|
القول في الصغر
(مسألة 1) : الصغير ـ وهو الذي لم يبلغ حدّ البلوغ ـ محجور عليه شرعاً لا تنفذ تصرّفاته في أمواله ـ ببيع وصلح وهبة وإقراض وإجارة وإيداع وإعارة وغيرها إلاّ ما استثني ، كالوصيّة على ما سيأتي إن شاء الله تعالى ، وكالبيع في الأشياء غير الخطيرة ، كما مرّ ـ وإن كان في كمال التميّز والرشد ، وكان التصرّف في غاية الغبطة والصلاح . بل لايجدي في الصحّة إذن الوليّ سابقاً ولا إجازته لاحقاً عند المشهور ، وهو الأقوى([1]) . (مسألة 2) : كما أنّ الصبيّ محجور عليه بالنسبة إلى ماله ، كذلك محجور عليه بالنسبة إلى ذمّته ، فلايصحّ منه الاقتراض ولا البيع والشراء في الذمّة ـ بالسلم والنسيئة ـ وإن كانت مدّة الأداء مصادفة لزمان بلوغه . وكذلك بالنسبة إلى نفسه ، فلاينفذ منه التزويج ، ولا الطلاق على الأقوى فيمن لم يبلغ عشراً ، وعلى الأحوط فيمن بلغه ، ولو طلّق يتخلّص بالاحتياط . وكذا لايجوز إجارة نفسه ، ولا جعل نفسه عاملاً في المضاربة وغير ذلك . نعم لو حاز المباحات بالاحتطاب والاحتشاش ونحوهما يملكها بالنيّة ، بل وكذا يملك الجعل في الجعالة بعمله وإن لم يأذن وليّه فيهما . (مسألة 3) : يعرف البلوغ في الذكر والاُنثى بأحد اُمور ثلاثة : الأوّل : نبات الشعر الخشن على العانة ، ولا اعتبار بالزّغَب والشعر الضعيف . الثاني : خروج المنيّ ; يقظة أو نوماً ، بجماع أو احتلام أو غيرهما . الثالث : السّنّ ، وهو في الذكر إكمال خمس عشرة سنة ، وفي الاُنثى إكمال تسع سنين([2]) . (مسألة 4) : لايكفي البلوغ في زوال الحجر عن الصبيّ ، بل لابدّ معه من الرشد وعدم السفه بالمعنى الذي سنبيّنه . (مسألة 5) : ولاية التصرّف في مال الطفل والنظر في مصالحه وشؤونه لأبيه([3]) وجدّه لأبيه ، ومع فقدهما للقيّم([4]) من أحدهما ، وهو الذي أوصى أحدهما بأن يكون ناظراً في أمره ، ومع فقده للحاكم الشرعي ، وأمّا الاُمّ والجدّ للاُمّ والأخ ـ فضلاً عن سائر الأقارب ـ فلا ولاية لهم عليه . نعم الظاهر ثبوتها ـ مع فقد الحاكم ـ للمؤمنين مع وصف العدالة على الأحوط . (مسألة 6) : الظاهر أنّه لايشترط العدالة في ولاية الأب والجدّ([5]) ، فلا ولاية للحاكم مع فسقهما([6]) ، لكن متى ظهر له ـ ولو بقرائن الأحوال ـ الضرر منهما على المولّى عليه ، عزلهما ومنعهما من التصرّف في أمواله ، ولايجب عليه الفحص عن عملهما وتتبّع سلوكهما([7]) . (مسألة 7) : الأب والجدّ مستقلاّن([8]) في الولاية ، فينفذ تصرّف السابق منهما ولغا اللاحق ، ولو اقترنا ففي تقديم الجدّ ، أو الأب ، أو عدم الترجيح وبطلان تصرّف كليهما ، وجوه بل أقوال ، فلايترك الاحتياط . (مسألة 8) : الظاهر أنّه لا فرق بين الجدّ القريب والبعيد ، فلو كان له أب وجدّ وأب الجدّ وجدّ الجدّ فلكلّ منهم الولاية([9]) . (مسألة 9) : يجوز للوليّ بيع عقار الصبيّ مع الحاجة واقتضاء المصلحة ، فإن كان البائع هو الأب([10]) والجدّ جاز للحاكم تسجيله ; وإن لم يثبت عنده أنّه مصلحة . وأمّا غيرهما ـ كالوصيّ ـ فلايسجّله إلاّ بعد ثبوتها عنده على الأحوط ; وإن كان الأقرب جواز تسجيله مع وثاقته عنده . (مسألة 10) : يجوز للوليّ المضاربة بمال الطفل وإبضاعه بشرط وثاقة العامل وأمانته([11]) ، فإن دفعه إلى غيره ضمن . (مسألة 11) : يجوز للوليّ([12]) تسليم الصبي إلى أمين يعلّمه الصنعة ، أو إلى من يعلّمه القراءة والخطّ والحساب والعلوم العربيّة ، وغيرها من العلوم النافعة لدينه ودنياه ، ويلزم عليه أن يصونه عمّا يفسد أخلاقه ، فضلاً عمّا يضرّ بعقائده([13]) . (مسألة 12) : يجوز لوليّ اليتيم إفراده