|
القول في لقطة غير الحيوان
وهي التي يطلق عليها «اللقطة» عند الإطلاق ، واللقطة بالمعنى الأخصّ . ويعتبر فيها عدم معرفة المالك ، فهي قسم من مجهول المالك ، لها أحكام خاصّة . (مسألة 1) : يعتبر فيها الضياع عن المالك ، فما يؤخذ من يد الغاصب والسارق ليس من اللقطة ; لعدم الضياع عن مالكه ، بل لابدّ في ترتيب أحكامها من إحراز الضياع ولو بشاهد الحال ، فالمداس المتبدل بمداسه في المساجد ونحوها ، يشكل ترتيب أحكام اللقطة عليه ، وكذا الثوب المتبدّل بثوبه في الحمّام ونحوه ; لاحتمال تعمّد المالك في التبديل ، ومعه يكون من مجهول المالك ، لا من اللقطة . (مسألة 2) : يعتبر في صدق اللقطة وثبوت أحكامها الأخذ والالتقاط ، فلو رأى غيره شيئاً وأخبر به فأخذه كان حكمها على الآخذ ، دون الرائي وإن تسبّب منه ، بل لو قال ناولنيه ، فنوى المأمور الأخذ لنفسه ، كان هو الملتقط دون الآمر ، ولو أخذه لا لنفسه وناوله إيّاه ، ففي كون الآمر ملتقطاً إشكال([1]) ، فضلاً عن أخذه بأمره ونيابته ; من دون أن يناوله إيّاه . (مسألة 3) : لو رأى شيئاً مطروحاً على الأرض فأخذه بظن أنّه ماله ، فتبيّن أنّه ضائع عن غيره ، صار بذلك لقطة([2]) وعليه حكمها . وكذا لو رأى مالاً ضائعاً فنحّاه بعد أخذه من جانب إلى آخر . نعم لو دفعه برجله أو بيده ـ من غير أخذ ليتعرّفه ـ فالظاهر عدم صيرورته بذلك ملتقطاً ، بل ولا ضامناً ; لعدم صدق اليد والأخذ([3]) . (مسألة 4) : المال المجهول المالك غير الضائع لايجوز أخذه ووضع اليد عليه ، فإن أخذه كان غاصباً ضامناً إلاّ إذا كان في معرض التلف ، فيجوز بقصد الحفظ([4]) ، ويكون ـ حينئذ ـ في يده أمانة شرعيّة([5]) ، ولايضمن إلاّ بالتعدّي أو التفريط . وعلى كلّ ـ من تقديري جواز الأخذ وعدمه ـ لو أخذه ، يجب عليه الفحص عن مالكه إلى أن يئس من الظفر به ، وعند ذلك يجب عليه أن يتصدّق به أو بثمنه ، ولو كان ممّا يعرض عليه الفساد ولايبقى بنفسه يبيعه أو يقوّمه ويصرفه ، والأحوط([6]) أن يكون البيع بإذن الحاكم مع الإمكان ، ثمّ بعد اليأس عن الظفر بصاحبه يتصدّق بالثمن . (مسألة 5) : كلّ مال غير الحيوان اُحرز ضياعه عن مالكه المجهول ولو بشاهد الحال ـ وهو الذي يطلق عليه اللقطة كما مرّ ـ يجوز أخذه والتقاطه على كراهة ، وإن كان المال الضائع في الحرم ـ أي حرم مكّة زادها الله شرفاً وتعظيماً ـ اشتدّت كراهة التقاطه ، بل لاينبغي ترك الاحتياط بتركه . (مسألة 6) : اللقطة إن كانت قيمتها دون الدرهم([7]) جاز تملّكها في الحال ; من دون تعريف وفحص عن مالكها ، ولايملكها قهراً بدون قصد التملّك على الأقوى ، فإن جاء مالكها ـ بعد ما التقطها ـ دفعها إليه مع بقائها وإن تملّكها على الأحوط لو لم يكن الأقوى ، وإن كانت تالفة