|
كتاب النكاح
وهو من المستحبّات الأكيدة ، وما ورد في الحثّ عليه والذمّ على تركه ممّا لايحصى كثرة : فعن مولانا الباقر(عليه السلام) قال : «قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): ما بُني بناء في الإسلام أحبّ إلى الله عزّوجلّ من التزويج» ، وعن مولانا الصادق(عليه السلام) : «ركعتان يُصلّيهما المتزوّج أفضل من سبعين ركعة يصلّيهما عزبٌ» ، وعنه(عليه السلام) قال : «قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): رذّال موتاكم العزّاب» ، وفي خبر آخر عنه(صلى الله عليه وآله وسلم) : «أكثر أهل النار العزّاب» ، ولاينبغي أن يمنعه الفقر والعيلة ، بعد ما وعد الله ـ عزّوجلّ ـ بالإغناء والسعة بقوله عزّ من قائل : (إنْ يَكُونُوا فُقراءَ يُغْنِهمُ اللهُ من فَضلِهِ) ، فعن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) : «من ترك التزويج مخافة العيلة فقد أساء الظنّ بالله عزّوجلّ» هذا . وممّا يناسب تقديمه على مقاصد هذا الكتاب اُمور : بعضها متعلّق بمن ينبغي اختياره للزواج ومن لاينبغي ، وبعضها في آداب العقد ، وبعضها في آداب الخلوة مع الزوجة ، وبعضها من اللواحق التي لها مناسبة بالمقام ، وهي تذكر في ضمن مسائل : (مسألة 1) : ممّا ينبغي أن يهتمّ به الإنسان النظر في صفات من يريد تزويجها ، فعن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) : «اختاروا لنطفكم، فإنّ الخال أحد الضجيعين» ، وفي خبر آخر : «تخيّروا لنطفكم، فإنّ الأبناء تشبه الأخوال» . وعن مولانا الصادق(عليه السلام) لبعض أصحابه حين قال : قد هممت أن أتزوّج : «انظر أين تضع نفسك، ومن تشركه في مالك، وتطلعه على دينك وسرّك، فإن كنت لابدّ فاعلاً فبكراً تنسب إلى الخير وحسن الخلق» الخبر . وعنه(عليه السلام) : «إنّما المرأة قلادة، فانظر ما تتقلّد، وليس للمرأة خطر; لا لصالحتهنّ ولا لطالحتهنّ. فأمّا صالحتهنّ فليس خطرها الذهب والفضّة، هي خيرٌ من الذهب والفضّة، وأمّا طالحتهنّ فليس خطرها التراب، التراب خيرٌ منها» . وكما ينبغي للرجل أن ينظر فيمن يختارها للتزويج ، كذلك ينبغي ذلك للمرأة وأوليائها بالنسبة إلى الرجل ، فعن مولانا الرضا ، عن آبائه(عليهم السلام) ، عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال : «النكاح رقّ، فإذا أنكح أحدكم وليدته فقد أرقّها، فلينظر أحدكم لمن يرقّ كريمته» . (مسألة 2) : ينبغي أن لايكون النظر في اختيار المرأة مقصوراً على الجمال والمال ، فعن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) : «من تزوّج امرأة لايتزوّجها إلاّ لجمالها لم ير فيها ما يحبّ، ومن تزوّجها لمالها لايتزوّجها إلاّ له وكله الله إليه، فعليكم بذات الدين» . بل يختار من كانت واجدة لصفات شريفة صالحة قد وردت في مدحها الأخبار ، فاقدة لصفات ذميمة قد نطقت بذمّها الآثار ، وأجمع خبر في هذا الباب ما عن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)أنّه قال : «خير نسائكم الولود الودود العفيفة العزيزة في أهلها، الذليلة مع بعلها، المتبرجة مع زوجها، الحصان على غيره، التي تسمع قوله وتطيع أمره ـ إلى أن قال ـ ألا أخبركم بشرار نسائكم؟ الذليلة في أهلها، العزيزة مع بعلها، العقيم الحقود التي لا تتورّع من قبيح، المتبرّجة إذا غاب عنها بعلها، الحصان معه إذا حضر، لا تسمع قوله، ولا تطيع أمره، وإذا خلا بها بعلها تمنّعت منه كما تمنّع الصعبة عن ركوبها، لا تقبل منه عذراً ولا تقيل له ذنباً» . وفي خبر آخر عنه(صلى الله عليه وآله وسلم) : «إيّاكم وخضراء الدمن. قيل يارسول الله: وما خضراء الدمن؟ قال: المرأة الحسناء في منبت السوء» . (مسألة 3) : يكره تزويج الزانية([1]) والمتولّدة من الزنا وأن يتزوّج الشخص قابلته أو ابنتها . (مسألة 4) : لاينبغي للمرأة أن تختار زوجاً سيّئ الخلق والمخنّث والفاسق([2])وشارب الخمر . (مسألة 5) : يستحبّ الإشهاد في العقد والإعلان به والخطبة أمامه ، أكملها ما اشتملت على التحميد والصلاة على النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة المعصومين(عليهم السلام)والشهادتين ، والوصيّة بالتقوى ، والدعاء للزوجين . ويجزي الحمد لله والصلاة على محمّد وآله ، بل يجزي التحميد فقط وإيقاعه ليلاً . ويكره إيقاعه والقمر في برج العقرب وإيقاعه في محاق الشهر وفي أحد الأيام المنحوسة في كلّ شهر المشتهرة في الألسن بكوامل الشهر ، وهي سبعة : الثالث ، والخامس ، والثالث عشر ، والسادس عشر ، والحادي والعشرون والرابع والعشرون ، والخامس والعشرون . (مسألة 6) : يستحبّ أن يكون الزفاف ليلاً ، والوليمة في ليله أو نهاره ، فإنّها من سنن المرسلين وعن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) : «لا وليمة إلاّ في خمس: في عرس أو خرس أو عذار أو وكار أو ركاز» يعني للتزويج أو ولادة الولد أو الختان أو شراء الدار أو القدوم من مكّة ، وإنّما تستحبّ يوماً أو يومين لا أزيد ; للنبوي : «الوليمة في الأوّل حقّ، ويومان مكرمة، وثلاثة أيام رياء وسمعة» ، وينبغي أن يُدعى لها المؤمنون ، ويستحبّ لهم الإجابة والأكل وإن كان المدعوّ صائماً نفلاً ، وينبغي أن يعمّ صاحب الدعوة الأغنياء والفقراء ، وأن لايخصّها بالأغنياء ، فعن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) : «شرّ الولائم أن يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء» . (مسألة 7) : يستحبّ لمن أراد الدخول بالمرأة ليلة الزفاف أو يومه أن يصلّي ركعتين ثمّ يدعو بعدهما بالمأثور ، وأن يكونا على طهر ، وأن يضع يده على ناصيتها مستقبل القبلة ، ويقول : «أللّهمّ على كتابك تزوّجتها ، وفي أمانتك أخذتها ، وبكلماتك استحللت فرجها ، فإن قضيت في رحمها شيئاً فاجعله مسلماً سويّاً ، ولاتجعله شرك شيطان» . (مسألة 8) : للخلوة بالمرأة مطلقاً ولو في غير الزفاف آداب ، وهي بين مستحبّ ومكروه . أمّا المستحبّة فمنها : أن يسمّي عند الجماع ، فإنّه وقاية عن شرك الشيطان ، فعن الصادق(عليه السلام) : «أنّه إذا أتى أحدكم أهله فليذكر الله، فإن لم يفعل وكان منه ولد كان شرك شيطان» ، وفي معناه أخبار كثيرة . ومنها : أن يسأل الله تعالى أن يرزقه ولداً تقيّاً مباركاً زكيّاً ذكراً ([3]) سويّاً . ومنها : أن يكون على وضوء ، سيّما إذا كانت المرأة حاملاً . وأمّا المكروهة : فيكره الجماع في ليلة خسوف القمر ، ويوم كسوف الشمس ، ويوم هبوب الريح السوداء والصفراء والزلزلة ، وعند غروب الشمس حتّى يذهب الشفق ، وبعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، وفي المحاق ، وفي أوّل ليلة من كلّ شهر ، ما عدا شهر رمضان ، وفي ليلة النصف من كلّ شهر ، وليلة الأربعاء ، وفي ليلتي الأضحى والفطر . ويستحبّ ليلة