كان قاصداً لشدّة بطشه وقدرته ، أو إمكان الدفاع بوجه لو كان قاصداً له ، ومع عدمه ففيه إشكال . (مسألة 14) : لو أحرز قصده إلى نفسه أو عرضه أو ماله ، فدفعه فأضرّ به أو جنى عليه ، فتبيّن خطؤه كان ضامناً وإن لم يكن آثماً . (مسألة 15) : لو قصده لُصّ أو محارب فاعتقد خلافه ، فحمل عليه لا للدفع ، بل لغرض آخر ، فالظاهر عدم الضمان ولو قتله وإن كان متجرّياً . (مسألة 16) : لو هجم لصّان أو نحوهما كلّ على الآخر ، فإن كان أحدهما بادئاً والآخر مدافعاً ضمن البادئ ، ولايضمن المدافع وإن كان لو لم يبتدئه ابتدأه ، وإن هجما فالظاهر ضمان كلّ منهما لو جنى على صاحبه ، ولو كفّ أحدهما فصال الآخر وجنى عليه ضمن . (مسألة 17) : لو هجم عليه لصّ ونحوه ، لكن علم أنّه لايمكنه إجراء ما قصده لمانع ـ كنهر أو جدار ـ كفّ عنه ، ولايجوز الإضرار به جرحاً أو نفساً أو غيرهما ، ولو أضرّ به ضمن . وكذا لو كان عدم المكنة لضعفه . (مسألة 18) : لو هجم عليه وقبل الوصول إليه ندم وأظهر الندامة ، لايجوز الإضرار به بشيء ، ولو فعل ضمن . نعم لو خاف أن يكون ذلك خدعة منه ، وخاف ذهاب الفرصة لو أمهله ، فلايبعد الجواز ، لكن ضمن لو كان صادقاً . (مسألة 19) : يجوز الدفاع لو كان المحارب ونحوه مقبلاً مع مراعاة الترتيب ـ كما تقدّم ـ مع الإمكان ، وأمّا لو كان مدبراً معرضاً فلايجوز الإضرار به ، ويجب الكفّ عنه ، فلو أضرّ به ضمن . (مسألة 20) : لو كان إدباره لإعداد القوّة جاز دفعه لو علم أو اطمأنّ به ، ولو بان الخطأ ضمن ما أضرّ به . (مسألة 21) : لو ظنّ أو احتمل احتمالاً عقلائيّاً أنّ إدباره لتجهيز القوى ، وخاف لأجله على نفسه أو عرضه ، وخاف مع ذلك عن فوت الوقت لو أمهله ، وأنّه يغلبه لو صار مجهّزاً ، فالظاهر جواز دفعه مراعياً للترتيب مع الإمكان . ولو بان الخطأ ضمن لو فعل ما يوجبه ، والأحوط في المال الترك ، سيّما في مثل الجرح والقتل . (مسألة 22) : لو أخذ اللصّ أو المحارب وربطه ، أو ضربه وعطّله عمّا قصده ، لايجوز الإضرار به ضرباً أو قتلاً أو جرحاً ، فلو فعل ضمن . (مسألة 23) : لو لم يمكنه دفعه وجب ـ في الخوف على النفس أو العرض ـ التوسّل بالغير ولو كان جائراً ظالماً بل كافراً ، وجاز في المال . (مسألة 24) : لو علم أنّ الجائر ـ الذي يتوسّل به للدفاع عن نفسه أو عرضه ـ يتعدّى عن المقدار اللازم في الدفاع ، جاز التوسّل به بل وجب ، ومع اجتماع الشرائط يجب عليه النهي عن تعدّيه ، فلو تعدّى كان الجائر ضامناً . نعم لو أمكن دفعه بغير التوسّل به لايجوز التوسّل به . (مسألة 25) : لو ضرب اللصّ ـ مثلاً ـ مقبلاً ، فقطع عضواً منه ـ مع توقّف الدفع عليه ـ فلا ضمان فيه ، ولا في السراية ولو تنتهي إلى الموت ، ولو ولّى بعد الضرب مُدبراً للتخلّص