|
القول في اللواحق
(مسألة 1) : يشترط في قبول شهادة الشاهدين تواردهما على الشيء الواحد ، فإن اتّفقا حكم بهما ، والميزان اتّحاد المعنى لا اللفظ ; فإن شهد أحدهما : بأنّه غصب ، والآخر : بأنّه انتزع منه قهراً ، أو قال أحدهما : باع ، والآخر : ملكه بعوض ، تقبل . ولو اختلفا في المعنى لم تقبل ; فإن شهد أحدهما بالبيع والآخر بإقراره بالبيع ، وكذا لو شهد أحدهما بأنّه غصبه من زيد ، والآخر بأنّ هذا ملك زيد ، لم تردا على معنىً واحد ; لأنّ الغصب منه أعمّ من كونه ملكاً له . (مسألة 2) : لو شهد أحدهما بشيء وشهد الآخر بغيره ، فإن تكاذبا سقطت الشهادتان ، فلا مجال لضمّ يمين المدّعي . وإن لم يتكاذبا فإن حلف مع كلّ واحد يثبت المدّعى ، وقيل : يصحّ الحلف مع أحدهما في صورة التكاذب أيضاً ، والأشبه ما ذكرناه . (مسألة 3) : لو شهد أحدهما : بأنّه سرق نصاباً غدوة ، والآخر : بأنّه سرق نصاباً عشيّة ، لم يقطع ولم يحكم بردّ المال ، وكذا لو قال الآخر : سرق هذا النصاب بعينه عشيّة . (مسألة 4) : لو اتّفق الشاهدان في فعل ، واختلفا في زمانه أو مكانه أو وصفه ـ بما يوجب تغاير الفعلين ـ لم تكمل شهادتهما ، كما لو قال أحدهما : سرق ثوباً في السوق ، والآخر : سرق ثوباً في البيت ، أو قال أحدهما : سرق ديناراً عراقيّاً ، وقال الآخر : سرق ديناراً كويتيّاً ، أو قال أحدهما : سرق ديناراً غدوة والآخر عشيّة ، فإنّه لم يقطع ولم يثبت الغرم إلاّ إذا حلف المدّعي مع كلّ واحد ، فإنّه يغرم الجميع ، فلو تعارض شهادتهما تسقط ، ولايثبت بهما شيء ولو مع الحلف. وكذا لو تعارضت البيّنتان سقطتا على الأشبه، كما لو شهدت إحداهما: بأنّه سرق هذا الثوب أوّل زوال يوم الجمعة في النجف ، وشهدت الاُخرى : بأنّه سرق هذا الثوب بعينه أوّل زوال هذا اليوم بعينه في بغداد ، ولايثبت بشيء منها القطع ولا الغرم . (مسألة 5) : لو شهد أحدهما : أنّه باع هذا الثوب أوّل الزوال في هذا اليوم بدينار ، وشهد آخر : أنّه باعه أوّل الزوال بدينارين ، لم يثبت وسقطتا . وقيل : كان له المطالبة بأيّهما شاء مع اليمين ، وفيه ضعف . ولو شهد له مع كلّ واحد شاهد آخر قيل : ثبت الديناران ، والأشبه سقوطهما . وكذا لو شهد واحد بالإقرار بألف والآخر بألفين في زمان واحد سقطتا ، وقيل : يثبت بهما الألف ، والآخر بانضمام اليمين إلى الثاني ، وهو ضعيف . فالضابط : أنّ كلّ مورد وقع التعارض سقط المتعارضان ; بيّنة كانا أو شهادة واحدة ، ومع عدم التعارض عمل بالبيّنة ، وتثبت مع الواحد ويمين المدّعي الدعوى . (مسألة 6) : لو شهدا عند الحاكم وقبل أن يحكم بهما ماتا أو جنّا أو اُغمي عليهما حكم بشهادتهما . وكذا لو شهدا ثمّ زكّيا بعد عروض تلك العوارض حكم بهما بعد التزكية . وكذا لو شهدا ثمّ فسقا أو كفرا قبل الحكم حكم بهما ، بل لايبعد ذلك لو شهد الأصل وحمل الفرع ، وكان الأصل عادلاً ، ثمّ فسق ثمّ شهد الفرع . ولا فرق في حدود الله تعالى وحقوق الناس في غير الفسق والكفر ، وأمّا فيهما فلايثبت الحدّ في حقوق الله محضاً كحدّ الزنا واللواط ، وفي المشتركة بينه وبين العباد كالقذف والسرقة تردّد ، والأشبه عدم الحدّ ، وأمّا