|
القول في اليمين
ويطلق عليها الحلف والقسم ، وهي ثلاثة أقسام : الأوّل : ما يقع تأكيداً وتحقيقاً للإخبار بوقوع شيء ماضياً أو حالاً أو استقبالاً . الثاني : يمين المناشدة ـ وهي ما يُقرن به الطلب والسؤال ـ يقصد بها حثّ المسؤول على إنجاح المقصود ، كقول السائل : «أسألك بالله أن تفعل كذا» . الثالث : يمين العقد ، وهي ما يقع تأكيداً وتحقيقاً لما بنى عليه والتزم به من إيقاع أمر أو تركه في الآتي ، كقوله : «واللهِ لأصومنّ» أو « . . . لأتركنّ شرب الدخان» مثلاً . لا إشكال في أنّه لاينعقد القسم الأوّل ، ولايترتّب عليه شيء سوى الإثم فيما كان كاذباً في إخباره عن عمد . وكذا لاينعقد القسم الثاني ، ولايترتّب عليه شيء من إثم أو كفّارة ; لا على الحالف في إحلافه ، ولا على المحلوف عليه في حنثه وعدم إنجاح مسؤوله . وأمّا القسم الثالث فهو الذي ينعقد عند اجتماع الشرائط الآتية ، ويجب برّه والوفاء به ، ويحرم حنثه ، ويترتّب على حنثه الكفّارة . (مسألة 1) : لا تنعقد اليمين إلاّ باللفظ ، أو ما يقوم مقامه كإشارة الأخرس ، ولا تنعقد بالكتابة على الأقوى . والظاهر أنّه لايعتبر فيها العربيّة ، خصوصاً في متعلّقاتها . (مسألة 2) : لا تنعقد اليمين إلاّ إذا كان المقسم به هو الله ـ جلّ شأنه ـ : إمّا بذكر اسمه العلميّ المختصّ به كلفظ الجلالة ، ويُلحق به ما لايطلق على غيره كالرحمان ، أو بذكر الأوصاف والأفعال المختصّة به التي لايشاركه فيها غيره ، كقوله : «ومقلّب القلوب والأبصار» ، «والذي نفسي بيده» ، «والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة» وأشباه ذلك ، أو بذكر الأوصاف والأفعال المشتركة التي تطلق عليه تعالى وعلى غيره لكن الغالب إطلاقها عليه ـ بحيث ينصرف عند الإطلاق إليه تعالى ـ كالربّ والخالق والبارئ والرازق والرحيم . ولا تنعقد بما لاينصرف إليه ، كالموجود والحيّ والسميع والبصير والقادر ; وإن نوى بها الحلف بذاته المقدّسة على إشكال ، فلايترك الاحتياط . (مسألة 3) : المعتبر في انعقاد اليمين أن يكون الحلف بالله تعالى لابغيره ، فكلّ ما صدق عرفاً أنّه حلف به تعالى انعقدت اليمين به ، والظاهر صدق ذلك بأن يقول : «وحقّ الله» ، و«بجلال الله» ، و«بعظمة الله» ، و«بكبرياء الله» ، و«لعمر الله» وفي انعقادها بقوله : «بقدرة الله» و«بعلم الله» تأمّل وإن لايخلو من قرب . (مسألة 4) : لايعتبر في انعقادها أن يكون إنشاء القسم بحروفه ; بأن يقول : «والله» أو «بالله» أو «تالله» لأفعلنّ كذا ، بل لو أنشأه بصيغتي القسم والحلف ـ كقوله : «أقسمت بالله» أو «حلفت بالله» ـ انعقدت أيضاً ، نعم لايكفي لفظا «أقسمت» و«حلفت» بدون لفظ الجلالة أو ما هو بمنزلته . (مسألة 5) : لا تنعقد اليمين بالحلف بالنبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة(عليهم السلام)وسائر النفوس المقدّسة المعظّمة ، ولابالقرآن الكريم ولابالكعبة المشرّفة وسائر الأمكنة المحترمة . (مسألة 6) : لا تنعقد اليمين بالطلاق ونحوه ; بأن يقول : «زوجتي طالق إن فعلت كذا ، أو إن لم أفعل» فلايؤثّر مثل هذه اليمين لا في حصول الطلاق ونحوه بالحنث ، ولا في ترتّب إثم أو كفّارة عليه . وكذا اليمين بالبراءة من الله تعالى أو من رسوله(صلى الله عليه وآله وسلم) أو من دينه أو