|
القول في الموجب
وهو إزهاق النفس([1]) المعصومة عمداً مع الشرائط الآتية : (مسألة 1) : يتحقّق العمد محضاً بقصد القتل بما يقتل ولو نادراً ، وبقصد فعل يقتل به غالباً ، وإن لم يقصد القتل به([2]) ، وقد ذكرنا تفصيل الأقسام في كتاب الديات . (مسألة 2) : العمد : قد يكون مباشرة ، كالذبح والخنق باليد والضرب بالسيف والسكّين والحجر الغامز والجرح في المقتل ، ونحوها ممّا يصدر بفعله المباشري عرفاً ، ففيه القود . وقد يكون بالتسبيب بنحو ، وفيه صور نذكرها في ضمن المسائل الآتية . (مسألة 3) : لو رماه بسهم أو بندقة فمات ، فهو عمد عليه القود ولو لم يقصد القتل به([3]) ، وكذا لو خنقه بحبل ولم يزح عنه حتّى مات ، أو غمسه في ماء ونحوه ومنعه عن الخروج حتّى مات ، أو جعل رأسه في جراب النورة حتّى مات ، إلى غير ذلك من الأسباب التي انفرد الجاني في التسبيب المتلف ، فهي من العمد . (مسألة 4) : في مثل الخنق وما بعده لو أخرجه منقطع النفس ، أو غير منقطع لكن متردّد النفس ، فمات من أثر ما فعل به ، فهو عمد عليه القود . (مسألة 5) : لو فعل به أحد المذكورات بمقدار لايقتل مثله غالباً لمثله ، ثمّ أرسله فمات بسببه ، فإن قصد ولو رجاء القتل به ففيه القصاص ، وإلاّ فالدية ، وكذا لو داس بطنه بما لايقتل به غالباً ، أو عصر خصيته فمات ، أو أرسله منقطع القوّة فمات . (مسألة 6) : لو كان الطرف ضعيفاً ـ لمرض أو صغر أو كبر ونحوها ـ ففعل به ما ذكر في المسألة السابقة ، فالظاهر أنّ فيه القصاص ولو لم يقصد القتل مع علمه بضعفه ، وإلاّ ففيه التفصيل المتقدّم . (مسألة 7) : لو ضربه بعصا ـ مثلاً ـ فلم يقلع عنه حتّى مات ، أو ضربه مكرّراً ما لايتحمّله مثله بالنسبة إلى بدنه ككونه ضعيفاً أو صغيراً ، أو بالنسبة إلى الضرب الوارد ككون الضارب قويّاً ، أو بالنسبة إلى الزمان كفصل البرودة الشديدة ـ مثلاًـ فمات ، فهو عمد . (مسألة 8) : لو ضربه بما لايوجب القتل ، فأعقبه مرضاً بسببه ومات به ، فالظاهر أنّه مع عدم قصد القتل لايكون عمداً ولا قود ، ومع قصده عليه القود . (مسألة 9) : لو منعه عن الطعام أو الشراب مدّة لايحتمل لمثله البقاء ، فهو عمد وإن لم يقصد القتل ، وإن كان مدّة يتحمّل مثله عادة ولايموت به ، لكن اتفق الموت ، أو أعقبه بسببه مرض فمات ، ففيه التفصيل بين كون القتل مقصوداً ولو رجاءً ، أو لا . (مسألة 10) : لو طرحه في النار فعجز عن الخروج حتّى مات ، أو منعه عنه حتّى مات ، قتل به ، ولو لم يخرج منها عمداً وتخاذلاً فلا قود ولا دية قتل ، وعليه دية جناية الإلقاء في النار ، ولو لم يظهر الحال واحتمل الأمران لايثبت قود ولا دية([4]) . (مسألة 11) : لو ألقاه في البحر ونحوه فعجز عن الخروج حتّى مات ، أو منعه عنه حتّى مات ، قتل به ، ومع عدم خروجه عمداً وتخاذلاً أو الشكّ في ذلك فحكمه كالمسألة السابقة([5]) . ولو اعتقد أنّه قادر على الخروج ـ لكونه من أهل فنّ السباحة ـ فألقاه ، ثمّ تبيّن الخلاف ، ولم يقدر الملقي على نجاته ، لم يكن عمداً . (مسألة 12) : لو فصده ومنعه عن شدّه فنزف