الاثنين والثلاثاء والخميس والجمعة ويوم الخميس عند الزوال ، ويوم الجمعة بعد العصر ، ويكره الجماع في السفر إذا لم يكن معه ماء يغتسل به ، والجماع وهو عريان وعقيب الاحتلام قبل الغسل . نعم لابأس بأن يجامع مرّات من غير تخلّل الغسل بينها ويكون غسله أخيراً ، لكن يستحبّ غسل الفرج والوضوء عند كلّ مرّة . وأن يجامع وعنده من ينظر إليه حتّى الصبيّ والصبيّة ، والجماع مستقبل القبلة ومستدبرها ، وفي السفينة ، والكلام عند الجماع بغير ذكر الله ، والجماع وهو مختضب أو هي مختضبة ، وعلى الامتلاء من الطعام . فعن الصادق(عليه السلام) : «ثلاث يهدمن البدن وربما قتلن: دخول الحمّام على البطنة، والغشيان على الامتلاء، ونكاح العجائز» . ويكره الجماع قائماً ، وتحت السماء ، وتحت الشجرة المثمرة ، ويكره أن تكون خرقة الرجل والمرأة واحدة ، بل يكون له خرقة ولها خرقة ، ولايمسحا بخرقة واحدة فتقع الشهوة على الشهوة ، ففي الخبر : «إنّ ذلك يعقب بينهما العداوة» . (مسألة 9) : يستحبّ التعجيل في تزويج البنت ، وتحصينها بالزوج عند بلوغها ، فعن الصادق(عليه السلام) : «من سعادة المرء أن لا تطمث ابنته في بيته» ، وفي الخبر : «إنّ الأبكار بمنزلة الثمر على الشجر إذا أدرك ثمارها فلم تجتن ، أفسدته الشمس ونثرته الرياح ، وكذلك الأبكار إذا أدركن ما تدرك النساء ، فليس لهنّ دواء إلاّ البعولة» ، وأن لايردّ الخاطب إذا كان من يرضى خلقه ودينه وأمانته ، وكان عفيفاً صاحب يسار ، ولا يُنظر إلى شرافة الحسب وعلوّ النسب ، فعن عليّ(عليه السلام) ، عن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) : «إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوّجوه. قلت يا رسول الله وإن كان دنيّاً في نسبه، قال: إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوّجوه ، إلاّ تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير»([4]) . (مسألة 10) : يستحبّ السعي في التزويج والشفاعة فيه وإرضاء الطرفين ، فعن الصادق(عليه السلام) قال : «قال أمير المؤمنين(عليه السلام) : أفضل الشفاعات أن تشفع بين اثنين في نكاح حتّى يجمع الله بينهما» . وعن الكاظم(عليه السلام) قال : «ثلاثة يستظلّون بظلّ عرش الله يوم القيامة يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه: رجل زوّج أخاه المسلم، أو أخدمه، أو كتم له سرّاً» ، وعن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) : «من عمل في تزويج بين مؤمنين حتّى يجمع بينهما، زوّجه الله ألف امرأة من الحور العين كلّ امرأة في قصر من درّ وياقوت، وكان له بكلّ خطوة خطاها، أو بكلّ كلمة تكلّم بها في ذلك، عمل سنة قام ليلها وصام نهارها، ومن عمل في فرقة بين امرأة وزوجها كان عليه غضب الله ولعنته في الدنيا والآخرة، وكان حقّاً على الله أن يرضخه بألف صخرة من نار، ومن مشى في فساد ما بينهما ولم يفرّق كان في سخط الله ـ عزّوجلّ ـ ولعنته في الدنيا والآخرة، وحرّم عليه النظر إلى وجهه» . (مسألة 11) : المشهور الأقوى جواز وطء الزوجة دبراً على كراهيّة شديدة ، والأحوط تركه خصوصاً ([5]) مع عدم رضاها . (مسألة 12) : لايجوز وطء الزوجة قبل إكمال تسع سنين([6]) ، دواماً كان النكاح أو منقطعاً ، وأمّا سائر الاستمتاعات ـ كاللمس بشهوة والضمّ والتفخيذ ـ فلابأس بها([7])حتّى في الرضيعة ، ولو وطئها