|
الرابع: خيار الغبن
وهو فيما إذا باع بدون ثمن المثل أو اشترى بأكثر منه مع الجهل بالقيمة ، فللمغبون خيار الفسخ ، وتعتبر الزيادة والنقيصة مع ملاحظة ما انضمّ إليه من الشرط ، فلو باع ما يسوى مائة دينار بأقلّ منه بكثير مع اشتراط الخيار للبائع فلا غبن ؛ لأنّ المبيع ببيع الخيار ينقص ثمنه عن المبيع بالبيع اللازم . وهكذا غيره من الشروط . ويشترط فيه أن يكون التفاوت بما لايتسامح فيه في مثل هذه المعاملة ، وتشخيص ذلك موكول إلى العرف ، وتختلف المعاملات في ذلك ، فربما يكون التفاوت بنصف العشر ـ بل بالعشر ـ ممّا يتسامح فيه ، ولايعدّ غبناً ، وربما يكون بعشر العشر غبناً ولايتسامح فيه ، ولا ضابط لذلك ، بل هو موكول إلى العرف . (مسألة 1) : ليس للمغبون مطالبة الغابن بتفاوت القيمة ، بل له الخيار بين أن يفسخ البيع أو يرضى به بالثمن المسمّى ، كما أنّه لايسقط خياره ببذل الطرف التفاوت . نعم مع تراضيهما لابأس به . (مسألة 2) : الخيار ثابت للمغبون من حين العقد ، وليس بحادث عند علمه بالغبن ، فلو فسخ قبل ذلك وصادف الغبن انفسخ . (مسألة 3) : لو اطّلع على الغبن ولم يبادر بالفسخ ، فإن كان لأجل جهله بحكم الخيار فلا إشكال في بقائه ، وإن كان عالماً به فإن كان بانياً على الفسخ غير راض بالبيع بهذا الثمن ، لكن أخّر الفسخ لغرض ، فالظاهر بقاؤه . نعم ليس له التواني فيه بحيث يؤدّي إلى ضرر وتعطيل أمر على الغابن ، بل بقاؤه مع عدم البناء على الفسخ ـ وإنّما بدا له بعد ذلك ـ لايخلو من قوّة . (مسألة 4) : المدار في الغبن هو القيمة حال العقد ، فلو زادت بعده لم يسقط ولو قبل علم المغبون بالنقصان حينه ، ولو نقصت بعده لم يثبت . (مسألة 5) : يسقط هذا الخيار باُمور : الأوّل: اشتراط سقوطه في ضمن العقد ، ويقتصر فيه على مرتبة من الغبن كانت مقصودة عند الاشتراط وشملته العبارة ، فلو كان المشروط سقوط مرتبة من الغبن كالعشر ، فتبيّن كونه الخمس ، لم يسقط ، بل لو اشترط سقوطه وإن كان فاحشاً أو أفحش ، لايسقط إلاّ ما كان كذلك بالنسبة إلى ما يحتمل في مثل هذه المعاملة لا أزيد ، فلو فرض أنّ ما اشتراه بمائة لايحتمل فيه أن يسوى عشرة أو عشرين ، وأنّ المحتمل فيه من الفاحش إلى خمسين والأفحش إلى ثلاثين ، لم يسقط مع الشرط المذكور إذا كان يسوي عشرة أو عشرين . هذا كلّه إذا اشترط سقوط الخيار الآتي من قبل العشر ـ مثلاً ـ بنحو التقييد ، ويأتي الكلام في غيره في الأمر الثاني . الثاني: إسقاطه بعد العقد ولو قبل ظهور الغبن ؛ إذا أسقطه على تقدير ثبوته . وهذا ـ أيضاً ـ كسابقه يقتصر فيه على مرتبة من الغبن كانت مشمولة للعبارة ، فلو أسقط مرتبة خاصّة منه كالعشر ، فتبيّن كونه أزيد ، لم يسقط إذا كان الإسقاط بنحو التقييد بأن يسقط الخيار الآتي من قبل العشر ـ مثلاً ـ بنحو العنوان الكلّي المنطبق على الخارج