لم يضمنها الملتقط ، وليس عليه عوضها إن كان بعد التملّك ، وكذا قبله إن تلفت من غير تفريط منه . وإن كانت قيمتها درهماً أو أزيد وجب عليه تعريفها والفحص عن صاحبها ، فإن لم يظفر به ، فإن كانت لقطة الحرم تخيّر بين أمرين : التصدّق بها مع الضمان كاللقطة في غير الحرم ، أو إبقاؤها وحفظها لمالكها فلا ضمان عليه ، وليس له تملّكها . وإن كانت لقطة غير الحرم تخيّر بين اُمور ثلاثة : تملّكها ، والتصدّق بها ، مع الضمان فيهما ، وإبقاؤها أمانة بيده من غير ضمان . (مسألة 7) : الدرهم هو الفضّة المسكوكة الرائجة في المعاملة ، وهو وإن اختلف عياره بحسب الأزمنة والأمكنة ، إلاّ أنّ المراد هنا ما كان على وزن اثنتي عشرة حمّصة ونصف حمّصة وعشرها . وبعبارة اُخرى : نصف مثقال وربع عشر المثقال بالمثقال الصيرفي ، الذي يساوي أربع وعشرين حمّصة معتدلة ، فالدرهم يقارب نصف ريال عجميّ ، وكذا ربع روپية انگليزية . (مسألة 8) : المدار في القيمة([8]) مكان الالتقاط وزمانه في اللقطة وفي الدرهم . فإن وجد شيئاً في بلاد العجم ـ مثلاً ـ وكان قيمته في بلد الالتقاط وزمانه أقلّ من نصف ريال ، أو وجد في بلاد تكون الرائج فيها الروپية ، وكان قيمته أقلّ من ربعها ، جاز تملّكه في الحال ، ولايجب تعريفه . (مسألة 9) : يجب التعريف فيما لم يكن أقلّ من الدرهم([9]) فوراً على الأحوط . نعم لايجوز التسامح والإهمال والتساهل فيه ، فلو أخّره كذلك عصى إلاّ مع العذر ، وعلى أيّ حال لم يسقط التعريف . (مسألة 10) : قيل : لايجب التعريف إلاّ إذا كان ناوياً للتملّك بعده ، والأقوى وجوبه مطلقاً ; وإن كان من نيّته ذلك أو التصدّق أو الحفظ لمالكها ، أو غير ناو لشيء أصلاً . (مسألة 11) : مدّة التعريف الواجب سنة كاملة ، ولايشترط فيها التوالي ، فإن عرّفها في ثلاثة شهور في سنة على نحو يقال في العرف : إنّه عرّفها في تلك المدّة ، ثمّ ترك التعريف بالمرّة ، ثمّ عرّفها في سنة اُخرى ثلاثة شهور وهكذا إلى أن كمل مقدار سنة في ضمن أربع سنوات ـ مثلاً ـ كفى في تحقّق التعريف الذي هو شرط لجواز التملّك والتصدّق ، وسقط عنه ما وجب عليه ; وإن كان عاصياً في تأخيره بهذا المقدار إن كان بدون عذر . (مسألة 12) : لايعتبر في التعريف مباشرة الملتقط ، بل يجوز استنابة الغير مجّاناً أو بالاُجرة مع الاطمئنان بإيقاعه . والظاهر أنّ اُجرة التعريف على الملتقط ، إلاّ إذا كان من قصده أن يبقى بيده ويحفظها لمالكه ، فإنّ في كون الاُجرة على المالك أو عليه تردّداً ، والأحوط التصالح . (مسألة 13) : لو علم بأنّ التعريف لا فائدة فيه ، أو حصل له اليأس من وجدان مالكها قبل تمام السنة ، سقط وتخيّر بين الأمرين في لقطة الحرم ، والأحوط ذلك في لقطة غيره أيضاً . (مسألة 14) : لو تعذّر التعريف في أثناء السنة انتظر رفع العذر ، وليس عليه بعد ارتفاع العذر استئناف السنة ، بل يكفي تتميمها . (مسألة 15) : لو علم بعد تعريف سنة أنّه لو زاد عليها عثر على صاحبه ، فهل يجب الزيادة إلى أن يعثر عليه أم لا ؟ وجهان ، أحوطهما الأوّل ، خصوصاً إذا علم بعثوره مع زيادة يسيرة . (مسألة 16) : لو ضاعت اللقطة من الملتقط ووجدها شخص آخر ، لم يجب عليه التعريف ، بل يجب عليه إيصالها إلى الملتقط الأوّل . نعم لو لم يعرّفه وجب عليه التعريف سنة طالباً به المالك أو الملتقط الأوّل ، فأيّاً منهما عثر عليه يجب دفعها إليه ; من غير فرق بين ما كان ضياعها من الملتقط قبل تعريفه سنة أو بعده . (مسألة 17) : إذا كانت اللقطة ممّا لا تبقى لسنة ـ كالطبيخ والبطّيخ واللحم والفواكه والخضروات ـ جاز أن يقوّمها على نفسه ويأكلها ويتصرّف فيها ، أو يبيعها من غيره ويحفظ ثمنها لمالكها ، والأحوط أن يكون بيعها بإذن الحاكم مع الإمكان ; وإن كان الأقوى عدم اعتباره ، والأحوط حفظها إلى آخر زمان الخوف من الفساد ، بل وجوبه لايخلو من قوّة . وكيف كان لايسقط التعريف ، فيحفظ خصوصيّاتها وصفاتها قبل أن يأكلها أو يبيعها ثمّ يعرّفها سنة ، فإن جاء صاحبها وقد باعها دفع ثمنها إليه ، وإن أكلها غرمها بقيمتها ، وإن لم يجئ فلا شيء عليه . (مسألة 18) : يتحقّق تعريف سنة بأن يكون في مدّة سنة ـ متوالية أو غير متوالية ـ مشغولاً بالتعريف ; بحيث لم يعد في العرف متسامحاً متساهلاً في الفحص عن مالكه ، بل عدّوه فاحصاً عنه في هذه المدّة ، ولايتقدّر ذلك بمقدار معيّن ، بل هو أمر عرفيّ . وقد نسب إلى المشهور تحديده : بأن يعرّف في الاُسبوع الأوّل في كلّ يوم مرّة ، ثمّ في بقيّة الشهر في كلّ اُسبوع مرّة ، وبعد ذلك في كلّ شهر مرّة . والظاهر أنّ المراد بيان أقلّ ما يصدق عليه تعريف سنة عرفاً ، ومرجعه إلى كفاية بضع وعشرين مرّة بهذه الكيفيّة . وفيه إشكال من جهة الإشكال في كفاية كلّ شهر مرّة في غير الشهر الأوّل ، والظاهر كفاية كلّ اُسبوع مرّة إلى تمام الحول ، والأحوط أن يكون في الاُسبوع الأوّل كلّ يوم مرّة . (مسألة 19) : محلّ التعريف مجامع الناس ، كالأسواق والمشاهد ومحلّ إقامة الجماعات ومجالس التعازي ، وكذا المساجد حين اجتماع الناس فيها وإن كره ذلك فيها ، فينبغي أن يكون على أبوابها حين دخول الناس فيها أو خروجهم عنها . (مسألة 20) : يجب أن يعرّف اللقطة في موضع الالتقاط مع احتمال وجود صاحبها فيه ; إن وجدها في محلّ متأهّل من بلد أو قرية ونحوهما ، ولو لم يقدر على البقاء لم يسافر بها ، بل استناب شخصاً أميناً ثقة ليعرّفها ، وإن وجدها في المفاوز والبراري والشوارع وأمثال ذلك عرّفها لمن يجده فيها ; حتّى أنّه لو اجتازت قافلة تبعهم وعرّفها فيهم ، فإن لم يجد المالك فيها أتمّ التعريف في غيرها من البلاد ; أيّ بلد شاء ممّا احتمل وجود صاحبها فيه ، وينبغي أن يكون في أقرب البلدان إليها فالأقرب مع الإمكان . (مسألة 21) : كيفيّة التعريف أن يقول المنادي : من ضاع له ذهب أو فضّة أو ثوب ؟ وما شاكل ذلك من الألفاظ بلغة يفهمها الأغلب . ويجوز أن يقول : من ضاع له شيء أو مال ؟ بل ربما قيل : إنّ ذلك أحوط وأولى ، فإذا ادّعى أحد ضياعه سأله عن خصوصيّاته وصفاته وعلاماته ; من وعائه وخيطه وصنعته واُمور يبعد اطّلاع غير المالك عليه ; من عدده وزمان ضياعه ومكانه وغير ذلك ، فإذا توافقت الصفات والخصوصيّات التي ذكرها مع الخصوصيّات الموجودة في ذلك المال ، فقد تمّ التعريف ، ولايضرّ جهله ببعض الخصوصيّات التي لايطّلع عليها المالك غالباً ، ولايلتفت إليها إلاّ نادراً . ألا ترى أنّ الكتاب الذي يملكه الإنسان ، ويقرؤه ويطالعه مدّة طويلة من الزمان ، لايطّلع غالباً على عدد أوراقه وصفحاته ؟ فلو لم يعرف مثل ذلك ، لكن وصفه بصفات وعلامات اُخر لا تخفى على المالك ، كفى في تعريفه وتوصيفه . (مسألة 22) : إذا لم تكن اللقطة قابلة للتعريف ; بأن لم تكن لها علامة وخصوصيّات ممتازة عن غيرها ; حتّى يصف بها من يدّعيها ويسأل عنها الملتقط ، كدينار واحد من الدنانير المتعارفة غير مصرور ولا مكسور ، سقط التعريف ، وحينئذ هل يتخيّر بين الاُمور الثلاثة المتقدّمة من دون تعريف ، أو يعامل معه معاملة مجهول المالك ، فيتعيّن التصدّق به ؟ وجهان ، أحوطهما الثاني([10]) . (مسألة 23) : إذا التقط اثنان لقطة واحدة ، فإن كانت دون درهم ، جاز لهما تملّكها في الحال من دون تعريف ، وكان بينهما بالتساوي . وإن كانت بمقدار درهم فما زاد ، وجب عليهما تعريفها وإن كانت حصّة كلّ منهما أقلّ من درهم ، ويجوز أن يتصدّى للتعريف كلاهما أو أحدهما ، أو يوزّع الحول عليهما بالتساوي أو التفاضل ، فإن توافقا على أحد الأنحاء فقد تأدّى ما هو الواجب عليهما وسقط عنهما ، وإن تعاسرا يوزّع الحول عليهما بالتساوي . وهكذا بالنسبة إلى اُجرة التعريف ـ لو كانت ـ عليهما . وبعد ما تمّ حول التعريف يجوز اتّفاقهما على التملّك أو التصدّق أو الإبقاء أمانة ، ويجوز أن يختار أحدهما غير ما يختار الآخر ; بأن يختار أحدهما التملّك والآخر التصدّق ـ مثلاً ـ بنصفه ، ثمّ إن تصدّى أحدهما لأداء تكليفه من التعريف ، وترك الآخر عصياناً أو لعذر ، فالظاهر عدم جواز تملّك التارك حصّته ، وأمّا المتصدّي فيجوز له تملّك حصّته إن عرّفها سنة ، والأحوط لهما ـ في صورة التوافق على التوزيع ـ أن ينوي كلّ منهما التعريف عنه وعن صاحبه ، وإلاّ فيشكل تملّكهما . وكذا في صورة التوافق على تصدّي أحدهما أن ينوي عن نفسه وعن