|
القول في الذباحة
والكلام في الذابح وآلة الذبح وكيفيّته وبعض الأحكام المتعلّقة به في طيّ مسائل : (مسألة 1) : يشترط في الذابح : أن يكون مسلماً ([1]) أو بحكمه كالمتولّد منه ، فلا تحلّ ذبيحة الكافر مشركاً كان أم غيره ; حتّى الكتابي على الأقوى . ولايشترط فيه الإيمان ، فتحلّ ذبيحة جميع فرق الإسلام ، عدا الناصب وإن أظهر الإسلام . (مسألة 2) : لايشترط فيه الذكورة ولا البلوغ ولا غير ذلك ، فتحلّ ذبيحة المرأة ، فضلاً عن الخُنثى ، وكذا الحائض والجنب والنفساء والطفل إذا كان مميّزاً والأعمى والأغلف وولد الزنا . (مسألة 3) : لايجوز الذبح بغير الحديد مع الاختيار ، فإن ذبح بغيره مع التمكّن منه لم يحلّ ; وإن كان من المعادن المنطبعة كالصفر والنحاس والذهب والفضّة وغيرها . نعم لو لم يوجد الحديد وخيف فوت الذبيحة بتأخير ذبحها ، أو اضطرّ إليه([2]) ، جاز بكلّ ما يفري أعضاء الذبح ; ولو كان قصباً أو ليطة أو حجارة حادّة أو زجاجة أو غيرها . نعم في وقوع الذّكاة بالسنّ والظفر مع الضرورة إشكال ; وإن كان عدم الوقوع بهما في حال اتّصالهما بالمحلّ لايخلو من رجحان ، والأحوط الاجتناب مع الانفصال أيضاً ; وإن كان الوقوع لايخلو من قُرب . (مسألة 4) : الواجب في الذبح قطع تمام الأعضاء الأربعة : الحلقوم ، وهو مجرى النفس دخولاً وخروجاً ، والمريء ، وهو مجرى الطعام والشراب ، ومحلّه تحت الحلقوم ، والودجان ، وهما العرقان الغليظان المحيطان بالحلقوم أو المريء ، وربما يطلق على هذه الأربعة : الأوداج الأربعة ، واللازم قطعها وفصلها ، فلايكفي شقّها من دون القطع والفصل . (مسألة 5) : محلّ الذبح في الحلق تحت اللحيين على نحو يقطع به الأوداج الأربعة ، واللازم وقوعه تحت العقدة المسمّاة في لسان أهل هذا الزمان بـ «الجوزة» ، وجعلها في الرأس دون الجثّة والبدن ; بناءً على ما يدّعى من تعلّق الحلقوم أو الأعضاء الأربعة بتلك العقدة ; على وجه لو لم تبق في الرأس بتمامها ، ولم يقع الذبح من تحتها ، لم تقطع الأوداج بتمامها ، وهذا أمر يعرفه أهل الخبرة ، فإن كان الأمر كذلك ، أو لم يحصل العلم بقطعها بتمامها بدون ذلك ، فاللازم مراعاته ، كما أنّه يلزم أن يكون شيء من كلّ من الأوداج الأربعة على الرأس ; حتّى يعلم أنّها انقطعت وانفصلت عمّا يلي الرأس . (مسألة 6) : يشترط أن يكون الذبح من القدّام ، فلو ذبح من القفا وأسرع إلى أن قطع ما يعتبر قطعه من الأوداج قبل خروج الروح حرمت . نعم لو قطعها من القدّام ، لكن لا من الفوق ; بأن أدخل السكّين تحت الأعضاء وقطعها إلى الفوق ، لم تحرم الذبيحة وإن فعل مكروهاً على الأوجه ، والأحوط ترك هذا النحو . (مسألة 7) : يجب التتابع في الذبح ; بأن يستوفي قطع الأعضاء قبل زهوق الروح ، فلو قطع بعضها وأرسل الذبيحة حتّى انتهت إلى الموت ثمّ قطع الباقي حرمت ، بل لايترك الاحتياط بأن لايفصل بينها بما يخرج عن المتعارف المعتاد ; ولايعدّ معه عملاً واحداً عرفاً ، بل يعدّ عملين وإن استوفى التمام قبل خروج الروح منها . (مسألة 8) : لو قطع رقبة الذبيحة من القفا ، وبقيت أعضاء الذباحة ، فإن بقيت لها الحياة ـ المستكشفة بالحركة ولو يسيرة ـ بعد الذبح وقطع الأوداج حلّت ، وإن كان لها حركة ولو يسيرة قبل الذبح ذُبحت ، فإن خرج مع ذلك الدم المعتدل حلّت ، وإلاّ فإن لم تتحرّك حتّى يسيراً قبل الذبح حرمت ، وإن تحرّكت قبله ولم يخرج الدم المعتدل فمحلّ إشكال([3]) . (مسألة 9) : لو أخطأ الذابح وذبح من فوق العقدة ولم يقطع الأعضاء الأربعة ، فإن لم تبق لها الحياة حرمت ، وإن بقيت يمكن أن يتدارك ; بأن يتسارع إلى إيقاع الذبح من تحت ، وقطع الأعضاء وحلّت ، واستكشاف الحياة كما مرّ([4]) . (مسألة 10) : لو أكل الذئب ـ مثلاً ـ مذبح الحيوان وأدركه حيّاً ، فإن أكل تمام الأوداج الأربعة بتمامها ; بحيث لم يبق شيء منها ولا منها شيء ، فهو غير قابل للتذكية وحرمت ، وكذا إن أكلها من فوق أو من تحت ، وبقي مقدار من الجميع معلّقة بالرأس أو متّصلة بالبدن على الأحوط ، فلايحلّ بقطع ما بقي منها ، وكذلك لو أكل بعضها تماماً وأبقى بعضها كذلك ، كما إذا أكل الحُلقوم بالتمام وأبقى الباقي كذلك ، فلو قطع الباقي مع الشرائط يشكل وقوع التذكية عليه ، فلايترك الاحتياط . (مسألة 11) : يُشترط في التذكية الذبحيّة ـ مضافاً إلى ما مرّ ـ اُمور : أحدها : الاستقبال([5]) بالذبيحة حال الذبح ; بأن يوجّه مذبحها ومقاديم بدنها إلى القبلة ، فإن أخلّ به فإن كان عامداً عالماً حرمت ، وإن كان ناسياً أو جاهلاً أو مخطئاً في القبلة أو في العمل لم تحرم ، ولو لم يعلم جهة القبلة أو لم يتمكّن من توجيهها إليها سقط هذا الشرط . ولايشترط استقبال الذابح على الأقوى وإن كان أحوط وأولى . ثانيها : التسمية من الذابح ; بأن يذكر اسم الله عليها ، حينما يتشاغل بالذبح ، أو متّصلاً به عرفاً ، أو قبيله المتّصل به ، فلو أخلّ بها فإن كان عمداً حرمت ، وإن كان نسياناً لم تحرم . وفي إلحاق الجهل بالحكم بالنسيان أو العمد قولان ، أظهرهما الثاني([6]) . والمعتبر في التسمية وقوعها بهذا القصد ; أعني بعنوان كونها على الذبيحة ، ولا تجزي التسمية الاتّفاقيّة الصادرة لغرض آخر . ثالثها : صدور حركة منها بعد تماميّة الذبح ; كي تدلّ على وقوعه على الحيّ ولو كانت يسيرة ، مثل أن تطرف عينها أو تحرّك اُذنها أو ذنبها أو تركض برجلها ونحوها ، ولايحتاج مع ذلك إلى خروج الدم المعتدل ، فلو تحرّك ولم يخرج الدم ، أو خرج متثاقلاً ومتقاطراً ـ لا سائلاً معتدلاً ـ كفى في التذكية . وفي الاكتفاء به أيضاً ـ حتّى يكون المعتبر أحد الأمرين : من الحركة ، أو خروج الدم المعتدل ـ قول مشهور بين المتأخّرين ، ولايخلو من وجه ، لكن لاينبغي ترك الاحتياط . هذا إذا لم يعلم حياته ، وأمّا إذا علم حياته بخروج هذا الدم فيكتفى به بلا إشكال . (مسألة 12) : لايعتبر كيفيّة خاصّة في وضع الذبيحة على الأرض حال الذبح ، فلا فرق بين أن يضعها على الجانب الأيمن ، كهيئة الميّت حال الدفن ، وأن يضعها على الأيسر . (مسألة 13) : لايعتبر في التسمية كيفيّة خاصّة([7]) ; وأن تكون في ضمن البسملة ، بل المدار صدق ذكر اسم الله عليها ، فيكفي أن يقول : «بسم الله» ، أو «الله أكبر» ، أو «الحمد لله» ، أو «لا إله إلاّ الله» ، ونحوها . وفي الاكتفاء بلفظ «الله» ـ من دون أن يقرن بما يصير به كلاماً تامّاً ، دالاًّ على صفة كمال أو ثناء أو تمجيد ـ إشكال . نعم التعدّي من لفظ «الله» إلى سائر أسمائه الحسنى ـ كالرحمان والبارئ والخالق وغيرها من أسمائه الخاصّة ـ غير بعيد ، لكن لايترك الاحتياط فيه . كما أنّ التعدّي إلى ما يُرادف لفظ الجلالة في لغة اُخرى ـ كلفظة «يزدان» في الفارسية وغيرها في غيرها ـ لايخلو من وجه وقوّة ، لكن لاينبغي ترك الاحتياط بمراعاة العربيّة . (مسألة 14) : الأقوى عدم اعتبار استقرار الحياة في حلّيّة الذبيحة بالمعنى الذي فسّروه ، وهو أن لا تكون مشرفة على الموت ; بحيث لايمكن أن يعيش مثلها اليوم أو نصف اليوم ، كالمشقوق بطنه والمخرج حشوته والمذبوح من قفاه الباقية أوداجه والساقط من شاهق ونحوها ، بل المعتبر أصل الحياة ولو كانت عند إشراف الخروج ، فإن علم ذلك فهو ، وإلاّ يكون الكاشف عنها الحركة بعد الذبح ولو كانت يسيرة كما تقدّم . (مسألة 15) : لايشترط في حلّيّة الذبيحة بعد وقوع الذبح عليها حيّاً أن يكون خروج روحها بذلك الذبح ، فلو وقع عليها الذبح الشرعي ، ثمّ وقعت في نار أو ماء أو سقطت من جبل ونحو ذلك ، فماتت بذلك حلّت على الأقوى . (مسألة 16) : يختصّ الإبل من بين البهائم بكون تذكيتها بالنحر ، كما أنّ غيرها يختصّ بالذبح ، فلو ذبحت الإبل أو نحر غيرها كان ميتة([8]) . نعم لو بقيت له الحياة بعد ذلك أمكن التدارك ; بأن يذبح ما يجب ذبحه بعد ما نحر ، أو ينحر ما يجب نحره بعد ما ذبح ، ووقعت عليه التذكية . (مسألة 17) : كيفيّة النحر ومحلّه أن يدخل سكّيناً أو رمحاً ونحوهما من الآلات الحادّة الحديديّة في لبته ، وهي المحلّ المنخفض الواقع بين أصل العنق والصدر ، ويشترط فيه كلّ ما اشترط في التذكية الذبحيّة ، فيشترط في الناحر ما اشترط في الذابح ، وفي آلة النحر ما اشترط في آلة الذبح ، وتجب التسمية عنده كما تجب عند الذبح ، ويجب الاستقبال بالمنحور ، وفي اعتبار الحياة واستقرارها هنا ما مرّ في الذبيحة . (مسألة 18) : يجوز نحر الإبل قائمة وباركة مقبلة إلى القبلة ، بل يجوز نحرها ساقطة على جنبها ; مع توجيه منحرها ومقاديم بدنها إلى القبلة ; وإن كان الأفضل كونها قائمة . (مسألة 19) : كلّ ما يتعذّر ذبحه ونحره ـ إمّا لاستعصائه ، أو لوقوعه في موضع لايتمكّن الإنسان من الوصول إلى موضع ذكاته ليذبحه أو ينحره ، كما لو تردّى في البئر ، أو وقع في مكان ضيّق وخيف موته ـ جاز أن يعقره بسيف أو سكّين أو رمح أو غيرها ممّا يجرحه ويقتله ، ويحلّ أكله وإن لم يصادف العقر موضع التذكية ، وسقطت شرطيّة الذبح والنحر ، وكذلك الاستقبال . نعم سائر الشرائط من التسمية وشرائط الذابح والناحر تجب مراعاتها . وأمّا الآلة فيعتبر فيها ما مرّ في آلة الصيد الجماديّة ، وفي الاجتزاء هنا بعقر الكلب وجهان ، أقواهما ذلك في المستعصي ، ومنه الصائل المستعصي ، دون غيره كالمتردّي . (مسألة 20) : للذباحة والنحر آداب ووظائف مستحبّة ومكروهة : فمنها : ـ على ما حكي الفتوى به عن جماعة ـ أن يربط يدي الغنم مع إحدى رجليه ويطلق الاُخرى ، ويمسك صوفه