|
القول في الربا
وقد ثبت حرمته بالكتاب والسنّة وإجماع من المسلمين ، بل لايبعدكونها من ضروريّات الدين ، وهو من الكبائر العظام ، وقد ورد التشديد عليه في الكتاب العزيز والأخبار الكثيرة ؛ حتّى ورد فيه في الخبر الصحيح عن مولانا الصادق(عليه السلام) ، قال : «درهم ربا عند الله أشدّ من سبعين زنية كلّها بذات محرم» ، وعن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) في وصيّـته لعليّ(عليه السلام) ، قال : «يا عليّ الربا سبعون جزءً ، فأيسرها مثل أن ينكح الرجل اُمّه في بيت الله الحرام» ، وعنه(صلى الله عليه وآله وسلم) : «ومن أكل الربا ملأ الله بطنه من نار جهنّم بقدر ما أكل ، وإن اكتسب منه مالاً لم يقبل الله منه شيئاً من عمله ، ولم يزل في لعنة الله والملائكة ما كان عنده منه قيراط واحد» ، وعنه(صلى الله عليه وآله وسلم) : «إنّ الله لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه» إلى غير ذلك . وهو قسمان([1]) : معاملي وقرضي . أمّا الأوّل : فهو بيع أحد المثلين بالآخر مع زيادة عينيّة([2]) ، كبيع منّ من الحِنطة بمنّين أو بمنّ منها ودرهم . أو حكميّة كمنّ منها نقداً بمَنٍّ منها نسيئة . والأقوى عدم اختصاصه بالبيع ، بل يجري في سائر المعاملات كالصلح ونحوه . وشرطه أمران : الأوّل ـ اتّحاد الجنس عرفاً ، فكلّما صدق عليه الحنطة أو الاُرز أو التمر أو العنب بنظر العرف ، وحكموا بالوحدة الجنسيّة ، فلايجوز بيع بعضها ببعض بالتفاضل وإن تخالفا في الصفات والخواصّ ، فلايجوز التفاضل بين الحنطة الرديّة الحمراء والجيّدة البيضاء ، ولابين العنبر الجيّد من الاُرز والرديء من الشنبة ، ورديء الزاهدي من التمر وجيّد الخستاوي ، وغير ذلك ممّا يُعدّ عرفاً جنساً واحداً ، بخلاف ما لايعدّ كذلك كالحنطة والعدس ، فلا مانع من التفاضل بينهما . الثاني ـ كون العوضين من المكيل أو الموزون ، فلا رِبا فيما يباع بالعدّ أو المشاهدة . (مسألة 1) : الشعير والحنطة في باب الرِّبا بحكم جنس واحد ، فلايجوز المعاوضة بينهما بالتفاضل ؛ وإن لم يكونا كذلك عرفاً وفي باب الزكاة ونحوه ، فلايكمل نصاب أحدهما بالآخر . وهل العلس من جنس الحنطة والسلت من جنس الشعير ؟ فيه إشكال ، والأحوط أن لايباع أحدهما بالآخر ، وكلّ منهما بالحنطة والشعير إلاّ مثلاً بمثل . (مسألة 2) : كلّ شيء مع أصله بحكم جنس واحد([3]) وإن اختلفا في الاسم كالسمسم والشيرج ، واللبن مع الجبن والمخيض واللباء وغيرها ، والتمر والعنب مع خلّهما ودبسهما ، وكذا الفرعان من أصل واحد كالجبن مع الاُقط والزبد وغيرهما . (مسألة 3) : اللحوم والألبان والأدهان تختلف باختلاف الحيوان ، فيجوز التفاضل بين لحم الغنم ولحم البقر ، وكذا بين لبنهما أو دهنهما . (مسألة 4) : لا تجري تبعيّة الفرع للأصل في المكيليّة والموزونيّة ، فما كان أصله ممّا يُكال أو يُوزن ، فخرج منه شيء لايكال ولايوزن ، لابأس بالتفاضل بين الأصل وما خرج منه ، وكذا بين ما خرج منه بعضه مع بعض ، فلابأس بالتفاضل بين القطن ومنسوجه ، ولابين منسوجين منه ؛ بأن يباع ثوبان بثوب ، وربما يكون شيء مكيلاً أو موزوناً في حال دون حال ، كالثمرة على الشجرة وحال الاجتناء ، وكالحيوان قبل أن يذبح ويسلخ وبعدهما ، فيجوز بيع شاة بشاتين بلا إشكال . نعم الظاهر أنّه لايجوز([4]) بيع لحم حيوان بحيوان حيّ من جنسه كلحم الغنم بالشاة ، وحرمة ذلك ليست من جهة الرِّبا ، بل لايبعد تعميم الحكم إلى بيع اللحم بحيوان من غير جنسه ، كلحم الغنم بالبقر . (مسألة 5) : لو كان لشيء حالة رطوبة وجفاف ـ كالرطب والتمر والعنب والزبيب ، وكذا الخبز ، بل واللحم يكون نِيّاً ثمّ صار قديداً ـ فلا إشكال في بيع جافّه بجافّه ورطبه برطبه مثلاً بمثل ، كما أنّه لايجوز بالتفاضل . وأمّا جافّه برطبه كبيع التمر بالرطب ففي جوازه إشكال ، والأحوط العدم ؛ سواء كان بالتفاضل أو مثلاً بمثل . (مسألة 6) : التفاوت بالجودة والرداءة لايوجب جواز التفاضل في المقدار ، فلايجوز