بحسب وعائه المناسب له ، وأمّا إذا أسقط الخيار المتحقّق في العقد بتوهم أنّه مسبّب من العشر ، فالظاهر سقوطه ؛ سواء وصفه بالوصف المتوهّم أم لا ، فلو قال : أسقطت الخيار المتحقّق في العقد الذي هو آت من قبل العشر ، فتخلّف الوصف سقط خياره على الأقوى ، وأولى بذلك ما لو أسقطه بتوهّم أنّه آت منه . وكذا الحال في اشتراط سقوطه بمرتبة أو وإن كان فاحشاً بل أفحش . وكذا يأتي ما ذكر فيما صالح على خياره فبطل إن كان بنحو التقييد ، فتبيّن الزيادة ، دون النحوين الآخرين . وكما يجوز إسقاطه بعد العقد مجّاناً يجوز المصالحة عليه بالعِوَض ، فمع العلم بمرتبة الغبن لا إشكال ، ومع الجهل بها صحّ المصالحة مع التصريح بعموم المراتب ؛ بأن يصالح على خيار الغبن المتحقّق في هذه المعاملة بأيّ مرتبة كانت . الثالث: تصرّف المغبون ـ بعد العلم بالغبن([1]) ـ فيما انتقل إليه بما يكشف كشفاً عقلائيّاً عن الالتزام بالعقد وإسقاط الخيار ، كالتصرّف بالإتلاف ، أو بما يمنع الردّ ، أو بإخراجه عن ملكه كالبيع اللازم ، بل وغير اللازم ، ونحو التصرّفات التي مرّ ذكرها في خيار الحيوان . وأمّا التصرّفات الجزئيّة نحو الركوب غير المعتدّ به والتعليف ونحو ذلك ـ ممّا لايدلّ على الرضا ـ فلا . كما أنّ التصرّف قبل ظهور الغبن([2]) لايسقط ، كتصرّف الغابن فيما انتقل إليه مطلقاً . (مسألة 6) : لو فسخ البائع المغبون البيع ، فإن كان المبيع موجوداً عند المشتري باقياً على حاله استردّه ، وإن كان تالفاً أو متلفاً رجع إليه بالمثل أو القيمة([3]) ، وإن حدث به عيب عنده ـ سواء كان بفعله أو بغيره ؛ من آفة سماوية ونحوها ـ أخذه مع الأرش ، ولو أخرجه عن ملكه بوقف أو معاملة لازمة ، فالظاهر أنّه بحكم الإتلاف فيرجع إليه بالمثل أو القيمة ، وإن كان بنقل غير لازم ـ كالبيع بخيار والهبة ـ ففي جواز إلزامه بالفسخ وإرجاع العين إشكال ، ولو رجعت العين إلى المشتري بإقالة أو عقد جديد أو فسخ ، قبل رجوع البائع إليه بالبدل ، لايبعد أن يكون له إلزامه بردّ العين ولو كان الانتقال السابق لازماً . ولو نقل منفعتها إلى الغير بعقد لازم كالإجارة لم يمنع ذلك عن الفسخ ، كما أنّه بعد الفسخ تبقى الإجارة على حالها ، وترجع العين إلى الفاسخ مسلوب المنفعة ، وله سائر المنافع غير ما ملكه المستأجر لو كانت ، وفي جواز رجوعه إلى المشتري باُجرة المثل بالنسبة إلى بقيّة المدّة وجه قويّ ، كما يحتمل أن يرجع إليه بالنقص الطارئ على العين ؛ من جهة كونها مسلوبة المنفعة في تلك المدّة ، فتقوّم بوصف كونها ذات منفعة في تلك المدّة مرّة ، ومسلوبة المنفعة فيها اُخرى ، فيأخذ مع العين التفاوت بين القيمتين ، والظاهر أنّه لا تفاوت غالباً بين الوجهين . (مسألة 7) : بعد فسخ البائع المغبون لو كان المبيع موجوداً عند المشتري ، لكن تصرّف فيه تصرفاً مغيِّراً له