وشعره بيده حتّى تبرد ، وفي البقر أن يعقل قوائمه الأربع ، ويطلق ذنبه ، وفي الإبل أن تكون قائمة ، ويربط يديها ما بين الخفّين إلى الركبتين أو الإبطين ويطلق رجليها ، وفي الطير أن يرسله بعد الذبح حتّى يرفرف . ومنها : أن يكون الذابح والناحر مستقبل القبلة . ومنها : أن يعرض عليه الماء قبل الذبح والنحر . ومنها : أن يعامل مع الحيوان في الذبح والنحر ومقدّماتهما ما هو الأسهل والأروح وأبعد من التعذيب والإيذاء له ; بأن يُساق إلى الذبح والنحر برفق ويضجعه برفق ، وأن يحدّد الشفرة ، وتوارى وتستر عنه حتّى لايراها ، وأن يسرع في العمل ويمرّ السكّين في المذبح بقوّة . وأمّا المكروهة فمنها : أن يسلخ جلده قبل خروج الروح ، وقيل بالحرمة وإن لم تحرم به الذبيحة ، وهو أحوط . ومنها : أن يقلب السكّين ويدخلها تحت الحلقوم ويقطع إلى فوق . ومنها : أن يذبح حيوان وحيوانٌ آخر مجانس له ينظر إليه ، وأمّا غيره ففيها تأمّل وإن لاتخلو من وجه . ومنها : أن يذبح ليلاً ، وبالنهار قبل الزوال يوم الجمعة ، إلاّ مع الضرورة . ومنها : أن يذبح بيده ما ربّاه من النعم . وأمّا إبانة الرأس قبل خروج الروح منه فالأحوط تركها ، بل الحرمة لا تخلو من وجه . نعم لا تحرم الذبيحة بفعلها على الأقوى . هذا مع التعمّد . وأمّا مع الغفلة أو سبق السكّين فلا حرمة ولا كراهة ـ لا في الأكل ، ولا في الإبانة ـ بلا إشكال . والأحوط ترك أن تنخع الذبيحة ; بمعنى إصابة السكّين إلى نخاعها ، وهو الخيط الأبيض وسط القفار الممتدّ من الرقبة إلى عجز الذنب . (مسألة 21) : لو خرج جنين أو اُخرج من بطن اُمّه ، فمع حياة الاُمّ أو موتها بدون التذكية ، لم يحلّ أكله إلاّ إذا كان حيّاً ووقعت عليه التذكية ، وكذا إن خرج أو اُخرج حيّاً من بطن اُمّه المذكّاة ، فإنّه لايحلّ إلاّ بالتذكية ، فلو لم يذكّ لم يحلّ وإن كان عدمها من جهة عدم اتّساع الزمان لها على الأقوى . وأمّا لو خرج أو اُخرج ميّتاً من بطن اُمّه المذكّاة ، حلّ أكله ، وكانت تذكيته بتذكية اُمّه ، لكن بشرط كونه تامّ الخلقة وقد أشعر أو أوبر وإلاّ فميتة ، ولا فرق في حلّيّته مع الشرط المزبور بين ما لم تلجه الروح وبين ما ولجته ومات في بطن اُمّه على الأقوى . (مسألة 22) : لو كان الجنين حيّاً حال إيقاع الذبح أو النحر على اُمّه ، ومات بعده قبل أن يشقّ بطنها ويستخرج منها ، حلّ على الأقوى لو بادر على شقّ بطنها ولم يدرك حياته ، بل ولو لم يبادر ولم يؤخّر زائداً على القدر المتعارف في شقّ بطون الذبائح بعد الذبح ; وإن كان الأحوط المبادرة وعدم التأخير حتّى بالقدر المتعارف . ولو أخّـر زائداً عن المتعارف ومات قبل أن يشقّ البطن فالأحوط الاجتناب عنه . (مسألة 23) : لا إشكال في وقوع التذكية على كلّ حيوان حلّ أكله ذاتاً ـ وإن حرم بالعارض كالجلاّل والموطوء ـ بحريّاً كان أو برّيّاً ، وحشيّاً كان أو إنسيّاً ، طيراً كان أو غيره ; وإن اختلف في كيفيّة التذكية على ما مرّ . وأثر التذكية فيها : طهارة لحمها وجلدها([9])وحلّيّة لحمها لو لم يحرم بالعارض . وأمّا غير المأكول من الحيوان فما ليس له نفس سائلة لا أثر