قبل التسع ولم يفضها لم يترتّب عليه شيء غير الإثم على الأقوى ، وإن أفضاها ـ بأن جعل مسلكي البول والحيض واحداً ، أو مسلكي الحيض والغائط واحداً ـ حرم عليه وطؤها أبداً ([8]) ، لكن على الأحوط في الصورة الثانية . وعلى أيّ حال لم تخرج عن زوجيّته على الأقوى ، فيجري عليها أحكامها من التوارث وحرمة الخامسة وحرمة اُختها معها وغيرها ، ويجب عليه نفقتها مادامت حيّة وإن طلّقها ، بل وإن تزوّجت بعد الطلاق على الأحوط ، بل لايخلو من قوّة ، ويجب عليه دية الإفضاء([9]) ، وهي دية النفس ، فإذا كانت حرّة فلها نصف دية الرجل([10]) ، مضافاً إلى المهر الذي استحقّته بالعقد والدخول . ولو دخل بزوجته بعد إكمال التسع([11]) فأفضاها ، لم تحرم عليه ولم تثبت الدية ، ولكن الأحوط الإنفاق عليها مادامت حيّة وإن كان الأقوى([12]) عدم الوجوب . (مسألة 13) : لايجوز ترك وطء الزوجة أكثر من أربعة أشهر([13]) إلاّ بإذنها ; حتّى المنقطعة على الأقوى([14]) ، ويختصّ الحكم بصورة عدم العذر ، وأمّا معه فيجوز الترك مطلقاً ([15]) مادام وجود العذر ، كما إذا خيف الضرر عليه أو عليها ، ومن العذر عدم الميل المانع عن انتشار العضو . وهل يختصّ الحكم بالحاضر فلابأس على المسافر وإن طال سفره ، أو يعمّهما ; فلايجوز للمسافر إطالة سفره أزيد من أربعة أشهر ، بل يجب عليه مع عدم العذر الحضور لإيفاء حقّ زوجته ؟ قولان ، أظهرهما الأوّل([16]) ، لكن بشرط كون السفر ضروريّاً ولو عرفاً كسفر تجارة أو زيارة أو تحصيل علم ونحو ذلك ، دون ما كان لمجرّد الميل والاُنس والتفرّج ونحو ذلك على الأحوط . (مسألة 14) : لا إشكال في جواز العزل ، وهو إخراج الآلة عند الإنزال وإفراغ المنيّ إلى الخارج في غير الزوجة الدائمة الحرّة ، وكذا فيها مع إذنها . وأمّا فيها بدون إذنها ففيه قولان ، أشهرهما الجواز مع الكراهة وهو الأقوى . بل لايبعد عدم الكراهة في التي علم أنّها لا تلد ، وفي المسنّة والسليطة والبذيّة والتي لاترضع ولدها ، كما أنّ الأقوى عدم وجوب دية النطفة عليه وإن قلنا بالحرمة ، وقيل بوجوبها عليه للزوجة ، وهي عشرة دنانير ، وهو ضعيف في الغاية . (مسألة 15) : يجوز لكلّ من الزوج والزوجة النظر إلى جسد الآخر ظاهره وباطنه حتّى العورة ، وكذا مسّ كلّ منهما ـ بكلّ عضو منه ـ كلّ عضو من الآخر مع التلذّذ وبدونه . (مسألة 16) : لا إشكال في جواز نظر الرجل إلى ما عدا العورة من مماثله ; شيخاً كان المنظور إليه أو شابّاً حسن الصورة أو قبيحها ; ما لم يكن بتلذّذ وريبة . والعورة هي القبل والدبر والبيضتان . وكذا لا إشكال في جواز نظر المرأة إلى ما عدا العورة من مماثلها ، وأمّا عورتها فيحرم أن تنظر إليها كالرجل . (مسألة 17) : يجوز للرجل أن ينظر إلى جسد محارمه ما عدا العورة إذا لم يكن مع تلذّذ وريبة . والمراد بالمحارم : من يحرم عليه نكاحهنّ من جهة النسب أو الرضاع أو المصاهرة . وكذا يجوز لهنّ النظر إلى ما عدا العورة من جسده بدون تلذّذ وريبة . (مسألة 18) : لا إشكال في عدم جواز نظر الرجل إلى ما عدا الوجه والكفّين من المرأة الأجنبيّة من شعرها وسائر جسدها ; سواء كان فيه تلذّذ وريبة أم لا ، وكذا الوجه والكفّان إذا كان بتلذّذ وريبة . وأمّا بدونها ففيه قولان بل أقوال : الجواز مطلقاً ، وعدمه مطلقاً ، والتفصيل بين نظرة واحدة فالأوّل ، وتكرار النظر فالثاني . وأحوط الأقوال أوسطها([17]) . (مسألة 19) : لايجوز للمرأة النظر إلى الأجنبي كالعكس ، والأقرب استثناء الوجه والكفّين([18]) . (مسألة 20) : كلّ من يحرم النظر إليه يحرم مسّه ، فلايجوز مسّ الأجنبيّ الأجنبيّة وبالعكس ، بل لو قلنا بجواز النظر إلى الوجه والكفّين من الأجنبيّة لم نقل بجواز مسّهما منها ، فلايجوز للرجل مصافحتها . نعم لابأس بها من وراء الثوب ، لكن لايغمز كفّها احتياطاً . (مسألة 21) : لايجوز النظر إلى العضو المبان من الأجنبي والأجنبيّة ، والأحوط ترك النظر إلى الشعر المنفصل ، نعم الظاهر أنّه لابأس بالنظر إلى السنّ والظفر المنفصلين([19]) . (مسألة 22) : يستثنى من حرمة النظر واللمس ـ في الأجنبي والأجنبيّة ـ مقام المعالجة إذا لم يمكن بالمماثل([20]) ، كمعرفة النبض إذا لم تمكن بآلة نحو الدرجة وغيرها ، والفصد والحجامة وجبر الكسر ونحو ذلك ومقام الضرورة([21]) ، كما إذا توقّف استنقاذه من الغرق أو الحرق على النظر واللمس ، وإذا اقتضت الضرورة ، أو توقّف العلاج([22]) على النظر دون اللمس أو العكس ، اقتصر على ما اضطرّ إليه ، وفيما يضطرّ إليه اقتصر على مقدار الضرورة ، فلايجوز الآخر ولا التعدّي . (مسألة 23) : كما يحرم على الرجل النظر إلى الأجنبيّة ، يجب عليها التستّر من الأجانب ، ولايجب على الرجال التستّر وإن كان يحرم على النساء النظر إليهم عدا ما استثني ، وإذا علموا بأنّ النساء يتعمّدن النظر إليهم فالأحوط التستّر منهن ; وإن كان الأقوى عدم وجوبه . (مسألة 24) : لا إشكال في أنّ غير المميّز ـ من الصبيّ والصبيّة ـ خارج عن أحكام النظر واللمس بغير شهوة ، لا معها لو فرض ثورانها . (مسألة 25) : يجوز للرجل أن ينظر إلى الصبيّة ما لم تبلغ إذا لم يكن فيه تلذّذ وشهوة . نعم الأحوط الأولى الاقتصار على مواضع لم تجرِ العادة على سترها بالألبسة المتعارفة ، مثل الوجه والكفّين وشعر الرأس والذراعين والقدمين ، لا مثل الفخذين والأليين والظهر والصدر والثديين ، ولاينبغي ترك الاحتياط فيها ، والأحوط عدم تقبيلها وعدم وضعها في حجره إذا بلغت ستّ سنين . (مسألة 26) : يجوز للمرأة النظر إلى الصبيّ المميّز ما لم يبلغ ، ولايجب عليها التستّر عنه ; ما لم يبلغ مبلغاً يترتّب على النظر منه أو إليه ثوران الشهوة ; على الأقوى في الترتّب الفعلي ، وعلى الأحوط في غيره . (مسألة 27) : يجوز النظر إلى نساء أهل الذمّة بل مطلق الكفّار مع عدم التلذّذ والريبة ; أعني خوف الوقوع في الحرام ، والأحوط الاقتصار على المواضع التي جرت عادتهنّ على عدم التستّر عنها . وقد تلحق بهنّ نساء أهل البوادي والقرى ـ من الأعراب وغيرهم ـ اللاتي جرت عادتهنّ على عدم التستّر وإذا نهين لاينتهين ، وهو مشكل([23]) . نعم الظاهر أنّه يجوز التردّد في القرى والأسواق ، ومواقع تردّد تلك النّسوة ومجامعهنّ ومحالّ معاملتهنّ ; مع العلم عادة بوقوع النظر عليهنّ، ولايجب غضّ البصر في تلك المحالّ إذا لم يكن خوف افتتان. (مسألة 28) : يجوز لمن يريد تزويج امرأة أن ينظر إليها([24]) بشرط أن لايكون بقصد التلذّذ ; وإن علم أنّه يحصل بسبب النظر قهراً ، وبشرط أن يحتمل حصول زيادة بصيرة بها ، وبشرط أن يجوز تزويجها فعلاً ، لا مثل ذات البعل والعدّة ، وبشرط أن يحتمل حصول التوافق على التزويج دون من علم أنّها تردّ خطبتها ، والأحوط الاقتصار على وجهها