صاحبه . (مسألة 24) : إذا التقط الصبيّ أو المجنون ، فما كان دون درهم ملكاه إن قصد وليّهما تملّكهما ، وأمّا تأثير قصدهما في ذلك فمحلّ إشكال ، بل منع ، وما كان مقدار درهم فما زاد يعرّف ، وكان التعريف على وليّهما ، وبعد تمام الحول يختار ما هو الأصلح لهما من التملّك لهما والتصدّق والإبقاء أمانة . (مسألة 25) : اللقطة في مدّة التعريف أمانة ; لايضمنها الملتقط إلاّ مع التعدّي أو التفريط . وكذا بعد تمام الحول إن اختار بقاءها عنده أمانة لمالكها ، وأمّا إن اختار التملّك أو التصدّق ، فإنّها تصير في ضمانه كما تعرفه . (مسألة 26) : إن وجد المالك وقد تملّكها الملتقط بعد التعريف ، فإن كانت العين باقية أخذها ، وليس له إلزام الملتقط بدفع البدل من المثل أو القيمة . وكذا ليس له إلزام المالك بأخذ البدل . وإن كانت تالفة أو منتقلة إلى الغير ببيع ونحوه ، أخذ بدلها من الملتقط من المثل أو القيمة . وإن وجد بعد ما تصدّق بها ، فليس له أن يرجع العين وإن كانت موجودة عند المتصدّق له ، وإنّما له أن يرجع على الملتقط ويأخذ منه بدل ماله إن لم يرض بالتصدّق ، وإن رضي به لم يكن له الرجوع عليه ، وكان أجر الصدقة له . هذا إذا وجد المالك . وأمّا إذا لم يوجد فلا شيء عليه في الصورتين . (مسألة 27) : لايسقط التعريف عن الملتقط بدفع اللقطة إلى الحاكم ; وإن جاز له دفعها إليه قبل التعريف وبعده ، بل إن اختار التصدّق بها بعد التعريف ، كان الأولى أن يدفعها إليه ليتصدّق بها . (مسألة 28) : لو وجد المالك وقد حصل للّقطة نماء متّصل ، يتبع العين فيأخذها بنمائها ; سواء حصل قبل تمام التعريف أو بعده ، وسواء حصل قبل التملّك أو بعده . وأمّا النماء المنفصل ، فإن حصل بعد التملّك كان للملتقط ، فإذا كانت العين موجودة يدفعها إلى المالك دون نمائها ، وإن حصل في زمن التعريف أو بعده قبل التملّك كان للمالك . (مسألة 29) : لو حصل لها نماء منفصل بعد الالتقاط فعرّف العين حولاً ولم يجد المالك ، فهل له تملّك النماء بتبع العين أم لا ؟ وجهان ، أحوطهما الثاني ; بأن يعمل معه معاملة مجهول المالك ، فيتصدّق به بعد اليأس عن المالك . (مسألة 30) : ما يوجد مدفوناً في الخربة الدارسة ـ التي باد أهلها ـ وفي المفاوز وكلّ أرض لا ربّ لها ، فهو لواجده من دون تعريف ، وعليه الخمس مع صدق الكنز عليه ، كما مرّ في كتابه . وكذا لواجده ما كان مطروحاً وعلم أو ظنّ ـ بشهادة بعض العلائم والخصوصيّات ـ أنّه ليس لأهل زمن الواجد . وأمّا ما علم أنّه لأهل زمانه فهو لقطة ، فيجب تعريفه إن كان بمقدار الدرهم فما زاد ، وقد مرّ أنّه يعرّف في أيّ بلد شاء . (مسألة 31) : لو علم مالك اللقطة قبل التعريف أو بعده ، لكن لم يمكن الإيصال إليه ولا إلى وارثه ، ففي