|
القول في وظائف القاضي
وهي اُمور : الأوّل : يجب التسوية بين الخصوم ـ وإن تفاوتا في الشرف والضّعة ـ في السلام والردّ والإجلاس والنظر والكلام والإنصات وطلاقة الوجه وسائر الآداب وأنواع الإكرام، والعدل في الحكم. وأمّا التسوية في الميل بالقلب فلايجب. هذا إذا كانا مسلمين. وأمّا إذا كان أحدهما غير مسلم يجوز تكريم المسلم([1]) زائداً على خصمه . وأمّا العدل في الحكم فيجب على أيّ حال . الثاني : لايجوز للقاضي أن يلقّن أحد الخصمين شيئاً يستظهر به على خصمه ; كأن يدّعي بنحو الاحتمال ، فيلقّنه أن يدّعي جزماً حتّى تسمع دعواه ، أو يدّعي أداء الأمانة أو الدين فيلقّنه الإنكار . وكذا لايجوز أن يعلّمه كيفيّة الاحتجاج وطريق الغلبة . هذا إذا لم يعلم([2])أنّ الحقّ معه وإلاّ جاز ، كما جاز له الحكم بعلمه . وأمّا غير القاضي فيجوز له ذلك مع علمه بصحّة دعواه ، ولايجوز مع علمه بعدمها ، ومع جهله فالأحوط([3]) الترك . الثالث : لو ورد الخصوم مترتّبين بدأ الحاكم في سماع الدعوى بالأوّل فالأوّل([4]) ، إلاّ إذا رضي المتقدّم تأخيره ; من غير فرق بين الشريف والوضيع والذكر والاُنثى ، وإن وردوا معاً ، أو لم يعلم كيفيّة ورودهم ، ولم يكن طريق لإثباته ، يقرع بينهم مع التشاحّ . الرابع : لو قطع المدّعى عليه دعوى المدّعي بدعوى ، لم يسمعها حتّى يجيب عن دعوى صاحبه وتنتهي الحكومة ، ثمّ يستأنف هو دعواه ، إلاّ مع رضا المدّعي الأوّل بالتقديم . الخامس : إذا بدر أحد الخصمين بالدعوى فهو أولى ، ولو ابتدرا معاً يسمع من الذي على يمين صاحبه([5]) . ولو اتّفق مسافر وحاضر فهما سواء ما لم يستضرّ أحدهما بالتأخير ، فيقدّم دفعاً للضرر([6]) . وفيه تردّد . -------------------------------------------------------------------------------- [1] ـ جوازه محلّ إشكال، بل الأقوى; قضاءً لعموم العلّة الواردة في بعض أخبار المسألة: «ثمّ واس بين المسلمين بوجهك ومنطقك ومجلسك حتّى لايطمع قريبك في حيفك ولا ييأس عدوّك من عدلك» (وسائل الشيعة 27: 212 / 1) ولإطلاق بعضها، المنع والحرمة ، هذا مع أنّه موافق للاعتبار والعدل الإسلاميّ. والاستدلال على جواز أن يكون الذمّي قائماً والمسلم قاعداً أو أعلى منزلاً برواية إبراهيم التيمي قال: وجد عليّ(عليه السلام)درعه مع يهودي، فقال: «درعي سقطت وقت كذا»، فقال اليهودي: درعي، وفي يدي، بيني وبينك قاضي المسلمين، فارتفعا إلى شريح، فلمّا رآه شريح قام من مجلسه، وأجلسه في موضعه، وجلس مع اليهودي بين يديه، فقال عليّ(عليه السلام): «إنّ خصمي لو كان مسلماً لجلست معه بين يديك ولكنّي سمعت رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: لاتساووهم في المجالس» (المغني، ابن قدامة 11 : 444) ممّا يكون عامّيّاً مرسلاً، كما ترى. كما أنّ الاستدلال على جواز تكريم الزائد، وعدم لزوم التسوية فيما عدا ذلك أيضاً ـ كما هو ظاهر المتن و«الجواهر» ـ بالأصل، واختصاص النصوص ـ بحكم التبادر واختصاص المورد ـ بالمسلمين، ففيه ما ترى; لعدم المكان للأصل مع الدليل، أي الإطلاق وعموم العلّة، ومنع التبادر الموجب للاختصاص; لأنّ باب القضاء باب العدل والتسوية، وعدم توهُّم أحد المترافعين ميل القاضي إليه أكثر أو أقلّ من الآخر، ولا ارتباط له بشرف الإسلام. وقوله: «الإسلام يعلو ولايعلى عليه» (وسائل الشيعة 26: 14 / 11) غير مقتض; لعدم العدالة بالنسبة إليهم، مع أنّه مربوط بعلوّ الإسلام الظاهر في علوّه في الاحتجاج، لا بالمسلمين بما هم مسلمون في اُمورهم العادية. هذا، مع ما فيه من قيام شريح من مجلسه وإجلاسه عليّاً(عليه السلام) في موضعه، وجلوسه مع اليهودي بين يديه، مخالف ومباين مع سيرة المعصومين(عليهم السلام)لاسيّما عليّ(عليه السلام)، من جذبهم الناس إلى الإسلام، وتركهم ما يوجب التهمة بعدل الإسلام، وبأنّ شخصية الأشخاص في الإسلام غير مانعة عن عدل الحاكم والقاضي. [2] ـ بل ومع علمه كذلك; لكونه منافياً للتسوية المأمور بها، وكيف يجوز ذلك مع ما في خبر سلمة بن كهيل من تعليل الأمر بمساواة القاضي بين المسلمين بالوجه والمنطق والمجلس بقوله(عليه السلام): «ولاييأس عدوّك من عدلك» (وسائل الشيعة 27: 212 / 1) ولا ملازمة بين جواز الحكم بالعلم وجواز التلقين; حيث إنّ الحكم مأمور به، وعدم التسوية منهي عنه. [3] ـ فالأحوط الأولى. [4] ـ لأحقّية السابق من غيره في جميع الحقوق المشتركة، بل وفي موارد التناوب، ففي خبر إبراهيم بن زياد الكرخي عن أبي عبداللّه(عليه السلام) قال: قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم): «ثلاث ملعونات، ملعون من فعلهنّ، المتغوّط في ظلّ النزال، والمانع الماء المنتاب، والسادّ الطريق المعربة». (الكافي 2: 292 / 11 و 12) [5] ـ للإجماع المحكي عن المرتضى والشيخ، ولبعض الأخبار الدالّة على قضاء رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم)بتقديم صاحب اليمين، وعلى أمر الصادق(عليه السلام) في صحيح ابن سنان بقوله: «إذا تقدّمت مع خصم إلى وال، أو إلى قاض فكن عن يمينه»، (وسائل الشيعة 27: 218 / 1) وفي الكلّ ما ترى، فالقوي كما اختاره الشيخ في «الخلاف» هو القرعة، فإنّه لكلّ أمر مجهول. (الخلاف 6: 234) [6] ـ كما هو الأقوى.
|