|
كتاب الجُعالة
وهي الالتزام بعوض معلوم على عمل محلّل مقصود ، أو هي إنشاء الالتزام به ، أو جعل عوض معلوم على عمل كذلك ، والأمر سهل . ويقال للملتزم : الجاعل ، ولمن يعمل ذلك العمل : العامل ، وللعوض : الجعل والجعيلة . وتفتقر إلى الإيجاب ، وهو كلّ لفظ أفاد ذلك الالتزام ، وهو إمّا عامّ ، كما إذا قال : من ردّ دابّتي أو خاط ثوبي أو بنى حائطي ـ مثلاً ـ فله كذا ، وإمّا خاصّ كما إذا قال لشخص : إن رددت دابّـتي ـ مثلاً ـ فلك كذا . ولا تفتقر إلى قبول حتّى في الخاصّ . (مسألة 1) : بين الإجارة على العمل والجُعالة فروق : منها: أنّ المستأجر في الإجارة يملك العمل على الأجير ، وهو يملك الاُجرة على المستأجر بنفس العقد ، بخلاف الجعالة ؛ إذ ليس أثرها إلاّ استحقاق العامل الجعل المقرّر على الجاعل بعد العمل . ومنها: أنّ الإجارة من العقود ، وهي من الإيقاعات على الأقوى . (مسألة 2) : إنّما تصحّ الجعالة على كلّ عمل محلّل مقصود في نظر العقلاء كالإجارة ، فلا تصحّ على المحرّم ، ولا على ما يكون لغواً عند العقلاء وبذل المال بإزائه سفهاً ، كالذهاب إلى الأمكنة المخوفة ، والصعود على الجبال الشاهقة ، والأبنية المرتفعة ، والوثبة من موضع إلى آخر ؛ إذا لم تكن فيها أغراض عقلائيّة . (مسألة 3) : كما لا تصحّ الإجارة على الواجبات العينيّة ، بل والكفائيّة على الأحوط ـ على التفصيل الذي مرّ في كتابها ـ لا تصحّ الجعالة عليها على حَذوها([1]) . (مسألة 4) : يعتبر في الجاعل أهليّة الاستئجار ؛ من البلوغ([2]) والعقل والرشد والقصد والاختيار وعدم الحجر . وأمّا العامل فلايعتبر فيه إلاّ إمكان تحصيل العمل ؛ بحيث لم يكن مانع منه عقلاً أو شرعاً ، فلو أوقع الجعالة على كنس المسجد فلايمكن حصوله شرعاً من الجنب والحائض ، فلو كنساه لم يستحقّا شيئاً على ذلك . ولايعتبر فيه نفوذ التصرّف ، فيجوز أن يكون صبيّاً مميّزاً ولو بغير إذن الوليّ ، بل ولو كان غير مميّز أو مجنون على الأظهر ، فجميع هؤلاء يستحقّون الجعل المقرّر بعملهم . (مسألة 5) : يجوز أن يكون العمل مجهولاً في الجعالة بما لايغتفر في الإجارة ، فإذا قال : من ردّ دابّـتي فله كذا ، صحّ وإن لم يعيّن المسافة ، ولا شخص الدابّة ؛ مع شدّة اختلاف الدوابّ في الظفر بها من حيث السهولة والصعوبة . وكذا يجوز إيقاعها على المردّد مع اتّحاد الجعل كما إذا قال : من ردّ فرسي أو حماري فله كذا ، أو بالاختلاف ، كما لو قال : من ردّ فرسي فله عشرة ، ومن ردّ حماري فله خمسة . نعم لايجوز على المجهول والمبهم الصرف بحيث لايتمكّن العامل من تحصيله ، كما لو قال : من ردّ ما ضاع منّي فله كذا ، أو من ردّ حيواناً ضاع منّي فله كذا ، ولم يعيّن ذلك بوجه . هذا كلّه في العمل . وأمّا العوض فلابدّ من تعيينه جنساً ونوعاً ووصفاً ، بل كيلاً أو وزناً أو عدّاً إن كان منها ، فلو جعله ما في يده أو كيسه بطلت الجعالة([3]) . نعم الظاهر أنّه يصحّ أن يجعل الجعل حصّة معيّنة ممّا يردّه ولو لم يشاهد ولم يوصف . وكذا