الدم ومات فعليه القود ، ولو فصده وتركه ، فإن كان قادراً على الشدّ فتركه تعمّداً وتخاذلاً حتّى مات ، فلا قود ولا دية النفس([6]) ، وعليه دية الفصد ، ولو لم يكن قادراً فإن علم الجاني ذلك فعليه القود ، ولو لم يعلم فإن فصده بقصد القتل ولو رجاءً فمات فعليه القود ظاهراً ، وإن لم يقصده بل فصده برجاء شدّه فليس عليه القود ، وعليه دية شبه العمد . (مسألة 13) : لو ألقى نفسه من علوّ على إنسان عمداً ، فإن كان ذلك ممّا يقتل به غالباً ; ولو لضعف الملقى عليه ـ لكبر أو صغر أو مرض ـ فعليه القود ، وإلاّ فإن قصد القتل به ولو رجاءً فكذلك هو عمد عليه القود ، وإن لم يقصد فهو شبه عمد ، وفي جميع التقادير دم الجاني هدر ، ولو عثر فوقع على غيره فمات فلا شيء عليه لا ديةً ولا قوداً ، وكذا لا شيء على الذي وقع عليه . (مسألة 14) : لو سحره فقتل وعلم سببيّة سحره له ، فهو عمد إن أراد بذلك قتله ، وإلاّ فليس بعمد بل شبهه ; من غير فرق بين القول بأنّ للسحر واقعية أو لا ، ولو كان مثل هذا السحر قاتلاً نوعاً ، يكون عمداً ولو لم يقصد القتل به . (مسألة 15) : لو جنى عليه عمداً فسرت فمات ، فإن كانت الجناية ممّا تسري غالباً فهو عمد ، أو قصد بها الموت فسرت فمات فكذلك . وأمّا لو كانت ممّا لا تسري ولا تقتل غالباً ، ولم يقصد الجاني القتل ، ففيه إشكال ، بل الأقرب عدم القتل بها وثبوت دية شبه العمد . (مسألة 16) : لو قدّم له طعاماً مسموماً بما يقتل مثله غالباً أو قصد قتله به ، فلو لم يعلم الحال فأكل ومات ، فعليه القود ، ولا أثر لمباشرة المجني عليه ،وكذا الحال لو كان المجني عليه غير مميّز ; سواء خلطه بطعام نفسه وقدّم إليه أو أهداه أو خلطه بطعام الآكل . (مسألة 17) : لو قدم إليه طعاماً مسموماً مع علم الآكل بأنّ فيه سمّاً قاتلاً ، فأكل متعمّداً وعن اختيار ، فلا قود ولا دية ، ولو قال كذباً : «إنّ فيه سمّاً غير قاتل وفيه علاج لكذا» فأكله فمات ، فعليه القود ، ولو قال : «فيه سمّ» وأطلق فأكله ، فلا قود ولا دية . (مسألة 18) : لو قدّم إليه طعاماً فيه سمّ غير قاتل غالباً ، فإن قصد قتله ـ ولو رجاءًـ فهو عمد لو جهل الآكل ، ولو لم يقصد القتل فلا قود . (مسألة 19) : لو قدم إليه المسموم بتخيّل أنّه مهدور الدم([7]) فبان الخلاف ، لم يكن قتل عمد ولا قود فيه . (مسألة 20) : لو جعل السمّ في طعام صاحب المنزل ، فأكله صاحب المنزل من غير علم به فمات ، فعليه القود لو كان ذلك بقصد قتل صاحب المنزل . وأمّا لو جعله بقصد قتل كلب ـ مثلاً ـ فأكله صاحب المنزل فلا قود ، بل الظاهر أنّه لا دية([8]) أيضاً ، ولو علم أنّ صاحب المنزل يأكل منه فالظاهر أنّ عليه القود . (مسألة 21) : لو كان في بيته طعام مسموم ، فدخل شخص بلا إذنه فأكل ومات ، فلا قود ولا دية ، ولو دعاه إلى داره لا لأكل الطعام فأكله بلا إذن منه وعدواناً فلا قود . (مسألة 22) : لو حفر بئراً ممّا يقتل بوقوعه فيها ، ودعا غيره ـ الذي جهلها ـ بوجه يسقط فيها بمجيئه ، فجاء فسقط ومات ، فعليه القود . ولو كانت البئر في غير طريقه ودعاه لا على وجه يسقط فيها ، فذهب الجائي على غير الطريق فوقع فيها ، لا قود ولا دية([9]) . (مسألة 23) : لوجرحه فداوى نفسه بدواء سمّي مجهز ـ بحيث يستند القتل إليه لا إلى الجرح ـ لا قود في النفس ، وفي الجرح قصاص إن كان ممّا يوجبه ، وإلاّ فأرش الجناية ، ولو لم يكن مجهزاً لكن اتّفق القتل به وبالجرح معاً ، سقط ما قابل فعل المجروح ، فللوليّ قتل الجارح بعد ردّ نصف ديته . (مسألة 24) : لو ألقاه في مسبعة كزبية الأسد ونحوه فقتله السباع ، فهو قتل عمد عليه القود . وكذا لو ألقاه إلى أسد ضارّ فافترسه ; إذا لم يمكنه الاعتصام منه بنحو ولو بالفرار ، ولو أمكنه ذلك وترك تخاذلاً وتعمّداً لا قود ولا دية . ولو لم يكن الأسد ضارياً فألقاه لابقصد القتل فاتفق أنّه قتله ، لم يكن من العمد ، ولو ألقاه برجاء قتله فقتله فهو عمد ، عليه القود ، ولو جهل حال الأسد فألقاه عنده فقتله فهو عمد إن قصد قتله ، بل الظاهر ذلك لو لم يقصده . (مسألة 25) : لو ألقاه في أرض مسبعة متكتّفاً ، فمع علمه بتردّد السباع عنده فهو قتل عمد بلا إشكال ، بل هو من العمد مع احتمال ذلك وإلقائه بقصد الافتراس ولو رجاءً . نعم مع علمه أو اطمئنانه بأنّه لايتردّد السباع فاتّفق ذلك لايكون من العمد ، والظاهر ثبوت الدية . (مسألة 26) : لو ألقاه عند السبع فعضّه بما لايقتل به ، لكن سرى فمات ، فهو عمد عليه القود([10]) . (مسألة 27) : لو أنهشه حيّة لها سمّ قاتل ; بأن أخذها وألقمها شيئاً من بدنه ، فهو قتل عمد عليه القود . وكذا لو طرح عليه حيّة قاتلة فنهشته فهلك . وكذا لو جمع بينه وبينها في مضيق لايمكنه الفرار ، أو جمع بينها وبين من لايقدر عليه ـ لضعف كمرض أو صغر أو كبر ـ فإنّ في جميعها ـ وكذا في نظائرها ـ قوداً . (مسألة 28) : لو أغرى به كلباً عقوراً قاتلاً غالباً فقتله فعليه القود . وكذا لو قصد القتل به ولو لم يكن قاتلاً غالباً ، أو لم يعلم حاله ، وقصد ـ ولو رجاءً ـ القتل ، فهو عمد . (مسألة 29) : لو ألقاه إلى الحوت فالتقمه فعليه القود ، ولو ألقاه في البحر ليقتله([11]) فالتقمه الحوت بعد الوصول إلى البحر ، فعليه القود وإن لم يكن من قصده القتل بالتقام الحوت ، بل كان قصده الغرق . ولو ألقاه في البحر ، وقبل وصوله إليه وقع على حجر ونحوه فقتل ، فعليه الدية([12]) ، ولو التقمه الحوت قبل وصوله إليه فالظاهر أنّ عليه القود . (مسألة 30) : لو جرحه ثمّ عضّه سبع وسرتا فعليه القود ، لكن مع ردّ نصف الدية ، ولو صالح الوليّ على الدية فعليه نصفها ، إلاّ أن يكون سبب عضّ السبع هو الجارح ، فعليه القود ، ومع العفو ـ على الدية ـ عليه تمام الدية . (مسألة 31) : لو جرحه ثمّ عضّه سبع ثمّ نهشته حيّة فعليه القود مع ردّ ثلثي الدية ، ولو صالح بها فعليه ثلثها ، وهكذا . وممّا ذكر يظهر الحال في جميع موارد اشتراك الحيوان مع الإنسان في القتل . (مسألة 32) : لو حفر بئراً ووقع فيها شخص بدفع ثالث فالقاتل الدافع لا الحافر ، وكذا لو ألقاه من شاهق وقبل وصوله إلى الأرض ضربه آخر بالسيف ـ مثلاً ـ فقدّه