في القصاص فالظاهر ثبوته . (مسألة 7) : قالوا : لو شهدا لمن يرثانه فمات قبل الحكم فانتقل المشهود به إليهما ، لم يحكم به لهما بشهادتهما ، وفيه تردّد وإشكال([1]) ، وأشكل منه ما قيل : إنّه لم يثبت بشهادتهما لشريكهما في الإرث . والوجه في ذلك ثبوت حصّة الشريك . (مسألة 8) : لو رجع الشاهدان أو أحدهما عن الشهادة قبل الحكم وبعد الإقامة ، لم يحكم بها ولا غرم ، فإن اعترفا بالتعمّد بالكذب فسقا ، وإلاّ فلا فسق ، فلو رجعا عن الرجوع في الصورة الثانية فهل تقبل شهادتهما ؟ فيه إشكال([2]) . فلو كان المشهود به الزنا واعترف الشهود بالتعمّد حدّوا للقذف ، ولو قالوا : اُوهمنا ، فلا حدّ على الأقوى([3]) . (مسألة 9) : لو رجعا بعد الحكم والاستيفاء وتلف المشهود به لم ينقض الحكم ، وعليهما الغرم ، ولو رجعا بعد الحكم قبل الاستيفاء ، فإن كان من حدود الله تعالى نقض الحكم . وكذا ما كان مشتركاً نحو حدّ القذف وحدّ السرقة ، والأشبه عدم النقض بالنسبة إلى سائر الآثار غير الحدّ ، كحرمة اُمّ الموطوء واُخته وبنته ، وحرمة أكل لحم البهيمة الموطوءة ، وقسمة مال المحكوم بالردّة ، واعتداد زوجته([4]) ، ولاينقض الحكم على الأقوى في ما عدا ما تقدّم من الحقوق ،ولو رجعا بعد الاستيفاء في حقوق الناس لم ينقض الحكم وإن كانت العين باقية على الأقوى . (مسألة 10) : إن كان المشهود به قتلاً أو جرحاً موجباً للقصاص واستوفي ثمّ رجعوا ، فإن قالوا : تعمّدنا اقتُصّ منهم ، وإن قالوا : أخطأنا كان عليهم الدية في أموالهم ، وإن قال بعضهم : تعمّدنا وبعضهم : أخطأنا ، فعلى المقرّ بالتعمّد القصاص وعلى المقرّ بالخطأ الدية بمقدار نصيبه ، ولوليّ الدم قتل المقرّين بالعمد أجمع وردّ الفاضل عن دية صاحبه ، وله قتل بعضهم ، ويردّ الباقون قدر جنايتهم . (مسألة 11) : لو كان المشهود به ما يوجب الحدّ برجم أو قتل ، فإن استوفي ثمّ قال أحد الشهود بعد الرجم ـ مثلاً ـ : كذبت متعمّداً ، وصدّقه الباقون وقالوا : تعمّدنا ، كان لوليّ الدم قتلهم بعد ردّ ما فضل من دية المرجوم ، وإن شاء قتل واحداً ، وعلى الباقين تكملة ديته بالحصص بعد وضع نصيب المقتول ، وإن شاء قتل أكثر من واحد وردّ الأولياء ما فضل من دية صاحبهم ، وأكمل الباقون ما يعوز بعد وضع نصيب من قتل ، وإن لم يصدّقه الباقون مضى إقراره على نفسه فحسب، فللوليّ قتله بعد ردّ فاضل الدية عليه([5])، وله أخذ الدية منه بحصّته . (مسألة 12) : لو ثبت أنّهم شهدوا بالزور نقض الحكم واستعيد المال إن أمكن ، وإلاّ يضمن الشهود ، ولو كان المشهود به قتلاً ثبت عليهم القصاص ، وكان حكمهم حكم الشهود إذا رجعوا وأقرّوا بالتعمّد ، ولو باشر الوليّ القصاص واعترف بالتزوير كان القصاص عليه ، لا الشهود ولو أقرّ الشهود ـ أيضاً ـ بالتزوير ، ويحتمل في هذه الصورة كون القصاص عليهم جميعاً ، والأوّل أشبه([6]) . (مسألة 13) : لو شهد اثنان على رجل بسرقة فقطعت يده ثمّ ثبت تزويرهما ، فللوليّ القصاص منهما بعد ردّ نصف الدية إليهما ، ومن واحد منهما ، ويردّ الآخر ربع الدية إلى صاحبه . ولو رجعا في الفرض فإن قالا : تعمّدنا فمثل التزوير ، وإن قالا : اُوهمنا وكان