يصحّ([4]) أن يجعل للدلاّل ما زاد على رأس المال ، كما إذا قال : بِع هذا المال بكذا والزائد لك ، كما مرّ فيما سبق . (مسألة 6) : كلّ مورد بطلت الجعالة للجهالة استحقّ العامل اُجرة المثل ، والظاهر أنّه من هذا القبيل ما هو المتعارف ؛ من جعل الحلاوة المطلقة لمن دلّه على ولد ضائع أو دابّة ضالّة . (مسألة 7) : لايعتبر أن يكون الجعل ممّن له العمل ، فيجوز أن يجعل شخص جعلاً من ماله لمن خاط ثوب زيد أو ردّ دابّـته . (مسألة 8) : لو عيّن الجعل لشخص وأتى غيره بالعمل ، لم يستحقّ الجعل ذلك الشخص لعدم العمل ، ولا ذلك الغير ؛ لأنّه ما اُمر بإتيان العمل ولا جعل لعمله جعل ، فهو كالمتبرّع . نعم لو جعل الجعالة على العمل لابقيد المباشرة ؛ بحيث لو حصّل ذلك الشخص العمل بالإجارة أو الاستنابة أو الجعالة ، شملته الجعالة ، وكان عمل ذلك الغير تبرّعاً عن المجعول له ومساعدة له ، استحقّ الجعل المقرّر . (مسألة 9) : لو جعل الجعل على عمل ، وقد عمله شخص قبل إيقاع الجعالة ، أو بقصد التبرّع وعدم أخذ العوض ، يقع عمله بلا جعل واُجرة . (مسألة 10) : يستحقّ العامل الجعل المقرّر مع عدم كونه متبرّعاً ولو لم يكن عمله لأجل ذلك ، فلايعتبر اطّلاعه على التزام الجاعل به ، بل لو عمله خطأً وغفلةً ، بل من غير تمييز ـ كالطفل غير المميّز والمجنون ـ فالظاهر استحقاقه له كما مرّ . نعم لو تبيّن كذب المخبر ـ كما إذا أخبر مخبر : بأنّ فلاناً قال : من ردّ دابّتي فله كذا ـ فردّها اعتماداً على إخباره ، لم يستحقّ شيئاً ؛ لا على صاحب الدابّة ، ولا على المخبر الكاذب . نعم لو أوجب قوله الاطمئنان لايبعد ضمانه اُجرة مثل عمله للغرور . (مسألة 11) : لو قال : من دلّني على مالي فله كذا ، فدلّه من كان ماله في يده لم يستحقّ شيئاً ؛ لأنّه واجب عليه شرعاً . ولو قال : من ردّ مالي فله كذا ، فإن كان المال ممّا في ردّه كلفة ومؤونة ـ كالدابّة الشاردة ـ استحقّ الجعل المقرّر إذا لم يكن في يده على وجه الغصب ، وإن لم يكن كذلك ـ كالدرهم والدينار ـ لم يستحقّ شيئاً . (مسألة 12) : إنّما يستحقّ العامل الجعل بتسليم العمل ، فلو جعل على ردّ الدابّة إلى مالكها ، فجاء بها في البلد فشردت ، لم يستحقّ شيئاً ، ولو كان الجعل على مجرّد إيصالها إلى البلد استحقّه ، ولو كان على مجرّد الدلالة عليها استحقّ بها ولو لم يكن منه إيصال أصلاً . (مسألة 13) : لو قال : من ردّ دابّـتي ـ مثلاً ـ فله كذا ، فردّها جماعة اشتركوا في الجعل بالسويّة إن تساووا في العمل ، وإلاّ فيوزّع عليهم بالنسبة . (مسألة 14) : لو جعل جُعلاً لشخص على عمل ـ كبناء حائط وخياطة ثوب ـ فشاركه غيره في ذلك العمل ، يسقط عن جعله المعيّن ما يكون بإزاء عمل ذلك الغير ، فإن لم يتفاوتا كان له نصف الجعل ، وإلاّ فبالنسبة ، وأمّا الآخر فلايستحقّ شيئاً . نعم لو لم يشترط على العامل المباشرة ؛ بل اُريد منه العمل مطلقاً ولو بمباشرة غيره ، وكان اشتراك الغير معه بعنوان التبرّع عنه ومساعدته ، استحقّ المجعول