للتذكية فيه ; لا من حيث الطهارة ولا من حيث الحلّيّة ; لأنّه طاهر ومحرّم أكله على كلّ حال . وما كان له نفس سائلة فإن كان نجس العين ـ كالكلب والخنزير ـ فليس قابلاً للتذكية . وكذا المسوخ غير السباع كالفيل والدبّ والقرد ونحوها . وكذا الحشرات ، وهي الدوابّ الصغار التي تسكن باطن الأرض ، كالفأرة وابن عرس والضّبّ ونحوها على الأحوط الذي لا يُترك فيهما ; وإن كانت الطهارة لا تخلو من وجه . وأمّا السباع وهي ما تفترس الحيوان وتأكل اللحم ; سواء كانت من الوحوش كالأسد والنمر والفهد والثعلب وابن آوى وغيرها ، أو من الطيور كالصقر والبازي والباشق وغيرها ، فالأقوى قبولها للتذكية ، وبها تطهر لحومها وجلودها ، فيحلّ الانتفاع بها ; بأن تلبس في غير الصلاة ويفترش بها ، بل بأن تجعل وعاءً للمائعات ، كأن تجعل قربة ماء أو عكّة سمن أو دبّة دهن ونحوها وإن لم تدبغ على الأقوى ; وإن كان الأحوط أن لا تستعمل ما لم تكن مدبوغة . (مسألة 24) : الظاهر أنّ جميع أنواع الحيوان المحرّم الأكل ممّا كانت له نفس سائلة ـ غير ما ذكر آنفاً ـ تقع عليها التذكية ، فتطهر بها لحومها وجلودها . (مسألة 25) : تذكية جميع ما يقبل التذكية من الحيوان المحرّم الأكل ، إنّما تكون بالذبح([10]) مع الشرائط المعتبرة في ذبح الحيوان المحلّل ، وكذا بالاصطياد بالآلة الجماديّة في خصوص الممتنع منها كالمحلّل . وفي تذكيتها بالاصطياد بالكلب المعلّم تردّد وإشكال . (مسألة 26) : ما كان بيد المسلم من اللحوم والشحوم والجلود ـ إذا لم يعلم كونها من غير المذكّى ـ يؤخذ منه ويعامل معه معاملة المذكّى ; بشرط تصرّف ذي اليد فيه تصرّفاً مشروطاً بالتذكية على الأحوط([11]) ، فحينئذ يجوز بيعه وشراؤه وأكله واستصحابه في الصلاة ، وسائر الاستعمالات المتوقّفة على التذكية ، ولايجب عليه الفحص والسؤال ، بل ولايستحبّ ، بل نهي عنه . وكذلك ما يباع منها في سوق المسلمين ; سواء كان بيد المسلم أو مجهول الحال ، بل وكذا ما كان مطروحاً في أرضهم إذا كان فيه أثر الاستعمال ، كما إذا كان اللحم مطبوخاً والجلد مخيطاً أو مدبوغاً . وكذا إذا اُخذ من الكافر ، وعلم كونه مسبوقاً بيد المسلم ـ على الأقوى ـ بشرط مراعاة الاحتياط المتقدّم . وأمّا ما يؤخذ من يد الكافر ـ ولو في بلاد المسلمين ـ ولم يعلم كونه مسبوقاً بيد المسلم ، وما كان بيد مجهول الحال في بلاد الكفّار ، أو كان مطروحاً في أرضهم ولم يعلم أنّه مسبوق بيد المسلم واستعماله ، يعامل معه معاملة غير المذكّى ، وهو بحكم الميتة([12]) . والمدار في كون البلد أو الأرض منسوباً إلى المسلمين غلبة السكّان القاطنين ; بحيث ينسب عرفاً إليهم ولو كانوا تحت سلطة الكفّار . كما أنّ هذا هو المدار في بلد الكفّار . ولو تساوت النسبة من جهة عدم الغلبة فحكمه حكم بلد الكفّار . (مسألة 27) : لا فرق في إباحة ما يؤخذ من يد المسلم بين كونه مؤمناً ، أو مخالفاً يعتقد طهارة جلد الميتة بالدبغ ، ويستحلّ ذبائح أهل الكتاب ، ولايراعي الشروط التي اعتبرناها في التذكية . وكذا لا فرق بين كون الآخذ موافقاً مع المأخوذ منه في شرائط التذكية ـ اجتهاداً أو تقليداً