|
كتاب الضمان
وهو التعهّد بمال ثابت في ذمّة شخص لآخر . وهو عقد يحتاج إلى إيجاب من الضامن بكلّ لفظ([1]) دالّ عرفاً ـ ولو بقرينة ـ على التعهّد المزبور ، مثل «ضمنت» أو «تعهّدت لك الدين الذي لك على فلان» ونحو ذلك ، وقبول من المضمون له بما دلّ على الرضا بذلك([2]) ، ولايعتبر فيه رضا المضمون عنه([3]) . (مسألة 1) : يشترط في كلّ من الضامن والمضمون له أن يكون بالغاً عاقلاً رشيداً مختاراً ، وفي خصوص المضمون له أن يكون غير محجور عليه لفلس . (مسألة 2) : يشترط في صحّة الضمان اُمور : منها : التنجيز على الأحوط([4]) ، فلو علّق على أمر ـ كأن يقول : أنا ضامن إن أذن أبي ، أو أنا ضامن إن لم يف المديون إلى زمان كذا ، أو إن لم يف أصلاً ـ بطل . ومنها : كون الدين الذي يضمنه ثابتاً في ذمّة المضمون عنه([5]) ; سواء كان مستقرّاً ، كالقرض والثمن والمثمن في البيع الذي لا خيار فيه ، أو متزلزلاً كأحد العوضين في البيع الخياري والمهر قبل الدخول ونحو ذلك ، فلو قال أقرض فلاناً أو بعه نسيئة وأنا ضامن لم يصحّ . ومنها : تميّز الدين والمضمون له والمضمون عنه ; بمعنى عدم الإبهام والترديد ، فلايصحّ ضمان أحد الدينين ولو لشخص معيّن على شخص معيّن ، ولا ضمان دين أحد الشخصين ولو لواحد معيّن أو على واحد معيّن . نعم لو كان الدين معيّناً في الواقع ولم يعلم جنسه أو مقداره ، أو كان المضمون له أو المضمون عنه متعيّناً في الواقع ولم يعلم شخصه ، صحّ على الأقوى ، خصوصاً في الأخيرين . فلو قال : ضمنت ما لفلان على فلان ولم يعلم أنّه درهم أو دينار أو أنّه دينار أو ديناران صحّ على الأصحّ . وكذا لو قال : ضمنت الدين الذي على فلان لمن يطلبه من هؤلاء العشرة ، ويعلم بأنّ واحداً منهم يطلبه ولم يعلم شخصه ، ثمّ قبل المطالب ، أو قال : ضمنت ما كان لفلان على المديون من هؤلاء ولم يعلم شخصه ، صحّ الضمان على الأقوى . (مسألة 3) : إذا تحقّق الضمان الجامع للشرائط ، انتقل الحقّ من ذمّة المضمون عنه إلى ذمّة الضامن ، وبرئت ذمّته([6]) ، فإذا أبرأ المضمون له ذمّة الضامن برئت الذمّتان : إحداهما بالضمان ، والاُخرى بالإبراء . ولو أبرأ ذمّة المضمون عنه كان لغواً . (مسألة 4) : الضمان لازم من طرف الضامن ، فليس له فسخه بعد وقوعه مطلقاً . وكذا من طرف المضمون له ، إلاّ إذا كان الضامن معسراً وهو جاهل بإعساره ، فله فسخه والرجوع بحقّه على المضمون عنه . والمدار إعساره حال الضمان ، فلو أعسر بعده فلا خيار ، كما أنّه لو كان معسراً حاله ثمّ أيسر لم يزل الخيار([7]) . (مسألة 5) : يجوز اشتراط الخيار لكلّ من الضامن والمضمون له على الأقوى . (مسألة 6) : يجوز ضمان الدين الحالّ حالاًّ ومؤجّلاً ، وكذا ضمان المؤجّل مؤجّلاً وحالاًّ ، وكذا يجوز ضمان المؤجّل بأزيد أو أنقص من أجله . (مسألة 7) : لو ضمن من دون إذن المضمون عنه ليس له الرجوع عليه ، وإن كان بإذنه فله ذلك ، لكن بعد أداء الدين لابمجرّد الضمان ، وإنّما يرجع إليه بمقدار ما أدّاه ، فلو صالح المضمون له مع الضامن الدين ببعضه أو أبرأه من بعضه ، لم يرجع بالمقدار الذي سقط عن ذمّته بهما . (مسألة 8) : لو كان الضمان بإذن المضمون عنه ، فإنّما يرجع عليه بالأداء فيما إذا حلّ أجل الدين الذي كان على المضمون عنه ، وإلاّ فليس له الرجوع عليه إلاّ بعد حلول أجله ، فلو ضمن الدين المؤجّل حالاًّ ، أو المؤجّل بأقلّ من أجله فأدّاه ، ليس له الرجوع عليه إلاّ بعد حلول الأجل . نعم لو أذن له صريحاً ([8]) بضمانه حالاًّ أو بأقلّ من الأجل ، فالأقرب جواز الرجوع عليه