وكفّيها وشعرها ومحاسنها ; وإن كان الأقوى جواز التعدّي إلى المعاصم ، بل وسائر الجسد ما عدا العورة ، والأحوط أن يكون من وراء الثوب([25]) الرقيق . كما أنّ الأحوط ـ لو لم يكن الأقوى ـ الاقتصار على ما إذا كان قاصداً لتزويج المنظورة بالخصوص ، فلايعمّ الحكم([26]) ما إذا كان قاصداً لمطلق التزويج ، وكان بصدد تعيين الزوجة بهذا الاختبار . ويجوز تكرار النظر إذا لم يحصل الاطّلاع عليها بالنظرة الاُولى . (مسألة 29) : الأقوى جواز سماع صوت الأجنبيّة ما لم يكن تلذّذ وريبة . وكذا يجوز لها إسماع صوتها للأجانب إذا لم يكن خوف فتنة ; وإن كان الأحوط الترك في غير مقام الضرورة ، خصوصاً في الشابّة . وذهب جماعة إلى حرمة السماع والإسماع ، وهو ضعيف . نعم يحرم عليها المكالمة مع الرجال بكيفيّة مهيّجة ; بترقيق القول وتليين الكلام وتحسين الصوت ، فيطمع الذي في قلبه مرض . -------------------------------------------------------------------------------- [1] ـ بل حرمته على الزاني بها قبل التوبة لايخلو من قوّة. [2] ـ إذا لم يؤمن معه من الإضرار بها ومن قهرها عليه، ففي إطلاقه إشكال. [3] ـ لا دليل على استحباب التقييد به، بل على عدم تقييده الدليل والحجّة. [4] ـ دلالة الرواية من جهة العلّة على الحرمة غير خالية عن القوّة. [5] ـ بل الأقوى فيه الحرمة، فرضايتها شرط للجواز. [6] ـ لعدم بلوغها وعدم تحمّلها للوطء قطعاً بحسب الغالب، وأمّا بعد إكماله فالجواز وعدمه دائر مدار البلوغ والتحمّل، فإنّ الظاهر المتفاهم عرفاً بمناسبة الحكم والموضوع عدم الخصوصية لما قبل التسع من حيث عدم البلوغ بما هو هو، بل لكونه مورداً بحسب الغلبة; لعدم القابلية للوطء وتحمّلها، فهو المناط. ويشهد عليه الترديد بين التسع والعشر في خبر زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «لايدخل بالجارية حتّى يأتي لها تسع سنين أو عشر سنين»، (وسائل الشيعة 20: 102 / 2) والعشر في خبر غياث بن إبراهيم، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ(عليه السلام) قال: «لاتوطأ جارية لأقلّ من عشر سنين فإن فعل فعيبت فقد ضمن»، (وسائل الشيعة 20: 103 /7) فإنّ الظاهر كونهما ناظرين إلى ذلك المناط. وفي «الحدائق» بعد نقله خبر زرارة المتقدّم قال: «قال بعض المحدّثين: لعلّ المراد بالترديد لاختلافهنّ في كبر الجثّة وصغرها وقوّة البنية وضعفها، انتهى، وهو جيّد». (الحدائق الناضرة 23: 91) وما في «الجواهر» من ذكره المحامل الثلاثة لهما بقوله: «المحمولتين على الترديد من الراوي أو استحباب التأخير إلى العشر أو اختلاف النساء في تحمل الوطء»، (جواهر الكلام 29: 414) فلايخفى عليك أنّ الأجود بل الجيّد منها هو الثالث. [7] ـ بل الظاهر البأس والحرمة فيها، لاسيّما في الرضيعة; لكونها منكراً، فيكون منهيّاً عنه بقوله تعالى: (وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاء والْمُنْكَرِ وَالْبَغْي)، (النحل (16) : 90) ولكونها مستقبحة عقلائية وموجبة لاستحقاق فاعلها المذمّة الكاشفة عن الحرمة الشرعية، كما لايخفى. هذا مع ما فيها من المضارّ الجسمانية والمشاكل الروحانية والمعنوية للصغيرة، بل وللبالغة غير المستعدّة للزواج، وللاستمتاع بها، كما لايخفى، المختلفة زماناً ومكاناً وسنّاً للزوج والزوجة، بل ومع حرمتها لابدّ من القول بحرمة