إجراء حكم اللقطة عليه ; من التخيير بين الاُمور الثلاثة ، أو إجراء حكم مجهول المالك عليه وتعيّن التصدّق به ، وجهان([11]) . والأحوط إرجاع الأمر إلى الحاكم . (مسألة 32) : لو مات الملتقط فإن كان بعد التعريف والتملّك ينتقل إلى وارثه ، وإن كان بعد التعريف وقبل التملّك يتخيّر وارثه بين الاُمور الثلاثة ، وإن كان قبل التعريف أو في أثنائه ، فلايبعد جريان حكم مجهول المالك عليه . (مسألة 33) : لو وجد مالاً في دار معمورة يسكنها الغير ـ سواء كانت ملكاً له ، أو مستأجرة ، أو مستعارة ، بل أو مغصوبة ـ عرّفه الساكن ، فإن ادّعى ملكيّته فهو له ، فليدفع إليه بلا بيّنة ، ولو قال : «لا أدري» ففي جريان هذا الحكم إشكال ، ولو سلبه عن نفسه فالأحوط إجراء حكم اللقطة عليه ، وأحوط منه إجراء حكم مجهول المالك ، فيتصدّق به بعد اليأس عن المالك . (مسألة 34) : لو وجد شيئاً في جوف حيوان قد انتقل إليه من غيره ، فإن كان غير السمك ـ كالغنم والبقر ـ عرّفه صاحبه السابق ، فإن ادّعاه دفعه إليه ، وكذا إن قال : «لا أدري» على الأحوط ; وإن كان الأقوى أنّه لواجده ، وإن أنكره كان للواجد . وإن وجد شيئاً ـ لؤلؤة أو غيرها([12]) ـ في جوف سمكة([13]) اشتراها فهو له . والظاهر أنّ الحيوان الذي لم يكن له مالك سابق غير السمك بحكم السمك ، كما إذا اصطاد غزالاً فوجد في جوفه شيئاً ; وإن كان الأحوط إجراء حكم اللّقطة أو مجهول المالك عليه . (مسألة 35) : لو وجد في داره التي يسكنها شيئاً ولم يعلم أنّه ماله أو مال غيره ، فإن لم يدخلها غيره ، أو يدخلها آحاد من الناس من باب الاتّفاق ـ كالدخلانيّة المعدّة لأهله وعياله ـ فهو له . وإن كانت ممّا يتردّد فيها الناس ـ كالبرّانيّة المعدّة للأضياف والواردين والعائدين والمضايف ونحوها ـ فهو لقطة يجري عليه حكمها . وإن وجد في صندوقه شيئاً ولم يعلم أنّه ماله أو مال غيره فهو له ، إلاّ إذا كان غيره يدخل يده فيه أو يضع فيه شيئاً فيعرّفه ذلك الغير ، فإن أنكره كان له لا لذلك الغير ، وإن ادّعاه دفعه إليه ، وإن قال : «لا أدري» فالأحوط التصالح . (مسألة 36) : لو أخذ من شخص مالاً ، ثمّ علم أنّه لغيره قد اُخذ منه بغير وجه شرعيّ وعدواناً ، ولم يعرف المالك ، يجري عليه حكم مجهول المالك ، لا اللّقطة ; لما مرّ من أنّه يعتبر في صدقها الضياع عن المالك ، ولا ضياع في هذا الفرض . نعم في خصوص ما إذا أودع عنده سارق مالاً ، ثمّ تبيّن أنّه مال غيره ولم يعرفه ، يجب عليه أن يمسكه ولايردّه إلى السارق مع الإمكان ، ثمّ هو بحكم اللقطة ، فيعرّفه حولاً ، فإن أصاب صاحبه ردّه عليه ، وإلاّ تصدّق به ، فإن جاء صاحبه بعد ذلك خيّره بين الأجر والغرم ، فإن اختار الأجر فله ، وإن اختار الغرم غرم له وكان الأجر