|
الفصل الثاني: في المقاصّة
(مسألة 1) : لا إشكال في عدم جواز المقاصّة مع عدم جحود الطرف ولا مماطلته وأدائه عند مطالبته . كما لا إشكال في جوازها إذا كان له حقّ على غيره ـ من عين أو دين أو منفعة أو حقّ ـ وكان جاحداً أو مماطلاً . وأمّا إذا كان منكراً لاعتقاد المحقّيّة ، أو كان لايدري محقّيّة المدّعي ، ففي جواز المقاصّة إشكال ، بل الأشبه عدم الجواز([1]) . ولو كان غاصباً وأنكر لنسيانه فالظاهر جواز المقاصّة . (مسألة 2) : إذا كان له عين عند غيره ; فإن كان يمكن أخذها بلا مشقّة ولا ارتكاب محذور فلايجوز المقاصّة من ماله ، وإن لم يمكن أخذها منه أصلاً جاز المقاصّة من ماله الآخر ، فإن كان من جنس ماله جاز الأخذ بمقداره ، وإن لم يكن جاز الأخذ بمقدار قيمته ، وإن لم يمكن إلاّ ببيعه جاز بيعه وأخذ مقدار قيمة ماله وردّ الزائد . (مسألة 3) : لو كان المطلوب مثليّاً ، وأمكن له المقاصّة من ماله المثلي وغيره ، فهل يجوز له أخذ غير المثلي تقاصّاً بقدر قيمة ماله ، أو يجب الأخذ من المثلي ، وكذا لو أمكن الأخذ من جنس ماله ومن مثليّ آخر بمقدار قيمته ; مثلاً : لو كان المطلوب حنطة ، وأمكنه أخذ حنطة منه بمقدار حنطته وأخذ مقدار من العدس بقدر قيمتها ، فهل يجب الاقتصار على الحنطة أو جاز الأخذ من العدس ؟ لايبعد جواز التقاصّ مطلقاً فيما إذا لم يلزم منه بيع مال الغاصب وأخذ القيمة ، ومع لزومه وإمكان التقاصّ بشيء لم يلزم منه ذلك ، فالأحوط ـ بل الأقوى ـ الاقتصار على ذلك ، بل الأحوط الاقتصار على أخذ جنسه مع الإمكان بلا مشقّة ومحذور . (مسألة 4) : لو أمكن أخذ ماله بمشقّة فالظاهر جواز التقاصّ ، ولو أمكن ذلك مع محذور ـ كالدخول في داره بلا إذنه أو كسر قفله ونحو ذلك ـ ففي جواز المقاصّة إشكال([2]) . هذا إذا جاز ارتكاب المحذور وأخذ ماله ولو أضرّ ذلك بالغاصب . وأمّا مع عدم جوازه ـ كما لو كان المطلوب منه غير غاصب ، وأنكر المال بعذر ـ فالظاهر جواز التقاصّ من ماله إن قلنا بجواز المقاصّة في صورة الإنكار لعذر . (مسألة 5) : لو كان الحقّ ديناً وكان المديون جاحداً أو مماطلاً ، جازت المقاصّة من ماله وإن أمكن الأخذ منه بالرجوع إلى الحاكم . (مسألة 6) : لو توقّف أخذ حقّه على التصرّف في الأزيد جاز ، والزائد يردّ إلى المقتصّ منه ، ولو تلف الزائد في يده من غير إفراط وتفريط ولا تأخير في ردّه لم يضمن . (مسألة 7) : لو توقّف أخذ حقّه على بيع مال المقتصّ منه جاز بيعه وصحّ ، ويجب ردّ الزائد من حقّه ، وأمّا لو لم يتوقّف على البيع ـ بأن كان قيمة المال بمقدار حقّه ـ فلا إشكال في جواز أخذه مقاصّة ، وأمّا في جواز بيعه وأخذ قيمته مقاصّة ، أو جواز بيعه واشتراء شيء من جنس ماله ثمّ أخذه مقاصّة ، إشكال ، والأشبه عدم الجواز . (مسألة 8) : لا إشكال في أنّ ما إذا كان حقّه ديناً على عهدة المماطل فاقتصّ منه بمقداره برئت ذمّته ، سيّما إذا كان المأخوذ مثل ما على عهدته ، كما إذا كان عليه مقدار من الحنطة فأخذ بمقدارها تقاصّاً ، وكذا في ضمان القيميّات إذا اقتصّ القيمة بمقدارها . وأمّا إذا كان عيناً فإن كانت مثليّة واقتصّ مثلها فلايبعد حصول المعاوضة قهراً على تأمّل . وأمّا إذا كانت من القيميّات ـ كفرس مثلاً ـ واقتصّ بمقدار قيمتها ، فهل كان الحكم كما ذكر من المعاوضة القهريّة ، أو كان الاقتصاص بمنزلة بدل الحيلولة ، فإذا تمكّن من العين جاز أخذها بل وجب ، ويجب عليه ردّ ما أخذ ، وكذا يجب على الغاصب ردّها بعد الاقتصاص وأخذ ماله ؟ فيه إشكال وتردّد ; وإن لايبعد([3]) جريان حكم بدل الحيلولة فيه . (مسألة 9) : الأقوى([4]) جواز المقاصّة من المال الذي جعل عنده وديعة على كراهية ، والأحوط عدمه . (مسألة 10) : جواز المقاصّة في صورة عدم علمه بالحقّ مشكل ، فلو كان عليه دين واحتمل أداءه ، يشكل المقاصّة ، فالأحوط رفعه إلى الحاكم ، كما أنّه مع جهل المديون مشكل ولو علم الدائن ، بل ممنوع كما مرّ ، فلابدّ من الرفع إلى الحاكم . (مسألة 11) : لايجوز التقاصّ من المال المشترك بين المديون وغيره إلاّ بإذن شريكه([5]) ، لكن لو أخذ وقع التقاصّ وإن أثم ، فإذا اقتصّ من المال المشاع ، صار شريكاً لذلك الشريك إن كان المال بقدر حقّه أو أنقص منه ، وإلاّ صار شريكاً مع المديون وشريكه ، فهل يجوز له أخذ حقّه وإفرازه بغير إذن المديون ؟ الظاهر جوازه مع رضا الشريك . (مسألة 12) : لو كان له حقّ ومنعه الحياء أو الخوف أو غيرهما من المطالبة ، فلايجوز له التقاصّ . وكذا لو شكّ في أنّ الغريم جاحد أو مماطل لايجوز التقاصّ . (مسألة 13) : لايجوز التقاصّ من مال تعلّق به حقّ الغير ، كحقّ الرهانة وحقّ الغرماء في مال المحجور عليه ، وفي مال الميّت الذي لا تفي تركته بديونه . (مسألة 14) : لايجوز([6]) لغير ذي الحقّ التقاصّ إلاّ إذا كان وليّاً أو وكيلاً عن ذي الحقّ ، فللأب التقاصّ لولده الصغير أو المجنون أو السفيه في مورد له الولاية ، وللحاكم أيضاً ذلك في مورد ولايته . (مسألة 15) : إذا كان للغريم الجاحد أو المماطل عليه دين ، جاز احتسابه عوضاً عمّا عليه مقاصّة إذا كان بقدره أو أقلّ ، وإلاّ فبقدره وتبرأ ذمّته بمقداره . (مسألة 16) : ليس للفقراء والسادة المقاصّة من مال من عليه الزكاة أو الخمس أو في ماله إلاّ بإذن الحاكم الشرعي([7]) ، وللحاكم التقاصّ ممّن عليه أو في ماله نحو ذلك وجحد أو ماطل . وكذا لو كان شيء وقفاً على الجهات العامّة أو العناوين الكلّيّة وليس لها متولّ لايجوز التقاصّ لغير الحاكم ، وأمّا الحاكم فلا إشكال في جواز مقاصّته منافع الوقف . وهل يجوز المقاصّة بمقدار عينه إذا كان الغاصب جاهلاً أو مماطلاً ; لايمكن أخذها منه وجعل المأخوذ وقفاً على تلك العناوين ؟ وجهان([8]) . وعلى الجواز لو رجع عن الجحود والمماطلة ، فهل ترجع العين وقفاً وتردّ ما جعله وقفاً إلى صاحبه أو بقي ذلك على الوقفيّة وصار الوقف ملكاً للغاصب ؟ الأقوى هو الأوّل([9]) ، والظاهر أنّ الوقف من منقطع الآخر ، فيصحّ إلى زمان الرجوع . (مسألة 17) : لا تتحقّق المقاصّة بمجرّد النيّة بدون الأخذ والتسلّط على مال الغريم . نعم يجوز احتساب الدين تقاصّاً كما مرّ ، فلو كان مال الغريم في يده أو يد غيره ، فنوى الغارم تملّكه تقاصّاً ، لايصير ملكاً له ، وكذا لايجوز([10]) بيع ما بيد الغير منه بعنوان التقاصّ من الغريم . (مسألة 18) : الظاهر أنّ التقاصّ لايتوقّف على إذن الحاكم ، وكذا لو توقّف على بيعه أو إفرازه يجوز كلّ ذلك بلا إذن الحاكم . (مسألة 19) : لو تبيّن بعد المقاصّة خطاؤه في دعواه ، يجب عليه ردّ ما أخذه أو ردّ عوضه مثلاً أو قيمة لو تلف ، وعليه غرامة ما أضرّه ; من غير فرق بين الخطأ في الحكم أو الموضوع . ولو تبيّن أنّ ما أخذه كان ملكاً لغير الغريم ، يجب ردّه أو ردّ عوضه لو تلف . (مسألة 20) : يجوز المقاصّة من العين أو المنفعة أو الحقّ في مقابل حقّه من أيّ نوع كان ، فلو كان المطلوب عيناً ، يجوز التقاصّ من المنفعة إذا عثر عليها أو الحقّ كذلك وبالعكس . (مسألة 21) : إنّما يجوز التقاصّ إذا لم يرفعه إلى الحاكم فحلّفه ، وإلاّ فلايجوز بعد الحلف ، ولو اقتصّ منه بعده لم يملكه . (مسألة 22) : يستحبّ أن يقول عند التقاصّ : «أللّهمّ إنّي آخذ هذا المال مكان مالي الذي أخذه منّي ، وإنّي لم آخذ الذي أخذته خيانةً ولا ظلماً» . وقيل : يجب ، وهو أحوط . (مسألة 23) : لو غصب عيناً مشتركاً بين شريكين ، فلكلّ منهما التقاصّ منه بمقدار حصّته . وكذا إذا كان دين مشتركاً بينهما ; من غير فرق بين التقاصّ بجنسه أو بغير جنسه ، فإذا كان عليه ألفان من زيد ، فمات وورثه ابنان ، فإن جحد حقّ أحدهما دون الآخر ، فلا إشكال في أنّ له التقاصّ بمقدار حقّه ، وإن جحد حقّهما فالظاهر أنّه كذلك ، فلكلّ منهما التقاصّ بمقدار حقّه ، ومع الأخذ لايكون الآخر شريكاً ، بل لايجوز لكلّ المقاصّة لحقّ شريكه . (مسألة 24) : لا فرق في جواز التقاصّ بين أقسام الحقوق الماليّة ، فلو كان عنده وثيقة لدينه فغصبها ، جاز له أخذ عين له وثيقة لدينه وبيعها لأخذ حقّه في مورده . وكذا لا فرق بين الديون الحاصلة من الاقتراض أو الضمانات أو الديات ، فيجوز المقاصّة في كلّها . -------------------------------------------------------------------------------- [1] ـ بل الأشبه الجواز ما لم يستلزم الضرر ولا محذور آخر; إحقاقاً لحقّه. [2] ـ وإن كان الجواز غير بعيد. [3] ـ بل يبعد، والظاهر حصول التعاوض القهري. [4] ـ الأقوائية ممنوعة، بل عدم الجواز لايخلو من قوّة. [5] ـ أو كان طريق استيفاء الحقّ منحصراً في التقاصّ عن ماله المشترك بين الغريم والشريك; قضاءً لنفي الضرر والحرج عن المقاصّ، لكونه جمعاً بين الحقّين بعد إيصال مال الغير إليه. [6] ـ بل يجوز مع انحصار رفع الظلم بمقاصة الغير وعدم إمكان أخذ الوكالة ممّن له الحقّ; لما علّله «المستند» من أنّه رفع ظلم عن الغير وهو جائز، بل واجب. نعم مع عدم الانحصار عدم الجواز في محلّه. (مستند الشيعة 17: 462) [7] ـ بل ومعه أيضاً; لأنّهما عبادة، فمع امتناع المكلّف عن الأداء لايثبت الحقّ والوضع في ماله من رأس، ويكون عاصياً، وبذلك يظهر عدم الجواز للحاكم أيضاً. [8] ـ والأقرب الجواز. [9] ـ بل الأقوى هو الثاني. [10] ـ بل لايبعد الجواز.
|