|
كتاب البيع
(مسألة 1) : عقد البيع يحتاج إلى إيجاب وقبول ، وقد يستغني بالإيجاب عن القبول ، كما إذا وكّل المشتري أو البائع صاحبه في البيع والشراء ، أو وكّلا ثالثاً ، فيقول : «بعت هذا بهذا» ، فإنّ الأقوى عدم الاحتياج ـ حينئذ ـ إلى القبول . والأقوى عدم اعتبار العربيّة ، بل يقع بكلّ لغة ولو مع إمكان العربي . كما أنّه لايعتبر فيه الصراحة ، بل يقع بكلّ لفظ دالّ على المقصود عند أهل المحاورة ، كـ «بعت» و«ملّكت» ونحوهما في الإيجاب ، و«قبلت» و«اشتريت» و«ابتعت» ونحو ذلك في القبول . والظاهر عدم اعتبار الماضويّة ـ فيجوز بالمضارع ـ وإن كان أحوط . ولايعتبر فيه عدم اللحن من حيث المادّة والهيئة والإعراب ؛ إذا كان دالاًّ على المقصود عند أبناء المحاورة ، وعُدّ ملحوناً منه ، لا كلاماً آخر ذكر في هذا المقام ، كما إذا قال : «بعت» بفتح الباء أو بكسر العين وسكون التاء ، وأولى بذلك اللغات المحرّفة ، كالمتداولة بين أهل السواد ومن ضاهاهم . (مسألة 2) : الظاهر جواز تقديم القبول على الإيجاب إذا كان بمثل «اشتريتُ» و«ابتَعتُ» ؛ إذا اُريد به إنشاء الشراء ، لا المعنى المطاوعي ، ولايجوز بمثل «قبلت» و«رضيت» . وأمّا إذا كان بنحو الأمر والاستيجاب ، كما إذا قال من يريد الشراء : بعني الشيء الفلاني بكذا ، فقال البائع : بعتكه بكذا ، فالظاهر الصحّة وإن كان الأحوط إعادة المشتري القبول . (مسألة 3) : يعتبر الموالاة بين الإيجاب والقبول ؛ بمعنى عدم الفصل الطويل بينهما بما يخرجهما عن عنوان العقد والمعاقدة ، ولايضرّ القليل ؛ بحيث يصدق معه أنّ هذا قبول لذلك الإيجاب . (مسألة 4) : يعتبر في العقد التطابق بين الإيجاب والقبول ، فلو اختلفا ـ بأن أوجب البائع على وجه خاصّ ؛ من حيث المشتري أو المبيع أو الثمن أو توابع العقد من الشروط ، وقبل المشتري على وجه آخر ـ لم ينعقد . فلو قال البائع : بعت هذا من موكّلك بكذا ، فقال الوكيل : اشتريته لنفسي ، لم ينعقد . نعم لو قال : بعت هذا من موكّلك ، فقال الموكّل الحاضر غير المخاطب : قبلت ، لايبعد الصحّة . ولو قال : بعتك هذا بكذا ، فقال : قبلت لموكّلي ، فإن كان الموجب قاصداً لوقوع البيع للمخاطب نفسه لم ينعقد ، وإن كان قاصداً له أعمّ من كونه أصيلاً أو وكيلاً صحّ . ولو قال : بعتك هذا بألف ، فقال : اشتريت نصفه بألف أو بخمسمائة ، لم ينعقد ، بل لو قال : اشتريت كلّ نصف منه بخمسمائة ، لايخلو من إشكال . نعم لايبعد الصحّة لو أراد كلّ نصف مشاعاً . ولو قال لشخصين : بعتكما هذا بألف ، فقال أحدهما : اشتريت نصفه بخمسمائة ، لم ينعقد ، ولو قال كلّ منهما ذلك لايبعد الصحّة وإن لايخلو من إشكال([1]) . ولو قال : بعت هذا بهذا على أن يكون لي الخيار ثلاثة أيّام ـ مثلاً ـ فقال : اشتريتُ بلا شرط ، لم ينعقد ، ولو انعكس ؛ بأن أوجب البائع بلا شرط وقبل المشتري معه ، فلاينعقد مشروطاً ، وهل ينعقد مطلقاً وبلا شرط ؟ فيه إشكال . (مسألة 5) : لو تعذّر التلفّظ ـ لخرس ونحوه ـ تقوم الإشارة المفهمة([2]) مقامه ؛ حتّى مع التمكّن من التوكيل على الأقوى ، ولو عجز عن الإشارة([3]) أيضاً فالأحوط التوكيل أو المعاطاة ، ومع تعذّرهما إنشاؤه بالكتابة . (مسألة 6) : الأقوى وقوع البيع بالمعاطاة في الحقير والخطير . وهي : عبارة عن تسليم العين بقصد صيرورتها ملكاً للغير بالعوض وتسلّم العوض بعنوان العوضيّة ، والظاهر تحقّقها بمجرّد تسليم المبيع بقصد التمليك بالعوض مع قصد المشتري في أخذه التملّك بالعوض ، فيجوز جعل الثمن كلّيّاً في ذمّة المشتري ، وفي تحقّقها بتسلّم العوض فقط من المشتري بقصد المعاوضة إشكال وإن كان التحقّق به لايخلو من قوّة . (مسألة 7) : يعتبر في المعاطاة جميع ما يعتبر في البيع بالصيغة ـ من الشروط الآتية ـ ما عدا اللفظ ، فلا تصحّ مع فقد واحد منها ؛ سواء كان ممّا اعتُبر في المتبايعين أو في العوضين ، كما أنّ الأقوى ثبوت الخيارات الآتية فيها . (مسألة 8) : البيع بالصيغة لازم من الطرفين إلاّ مع وجود الخيار . نعم يجوز الإقالة ، وهي الفسخ من الطرفين . والأقوى أنّ المعاطاة ـ أيضاً ـ لازمة من الطرفين إلاّ مع الخيار ، وتجري فيها الإقالة . (مسألة 9) : البيع المعاطاتي ليس قابلاً للشرط على الأحوط ، فلو اُريد ثبوت خيار بالشرط أو سقوطه به أو شرط آخر ؛ حتّى جعل مدّة وأجل لأحد العوضين ، يتوسّل بإجراء البيع بالصيغة وإدراجه فيه ، وإن كان قبوله لذلك بالمقاولة قُبيله والتعاطي مبنيّاً عليها ، لايخلو من وجه وقوّة . (مسألة 10) : هل تجري المعاطاة في سائر المعاملات مطلقاً ، أو لا كذلك ، أو في بعضها دون بعض ؟ سيظهر الأمر في الأبواب الآتية إن شاء الله تعالى . (مسألة 11) : كما يقع البيع والشراء بمباشرة المالك ، يقع بالتوكيل أو الولاية من طرف واحد أو الطرفين ، ويجوز لشخص واحد تولّي طرفي العقد ؛ أصالة من طرف ووكالة أو ولاية من آخر ، أو وكالة من الطرفين ، أو ولاية منهما ، أو وكالة من طرف وولاية من آخر . (مسألة 12) : لايجوز على الأحوط تعليق البيع على شيء غير حاصل حين العقد([4]) ؛ سواء علم حصوله فيما بعد أم لا ، ولا على شيء مجهول الحصول حينه . وأمّا تعليقه على معلوم الحصول حينه ـ كأن يقول : بعتُك إن كان اليومُ يومَ السبت ؛ مع العلم به ـ فالأقوى جوازه . (مسألة 13): لو قبض المشتري ما ابتاعه بالعقد الفاسد لم يملكه، وكان مضموناً عليه([5])؛ بمعنى أنّه يجب عليه أن يردّه إلى مالكه ، ولو تلف ـ ولو بآفة سماويّة ـ يجب عليه ردّ عوضه من المثل أو القيمة . نعم لو كان كلٌّ من البائع والمشتري راضياً بتصرّف الآخر مطلقاً فيما قبضه ـ ولو على تقدير الفساد ـ يُباح لكلّ منهما التصرّف والانتفاع بما قبضه ولو بإتلافه ، ولا ضمان عليه . -------------------------------------------------------------------------------- [1] ـ مذبوب غير وارد . [2] ـ وكذا الكتابة . [3] ـ والكتابة . [4] ـ وإن كان الجواز فيه كسائر العقود لايخلو من قوّة. نعم، لابدّ وأن لايصير البيع به سفهياً، مثل التعليق على أمر مجهول لايصير معلوماً إلاّ بعد مدّة كثيرة. [5] ـ على المشهور والمعروف بين الأصحاب ، بل لا أجد فيه خلافاً ، لكن عدم الضمان فيه مطلقاً حتّى الضمان بالإتلاف لايخلو من قوّة ،ويأتي تفصيل البحث عنه في المسألة الرابعة عشر من كتاب الغصب .
|