|
القول في صفات القاضي وما يناسب ذلك
(مسـألـة 1) : يـشـتــرط فــي الــقــاضـي : الـبـلـوغ ، والــعــقـل ، والإيــمــان([1]) ، (مسألة 2) : تثبت الصفات المعتبرة في القاضي بالوجدان ، والشياع المفيد للعلم أو الاطمئنان ، والبيّنة العادلة([5]) . والشاهد على الاجتهاد أو الأعلميّة لابدّ وأن يكون من أهل الخبرة . (مسألة 3) : لابدّ من ثبوت شرائط القضاء في القاضي عند كلّ من المترافعين([6]) ، ولايكفي الثبوت عند أحدهما . (مسألة 4) : يشكل للقاضي القضاء بفتوى المجتهد الآخر([7]) ، فلابدّ له من الحكم على طبق رأيه ، لا رأي غيره ولو كان أعلم . (مسألة 5) : لو اختار كلّ من المدّعي والمنكر حاكماً لرفع الخصومة ، فلايبعد تقديم اختيار المدّعي لو كان القاضيان متساويين في العلم([8]) ، وإلاّ فالأحوط اختيار الأعلم ، ولو كان كلّ منهما مدّعياً من جهة ومنكراً من جهة اُخرى ، فالظاهر في صورة التساوي([9])الرجوع إلى القرعة([10]) . (مسألة 6) : إذا كان لأحد من الرعيّة دعوى على القاضي فرفع إلى قاض آخر ، تسمع دعواه وأحضره([11]) ، ويجب على القاضي إجابته ، ويعمل معه الحاكم في القضيّة معاملته مع مدّعيه من التساوي في الآداب الآتية . (مسألة 7) : يجوز للحاكم الآخر تنفيذ الحكم الصادر من القاضي ، بل قد يجب ، نعم لو شكّ في اجتهاده أو عدالته أو سائر شرائطه لايجوز إلاّ بعد الإحراز ، كما لايجوز نقض حكمه مع الشكّ واحتمال صدور حكمه صحيحاً ، ومع علمه بعدم أهليّته ينقض حكمه . (مسألة 8) : يجوز للقاضي أن يحكم بعلمه([12]) من دون بيّنة أو إقرار أو حلف في حقوق الناس ، وكذا في حقوق الله تعالى([13]) ، بل لايجوز([14]) له الحكم بالبيّنة إذا كانت مخالفة لعلمه ، أو إحلاف من يكون كاذباً في نظره . نعم يجوز له عدم التصدّي للقضاء في هذه الصورة مع عدم التعيّن عليه . (مسألة 9) : لو ترافعا إليه في واقعة قد حكم فيها سابقاً ، يجوز أن يحكم بها على طبقه فعلاً إذا تذكّر حكمه وإن لم يتذكّر مستنده ، وإن لم يتذكّر الحكم فقامت البيّنة عليه جاز له الحكم ، وكذا لو رأى خطّه وخاتمه وحصل منهما القطع أو الاطمئنان به([15]) . ولو تبدّل رأيه فعلاً مع رأي سابقه الذي حكم به ، جاز تنفيذ حكمه([16]) إلاّ مع العلم بخلافه ; بأن يكون حكمه مخالفاً لحكم ضروريّ أو إجماع قطعيّ ، فيجب عليه نقضه . (مسألة 10) : يجوز للحاكم تنفيذ حكم من له أهليّة القضاء من غير الفحص عن مستنده ، ولايجوز له الحكم في الواقعة مع عدم العلم بموافقته لرأيه ، وهل له الحكم مع العلم به ؟ الظاهر أنّه لا أثر لحكمه بعد حكم القاضي الأوّل بحسب الواقعة . وإن كان قد يؤثّر في إجراء الحكم كالتنفيذ فإنّه أيضاً غير مؤثّر في الواقعة وإن يؤثّر في الإجراء أحياناً . ولا فرق في جواز التنفيذ بين كونه حيّاً أو ميّتاً ، ولابين كونه باقياً على الأهليّة أم لا ; بشرط أن لايكون إمضاؤه موجباً لإغراء الغير بأنّه أهل فعلاً . (مسألة 11) : لايجوز إمضاء الحكم الصادر من غير الأهل ; سواء كان غير مجتهد([17]) أو غير عادل ونحو ذلك ; وإن علم بكونه موافقاً للقواعد ، بل يجب نقضه مع الرفع إليه أو مطلقاً . (مسألة 12) : إنّما يجوز إمضاء حكم القاضي الأوّل للثاني إذا علم بصدور الحكم منه ; إمّا بنحو المشافهة ، أو التواتر ، ونحو ذلك . وفي جوازه بإقرار المحكوم عليه إشكال . ولايكفي([18]) مشاهدة خطّه وإمضائه ، ولا قيام البيّنة على ذلك . نعم لو قامت([19]) على أنّه حكم بذلك فالظاهر جوازه . -------------------------------------------------------------------------------- [1] ـ شرطيّته منحصرة في القاضي بين المؤمنين، وإلاَّ ففي القاضي بين غيرهم مع عدم رضاهم بالقاضي من المؤمنين فلا دليل على شرطيّته فيه، بل اللازم من وجوب إجراء العدالة وإيجاد الأمن للحكومه الإسلامية بينهم ووجوب نصب القاضي لهم، عدم شرطية الإيمان بالنسبة إليهم، فالملازمة العقلائية، بل العقلية حجّة ودليل على العدم، بل القول بعدم شرطية الإيمان، بل والإسلام في القاضي بين المؤمنين مع إحراز وثاقته في القضاء واعتداله فيه وعلمه بأحكامه ليس