|
القول في نفقة الأقارب
(مسألة 1) : يجب ـ على التفصيل الآتي ـ الإنفاق على الأبوين وآبائهما واُمّهاتهما وإن علوا ، وعلى الأولاد وأولادهم وإن نزلوا ; ذكوراً وإناثاً ، صغيراً أو كبيراً ، مسلماً أو كافراً ، ولايجب على غير العمودين من الأقارب وإن استحبّ ، خصوصاً الوارث منه([1]) . (مسألة 2) : يشترط في وجوب الإنفاق على القريب فقره واحتياجه ; بمعنى عدم وجدانه لما يقوت به فعلاً ، فلايجب إنفاق من قدر على نفقته فعلاً ; وإن كان فقيراً لايملك قوت سنته ، وجاز له أخذ الزكاة ونحوها . وأمّا غير الواجد لها فعلاً القادر على تحصيلها ، فإن كان ذلك بغير الاكتساب ـ كالاقتراض والاستعطاء والسؤال ـ لم يمنع ذلك عن وجوب الإنفاق عليه بلا إشكال . وإن كان ذلك بالاكتساب فإن كان ذلك بالاقتدار على تعلّم صنعة بها إمرار معاشه ، وقد ترك التعلّم وبقي بلا نفقة ، فلا إشكال في وجوب الإنفاق عليه([2]) ، وكذا الحال لو أمكن له التكسّب بما يشقّ عليه تحمّله ، كحمل الأثقال أو لايناسب شأنه ، فترك التكسّب بذلك ، فإنّه يجب عليه الإنفاق عليه . وإن كان قادراً على التكسّب بما يناسب حاله وشأنه ، وتركه طلباً للراحة ، فالظاهر عدم وجوبه عليه . نعم لو فات عنه زمان الاكتساب ; بحيث صار فعلاً محتاجاً بالنسبة إلى يوم أو أيّام غير قادر على تحصيل نفقتها ، وجب وإن كان العجز حصل باختياره . كما أنّه لو ترك التشاغل به ; لا لطلب الراحة ، بل لاشتغاله بأمر دنيويّ أو دينيّ مهمّ كطلب العلم الواجب ، لم يسقط بذلك وجوبه . (مسألة 3) : لو أمكن للمرأة التزويج بمن يليق بها ويقوم بنفقتها دائماً أو منقطعاً ، فهل تكون بحكم القادر فلايجب الإنفاق عليها أم لا ؟ وجهان ، أوجههما الثاني([3]) . (مسألة 4) : يشترط في وجوب النفقة على القريب قدرة المنفق على نفقته بعد نفقة نفسه ونفقة زوجته لو كانت له زوجة دائمة . فلو حصل عنده قدر كفاية نفسه خاصّة اقتصر على نفسه ، ولو فضل منه شيء وكانت له زوجة فلزوجته ، ولو فضل شيء فللأبوين والأولاد . (مسألة 5) : المراد بنفقة نفسه ـ المقدّمة على نفقة زوجته ـ مقدار قوت يومه وليلته وكسوته اللائقة بحاله ، وكلّ ما اضطُرّ إليه من الآلات للطعام والشراب والفراش والغطاء وغيرها ، فإن زاد على ذلك شيء صرفه على زوجته ثمّ على قرابته . (مسألة 6) : لو زاد على نفقته شيء ولم تكن عنده زوجة ، فإن اضطرّ إلى التزويج بحيث يكون في تركه عسر وحرج شديد ، أو مظنّة فساد دينيّ ، فله أن يصرفه في التزويج وإن لم يبق لقريبه شيء ، وإن لم يكن كذلك فالأحوط([4]) صرفه في إنفاق القريب ، بل لايخلو وجوبه من قوّة . (مسألة 7) : لو لم يكن عنده ما ينفقه على نفسه ، وجب عليه التوسّل إلى تحصيله بأيّ وسيلة مشروعة حتّى الاستعطاء والسؤال ، فضلاً عن الاكتساب اللائق بحاله ، ولو لم يكن عنده ما ينفقه على زوجته أو قريبه ، فلاينبغي الإشكال في أنّه يجب عليه تحصيله بالاكتساب اللائق بحاله وشأنه ، ولايجب عليه التوسّل إلى تحصيله