ـ أو مخالفاً معه فيها ; إذا احتمل الآخذ تذكيته على وفق مذهبه ، كما إذا اعتقد الآخذ لزوم التسمية بالعربيّة ، دون المأخوذ منه إذا احتمل أنّ ما بيده قد روعي فيه ذلك ; وإن لم يلزم رعايته عنده . والله العالم . -------------------------------------------------------------------------------- [1] ـ شرطية الإسلام في الذابح محلّ تأمّل وإشكال، بل منع. والمستفاد من الأخبار الواردة في ذبيحة أهل الكتاب وغير المسلم أنّ الشرط في الحلّ الذبح والتسمية، فكلّ ذبيحة ذكر اسم اللّه عليها حلال ومذكّى. نعم عدم النصب وعدم العداوة لأهل البيت (صلوات اللّه عليهم أجمعين) بخصوصه شرط في الذابح، فلايحلّ ذبيحة الناصب وإن روعي فيها جميع الشرائط; فإنّ العداوة والنصب لهم(عليهم السلام) من موانع الحلّية والتذكية، كما أنّ الكفر بمعنى إنكار الحقّ عن عناد لايبعد إلحاقه بالنصب. وبالجملة يشترط في الحلّية الذبح والتسمية وعدم النصب والكفر بالمعنى المذكور . [2] ـ بل ولو لم يتمكّن من الحديد ولم يكن في يده من دون اضطرار. [3] ـ مع الشكّ في حياته ولو حياة غير مستقرّة قبل الذبح، وإلاّ فمع العلم بحياته كذلك فعدم خروج الدم المعتدل غير مضرّ بالتذكية; لكون شرطيته من باب الأمارية لا الموضوعية. [4] ـ على ما مرّ. [5] ـ شرطيّته في غير المسلم ممّن تحلّ ذبيحته مع التسمية غير معلوم، بل ظاهر الأخبار عدمها فيه وكفاية التسمية والذبح، فتكون عدم الشرطية فيه كعدمه في الناسي والجاهل والمخطئ في القبلة أو في العمل. [6] ـ إذا كان جاهلاً مقصرّاً، أي شاكّاً مردّداً في اعتبار التسمية، فإنّ عليه السؤال والاحتياط، وأمّا إذا كان قاصراً بأن كان غافلاً فالأقوى هو الإلحاق بالناسي. [7] ـ كما لايعتبر فيها الاعتقاد بالشرطية أو باللّه تعالى، بل يكفي التسمية للذبيحة من دون الاعتقاد، ولو بداعي حلّية الذبيحة لمن يشترطها; قضاءً لإطلاق الآية وبعض الأخبار وعدم الدليل على لزوم الاعتقاد فيها. [8] ـ أي غير مذكّى. [9] ـ الطهارة فيهما غير موقوفة على التذكية بمعنى الذبح مع الشرائط، كما مرّ في النجاسات. [10] ـ بما أنّ المقصود منها الطهارة، فهي غير مشروطة بالتذكية، بل يكفي فيها عدم الموت بموت حتف أنفه. [11] ـ وإن كان الأقوى عدم شرطية ذلك التصرّف; قضاءً لإطلاق الأخبار والفتاوى. هذا، مع أنّ الباب باب السعة، فتدبّر جيّداً. [12] ـ في حرمة الأكل، دون بقيّة أحكامها من عدم جواز الصلاة والنجاسة وحرمة البيع على القول بها; لعدم الدليل على نجاسة غير المذكّى بمعنى المذبوح من دون الشرائط الشرعية، ولا على مانعيته في الصلاة، فإنّ الموضوع في أدلّة النجاسة والمانعية «الميتة» الظاهرة في معناها العرفي، وهو الموت بحتف الأنف، وقد مرّ الكلام فيه في النجاسات. وعليه، فالحقّ في المسألة التفصيل بين ما شكّ في كونه ميتةً بحتف أنفه أو كونه مذكّى، وبين ما شُكّ في رعاية شرائط التذكية بعد إحراز الذبح بالإلحاق بالميتة في جميع الأحكام في الأوّل دون الثاني، فإنّه مختصّ بحرمة الأكل، وأصالة عدم التذكية على جريانها غير مثبتة للميتة بمعناها العرفي، كما لايخفى.
|