بيع مثقال من ذهب جيّد بمثقالين من رديء وإن تساويا في القيمة . (مسألة 7) : ذكروا للتخلّص من الربا([5]) وجوهاً مذكورة في الكتب ، وقد جدّدتُ النظر في المسألة ، فوجدت أنّ التخلّص من الرِّبا غير جائز بوجه من الوجوه ، والجائز هو التخلّص من المماثلة مع التفاضل ، كبيع مَنّ من الحنطة المساوي في القيمة لمنَّين من الشعير أو الحنطة الرديّة ، فلو اُريد التخلّص من مبايعة المماثلين بالتفاضل ، يضمّ إلى الناقص شيء فراراً من الحرام إلى الحلال ، وليس هذا تخلّصاً من الرِّبا حقيقة . وأمّا التخلّص منه فغير جائز بوجه من وجوه الحيل . (مسألة 8) : لو كان شيء يباع جزافاً في بلد وموزوناً في آخر ، فلكلّ بلد حكم نفسه . (مسألة 9) : لا ربا بين الوالد وولده([6]) ولابين الرجل وزوجته ولابين المسلم والحربي ؛ بمعنى أنّه يجوز أخذ الفضل للمسلم . ويثبت بين المسلم والذمّي . هذا بعض الكلام في الربا المعاملي ، وأمّا الربا القرضي فيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى . -------------------------------------------------------------------------------- [1] ـ على المعروف في الربا المعاملي من كونه شرعياً تعبّدياً ، دون القرض، فإنّه عرفي ، وأ مّا على ما هو الحقّ عندي من عدم الربا التعبّدي ، كما يأتي بيانه ، فحقيقتها ترجع إلى واحدة ، وهي الربا العرفي ، كما لايخفى . [2] ـ بناءً على المعروف ، بل عليه الإجماع في كثير من عبارات الأصحاب ، من كون الزيادة في معاملة المثلين رباً مطلقاً ، حتّى مع عدم التساوي في المالية وعدم الزيادة عليها أصلاً ، كما هو مفروض المسألة والمسائل الآتية التالية لها ، لكنّ الحقّ اختصاص ربا المعاملي ، كالربا القرضي ، بما كانت الزيادة موجبة للزيادة المالية ، وما لم يكن كذلك فلا دليل على حرمته ، كما أنّ الربا غير صادق عليه أيضاً ، وكلّ ما يأتي في المسائل الآتية مبنيّ على ذلك المبنى المعروف ، فتأ مّل جيّداً وكن على بصيرة . وعليه ، فما علّقناه على مسائل الباب على المبنى المعروف ، كما لايخفى . ولا يخفى أيضاً اختصاص حرمة الربا مطلقاً قرضياً كان أو معاملياً بالاستهلاكي منه المنكر والباطل عند العقلاء لا الاستثماري الذي يعدّونه العقلاء معروفاً وتجارة عن حقّ وموجباً للتجارة والفعّالية الاقتصادية ، ولقد حقّقنا التفصيل فيه وبحثناه بحضور عدّة من الأفاضل في الربيع الأوّل والثاني من سنة 1420 في بلدة قمّ صانها الله عن الحدثان ونسأل الله تعالى التوفيق لتكميله وتهذيبه في رسالة مستقلّة إن شاء الله تعالى . [3] ـ كلّيّته محلّ إشكال، بل منع ، والأظهر التفصيل بين تغيير صورة شيء بشيء ، كتغيير الحنطة بالدقيق والسويق ، وبين استخراج شيء من شيء، كاستخراج الزبد من اللبن ، أو تركيب شيء من أشياء بحيث يصير شيئاً واحداً ، كالهريسة بالنسبة إلى الحنطة ، بجريان الربا في الأوّل دونهما . والأخبار المستدلّة بها على الكلّية لايستفاد منها أزيد من ذلك ؛ لأ نّها مختصّة بمثل الحنطة والدقيق والسويق والعنب والزبيب ، والتعليل في أخبار الحنطة والشعير بأ نّهما من أصل واحد ، مع ما فيه من الإجمال لايمكن الالتزام به ، إذ مقتضاه إجراء حكم الاتّحاد ، مع استحالة شيء إلى شيء آخر لا ربط له به ؛ كاستحالة التمر ملحاً ، والصفر ذهباً أو فضّةً والزئبق كذلك ، ونحو ذلك مثل استخراج الملح وغيره من بعض الأشياء ببعض الأنحاء ، ومثل استخراج السكر من الشوندر وأمثال ذلك ، ومن المعلوم عدم إمكان الالتزام بإجراء حكم الاتّحاد في تلك الموارد . [4] ـ بل الظاهر الجواز، وإن كان الأحوط الترك. [5] ـ المحرّم على ما مرّ بيانه . [6] ـ نفي الربا فيه وفي تالييه محلّ تأ مّل وإشكال ، بل عدم الاستثناء مطلقاً لايخلو من قوّة ، فإنّ لسان أدلّة حرمة الربا المتضمّن لشدّة الحرمة بما لا مزيد عليها في جلّ المعاصي، إن لم نقل كلّها آب عن التخصيص . هذا مع ما في أخبار الاستثناء وأدلّتها من الضعف في السند ، بل وفي الدلالة أيضاً .
|