|
كتاب اللعان
وهي مباهلة خاصّة بين الزوجين ، أثرها دفع الحدّ أو نفي الولد . (مسألة 1) : إنّما يشرع اللعان في مقامين : أحدهما : فيما إذا رمى الزوج زوجته بالزنا . ثانيهما : فيما إذا نفى ولديّة من ولد في فراشه مع إمكان لحوقه به . (مسألة 2) : لايجوز للرجل قذف زوجته بالزنا مع الريب ، ولا مع غلبة الظنّ ببعض الأسباب المريبة ، بل ولابالشياع ولابإخبار ثقة . نعم يجوز مع اليقين ، لكن لايصدّق إذا لم تعترف به الزوجة ولم تكن بيّنة ، بل يُحَدّ حدّ القذف مع مطالبتها إلاّ إذا أوقع اللعان الجامعة للشروط الآتية ، فيدرأ عنه الحدّ . (مسألة 3) : يشترط في ثبوت اللعان بالقذف أن يدّعي المشاهدة ، فلا لعان فيمن لم يدّعها ومن لم يتمكّن منها كالأعمى ، فيحدّان مع عدم البيّنة ، وأن لا تكون له بيّنة ، فإن كانت تتعيّن إقامتها لنفي الحدّ ولا لعان . (مسألة 4) : يشترط في ثبوت اللعان أن تكون المقذوفة زوجة دائمة ، فلا لعان في قذف الأجنبيّة ، بل يحدّ القاذف مع عدم البيّنة ، وكذا في المنقطعة على الأقوى ، وأن تكون مدخولاً بها ، وإلاّ فلا لعان ، وأن تكون غير مشهورة بالزنا ، وإلاّ فلا لعان ، بل ولا حدّ حتّى يدفع باللعان ، بل عليه التعزير لو لم يدفعه عن نفسه بالبيّنة . نعم لو كانت متجاهرة بالزنا لايبعد عدم ثبوت التعزير أيضاً . ويشترط في اللعان ـ أيضاً ـ أن تكون كاملة سالمة عن الصمم والخرس . (مسألة 5) : لايجوز للرجل أن ينكر ولديّة من تولّد في فراشه مع إمكان لحوقه به ; بأن دخل باُمّه ، أو أمنى في فرجها ، أو حواليه بحيث أمكن جذب الرحم إيّاه ، وقد مضى من ذلك إلى زمان وضعه ستّة أشهر فصاعداً ، ولم يتجاوز عن أقصى مدّة الحمل ; حتّى فيما إذا فجر أحد بها ، فضلاً عمّا إذا اتّهمها ، بل يجب الإقرار بولديّته . نعم يجب عليه أن ينفيه ـ ولو باللعان ـ مع علمه بعدم تكوّنه منه ; من جهة علمه باختلال شروط الالتحاق به إذا كان بحسب ظاهر الشرع ملحقاً به لولا نفيه ; لئلاّ يلحق بنسبه من ليس منه ، فيترتّب عليه حكم الولد في الميراث والنكاح ونظر محارمه وغير ذلك . (مسألة 6) : لو نفى ولديّة من ولد في فراشه ، فإن علم أنّه دخل باُمّه دخولاً يمكن معه لحوق الولد به ، أو أقرّ بذلك ومع ذلك نفاه لايسمع منه ، ولاينتفي منه لاباللعان ولابغيره([1]) . وأمّا لو لم يعلم ذلك ، ولم يقرّ به ، وقد نفاه إمّا مجرّداً عن ذكر السبب ; بأن قال : «هذا ليس ولدي» ، أو مع ذكره ; بأن قال : «لأني لم أدخل باُمّه أصلاً» أو أنكر دخولاً يمكن تكوّنه منه ، فحينئذ وإن لم ينتف عنه بمجرّد نفيه ، لكن باللعان ينتفي عنه بشرط ثبوت الدخول ، ومع عدم ثبوته لم يشرع اللعان مطلقاً . (مسألة 7) : إنّما يشرع اللعان لنفي الولد إذا كانت المرأة منكوحة بالعقد الدائم . وأمّا ولد المتمتّع بها فينتفي بنفيه من دون لعان ; وإن لم يجز له نفيه مع عدم علمه بالانتفاء ، ولو علم([2]) أنّه دخل بها ، أو أمنى في فرجها ، أو حواليه بحيث يمكن أن يكون الولد منه ، أو أقرّ بذلك ومع ذلك قد نفاه ، لم ينتف عنه بنفيه ، ولم يسمع منه ذلك كالدائمة . (مسألة 8) : لا فرق في مشروعيّة اللعان لنفي الولد بين كونه حملاً أو منفصلاً . (مسألة 9) : من المعلوم أنّ انتفاء الولد عن الزوج لايلازم كونه من زنا ; لاحتمال تكوّنه من وطء الشبهة أو غيره ، فلو علم الرجل بعدم التحاق الولد به ; وإن جاز له ـ بل وجب عليه ـ نفيه عن نفسه ، لكن لايجوز له أن يرميها بالزنا ، وينسب ولدها بكونه من زنا . (مسألة 10) : لو أقرّ بالولد لم يسمع إنكاره له بعد ذلك ; سواء كان إقراره صريحاً ، أو كناية مثل أن يبشّر به ; ويقال له : «بارك الله لك في مولودك» ، فيقول : «آمين» ، أو «إن شاء الله تعالى» ، بل قيل : إنّه إذا كان الزوج حاضراً وقت الولادة ، ولم ينكر الولد مع ارتفاع العذر ، لم يكن له إنكاره بعده ، بل نسب ذلك إلى المشهور ، لكن الأقوى خلافه([3]) . (مسألة 11) : لايقع اللعان إلاّ عند الحاكم الشرعي ، والأحوط أن لايقع حتّى عند المنصوب من قبله لذلك([4]) . وصورته : أن يبدأ الرجل ويقول بعد ما قذفها أو نفى ولدها : «أشهد بالله إنّي لمن الصادقين فيما قلت من قذفها ، أو نفي ولدها» يقول ذلك أربع مرّات ، ثمّ يقول مرّة واحدة : «لعنة الله عليّ إن كنت من الكاذبين» . ثمّ تقول المرأة بعد ذلك أربع مرّات : «أشهد بالله إنّه لمن الكاذبين في مقالته من الرمي بالزنا ، أو نفي الولد» ، ثمّ تقول مرّة واحدة : «أن غضب الله عليّ إن كان من الصادقين» . (مسألة 12) : يجب أن تكون الشهادة واللعن على الوجه المذكور ، فلو قال أو قالت : أحلف أو اُقسم أو شهدتُ أو أنا شاهد ، أو أبدلا لفظ الجلالة بغيره ، كالرحمان وخالق البشر ونحوهما ، أو قال الرجل : إنّي صادق أو لصادق أو من الصادقين بغير ذكر اللام ، أو قالت المرأة : إنّه لكاذب أو كاذب أو من الكاذبين ، لم يقع([5]) ، وكذا لو أبدل الرجل اللعنة بالغضب ، والمرأة بالعكس . (مسألة 13) : يجب أن يكون إتيان كلّ منهما باللعان بعد إلقاء الحاكم إيّاه عليه ، فلو بادر به قبل أن يأمر الحاكم به لم يقع . (مسألة 14) : يجب([6]) أن تكون الصيغة بالعربيّة الصحيحة مع القدرة عليها ، وإلاّ أتى بالميسور منها ، ومع التعذّر أتى بغيرها . (مسألة 15) : يجب أن يكونا قائمين عند التلفّظ بألفاظهما الخمسة . وهل يعتبر أن يكونا قائمين معاً عند تلفّظ كلّ منهما ، أو يكفي قيام كلّ عند تلفّظه بما يخصّه ؟ أحوطهما الأوّل ، بل لايخلو من قوّة . (مسألة 16) : إذا وقع اللعان الجامع للشرائط منهما يترتّب عليه أحكام أربعة : الأوّل : انفساخ عقد النكاح والفرقة بينهما . الثاني : الحُرمة الأبديّة ، فلا تحلّ له أبداً ولو بعقد جديد . وهذان الحكمان ثابتان في مطلق اللعان ; سواء كان للقذف ، أو لنفي الولد . الثالث : سقوط حدّ القذف عن الزوج بلعانه ، وسقوط حدّ الزنا عن الزوجة بلعانها ، فلو قذفها ثمّ لاعن ونكلت هي عن اللعان تخلّص الرجل عن حدّ القذف ، وتحدّ المرأة حدّ الزانية ، لأنّ لعانه بمنزلة البيّنة في إثبات الزنا . الرابع : انتفاء الولد عن الرجل دون المرأة إن تلاعنا لنفيه ; بمعنى أنّه لو نفاه وادّعت كونه له فتلاعنا ، لم يكن توارث بين الرجل والولد ، وكذا بين الولد وكلّ من انتسب إليه بالاُبوّة ، كالجدّ والجدّة والأخ والاُخت للأب ، وكذا الأعمام والعمّات ، بخلاف الاُمّ ومن انتسب إليه بها ، حتّى أنّ الإخوة للأب والاُمّ بحكم الإخوة للاُمّ . (مسألة 17) : لو كذّب نفسه بعد ما لاعن لنفي الولد ، لحق به الولد فيما عليه لا فيما له ، فيرثه الولد ولايرثه الأب ولا من يتقرّب به ، ولايرث الولد أقارب أبيه بإقراره . -------------------------------------------------------------------------------- [1] ـ في صورة الإقرار، وأمّا في صورة العلم بالدخول فالظاهر جريان اللعان فيه; قضاءً لإطلاق أدلّته. [2] ـ بل ولو عُلِم بالبناء للمفعول. [3] ـ بل الأقوى أنّ الحضور إن اعتبر إقراراً عملياً فلايسمع، وإلاّ فيسمع. [4] ـ وإن كان الأقوى جوازه عند من تنصبه الحكومة المشروعة لذلك، وإن لم يكن مجتهداً جامعاً لشرائط الفتوى. [5] ـ على الأحوط في قوله: «شهدت» أو «أنا شاهد». [6] ـ وجوبه محلّ تأمّل، بل الظاهر جوازه بغير العربية ولو مع التمكّن منها. نعم إن لم يقدر على العربي الصحيح فلابدّ من أن يجري بغير العربية.
|