الزواج; لأجل الاستمتاعات المحرّمة أيضاً، بل بطلانه كذلك; قضاءً لنفي الضرر والضرار وكون الزواج بداعي الاستمتاعات المحرّمة، بل على الحاكم منع الزواج المحتمل فيه ذلك، إلاّ مع إحرازه العدم للغلبة أو القضاء العرفيّ; قضاءً لشؤون الحكومة، ودفعها المفاسد والمضارّ عن الناس والرعيّة. ولايخفى عدم الفرق في الأحكام المذكورة بالنسبة إلى الجارية والغلام، فكما أنّها ثابتة بالنسبة إلى تحقّق الضرر والقبح في الجارية ، فكذلك تكون ثابتة في تحقّقها بالنسبة إلى الغلام. [8] ـ الحرمة ممنوعة; لما في تعطيل هذا الفرج وعدم الاستمتاع منه من المنافاة لغرض الشارع، ولما فيه من الحرج عليها، ولمخالفته لقوله تعالى: (فَإمْساكٌ بِمَعْرُوف أوْ تَسْرِيحٌ بإحْسَان)، (البقرة (2): 229) فالأقوى الحلّية، لاسيّما مع اندمال جرحها وعودها على ما كانت، بل لوتكن الشهرة في المسألة لقلنا: إنّ الحلّية مقطوعة، وبذلك يظهر عدم المحلّ لقوله في المتن: «لكن على الأحوط في الصورة الثانية»، كما لايخفى. [9] ـ مطلقاً على الأقوى فيما صارت المرأة بالإفضاء ممّن لم تلد أبداً، وعلى الأحوط في غير ذلك مطلقاً أيضاً، وإن كان سقوط الدية فيه مع إمساكها الزوج وعدم طلاقها إلى أن تموت لايخلو من وجه وجيه. [10] ـ بل لها دية الرجل كاملة على ما يأتي تفصيله في كتاب الديات، فإنّ دية المرأة مساوية مع دية الرجل خلافاً للمشهور، بل لنفي الخلاف; قضاء لإطلاقات أدلّة الدية وعدم الدليل على تقييدها، والإجماع على تحقّقه بما أنّه في مسألة اجتهادية ومصبّ للأخبار فهو غير كاشف وغير حجّة. [11] ـ بل بعد البلوغ وقابليّتها للوطء، بحيث لاتعيب بمثل الإفضاء، فإنّ الظاهر ـ كما [12] ـ الأقوائيّة ممنوعة. [13] ـ بل قبلها أيضاً فيما كان الترك موجباً لحرج الزوجة، بل فيما كان منكراً عرفاً ومخالفاً للمعاشرة بالمعروف المأمور بها في كتاب اللّه: (وعَاشِرُوهُنَّ بالمَعْرُوفِ). (النساء (4): 19) وما في صحيحة صفوان عن أبي الحسن الرضا(عليه السلام): أنّه سأله عن الرجل تكون عنده المرأة الشابّة فيمسك عنها الأشهر والسنة لايقربها ليس يريد الإضرار بها يكون لهم مصيبة ، يكون في ذلك آثماً؟ قال: «إذا تركها أربعة أشهر كان آثماً بعد ذلك» ]إلاّ أن يكون بإذنها [(وسائل الشيعة 20: 140 / 1) من الدلالة على كون الحرمة وعدم الجواز مختصّ بالأربعة أشهر، وما زاد عليها فمختصّ بموردها، وهو ما كان الترك للمصيبة من دون قصد الإضرار ، وبما ذكرنا يظهر حكم فروع المسألة. [14] ـ الأقوائية ممنوعة; لأنّهنّ مستأجرات، ولعدم جريان أحكام الزوجية من النفقة وغيرها عليهنّ، بل الظاهر من أمره تعالى بمعاشرتهنّ بالمعروف اختصاصه ظهوراً أو انصرافاً بالدائمية لا الأعمّ منها ومن المنقطعة، كما لايخفى، فعدم الجواز مختصّ بالدائمة وإن كانت رعاية الاحتياط فيها مطلوبة ومحبوبة. [15] ـ مع عدم القدرة على رفع المانع وإلاّ فليس بعذر، ويجب رفعه مقدّمة للواجب; لأنّ وجوب المعاشرة بالمعروف وجوب مطلق لا مشروط بعدم العذر. [16] ـ بل الثاني; لكونه حقّاً وتكليفاً مستفاداً من وجوب المعاشرة بالمعروف. وعليه فالمعروف هو المناط، لا الأربعة ولا غيرها من أغراض السفر المذكورة في المتن، كمجرّد الميل والاُنس ونحو ذلك ، فالحضور لازم وإن كان السفر دون أربعة أشهر وكان ضروريّاً مع كون ترك الحضور منكراً وغير معروف. [17] ـ وأقواها الأوّل، وكذا في القدمين. [18] ـ بل الظاهر جواز نظر المرأة إلى وجه الرجل ويديه، بل رأسه ورقبته وقدميه من غير تلذّذ وريبة، بل حرمة نظرها إلى سائر بدنه غير العورتين من دون تلذّذ وريبة لايخلو عن إشكال، وإن كان الجواز غير بعيد; للأصل وعدم الدليل على حرمته، لاسيّما مع الدليل على حرمة نظره إلى النساء. [19] ـ بل لايبعد عدم البأس وجواز النظر إلى العضو المبان والشعر المنفصل أيضاً; لظهور الأدلّة في الحرمة حال الاتّصال، لاحال الانفصال، ولعدم الدليل على الحرمة إلاّ الاستصحاب غير الجاري للاختلاف في الموضوع، كما هوالظاهر، وإلغاء الخصوصية من حال الاتّصال إلى الانفصال ممنوع; لاحتمال الخصوصية في الاتّصال بما أنّه معرض للفتنة أو التلذّذ وتهييج الشهوة. نعم بالنسبة إلى مثل الذكر ممّا يكون النظر إليه ولو مع عدم معرفة الصاحب مستقبحاً عقلاً وعُقلاءً، فالحرمة والبأس فيه لاتخلو عن قوّة. [20] ـ أو كان غير المماثل أرفق. [21] ـ بل ومقام الحاجة أيضاً، كما في «المسالك» مدعياً عليه الإجماع، (مسالك الأفهام 7: 49) وهو غير بعيد فيما كانت الحاجة مثل المعالجة والنكاح وشراء الأمة من الموارد [22] ـ أو رفع الحاجة. [23] ـ ناش من القول بضعف عبّاد بن صهيب; لعدم التوثيق له من الكشّي، ولا من الشيخ، بل قال الكشّي: أنّه عامي ونقل عن نصر أنّه بتري، (رجال الكشّي 2: 690) ومن القول بما يظهر من المشهور من عدم العمل بها; لعدم تعرّضهم لمضمونه، ومن توثيقه النجاشي بقوله: بصري ثقة، روى عن أبي عبداللّه(عليه السلام) كتاباً. (رجال النجاشي: 293) لكنّ الظاهر عدم الإشكال في الإلحاق وأنّه لايخلو من قوّة; لكون عبّاد موثّقاً; جمعاً بين توثيق النجاشي وبين ما عن الكشّي من أنّه عامي. هذا مع اعتضاد توثيق النجاشي بنقل حسن بن محبوب عنه، وهو من أصحاب الإجماع، ونقل أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري عن ابن محبوب عنه، مع أنّه أخرج البرقي من قم; لأنّه يروي عن الضعفاء ويعتمد المراسيل، ومع أنّ عدم التوثيق من الكشّي والشيخ غير معارض مع توثيقه، كما لايخفى، وتقدمه عليهما مع التعارض أيضاً; لأنّه أدقّ، وعدم عمل المشهور غير مضرّ، فليس بمنشأ للإشكال، ومايتوهّم منشأً من عدم المناسبة بين العلّة، وهو قوله في موثّق عبّاد بن صهيب: «لأنّهنّ إذا نهين لاينتهين» (من لا يحضره الفقيه 3: 470) والمعلول، وهو جواز النظر ونفي البأس عنه إلى تلك الطوائف، حيث إنّه لايصحّ تعليل نفي الحرمة بعدم انتهاء المرتكبين بالنهي، كما لايخفى، ولذلك حملوا الجواز على النظر الاتّفاقي في التردّد في الأسواق; لاستلزام الحرمة الحرج مع عدم انتهائهم، فيه ما لايخفى; لأنّ العلّة ناظرة إلى أنّ حرمة النظر تكون من جهة حرمة النساء، فمع عدم حرمتهنّ لأنفسهنّ لا مانع من النظر، ويشهد لذلك موثّقة السكوني، ففيها: «لاحرمة لنساء أهل الذمّة أن ينظر إلى شعورهنّ وأيديهنّ»، (وسائل الشيعة 20: 205 / 1) بل ويشهد أيضاً ذيل رواية عبّاد. [24] ـ وكذا يجوز لها النظر إليه مع إرادتها التزوج به. [25] ـ وهو الأولى. [26] ـ بل يعمّ على الأقوى; قضاءً لعموم العلّة: «لأنّه يريد أن يشتريها بأغلى الثمن»، كما فى صحيح يونس و«إنّما يريد أن يشتريها بأغلى الثمن»، كما في خبر عبداللّه بن سنان، وخبر محمّد بن مسلم. (وسائل الشيعة 20: 88 ـ 90 / 11 و7 و1)
|