بمثل الاستيهاب والسؤال . نعم لايبعد وجوب الاقتراض ; إذا أمكن من دون مشقّة ، وكان له محلّ الإيفاء فيما بعد ، وكذا الشراء نسيئة بالشرطين المذكورين . (مسألة 8) : لا تقدير في نفقة الأقارب ، بل الواجب قدر الكفاية من الطعام والإدام والكسوة والمسكن ; مع ملاحظة الحال والشأن والزمان والمكان ; حسب ما مرّ في نفقة الزوجة . (مسألة 9) : لايجب إعفاف من وجبت نفقته ـ ولداً كان أو والداً ـ بتزويج أو إعطاء مهر له ; وإن كان أحوط مع حاجته إلى النكاح وعدم قدرته عليه وعلى بذل الصداق ، خصوصاً في الأب . (مسألة 10) : يجب على الولد نفقة والده ، دون أولاده لأنّهم إخوته ، ودون زوجته . ويجب على الوالد نفقة ولده وأولاده ، دون زوجته . (مسألة 11) : لا تقضى نفقة الأقارب ، ولايتداركها لو فاتت في وقتها وزمانها ولو بتقصير من المنفق ، ولا تستقرّ في ذمّته ، بخلاف الزوجة كما مرّ . نعم لو لم ينفق عليه لغيبته ، أو امتنع عن إنفاقه مع يساره ، ورفع المنفق عليه أمره إلى الحاكم ، فأمره بالاستدانة عليه فاستدان عليه ، اشتغلت ذمّته به ، ووجب عليه قضاؤه . (مسألة 12) : لوجوب الإنفاق ترتيب من جهة المنفق ومن جهة المنفق عليه : أمّا من الجهة الاُولى : فتجب نفقة الولد ـ ذكراً كان أو اُنثى ـ على أبيه ، ومع عدمه أو فقره فعلى جدّه للأب ، ومع عدمه أو إعساره فعلى جدّ الأب وهكذا متعالياً الأقرب فالأقرب ، ومع عدمهم أو إعسارهم فعلى اُمّ الولد ، ومع عدمها أو إعسارها فعلى أبيها([5]) واُمّ أبيها([6]) وأبي اُمّها واُمّ اُمّها وهكذا الأقرب فالأقرب ، ومع التساوي في الدرجة يشتركون فيه بالسويّة ; وإن اختلفوا في الذكورة والاُنوثة . وفي حكم آباء الاُمّ واُمّهاتها اُمّ الأب ، وكلّ من تقرّب إلى الأب بالاُمّ ، كأبي اُمّ الأب واُمّ اُمّه واُمّ أبيه وهكذا ، فإنّه تجب عليهم نفقة الولد مع فقد آبائه واُمّه ، مع مراعاة الأقرب فالأقرب إلى الولد . فإذا كان له أب وجدّ موسران فالنفقة على الأب ، ولو كان له أب واُمّ فعلى الأب ، ولو كان جدّ لأب مع اُمّ فعلى الجدّ ، ومع جدّ لاُمّ واُمّ فعلى الاُمّ ، ومع جدّ وجدّة لاُمّ تشاركا بالسويّة ، ومع جدّة لأب وجدّ وجدّة لاُمّ تشاركوا ثلاثاً . هذا في الاُصول ; أعني الآباء والاُمّهات . وأمّا الفروع ـ أعني الأولاد ـ فتجب نفقة الأب والاُمّ عند الإعسار على الولد مع اليسار ; ذكراً كان أم اُنثى ، ومع فقده أو إعساره فعلى ولد الولد ; أعني ابن ابن أو بنت ، وبنت ابن أو بنت وهكذا الأقرب فالأقرب ، ومع التعدّد والتساوي في الدرجة يشتركون بالسويّة ، فلو كان له ابن أو بنت مع ابن ابن ـ مثلاً ـ فعلى الابن أو البنت ، ولو كان له ابنان أو بنتان أو ابن وبنت اشتركا بالسويّة . وإذا اجتمعت الاُصول والفروع يُراعى الأقرب فالأقرب ، ومع التساوي يتشاركون ، فإذا كان له أب مع ابن أو بنت تشاركا بالسويّة ، وإن كان له أب مع ابن ابن أو ابن بنت فعلى الأب ، وإن كان ابن وجدّ لأب فعلى الابن ، وإن