والفرار يجب الكفّ عنه ، فلو ضربه فجرحه أو قطع منه عضواً أو قتله ضمن . (مسألة 26) : لو قطع يده حال الإقبال دفاعاً ، ويده الاُخرى حال الإدبار فراراً ، فاندملت اليدان ثبت القصاص في الثانية ، ولو اندملت الثانية وسرت الاُولى فلا شيء عليه في السراية ، ولو اندملت الاُولى وسرت الثانية فمات ثبت القصاص في النفس . (مسألة 27) : لو وجد مع زوجته أو أحد قرابته ـ من ولده أو بنته أو غيرهما من أرحامه ـ من ينال منه من الفاحشة ولو دون الجماع ، فله دفعه مراعياً للأيسر فالأيسر مع الإمكان ؛ ولو أدّى إلى القتل ، ويكون هدراً ، بل له الدفع عن الأجنبي كالدفع عن نفسه ، وما وقع على المدفوع هدر . (مسألة 28) : لو وجد مع زوجته رجلاً يزني بها وعلم بمطاوعتها له فله قتلهما([1]) ، ولا إثم عليه ولا قود ؛ من غير فرق بين كونهما محصنين أو لا ، وكون الزوجة دائمة أو منقطعة ، ولابين كونها مدخولاً بها أو لا . (مسألة 29) : في الموارد التي جاز الضرب والجرح والقتل إنّما يجوز بينه وبين الله ، وليس عليه شيء واقعاً ، لكن في الظاهر يحكم القاضي على ميزان القضاء ، فلو قتل رجلاً ، وادّعى أنّه رآه مع امرأته ، ولم يكن له شهود ـ على طبق ما قرّره الشارع ـ يحكم عليه بالقصاص ، وكذا في الأشباه والنظائر . (مسألة 30) : من اطّلع على عورات قوم بقصد النظر إلى ما يحرم عليه منهم ، فلهم زجره ومنعه ، بل وجب ذلك ، ولو لم ينزجر جاز دفعه بالضرب ونحوه ، فلو لم ينزجر فرموه بحصاة أو غيرها ـ حتّى الآلات القتالة ـ فاتّفق الجناية عليه كانت هدراً ؛ ولو انجرّ إلى القتل ، ولو بادروا بالرمي قبل الزجر والتنبيه ضمنوا على الأحوط . (مسألة 31) : لو زجره فلم ينزجر جاز رميه بقصد جرحه لو توقّف الدفع عليه ، وكذا بقصد قتله لو توقّف عليه . (مسألة 32) : لو كان المطّلع رحماً لنساء صاحب البيت ، فإن نظر إلى ما جاز نظره إليه من غير شهوة وريبة لم يجز رميه ، فلو رماه وجنى عليه ضمن . (مسألة 33) : لو كان الرحم ناظراً إلى ما لايجوز له النظر إليه ـ كالعورة ـ أو كان نظره بشهوة ، كان كالأجنبي ، فجاز رميه بعد زجره والتنبيه ، ولو جنى عليه كان هدراً . (مسألة 34) : لو كان المشرف على العورات أعمى لايجوز أن يناله بشيء ، فلو نال وجنى عليه ضمن . وكذا لو كان ممّن لايرى البعيد ، وكان بينه وبينهنّ بمقدار لايراهنّ أو لايميّزهنّ . (مسألة 35) : لو اطّلع للنظر إلى ابن صاحب البيت بشهوة فله دفعه وزجره ، ومع عدم الانزجار فله رميه ، وكان الجناية هدراً . (مسألة 36) : لو اطّلع على بيت لم يكن فيه من يحرم النظر إليه لم يجز رميه ، فلو رمى وجنى عليه ضمن . (مسألة 37) : لواطّلع على العورة فزجره ولم ينزجر ، فرماه فجنى عليه ، وادّعى عدم قصد النظر أو عدم رؤيتها لم يسمع