إمّا بالنقيصة أو بالزيادة أو بالامتزاج ، فلو كان بالنقيصة أخذه ورجع إليه بالأرش كما مرّ([4]) ، ولو كان بالزيادة ، فإمّا أن تكون صفة محضة كطحن الحنطة وقصارة الثوب وصياغة الفضّة ، أو صفة مشوبة بالعين كالصبغ إذا كان له عين عرفاً ، أو عيناً محضاً كالغرس والزرع والبناء . أمّا الأوّل فإن لم يكن للزيادة دخل في زيادة القيمة يرجع إلى العين ، ولا شيء عليه ، كما أنّه لا شيء على المشتري ، وإن كان لها دخل في زيادتها يرجع إلى العين ، وفي كون زيادة القيمة للمشتري ـ لأجل الصفة ـ فيأخذ البائع العين ويدفع زيادة القيمة ، أو كونه شريكاً معه في القيمة ، فيباع ويقسّم الثمن بينهما بالنسبة ، أو شريكاً معه في العين بنسبة تلك الزيادة ، أو كون العين للبائع ، وللمشتري اُجرة عمله ، أو ليس له شيء أصلاً . وجوه ، أقواها الثاني([5]) ، ولايكون البائع ملزماً بالبيع ، بل له أخذ المبيع وتأدية ما للمشتري بالنسبة . أمّا الثاني فيأتي الوجوه المذكورة فيه أيضاً . وأمّا الثالث فيرجع البائع إلى المبيع ، ويكون الغرس ونحوه للمشتري ، وليس للبائع إلزامه بالقلع والهدم ولابالأرش ، ولا إلزامه بالإبقاء ولو مجّاناً ، كما أنّه ليس للمشتري حقّ الإبقاء مجّاناً وبلا اُجرة ، فعلى المشتري إمّا إبقاؤها بالاُجرة ، وإمّا قلعها مع طمّ الحفر وتدارك النقص الوارد على الأرض ، وللبائع إلزامه بأحد الأمرين . نعم لو أمكن غرس المقلوع ـ بحيث لم يحدث فيه شيء إلاّ تبدّل المكان ـ فللبائع أن يلزمه به ، والظاهر أنّه لا فرق في ذلك بين الزرع وغيره . وأمّا إن كان بالامتزاج ، فإن كان بغير جنسه بحيث لايتميّز فكالمعدوم يرجع بالمثل أو القيمة ؛ من غير فرق بين ما كان مستهلكاً وعدّ تالفاً ، كما إذا خلط ماء الورد بالزيت أو انقلبا إلى حقيقة اُخرى عرفاً ، ولايترك الاحتياط بالتصالح والتراضي في غير الصورتين ؛ وإن كان جريان حكم التالف في الخلط الذي يرفع به الامتياز ، لايخلو من قوّة . وإن كان الامتزاج بالجنس فالظاهر ثبوت الشركة بحسب الكمّيّة ؛ وإن كان بالأردأ أو الأجود ، مع أخذ الأرش في الأوّل ، وإعطاء زيادة القيمة في الثاني ، لكن الأحوط التصالح ، خصوصاً في الثاني . (مسألة 8) : لو باع أو اشترى شيئين صفقة واحدة ، وكان مغبوناً في أحدهما دون الآخر ، ليس له التبعيض في الفسخ ، بل عليه إمّا فسخ البيع بالنسبة إلى الجميع ، أو الرضا به كذلك . -------------------------------------------------------------------------------- [1] ـ والخيار . [2] ـ أو قبل العلم بالخيار . [3] ـ فيما كان الغابن عالماً بالغبن، وإلاّ فضمانه بأزيد من الضمان المعاوضي محلّ تأمّل، بل منع. وبذلك يظهر حكم الفروع الآتية، فلا ضمان فيها أيضاً بأزيد من الضمان المعاوضي، إلاّ مع علم الغابن. [4] ـ على ما مرّ. [5] ـ بل أقواها وأوجهها رابعها .
|