|
الأوّل: في كتاب قاض إلى قاض
(مسألة 1) : لاينفذ الحكم ولا تفصل الخصومة إلاّ بالإنشاء لفظاً ، ولا عبرة بالإنشاء كتباً ([1]) ، فلو كتب قاض إلى قاض آخر بالحكم وأراد الإنشاء بالكتابة ، لايجوز للثاني إنفاذه وإن علم بأنّ الكتابة له وعلم بقصده . (مسألة 2) : إنهاء حكم الحاكم ـ بعد فرض الإنشاء لفظاً ـ إلى حاكم آخر : إمّا بالكتابة أو القول أو الشهادة . فإن كان بالكتابة ; بأن يكتب إلى حاكم آخر بحكمه ، فلا عبرة بها حتّى مع العلم بأنّها له وأراد مفادها([2]) . وأمّا القول مشافهة ; فإن كان شهادة على إنشائه السابق فلايقبل إلاّ مع شهادة عادل آخر([3]) ، وأولى بذلك ما إذا قال : «ثبت عندي كذا» ، وإن كان الإنشاء بحضور الثاني ; بأن كان الثاني حاضراً في مجلس الحكم فقضى الأوّل ، فهو خارج عن محطّ البحث ، لكن يجب إنفاذه . وأمّا شهادة البيّنة على حكمه فمقبولة يجب الإنفاذ على حاكم آخر . وكذا لو علم حكم الحاكم بالتواتر أو قرائن قطعيّة أو إقرار المتخاصمين([4]) . (مسألة 3) : الظاهر أنّ إنفاذ حكم الحاكم أجنبيّ عن حكم الحاكم الثاني في الواقعة ; لأنّ قطع الخصومة حصل بحكم الأوّل ، وإنّما أنفذه وأمضاه الحاكم الآخر ليجريه الولاة والاُمراء ، ولا أثر له بحسب الواقعة ، فإنّ إنفاذه وعدم إنفاذه بعد تماميّة موازين القضاء في الأوّل سواء ، وليس له الحكم في الواقعة لعدم علمه وعدم تحقّق موازين القضاء عنده . (مسألة 4) : لا فرق فيما ذكرناه بين حقوق الله تعالى وحقوق الناس ، إلاّ في الثبوت بالبيّنة ، فإنّ الإنفاذ بها فيها محلّ إشكال والأشبه عدمه . (مسألة 5) : لايعتبر في جواز شهادة البيّنة ولا في قبولها هنا ، غير ما يعتبر فيهما في سائر المقامات ، فلايعتبر إشهادهما على حكمه وقضائه في التحمّل . وكذا لايعتبر في قبول شهادتهما إشهادهما على الحكم ، ولا حضورهما في مجلس الخصومة وسماعهما شهادة الشهود ، بل المعتبر شهودهما : أنّ الحاكم حكم بذلك ، بل يكفي علمهما بذلك . (مسألة 6) : قيل : إن لم يحضر الشاهدان الخصومة ، فحكى الحاكم لهما الواقعة وصورة الحكم ، وسمّى المتحاكمين بأسمائهما وآبائهما وصفاتهما ، وأشهدهما على الحكم ، فالأولى القبول ; لأنّ إخباره كحكمه ماض ، والأشبه عدم القبول([5]) إلاّ بضمّ عادل آخر . بل لو أنشأ الحكم بعد الإنشاء في مجلس الخصومة ، فجواز الشهادة بالحكم بنحو الإطلاق مشكل بل ممنوع ، والشهادة بنحو التقييد ـ بأنّه لم يكن إنشاء مجلس الخصومة ولا إنشاء الرافع لها ـ جائزة ، لكن إنفاذه للحاكم الآخر مشكل بل ممنوع . (مسألة 7) : لا فرق ـ في جميع ما مرّ ـ بين أن يكون حكم الحاكم بين المتخاصمين مع حضورهما ، وبين حكمه على الغائب بعد إقامة المدّعي البيّنة ، فالتحمّل فيهما والشهادة وشرائط القبول واحد ، ولابدّ للشاهدين من حفظ جميع خصوصيّات المدّعي والمدّعى عليه بما يخرجهما عن الإبهام ، وحفظ المدّعى به بخصوصيّاته المخرجة عن الإبهام ، وحفظ الشاهدين وخصوصيّاتهما كذلك فيما يحتاج إليه ، كالحكم على الغائب وأنّه على حجّته . (مسألة 8) : لو اشتبه الأمر على الحاكم الثاني ـ لعدم ضبط الشهود له ما يرفع به الإبهام ـ أوقف الحكم حتّى يتّضح الأمر بتذكّرهما أو بشهادة غيرهما . (مسألة 9) : لو تغيّرت حال الحاكم الأوّل بعد حكمه بموت أو جنون ، لم يقدح ذلك في العمل بحكمه وفي لزوم إنفاذه على حاكم آخر ; لو توقّف استيفاء الحقّ عليه . ولو تغيّرت بفسق فقد يقال : لم يعمل بحكمه ، أو يفصّل بين ظهور الفسق قبل إنفاذه فلم يعمل أو بعده فيعمل ، والأشبه العمل مطلقاً كسائر العوارض وجواز إنفاذه أو وجوبه . (مسألة 10) : لو أقرّ المدّعى عليه عند الحاكم الثاني بأنّه المحكوم عليه وهو المشهود عليه ، ألزمه الحاكم . ولو أنكر ، فإن كانت شهادة الشهود على عينه لم يسمع منه واُلزم ، وكذا لو كانت على وصف لاينطبق إلاّ عليه ، وكذا فيما ينطبق عليه إلاّ نادراً ; بحيث لايعتني باحتماله العقلاء ، وكان الانطباق عليه ممّا يطمأنّ به . وإن كان الوصف على وجه قابل للانطباق على غيره وعليه فالقول قوله بيمينه ، وعلى المدّعي إقامة البيّنة بأنّه هو . ويحتمل في هذه الصورة عدم صحّة الحكم ; لكونه من قبيل القضاء بالمبهم . وفيه تأمّل . -------------------------------------------------------------------------------- [1] ـ على الأحوط وإن كان الأقوى كفاية الإنشاء به كاللفظ، فإنّه لا فرق بينهما في تحقّق الإنشاء بهما وفي حجّية ظهور الكتابة كظهور اللفظ، وبذلك يظهر حكم ما فرّعه عليه من قوله: «فلو كتب...». [2] ـ العبرة بها في هذه الصورة لاتخلو من قوّة، بل في «الجواهر»: «إذا قامت القرائن الحالية وغيرها على إرادة الكاتب بكتابته مدلول اللفظ المستفاد من رسمها فالظاهر جواز العمل بها; للسيرة المستمرّة في الأعصار والأمصار على ذلك، بل يمكن دعوى الضرورة على ذلك، خصوصاً مع ملاحظة عمل العلماء في نسبتهم الخلاف والوفاق ونقلهم الإجماع وغيره في كتبهم المعمول عليها بين العلماء». (جواهر الكلام 40: 304) [3] ـ بل ويرجّح القبول بدونه أيضاً. [4] ـ أو الأمارات المعتبرة. [5] ـ بل الأشبه القبول.
|