كان ابن ابن مع جدّ لأب تشاركا بالسويّة ، وإن كانت له اُمّ مع ابن ابن أو ابن بنت ـ مثلاً ـ فعلى الاُمّ . ويشكل الأمر فيما إذا اجتمعت الاُمّ مع الابن أو البنت ، والأحوط التراضي والتسالم على الاشتراك بالسويّة . وأمّا الجهة الثانية : فإذا كان عنده زائداً على نفقته ونفقة زوجته ، ما يكفي لجميع أقاربه المحتاجين ، وجب عليه نفقة الجميع ، وإذا لم يكف إلاّ لإنفاق بعضهم ينفق على الأقرب فالأقرب منهم ، وإذا كان قريبان أو أزيد في مرتبة واحدة ، ولايكفي ما عنده الجميع ، فالأقرب أنّه يقسّم بينهم بالسويّة مع إمكانه وإمكان انتفاعهم به ، وإلاّ فيقرع بينهم . (مسألة 13) : لو كان له ولدان ولم يقدر إلاّ على نفقة أحدهما وكان له أب موسر ، فإن اختلفا في قدر النفقة ، وكان ما عنده يكفي لأحدهما بعينه ـ كالأقلّ نفقة ـ اختصّ به وكان الآخر على الجدّ . وإن اتّفقا في مقدارها ، فإن توافق مع الجدّ في أن يشتركا أو يختصّ كلّ بواحد فهو ، وإلاّ رجعا إلى القرعة . (مسألة 14) : لو امتنع من وجبت عليه النفقة عنها أجبره الحاكم ، ومع عدمه فعدول المؤمنين ، ومع فقدهم ففسّاقهم . وإن لم يمكن إجباره ، فإن كان له مال أمكن للمنفق عليه أن يقتصّ منه مقدارها ، جاز للزوجة ذلك دون غيرها إلاّ بإذن الحاكم ، فمعه جاز له الأخذ وإن لم يكن اقتصاصاً . وإن لم يكن له مال كذلك أمر الحاكم بالاستدانة عليه ، ومع تعذّر الحاكم يشكل الأمر . (مسألة 15) : تجب نفقة المملوك حتّى النحل ودود القزّ على مالكه ، ولاتقدير لنفقة البهيمة مثلاً ، بل الواجب القيام بما تحتاج إليه من أكل وسقي ومكان رحل ونحو ذلك ، ومالكها بالخيار بين علفها وبين تخليتها لترعى في خصب الأرض ، فإن اجتزأت بالرعي وإلاّ علّفها بمقدار كفايتها . (مسألة 16) : لو امتنع المالك من الإنفاق على البهيمة ولو بتخليتها للرعي الكافي لها ، اُجبر على بيعها ، أو الإنفاق عليها ، أو ذبحها إن كانت ممّا يقصد اللحم بذبحها . -------------------------------------------------------------------------------- [1] ـ هذا في غير الوارث الصغير، وإلاّ فالمتّجه وجوب الإنفاق عليه. [2] ـ محلّ إشكال إن لم يكن ممنوعاً; لأنّه بتركه التعلّم الواجب عليه يكون عاصياً وناقضاً للشرع، وانصراف أدلّة وجوب الإنفاق إلى غير الناقض غير بعيد إن لم يكن قريباً على ما مرّ منّا مراراً في أبواب الفقه. [3] ـ بل أقواهما الأوّل، وذهب إليه الشهيد الثاني في «المسالك» وتبعه «الحدائق»، ففيهما التعليل; بأنّها قادرة بالقوّة; لأنّ ذلك ممّا لايخرج عن العادة. (مسالك الأفهام 8: 485; الحدائق الناضرة 25: 136) [4] ـ وإن كان الأقوى جواز الصرف في التزويج; لأنّ نفقة الأقارب واجبة مواساةً لهم لا إيثاراً، عليه، ومن الظاهر عدم صدقها مع الحاجة إلى التزويج وإن لم يصل إلى مرتبة العسر والحرج، فضلاً عن الشديد منه، بل ويكفى في جوازه نفس استحبابه شرعاً والأمر به تأكيداً. [5] ـ واُمّها. [6] ـ وأب أبيها.
|