مع أدائه . وأمّا لو كان بالعكس ; بأن ضمن الحالّ مؤجّلاً أو المؤجّل بأكثر من أجله ; برضا المضمون عنه قبل حلول أجله ، جاز له الرجوع عليه بمجرّد الأداء في الحالّ ، وبحلول الأجل فيما ضمن بالأكثر بشرط الأداء . وكذا لو مات قبل انقضاء الأجل ، فحلّ الدين بموته وأدّاه الورثة من تركته ، كان لهم الرجوع على المضمون عنه . (مسألة 9) : لو ضمن بالإذن الدين المؤجّل مؤجّلاً ، فمات قبل انقضاء الأجلين وحلّ ما عليه فأخذ من تركته ، ليس لورثته الرجوع على المضمون عنه إلاّ بعد حلول أجل الدين الذي كان عليه، ولايحلّ الدين بالنسبة إلى المضمون عنه بموت الضامن، وإنّما يحلّ بالنسبة إليه. (مسألة 10) : لو دفع المضمون عنه الدين إلى المضمون له ـ من دون إذن الضامن ـ برئت ذمّته ، وليس له الرجوع عليه . (مسألة 11) : يجوز الترامي في الضمان ; بأن يضمن ـ مثلاً ـ زيد عن عمرو ، ثمّ يضمن بكر عن زيد ، ثمّ يضمن خالد عن بكر وهكذا ، فتبرأ ذمّة الجميع ويستقرّ الدين على الضامن الأخير ، فإن كان جميع الضمانات بغير إذن من المضمون عنه ، لم يرجع واحد منهم على سابقه لو أدّى الدين الضامن الأخير . وإن كان جميعها بالإذن يرجع الأخير على سابقه ، وهو على سابقه إلى أن ينتهي إلى المديون الأصلي . وإن كان بعضها بالإذن دون بعض ، فإن كان الأخير بدونه كان كالأوّل ; لم يرجع واحد منهم على سابقه ، وإن كان بالإذن رجع هو على سابقه ، وهو على سابقه لو ضمن بالإذن ، وإلاّ لم يرجع وانقطع الرجوع عليه . وبالجملة : كلّ ضامن كان ضمانه بإذن من ضمن عنه يرجع عليه بما أدّاه . (مسألة 12) : لا إشكال في جواز ضمان اثنين عن واحد بالاشتراك ; بأن يكون على كلّ منهما بعض الدين ، فتشتغل ذمّة كلّ بمقدار ما عيّناه ولو بالتفاوت ، ولو اُطلق يقسّط عليهما بالتساوي ، فبالنصف لو كانا اثنين وبالثلث لو كانوا ثلاثةوهكذا ، ولكلّ منهما أداء ما عليه ، وتبرأ ذمّته ، ولايتوقّف على أداء الآخر ما عليه . وللمضمون له مطالبة كلّ منهما بحصّته أو أحدهما أو إبراؤه دون الآخر . ولو كان ضمان أحدهما بالإذن دون الآخر ، رجع المأذون إلى المضمون عنه دون الآخر . والظاهر أنّه لا فرق ـ في جميع ما ذكر ـ بين أن يكون ضمانهما بعقدين ; بأن ضمن أحدهما عن نصفه ثمّ ضمن الآخر عن نصفه الآخر ، أو بعقد واحد كما إذا ضمن عنهما وكيلهما في ذلك فقبل المضمون له . هذا كلّه في ضمان اثنين عن واحد بالاشتراك . وأمّا ضمانهما عنه بالاستقلال فلا إشكال في عدم وقوعه لكلّ منهما كذلك ; على ما يقتضي مذهبنا في الضمان([9]) ، فهل يقع باطلاً أو يقسّط عليهما بالاشتراك ؟ وجهان ، أقربهما الأوّل . (مسألة 13) : لو تمّ عقد الضمان على تمام الدين ، فلايمكن أن يتعقّبه آخر ولو ببعضه ، ولو تمّ على بعضه لايمكن أن يتعقّبه على التمام أو على ذلك المضمون . (مسألة 14) : يجوز الضمان بغير جنس الدين ، لكن إذا كان الضمان بإذن المضمون عنه ليس له الرجوع عليه إلاّ بجنسه . (مسألة 15) : كما يجوز الضمان عن الأعيان الثابتة في الذمم ، يجوز عن المنافع والأعمال المستقرّة عليها ، فكما يجوز أن يضمن عن المستأجر ما عليه من الاُجرة ، كذلك يجوز أن يضمن عن الأجير ما عليه من العمل . نعم لو كان ما عليه اعتبر فيه المباشرة لم يصحّ ضمانه . (مسألة 16) : لو ادّعى شخص على آخر ديناً فقال ثالث للمدّعي : «عليَّ ما عليه» فرضي ، صحّ الضمان ; بمعنى ثبوت الدين في ذمّته على تقدير ثبوته ، فتسقط الدعوى عن المضمون عنه ، ويصير الضامن طرفها ، فلو أقام المدّعي البيّنة على ثبوته يجب على الضامن أداؤه ، وكذا لو ثبت إقرار المضمون عنه قبل الضمان بالدين . وأمّا إقراره بعد الضمان فلايثبت به شيء ; لا على المقرّ ولا على الضامن . (مسألة 17) : الأقوى عدم جواز ضمان([10]) الأعيان المضمونة كالغصب والمقبوض بالعقد الفاسد لمالكها عمّن كانت هي بيده . (مسألة 18) : لا إشكال في جواز ضمان عهدة الثمن للمشتري عن البائع ; لو ظهر المبيع مستحقّاً للغير ، أو ظهر بطلان البيع ـ لفقد شرط من شروط صحّته ـ إذا كان بعد قبض البائع الثمن وتلفه عنده، وأمّا مع بقائه في يده فمحلّ تردّد([11]). والأقوى عدم صحّة ضمان([12])درك ما يحدثه المشتري ـ من بناء أو غرس في الأرض المشتراة إن ظهرت مستحقّة للغير وقلعه المالك ـ للمشتري عن البائع . (مسألة 19) : لو كان على الدين الذي على المضمون عنه رهن ينفكّ بالضمان ; شرط الضامنُ انفكاكه أم لا . (مسألة 20) : لو كان على أحد دين فالتمس من غيره أداءه ، فأدّاه بلا ضمان عنه للدائن ، جاز له الرجوع على الملتمس مع عدم قصد التبرّع . -------------------------------------------------------------------------------- [1] ـ أو فعل. [2] ـ على ما ذكروه، ولكن لايبعد دعوى عدم اشتراط القبول على حدّ سائر العقود الـلازمة، بل يكفي رضاه بالمضمون سابقاً أو لاحقاً، كما عن «الإيضاح» والمقدّس الأردبيلي، حيث قالا: «يكفي فيه الرضا ولايعتبر القبول العقدي». (إيضاح الفوائد 2: 83; مجمع الفائدة والبرهان 9: 288) نعم، لابدّ من إبرازه في الخارج بمبرز، بل عن «القواعد»: «وفي اشتراط قبوله احتمال». (قواعد الأحكام 2: 157) ويمكن استظهاره من قضيّة الميّت المديون الذي امتنع النبيّ(صلى الله عليه وآله)أن يصلّي عليه حتّى ضمنه عليّ(عليه السلام)، (وسائل الشيعة 18: 424 / 2) وعلى هذا فلايعتبر فيه ما يعتبر في العقود; من الترتيب والموالاة وسائر ما يعتبر في قبولها. [3] ـ فيما لم يستلزم الضمان عنه ضرراً عليه أو منافياً لشأنه من هذا الشخص. [4] ـ وإن كان عدم شرطيّته وكفاية التعليق لايخلو من قوّة، بل هو الأقوى. [5] ـ عدم شرطيّته هو الأقوى; لصدق الضمان وشمول العمومات العامّة وإن لم يكن من الضمان المصطلح عندهم، بل يمكن منع عدم كونه منه أيضاً، وعلى هذا، فالضمان المتعارف في زماننا ممّا يكون قبل القرض وقبل اشتغال ذمّة المقترض صحيح من هذه الجهة، كما أنّ إشكال التعليق الحاصل فيه من قول الضامن: «أنا ضامن إن لم يؤدِّ المستقرض» مرتفع أيضاً بما مرّ من عدم الدليل على مانعيّته. [6] ـ بالإجماع والنصوص، خلافاً للجمهور; حيث إنّ الضمان عندهم ضمّ ذمّة إلى ذمّة، وظاهر كلمات الأصحاب عدم صحّة ما ذكروه حتّى مع التصريح به على هذا النحو، ولكنّه مرّ الحكم بصحّته في المسألة الثانية. نعم، لايترتّب على الضمان كذلك الانتقال والبراءة، كما لايخفى، فهما مترتّبان على الضمان المصطلح دون المفروض. [7] ـ بل يزول الخيار; لأنّ العمدة في الخيار نفي الضرر، فيدور الخيار مداره حدوثاً وبقاءً، كما لايخفى. [8] ـ الظاهر عدم اعتبار الصراحة، بل المعتبر العلم بالإذن وفهمه وإن كان من القرائن والظواهر. [9] ـ مرّ في المسألة الثانية صحّة الضمان بالمتعارف الخارج عن الضمان المصطلح، وعلى هذا، فالظاهر صحّة ضمانهما بالاستقلال مع إرادتهما الضمان بالمعنى المتعارف. نعم، في ضمانهما بالمعنى المصطلح، الحقّ مع ما في المتن معلولاً وعلّة. [10] ـ بل الأقوى جوازه، كما حقّقه «العروة» في المسألة الثامنة والثلاثين من كتاب الضمان. [11] ـ وإن كان الأقوى جوازه أيضاً. [12] ـ بل الأقوى صحّته; وفاقاً للشهيدين.
|