له تمام الجعل([5]) . (مسألة 15) : الجعالة قبل تماميّة العمل جائزة من الطرفين ؛ ولو بعد تلبّس العامل بالعمل وشروعه فيه ، فله رفع اليد عن العمل . كما أنّ للجاعل فسخ الجعالة ونقض التزامه على كلّ حال ، فإن كان ذلك قبل التلبّس لم يستحقّ المجعول له شيئاً ، ولو كان بعده فإن كان الرجوع من العامل لم يستحقّ شيئاً ، وإن كان من طرف الجاعل فعليه للعامل اُجرة مثل ما عمل . ويحتمل الفرق في الأوّل ـ وهو ما كان الرجوع من العامل ـ بين ما كان العمل مثل خياطة الثوب وبناء الحائط ونحوهما ـ ممّا كان تلبّس العامل به بإيجاد بعض العمل ـ وبين ما كان مثل ردّ الضالّة ؛ ممّا كان التلبّس به بإيجاد بعض مقدّماته الخارجيّة ، فله من المسمّى بالنسبة إلى ما عمل في الأوّل ، بخلاف الثاني ، فإنّه لم يستحقّ شيئاً . لكن هذا لو لم يكن الجُعل ـ في مثل خياطة الثوب وبناء الحائط ـ على إتمام العمل ، وإلاّ يكون الحكم كردّ الضالّة . ويحتمل الفرق في الصورتين إذا كان الفسخ من الجاعل ، فيقال : إنّ للعامل من المسمّى بالنسبة في الاُولى ، وله اُجرة المثل في الثانية ، فإذا كان العمل مثل الخياطة والبناء ، فأوجد بعضه ، فرجع الجاعل ، فللعامل من المسمّى بالنسبة ، وإذا كان مثل ردّ الضالّة ـ وكذا إتمام الخياطة ـ فله اُجرة المثل . والمسألة محلّ إشكال ، فلاينبغي ترك الاحتياط بالتراضي والتصالح على أيّ حال . (مسألة 16) : ما ذكرناه : من أنّ للعامل الرجوع عن عمله على أيّ حال ـ ولو بعد التلبّس والاشتغال ـ إنّما هو في مورد لم يكن في عدم إنهاء العمل ضرر على الجاعل ، وإلاّ يجب عليه بعد الشروع في العمل إتمامه ، مثلاً : لو وقعت الجعالة على قصّ عينه ، أو بعض العمليات المتداولة بين الأطباء في هذه الأزمنة ، لايجوز له رفع اليد عن العمل بعد التلبّس به والشروع فيه ؛ حيث إنّ الصلاح والعلاج مترتّب على تكميلها ، وفي عدمه فساد ، ولو رفع اليد عنه لم يستحقّ في مثله شيئاً بالنسبة إلى ما عمل ؛ وذلك لأنّ الجعل في أمثاله إنّما هو على إتمام العمل ، فلو فرض كونه على العمل ـ نحو خياطة الثوب ـ فالظاهر استحقاقه على ما عمل بالنسبة ، وعليه غرامة الضرر الوارد . -------------------------------------------------------------------------------- [1] ـ ما ذكره من الأصل والتفريع مبنيّ على مبناه في كتاب الإجارة، وأمّا على المختار من جواز الإجارة عليهما فتصحّ الجعالة على حذوها. [2] ـ الظاهر عدم اعتباره، كما مرّ في البيع. [3] ـ على الأحوط ، وإن كان عدم لزوم التعيين بالنحو المذكور غير خال عن الوجه . نعم جهله في الجعالة إن كان موجباً لعدم إمكان التسليم أو موجباً للنزاع فالبطلان في محلّه . وعليه فلاتبطل الجعالة في مثل ما كان العوض ما في يده أو إنائه ؛ لعدم استلزامه شيئاً منهما . [4] ـ هذا مناف لما اشترطه من التعيين على الوجه المذكور . [5] ـ لايخفى عدم اختصاص استحقاقه تمام الجعل بتبرّع الغير، بل استحقاقه له ثابت، وإن كان عمل الغير بالأجر والاُجرة.
|