السارق فلاناً غيره ، اُغرما دية اليد ، ولم يقبل شهادتهما على الآخر . (مسألة 14) : لو شهدا بالطلاق ثمّ رجعا بعد حكم الحاكم لم ينقض حكمه ، فإن كان الرجوع بعد دخول الزوج لم يضمنا شيئاً ، وإن كان قبله ضمنا نصف مهر المسمّى . وفي هذا تردّد([7]) . (مسألة 15) : يجب أن يشهّر شهود الزور في بلدهم أو حيّهم ; لتجتنب شهادتهم ويرتدع غيرهم ، ويعزّرهم الحاكم بما يراه ، ولا تقبل شهادتهم إلاّ أن يتوبوا ويصلحوا وتظهر العدالة منهم ، ولايجري الحكم فيمن تبيّن غلطه أو ردّت شهادته لمعارضة بيّنة اُخرى أو ظهور فسق بغير الزور . -------------------------------------------------------------------------------- [1] ـ والأشبه القبول، لاسيّما بالنسبة إلى حصّة شريكهما في الإرث; لأنّه قد كان وقت الشهادة لغيرهما، والفرض عدم بطلانها بالطارئ كالفسق، فالحكم في المورد ليس حكماً لهما بشهادتهما، كما لايخفى، إلاّ أن تكون شهادتهما محـلاًّ للتهمة مثل مرض المورّث وغيره ممّا يوجب التهمة. [2] ـ والأقوى المنع. [3] ـ الأقوائية ممنوعة، بل الحدّ لايخلو من قوّة; لما في شهادتهما بالزنا من التعيير، ولما في مرسل ابن محبوب، (وسائل الشيعة 27: 328 / 1) ولأنّ عليهم التثبّت والاحتياط. نعم مع إحراز عدم التقصير في التثبّت ووجوب الشهادة فالأقوى عدم الحدّ. [4] ـ جعلهما من أمثلة غير الحدّ مخالف للظاهر من عبارات الأصحاب في كونهما حدّاً للارتداد كالقتل. وعليه فهما يُنتقضان كالقتل في الارتداد. [5] ـ إن كان القتل لغير الزنا واللواط، وأمّا فيهما ممّا يكون مذاق الشرع فيه على الصعوبة في إثباته، بل تخصيصه الإثبات بشهادة الأربعة على النحو الخاصّ، والإقرار أربعاً على نحو الندامة الحاصلة من وجدانه الديني خاصّة، بل عدم ميله إلى إثباته، ولذا يحدّ الثلاثة إن يأت الرابع، كما في رواية السكوني، (وسائل الشيعة 28:96 / 8) فالحقّ ـ وفاقاً للمحكي عن أبي عليّ والشيخ في «النهاية» (النهاية: 335) في الجملة ـ أنّ فاضل الدية، أي ثلاثة أرباع الدية على الثلاثة; قضاءً لحسن إبراهيم بن نعيم (وسائل الشيعة 27: 329 / 2) الذي هو كالصحيح إن لم يكن صحيحاً المؤيّد بما ذكرنا من مذاق الشرع، فلعلّ الشارع حكم على الثلاثة بأداء الدية; لكونه طريقاً لدفع الشهادة، مثل ما في الحدّ إن لم يأت الرابع، فإنّ الظاهر كونه أيضاً لمصلحة الدفع لا التعزير; لعدم المحلّ له، كما لايخفى، فإنّهم عدول أتوا بالشهادة. وبذلك يظهر عدم تمامية ما في «الجواهر» من قوله: «ولكن لقصوره عن معارضته القواعد التي منها عدم مؤاخذة أحد بإقرار غيره حمل على اعتراف الباقين بالخطأ»; (جواهر الكلام 41: 227) لعدم القصور على ما بيّناه، فإنّ الحكم بالدية في المقام وبالحدّ في عدم إتيان الرابع يكون من الدفع والمصلحة في الحكم. [6] ـ بل الثاني; لتعاونهم على القتل واشتراكهم فيه، ومسألة الممسك وإن كان شريكاً أيضاً خارجة بالنصّ. [7] ـ لكنّ الظاهر ـ قضاءً لقاعدة نفي الضرر وسببيّة الشهادة لذلك ـ ضمان الشاهد المهر المسمّى بتمامه إن كان بعد الدخول، ونصفه إن كان قبله، بل ولذلك هما يضمنان كلّ ما صرفه الزوج لتزويجه إيّاها.
|