بالمأكول والملبوس من ماله ، وأن يخلطه بعائلته ويحسبه كأحدهم ، فيوزّع المصارف عليهم على الرؤوس في المأكول والمشروب ، وأمّا الكسوة فيحسب على كلّ على حدة([14]) . وكذا الحال في اليتامى المتعدّدين ، فيجوز لمن يتولّى الإنفاق عليهم إفراد كلّ ، واختلاطهم في المأكول والمشروب والتوزيع عليهم ، دون الملبوس . (مسألة 13) : لو كان للصغير مال على غيره جاز للوليّ أن يصالحه عنه ببعضه مع المصلحة . لكن لايحلّ على المتصالح باقي المال ، وليس للوليّ إسقاطه بحال . (مسألة 14) : المجنون كالصغير في جميع ما ذكر . نعم لو تجدّد جنونه بعد بلوغه ورشده ، فالأقرب([15]) أنّ الولاية عليه للحاكم دون الأب والجدّ ووصيّهما ، لكن لاينبغي ترك الاحتياط بتوافقهما معاً . (مسألة 15) : يُنفق الوليّ على الصبيّ بالاقتصاد ; لابالإسراف ولابالتقتير ملاحظاً له عادته ونظراءه ، فيطعمه ويكسوه ما يليق بشأنه . (مسألة 16) : لو ادّعى الولي الإنفاق على الصبيّ أو على ماله أو دوابّه بالمقدار اللائق ، وأنكر بعد البلوغ أصل الإنفاق أو كيفيّته ، فالقول قول الوليّ مع اليمين ، وعلى الصبيّ البيّنة . -------------------------------------------------------------------------------- [1] ـ الأقوائية ممنوعة، والظاهر هو الصحّة، فإنّه لا فرق في تصرّف الوليّ بنفسه في مال الصغير مع رعاية المصلحة وتصرّف الصغير في ماله كذلك، فكما يصحّ ذلك التصرّف من الوليّ فكذا من الصغير المولّى عليه مع إذنه; لما فيهما من رعاية المصلحة الملحوظة علّة للولاية لغاية الاحتياط والحزم. ألا ترى أنّه يصحّ أن يقال: إنّ اليتيم محجور عن التصرّف في ماله، ولايرفع الحجر عنه إلاّ بالبلوغ والرشد، ثمّ يقال: لو قال الوليّ له: «أنت مأذون في التصرّف الفلاني أو النوع الفلاني»، مع رعاية المصلحة وعلم الوليّ بذلك، أو يقال له: «أجزت تلك المعاملات الكذائية»، صحّت معاملاته، ولايرى العرف منافاة بين ذلك الحجر وتلك الصحّة، بل في الحقيقة لزوم الإذن والإجازة في المفروض مؤكِّد للحجر لا أنّه مناف له، كما لايخفى. [2] ـ بل إكمال ثلاث عشرة سنة، كما أنّها تبلغ برؤية الحيض. [3] ـ ولاُمّه. [4] ـ بل مع فقد الأب الولاية لاُمّه، فإنّ (اُولُوا الاَْرْحَامِ بَعْضُهُمْ أوْلَى بِبَعْض). (الأنفال(8): 75) وبذلك يظهر تقدُّم الأب على الجدّ أيضاً، فالأب مقدّم على الجدّ والاُمّ، والاُمّ مقدّمة على الجدّ، ومع فقدهم، للقيّم من أحدهم. [5] ـ وكذا الاُمّ. [6] ـ وكذلك مع فسقها. [7] ـ لكنّه إن علم منهم ذلك في أوّل الأمر منعهم من الولاية من رأس، كما أنّ عليهم إذا علموا ذلك بحسب الواقع وفيما بينهم و بين اللّه تعالى عدم الدخالة أيضاً; لكون الأمانة وعدم الإضرار بالمولّى عليه شرطاً أساسيّاً في الولاية. [8] ـ مرّ أنّ ولاية الجدّ في طول ولاية الأب والاُمّ لا في عرضهما. وبذلك يظهر حال تصرّف السابق والمتقارن. [9] ـ بل الولاية للأقرب فالأقرب، فإنّ (اُولُوا الاَْرْحَامِ بَعْضُهُمْ أوْلَى بِبَعْض). (الأنفال (8): 75) [10] ـ والاُمّ. [11] ـ وملاءته، بأن يكون له مال يحيط بمال الطفل. [12] ـ الجواز مربوط بالتسليم، وإلاّ فأصل التعليم ومابعده واجب عليه شرعاً وعقلاً. [13] ـ كما يلزم عليه تربيته وتزكيته وهدايته إلى الحقّ والإسلام. [14] ـ إلاّ أن تكون الكسوة غير مختلفة بحسب القيمة. وبالجملة، مناط الجواز رعاية المصلحة والعدالة. وبذلك يظهر حكم الفرع التالي. [15] ـ بل الأقرب الولاية لهم أيضاً، كما في غير المتجدّد; لإلغاء الخصوصية وعدم الفرق، بل لعمومات البرّ والإحسان أيضاً.
|