من الأئمّة(عليهم السلام) ; بأن يقول ـ مثلاً ـ : برئتُ من الله أو من دين الإسلام إن فعلت كذا ، أو لم أفعل كذا» ، فلايؤثّر في ترتّب الإثم أو الكفّارة على حنثه . نعم هذا الحلف بنفسه حرام ، ويأثم حالفه ; من غير فرق بين الصدق والكذب والحنث وعدمه ، بل الأحوط تكفير الحالف بإطعام عشرة مساكين لكلّ مسكين مُدّ ، ويستغفر الله تعالى شأنه . وكذا لا تنعقد ; بأن يقول : «إن لم أفعل كذا فأنا يهوديّ ، أو نصرانيّ» مثلاً . (مسألة 7) : لو علّق اليمين على مشيّة الله تعالى ; بأن قال : «واللهِ لأفعلنّ كذا إن شاء الله» ـ وكان المقصود التعليق على مشيّته تعالى ، لا مجرّد التبرّك بهذه الكلمة ـ لاتنعقد حتّى فيما كان المحلوف عليه فعل واجب أو ترك حرام ، بخلاف ما إذا علّق على مشيّة غيره ; بأن قال : «واللهِ لأفعلنّ كذا إن شاء زيد» مثلاً ، فإنّـه تنعقد على تقدير مشيّته ، فإن قال زيد : «أنا شئتُ أن تفعل كذا» ، انعقدت ويتحقّق الحنث بتركه ، وإن قال : «لم أشأ» لم تنعقد ، ولو لم يعلم أنّه شاء أو لا لايترتّب عليه أثر وحنث . وكذا الحال لو علّق على شيء آخر غير المشيّة ، فإنّه تنعقد على تقدير حصول المعلّق عليه ، فيحنث لو لم يأت بالمحلوف عليه على ذلك التقدير . (مسألة 8) : يعتبر في الحالف : البلوغ والعقل والاختيار والقصد وانتفاء الحجر في متعلّقه ، فلا تنعقد يمين الصغير والمجنون مطبقاً أو أدواراً حال دوره ، ولا المكره ولا السكران ، بل ولا الغضبان في شدّة الغضب السالب للقصد ، ولا المحجور عليه فيما حجر عليه . (مسألة 9) : لا تنعقد يمين الولد مع منع الوالد ، ولايمين الزوجة مع منع الزوج([1]) ، إلاّ أن يكون المحلوف عليه فعل واجب أو ترك حرام وكان المنع متوجّهاً إليه ، وأمّا إذا كان متوجّهاً إلى الحلف فلايبعد عدم انعقاده . ولو حلفا في غير ذلك كان للأب أو الزوج حلّ اليمين وارتفع أثرها ، فلا حنث ولا كفّارة عليه . وهل يُشترط إذنهما ورضاهما في انعقاد يمينهما ; حتّى أنّه لو لم يطّلعا على حلفهما أو لم يحلاّ مع علمهما لم تنعقد أصلاً ، أو لابل كان منعهما مانعاً عن انعقادها وحلّهما رافعاً لاستمرارها ، فتصحّ وتنعقد في الصورتين المزبورتين ؟ قولان ، أوّلهما([2]) لايخلو من رجحان ، فحينئذ لايبعد عدم الانعقاد بدون إذنهما ; حتّى في فعل واجب أو ترك حرام ، لكن لا يُترك الاحتياط خصوصاً فيهما . (مسألة 10) : لا إشكال في انعقاد اليمين لو تعلّقت بفعل واجب أو مستحبّ أو بترك حرام أو مكروه ، وفي عدم انعقادها لو تعلّقت بفعل حرام أو مكروه أو بترك واجب أو مستحبّ . وأمّا المباح المتساوي الطرفين في نظر الشرع ، فإن ترجّح فعله على تركه بحسب المنافع والأغراض العقلائيّة الدنيويّة أو العكس ، فلا إشكال في انعقادها إذا تعلّقت بطرفه الراجح ، وعدم انعقادها لو تعلّقت بطرفه المرجوح ، ولو ساوى طرفاه ـ بحسب الدنيا أيضاً ـ فهل تنعقد إن تعلّقت به فعلاً أو تركاً ؟ قولان ، أشهرهما وأحوطهما أوّلهما ، بل لايخلو من قوّة . (مسألة 11) : كما لا تنعقد اليمين على ما كان مرجوحاً ، تنحلّ إن تعلّقت براجح ثمّ صار مرجوحاً ، ولو عاد إلى الرجحان لم تعد اليمين بعد انحلالها على الأقوى . (مسألة 12) : إنّما تنعقد اليمين على المقدور دون غيره ، ولو كان مقدوراً ثمّ طرأ عليه العجز بعدها ، انحلّت إذا كان عجزه في تمام الوقت المضروب للمحلوف عليه ، أو أبداً إذا كان الحلف مطلقاً . وكذا الحال في العسر والحرج الرافعين للتكليف . (مسألة 13) : إذا انعقدت اليمين وجب عليه الوفاء بها ، وحرمت عليه مخالفتها ، ووجبت الكفّارة بحنثها ، والحنث الموجب للكفّارة هي المخالفة عمداً ، فلو كانت جهلاً أو نسياناً أو اضطراراً أو إكراهاً فلا حنث ولا كفّارة . (مسألة 14) : لو كان متعلّق اليمين فعلاً ـ كالصلاة والصوم ـ فإن عيّن له وقتاً تعيّن ، وكان الوفاء بها بالإتيان به في وقته ، وحنثها بعدم الإتيان فيه وإن أتى به في وقت آخر ، وإن أطلق كان الوفاء بها بإيجاده في أيّ وقت كان ولو مرّة واحدة ، وحنثها بتركه بالمرّة . ولايجب التكرار ولا الفور والبدار ، ويجوز له التأخير ولو بالاختيار إلى أن يظنّ الفوت لظنّ طروّ العجز أو عروض الموت . وإن كان متعلّقها الترك ، كما إذا حلف أن لايشرب الدخان ـ مثلاً ـ فإن قيّده بزمان كان حنثها بإيجاده ولو مرّة في ذلك الزمان ، وإن أطلق كان مقتضاه التأبيد مدّة العمر ، فلو أتى به مدّته ولو مرّة تحقّق الحنث . (مسألة 15) : لو كان المحلوف عليه الإتيان بعمل ، كصوم يوم ; سواء كان مقيّداً بزمان كصوم يوم من شعبان ، أو مطلقاً ، لم يكن له إلاّ حنث واحد بتركه في الوقت المضروب أو مطلقاً . وكذلك إذا كان ترك عمل على الإطلاق ـ سواء قيّده بزمان أم لا ـ فالوفاء بها بتركه في الوقت المضروب أو مطلقاً ، وحنثها بإيقاعه ولو مرّة واحدة ، فلو أتى به حنث وانحلّت اليمين ، فلو أتى به مراراً لم يحنث إلاّ مرّة واحدة ، فلا تتكرّر الكفّارة . والأقوى أنّ الأمر كذلك لو حلف على أن يصوم كلّ خميس ، أو حلف أن لايشرب الدخان كلّ جمعة ، فلايتكرّر الحنث والكفّارة لو ترك الصوم في أكثر من يوم ، أو شرب الدخان في أكثر من جمعة ، وتنحلّ اليمين بالمخالفة الاُولى ، والاحتياط حسن . (مسألة 16) : كفّارة اليمين : عتق رقبة ، أو إطعام عشرة مساكين ، أو كسوتهم ، فإن لم يقدر فصيام ثلاثة أيّام([3]) ، وسيجيء تفصيلها في الكفّارات إن شاء الله تعالى . (مسألة 17) : الأيمان الصادقة كلّها مكروهة ; سواء كانت على الماضي أو المستقبل . نعم لو قصد بها دفع مظلمة عن نفسه أو غيره من إخوانه ، جاز بلا كراهة ولو كذباً ، بل ربما تجب اليمين الكاذبة لدفع ظالم عن نفسه أو عرضه ، أو عن نفس مؤمن أو عرضه ، والأقوى عدم وجوب التورية وإن أحسنها . (مسألة 18) : الأقوى جواز الحلف بغير الله في الماضي والمستقبل وإن لم يترتّب على مخالفته إثم ولا كفّارة ، كما أنّه ليس قسماً فاصلاً في الدعاوي والمرافعات . -------------------------------------------------------------------------------- [1] ـ فيما كان يمينها بما ينافي حقّ الزوج في الاستمتاع، وكذا فيما يكون يمين الولد بقصد إيذاء الوالد; فإنّهما القدر المتيّقن من أخبار الباب، وعليه فيمينهما في غيرهما صحيح ولو مع منعهما; قضاءً للأصل، لعدم كون مانعية منعهما معلومة، فتكون مرفوعة بحديث الرفع وإطلاق أدلّة اليمين. [2] ـ بل ثانيهما، كما قوّاه «الجواهر»، ونسبه في «المسالك»، وفي محكي «المفاتيح» إلى الشهرة. (جواهر الكلام 35: 260; مسالك الأفهام 11: 206; جواهر الكلام 35: 260) [3] ـ متتابعات على الأحوط.
|