قولاً بلا وجه، ولا جزافاً وشططاً من الكلام; حيث إنّ المستفاد من مجموع أدلّة القضاء كتاباً وسنّة وعقلاً عدم دخالة المذهب والعقيدة في القضاء، فإنه إنّما يكون لإجراء العدالة لاغير، وهي حاصلة مع تلك الشرائط ولو في غير المسلم فضلاً عن غير المؤمن. ولك أن تقول: اعتبار الإسلام والإيمان لابدّ وأن يكون من باب التعبُّد الساذج الخاصّ المحتاج بيانه إلى أدلّة واضحة ظاهرة رادعة عن بناء العقلاء أو ارتكازهم، وهي منتفية في المقام، فنفس ذلك الأمر دليل على عدم الاعتبار، إلاَّ أنَّ الشأن في إحراز عدم كونه متّهماً بعداوته مع المؤمنين، فإنّ قضاء المتّهم، كشهادته غير نافذ. [2] ـ كفاية الاعتدال والوثاقة غير بعيدة. [3] ـ مرّ عدم اشتراطه، وأنّ الشرط هو العلم بأحكام القضاء مطلقاً وإن كان عن تقليد. [4] ـ وإن كان عدم اعتبار شيء منها غير بعيد، بل هو الأقوى. [5] ـ المراد منها هو الأعمّ من العدالة الاصطلاحية والوثاقة في الإخبار. [6] ـ مع وجود من يكون واجد الشرائط عندهما، وإلاّ فالظاهر كفاية إحراز المدّعى; قضاءً لإحقاق الحقّ وإجراء العدالة. [7] ـ الإشكال في غير محلّه، والقول بجواز القضاء بفتوى المجتهد الآخر هو الحقّ الحقيق القابل للتصديق، فإنّ الحكم على فتواه ـ كالحكم على فتوى نفسه ـ ليس بغير ما أنزل اللّه وبأهوائه النفسانية والحكم بالهوى، والممنوع كتاباً وسنّة هو الحكم كذلك. [8] ـ بل تقديم اختيار المدّعي مطلقاً ولو كان أحدهما أعلم، كما عليه العـلاّمة(قدس سره) في «التحرير»، لايخلو من قوّة. (تحرير الأحكام 5: 119) [9] ـ بل في صورة أعلمية أحدهما أيضاً. [10] ـ مع تقارنهما في الرجوع، وإلاّ فلايبعد تقديم اختيار السابق منهما. [11] ـ بالإجماع والإطلاقات، وبتساوي الأفراد في الحقوق والقضاء، وعدم مزيّة لأحد على آخر في ذلك : (يَاأيُّها النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَر وَاُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبَاً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إنَّ أكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أتْقَاكُمْ إنَّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)، (الحجرات (49): 13) فالاختلاف للتعارف فقط لا للتمييز في الحقوق. [12] ـ بشرط أن يكون حاصلاً من الطرق المتعارفة الموجبة للعلم عادةً لسائر الناس، بحيث تكون علماً عاديّاً، وتعدُّ أمارة عقلائية، وحجّة عندهم في القضاء. [13] ـ فيما يكون تعزيراً متوقّفاً إقامته على الرفع إلى الحاكم أو المطالبة، كالاختلاس والإهانة، دون الحدود، ودون التعزير فيما لايحتاج إليهما، كتقبيل الأجنبيّ الأجنبيّة، فإنّ العلم العادي منه فيها غير حجّة فضلاً عن غيره، بدرء الحدود بالشبهة، ولأصالة عدم جواز الحكم على الغير، وليس في شيء من الأدلّة المستدلّة بها على اعتبار علم الحاكم عدا الإجماع المعلوم حاله دلالة على الجواز وعلى حجّية ذلك العلم، وتفصيل ذلك في محلّه. [14] ـ قد ظهر ممّا مرّ جواز الحكم بالبيّنة، وإحلاف مَن يكون كاذباً في نظره; لعدم كون علمه حجّة بالنسبة إلى الحكم والإحلاف. وبالجملة، علم الحاكم بالنسبة إلى الحكم علم موضوعي حجّيّته تابعةٌ لدليلها، وعليه فعِلمه المخالف للبيّنة ـ مثلاً ـ ليس حجّة في القضاء والحكم حتّى يكون منافياً للبيّنة ومسقطاً لحجّيّتها، فتدبّر جيّداً. [15] ـ لكون العلم كذلك علماً عادياً. [16] ـ وتوهُّم أنّ التنفيذ كذلك فعلاً حكم بغير ما أنزل اللّه، من جهة أنّ الحجّة الموجبة لتبدُّل الرأي موجبة لكون السابق حكماً بغير ما أنزل اللّه، مدفوع بما مرّ من أنّ الممنوع في الكتاب هو الحكم بالهوى وبأحكام الجاهلية وبغير المرتبطة بالشرع، ومن المعلوم عدم كون الحكم على طبق الحكم الأوّل كذلك، كما لايخفى. ومع التدبُّر في ذلك يظهر جواز حكم الحاكم على فتوى غيره، ممّا يكون مخالفاً لفتواه أو لفتوى مقلّده أيضاً. [17] ـ غير عالم بقوانين القضاء، كما مرّ. [18] ـ بما هما هما، وإلاّ فمع حصول الاطمئنان أو القطع بهما لا إشكال فيه. [19] ـ أو غيرها من الحجج المعتبرة.
|