له ، وليس له ـ على الأحوط ـ أن يتملّكه بعد التعريف ، فليس هو بحكم اللقطة من هذه الجهة . (مسألة 37) : لو التقط شيئاً فبعدما صار في يده ادّعاه شخص حاضر ، وقال : «إنّه مالي» ، يشكل دفعه إليه بمجرّد دعواه ، بل يحتاج إلى البيّنة إلاّ إذا كان بحيث يصدق عرفاً أنّه في يده ، أو ادّعاه قبل أن يلتقطه ، فيحكم بكونه ملكاً للمدّعي ، ولايجوز له أن يلتقطه . (مسألة 38) : لايجب دفع اللقطة إلى من يدّعيها إلاّ مع العلم أو البيّنة([14]) وإن وصفها بصفات وعلامات لايطّلع عليها غير المالك غالباً إذا لم يفد القطع بكونه المالك . نعم نسب إلى الأكثر : أنّه إن أفاد الظنّ جاز دفعها إليه ، فإن تبرّع بالدفع لم يمنع ، وإن امتنع لم يجبر ، وهو الأقوى([15]) ; وإن كان الأحوط الاقتصار في الدفع على صورة العلم أو البيّنة . (مسألة 39) : لو تبدّل مداسه بمداس آخر في مسجد أو غيره ، أو تبدّل ثيابه في حمّام أو غيره بثياب آخر ، فإن علم أنّ الموجود لمن أخذ ماله جاز أن يتصرّف فيه ، بل يتملّكه بعنوان التقاصّ عن ماله إذا علم أنّ صاحبه قد بدّله متعمّداً ، وجريان الحكم في غير ذلك محلّ إشكال ; وإن لايخلو من قرب لكن بعد الفحص([16]) عن صاحبه واليأس منه . وكذا يجب الفحص في صورة تعمّده . نعم لو كان الموجود أجود ممّا اُخذ يلاحظ التفاوت ، فيقوّمان معاً ويتصدّق مقدار التفاوت بعد اليأس عن صاحب المتروك ، وإن لم يعلم بأنّ المتروك لمن أخذ ماله أو لغيره ، يعامل معه معاملة مجهول المالك([17]) ، فيتفحّص عن صاحبه ومع اليأس عنه يتصدّق به ، بل الأحوط ذلك ـ أيضاً ـ فيما لو علم أنّ الموجود للآخذ لكن لم يعلم أنّه قد بدّل متعمّداً . -------------------------------------------------------------------------------- [1] ـ وإن كان الظاهر صدق الملتقط على الآمر، بل بناءً على صحّة الاستنابة والنيابة في الالتقاط ، كما في حيازة المباحات وإحياء الموات يكفي مجرّد أخذ المأمور النائب في صيرورة الآمر ملتقطاً; لكون يده بمنزلة يده وأخذه بمنزلة أخذه. [2] ـ في ثبوت اللقطة وأحكامها على هذا تأمّل وإشكال، بل منع; لعدم صدق الالتقاط وأخذ مال الضائع بذلك ، وكيف يحكم عليه بالضمان وبوجوب التعريف مع عدم الاختيار في أخذ الضائع واللقطة من جهة الجهل والغفلة . فعلى هذا ، له وضعه في محلّه وعوده إليه وليس بضامن. نعم استمرار الأخذ بعد العلم موجب للصدق وجريان أحكام اللقطة ، كما هو واضح. [3] ـ بل ومع الأخذ كذلك أيضاً; لكون الأخذ للتعرّف لا لأخذ مال الغير واللقطة. [4] ـ بل يستحبّ; لكونه برّاً وإحساناً. [5] ـ إحساناً وبرّاً. [6] ـ الاحتياط غير موجّه، فكما له التقويم وصرفه من دون الرجوع إلى الحاكم، فكذلك بيعه، فلاينبغي الفرق بينهما. [7] ـ ولم