دعواه ، ولا شيء على الرامي في الظاهر . (مسألة 38) : لو كان بعيداً جدّاً بحيث لم يمكنه رؤية العورات ، ولكن رآهنّ بالآلات الحديثة ، كان الحكم كالمطّلع من قريب ، فيجوز دفعه بما تقدّم ، والجناية عليه هدر . (مسألة 39) : لو وضع مرآة واطّلع على العورات بوسيلتها ، فالظاهر جريان حكم المطّلع بلا وسيلة ، لكن الأحوط عدمُ رميه والتخلّصُ بوجه آخر ، بل لايترك الاحتياط . (مسألة 40) : الظاهر جواز الدفع بما تقدّم ولو أمكن للنساء الستر أو الدخول في محلّ لايراهنّ الرائي . (مسألة 41) : للإنسان دفع الدابّة الصائلة عن نفسه وعن غيره وعن ماله ، فلو تعيّبت أو تلفت ـ مع توقّف الدفع عليه ـ فلا ضمان ، ولو تمكّن من الهرب فالظاهر عدم جواز الإضرار بها ، فلو أضرّ ضمن . -------------------------------------------------------------------------------- [1] ـ كما هو المعروف، لكنّ الأحوط، بل الأقوى أ نّه ليس له ذلك ؛ لصحيح داوود بن فرقد ، عن الصادق(عليه السلام) ، ففيه : «فخرج رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) فقال : ماذا يا سعد ؟ فقال سعد : قالوا : لووجدت على بطن امرأتك رجلا ، ما كنت صانعاً به ؟ فقلت : أضربه بالسيف ، فقال : يا سعد ، فكيف بالأربعة الشهود ؟ فقال : يا رسول الله ! بعد رأى عيني وعلم الله أن قد فعل ؟ قال : أي والله بعد رأى عينك وعلم الله أن قد فعل ، إنّ الله قد جعل لكلّ شيء حدّاً وجعل لمن تعدّى ذلك الحدّ حدّاً». (وسائل الشيعة 28 : 14 / 1) وما ذكره صاحب «الجواهر» في توجيهه بما يوافق المعروف بقوله : «ويمكن أن يكون بياناً للحكم في الظاهر ، وإن لم يكن عليه إثم فيما بينه وبين الله»، (جواهر الكلام 41 : 369) كما ترى ؛ لأ نّه ليس بأزيد من الإمكان والاحتمال المخالف للظاهر . ثمّ إنّ ما استدلّ به «الجواهر» من أخبار هدر دم اللصّ والناظر إلى عورات القوم ، والمراود امرأة على نفسها حراماً ، وممّا روي مرسلا عن أمير المؤمنين(عليه السلام) ، في رجل قتل رجلا فادّعى أ نّه وجده مع امرأته، فقال(عليه السلام) : «عليه القود ، إلاّ أن يأتي ببيّنة». (المبسوط 7 : 48 ؛ تحرير الأحكام 2 : 248) وممّا رواه أبو موسى الأشعري من قول أمير المؤمنين(عليه السلام) في جواب ما كتبه معاوية إلى أبي موسى من أنّ ابن أبي الجسرين وجد مع امرأته رجلا فقتله : «إن جاء بأربعة يشهدون على ما شهد ، وإلاّ دفع برمّته»، (وسائل الشيعة 29: 135 / 2) ففيه ما لايخفى ؛ لكون تلك الأخبار أجنبية عن المقام ، فإنّها مربوطة بأمنية المسكن والدفاع عن المال والعورة فأ نّى لها الدلالة بجواز قتل الرجل من يرى أ نّه يزني بامرأته ، ولكون المرسلة مرسلة ، وإن كانت دلالتها تامّة ، ولما في نقل أبي موسى الأشعري من الضعف الواضح .
|