يكن لها طالب بحسب المتعارف والغالب، ففي صحيحة حريز عن أبي عبداللّه(عليه السلام)، قال: «لابأس بلقطة العصا والشظاظ والوتد والحبل والعقال وأشباهه، قال: وقال أبو جعفر(عليه السلام): ليس لهذا طالب». (وسائل الشيعة 25: 456 / 1) وأمّا إن لم يكن كذلك فالحقّ عدم الفرق بينه وبين الدرهم وما فوقه; قضاءً للإطلاقات وعدم الدليل على التقييد إلاّ مرسلة الصدوق. (وسائل الشيعة 25: 443 / 9) هذا مع أنّ الظاهر كون دون الدرهم كناية عن عدم الاعتناء وعدم المطالبة من دون موضوعية بخصوصه; لكونه كذلك في زمان صدور أخباره، ويشهد عليه ما في استثناء العصا والشظاظ والوتد والحبل والعقال في الرواية. [8] ـ المدار هو عدم المطالبة بها في زمان ومكانه الالتقاط. [9] ـ إذا كان له طالب بحسب المتعارف والغالب، كما مرّ. [10] ـ بل لايخلو من قوّة. [11] ـ ثانيهما لايخلو من قوّة. [12] ـ ممّا هو مخلوق في البحر. [13] ـ صيدت من المياه غير المحصورة كالبحار والأنهار، وأمّا الموجودة في المصيدة من المحصور منها المتعارف في زماننا لتربية الأسماك وتكثيرها فهو كالموجود في جوف مثل الغنم والبقر; قضاءً لإلغاء الخصوصية في الأحكام الثابتة لهما بصحيحة عبداللّه بن جعفر، (وسائل الشيعة 25: 452 / 1) وأنّ المناط سبق اليد، وظهور التغذية من ماله في كونه ملكاً لصاحب التغذية. [14] ـ أو غيرهما من الحجج الشرعية. [15] ـ إذا لم يكن متّهماً; لحجّية توصيفه بتلك الصفات، فإنّه المتعارف في تعريف المال الضائع، وقرّره الصادق(عليه السلام)وأمضاه في قصّة دفع سعيد بن عمرو الجعفي الكيس الذي فيه الدنانير بالوصف. (وسائل الشيعة 25: 449 / 1) هذا مضافاً إلى ما في صحيح البزنطي في الطير، وما في النبويّ الذي أمر فيه بحفظ عقاصها ووكائها من الظهور في حجّية التوصيف، وأنّه حجّة على ذلك. (وسائل الشيعة 25: 461 / 1; السنن الكبرى، البيهقي 6: 185) ومضافاً إلى كون الحجّية مؤيّدة بإفضاء عدم قبول الوصف المزبور إلى تهمة الملتقط، وعدم وصول المال إلى مالكه; لصعوبة إقامة مثل البيّنة على بعض الأموال وخصوصاً النقد منه. ولايخفى أنّ مقتضى القاعدة في حجّية التوصيف كغيره من الحجج لزوم الدفع ووجوبه إلى مدّعيها، وجبر الممتنع إذا طالبها المدّعي، فإنّ الحجّة مثبتة ودليل على كونها مال الغير، وبذلك يظهر ما في المتن وغيره من الجواز وعدم الجبر. [16] ـ بل قبله أيضاً; لعدم الدليل على وجوب الفحص فيما لم يعلم التعمّد، فضلاً عمّا علم، لأنّه المبدِّل ولو سهواً، (وَلاتَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ اُخْرَى). (الأنعام (6) : 164) [17] ـ إلاّ في التصرّفات الجزئية، مثل المشي بالمداس إلى البيت; لشهادة الحال برضى المالك بذلك، وعدم المدّعى للموجود.
|