نصفين ، أو ألقاه في البحر وبعد وقوعه فيه قبل موته ـ مع بقاء حياته المستقرّة ـ قتله آخر ، فإنّ القاتل هو الضارب لا المُلقي . (مسألة 33) : لو أمسكه شخص وقتله آخر وكان ثالث عيناً لهم ، فالقود على القاتل لا الممسك ، لكن الممسك يحبس أبداً حتّى يموت في الحبس ، والربيئة تسمل عيناه بميل محمىً ونحوه . (مسألة 34) : لو أكرهه على القتل فالقود على المباشر([13]) إذا كان بالغاً عاقلاً ، دون المكره وإن أوعده على القتل ، ويحبس الآمر به أبداً حتّى يموت . ولو كان المكره مجنوناً أو طفلاً غير مميّز فالقصاص على المكره الآمر . ولو أمر شخص طفلاً مميّزاً بالقتل فقتله ليس على واحد منهما القود([14]) ، والدية على عاقلة الطفل ، ولو أكرهه على ذلك فهل على الرجل المكره القود أو الحبس أبداً ؟ الأحوط الثاني([15]) . (مسألة 35) : لو قال بالغ عاقل لآخر : «اقتلني وإلاّ قتلتك» لايجوز له القتل ، ولا ترفع الحرمة ، لكن لو حمل عليه بعد عدم إطاعته ليقتله جاز قتله دفاعاً ، بل وجب ، ولا شيء عليه ، ولو قتله بمجرّد الإيعاد كان آثماً ، وهل عليه القود ؟ فيه إشكال([16]) وإن كان الأرجح عدمه ، كما لايبعد عدم الدية أيضاً ([17]) . (مسألة 36) : لو قال : «اقتل نفسك» ، فإن كان المأمور عاقلاً مميّزاً فلا شيء على الآمر ، بل الظاهر أنّه لو أكرهه على ذلك فكذلك ، ويحتمل الحبس([18]) أبداً لإكراهه فيما صدق الإكراه ، كما لو قال : «اقتل نفسك وإلاّ قتلتك شرّ قتلة» . (مسألة 37) : يصحّ الإكراه بما دون النفس ، فلو قال له : «اقطع يد هذا وإلاّ قتلتك» كان له قطعها وليس عليه قصاص ، بل القصاص على المكره ، ولو أمره من دون إكراه فقطعها فالقصاص على المباشر ، ولو أكرهه على قطع إحدى اليدين فاختار إحداهما ، أو قطع يد أحد الرجلين فاختار أحدهما ، فليس عليه شيء ، وإنّما القصاص على المكره الآمر . (مسألة 38) : لو أكرهه على صعود شاهق فزلق رجله وسقط فمات ، فالظاهر أن عليه الدية لا القصاص ، بل الظاهر أنّ الأمر كذلك لو كان مثل الصعود موجباً للسقوط غالباً على إشكال([19]) . (مسألة 39) : لو شهد اثنان بما يوجب قتلاً كالارتداد مثلاً ، أو شهد أربعة بما يوجب رجماً كالزنا ، ثمّ ثبت أنّهم شهدوا زوراً بعد إجراء الحدّ أو القصاص لم يضمن الحاكم ولا المأمور من قبله في الحدّ ، وكان القود على الشهود زوراً مع ردّ الدية على حساب الشهود . ولو طلب الوليّ القصاص كذباً وشهد الشهود زوراً ، فهل القود عليهم جميعاً ، أو على الوليّ ، أو على الشهود ؟ وجوه ، أقربها الأخير . (مسألة 40) : لو جنى عليه فصيّره في حكم المذبوح ـ بحيث لايبقى له حياة مستقرّة([20]) ـ فذبحه آخر فالقود على الأوّل ، وهو القاتل عمداً ، وعلى الثاني دية الجناية على الميّت ، ولو جنى عليه وكانت حياته مستقرّة([21]) فذبحه آخر فالقود على الثاني ، وعلى الأوّل حكم الجرح قصاصاً أو أرشاً ; سواء كان الجرح ممّا لايقتل مثله أو يقتل غالباً . (مسألة 41) : لو جرحه اثنان ، فاندمل جراحة أحدهما ، وسرت الاُخرى فمات ، فعلى من اندملت جراحته دية الجراحة أو قصاصها ، وعلى الثاني القود ، فهل يقتل بعد ردّ دية الجرح المندمل أم يقتل بلا ردّ ؟ فيه إشكال ; وإن كان الأقرب عدم الردّ . (مسألة 42) : لو قطع أحد يده من الزند وآخر من المرفق فمات ، فإن كان قطع الأوّل بنحو بقيت سرايته بعد قطع الثاني ، كما لو كانت الآلة مسمومة وسرى السمّ في الدم ، وهلك به وبالقطع الثاني ، كان القود عليهما ، كما أنّه لو كان القتل مستنداً إلى السمّ القاتل في القطع ، ولم يكن في القطع سراية ، كان الأوّل قاتلاً ، فالقود عليه ، وإذا كان سراية القطع الأوّل انقطع بقطع الثاني كان الثاني قاتلاً . (مسألة 43) : لو كان الجاني في الفرض المتقدّم واحداً ، دخل دية الطرف في دية النفس على تأمّل في بعض الفروض . وهل يدخل قصاص الطرف في قصاص النفس مطلقاً ، أو لا مطلقاً ، أو يدخل إذا كانت الجناية أو الجنايات بضربة واحدة ، فلو ضربه ففقئت عيناه وشجّ رأسه فمات دخل قصاص الطرف في قصاص النفس ، وأمّا إذاكانت الجنايات بضربات عديدة لم يدخل في قصاصها ، أو يفرّق بين ما كانت الجنايات العديدة متوالية ، كمن أخذ سيفاً وقطّع الرجل إرباً إرباً حتّى مات ، فيدخل قصاصها في قصاص النفس ، وبين ما إذا كانت متفرّقة ، كمن قطع يده في يوم ، وقطع رجله في يوم آخر وهكذا إلى أن مات ، فلم يدخل قصاصها في قصاصها ؟ وجوه ، لايبعد أوجهيّة الأخير ، والمسألة بعد مشكلة . نعم لا إشكال في عدم التداخل لو كان التفريق بوجه اندمل بعض الجراحات ، فمن قطع يد رجل فلم يمت واندملت جراحتها ، ثمّ قطع رجله فاندملت ثمّ قتله ، يقتصّ منه ثمّ يقتل . (مسألة 44) : لو اشترك اثنان فما زاد في قتل واحد اقتصّ منهم إذا أراد الوليّ ، فيردّ عليهم ما فضل من دية المقتول ، فيأخذ كلّ واحد ما فضل عن ديته ، فلو قتله اثنان وأراد القصاص يؤدّي لكلّ منهما نصف دية القتل ، ولو كانوا ثلاثة فلكلّ ثلثا ديته وهكذا ، وللوليّ أن يقتصّ من بعضهم ، ويردّ الباقون المتروكون دية جنايتهم إلى الذي اقتصّ منه ، ثمّ لو فضل للمقتول أو المقتولين فضل عمّا ردّه شركاؤهم قام الوليّ به ، ويردّه إليهم ، كما لو كان الشركاء ثلاثة فاقتصّ من اثنين ، فيردّ المتروك دية جنايته ، وهي الثلث إليهما ، ويردّ الوليّ البقيّة إليهما ، وهي دية كاملة ، فيكون لكلّ واحد ثلثا الدية . (مسألة 45) : تتحقّق الشركة في القتل ; بأن يفعل كلّ منهم ما يقتل لو انفرد ، كأن أخذوه جميعاً فألقوه في النار أو البحر أو من شاهق ، أو جرحوه بجراحات كلّ واحدة منها قاتلة لو انفردت . وكذا تتحقّق بما يكون له الشركة في السراية مع قصد الجناية ، فلو اجتمع عليه عدّة ، فجرحه كلّ واحد بما لايقتل منفرداً ، لكن سرت الجميع فمات ، فعليهم القود بنحو ما مرّ . ولايعتبر التساوي في عدد الجناية ، فلو ضربه أحدهم ضربة والآخر ضربات والثالث أكثر وهكذا ، فمات بالجميع ، فالقصاص عليهم بالسواء ، والدية عليهم سواء . وكذا لايعتبر التساوي في جنس الجناية ، فلو جرحه أحدهما جائفة والآخر موضحة مثلاً ، أو جرحه أحدهما وضربه الآخر ، يقتصّ منهما سواء ، والدية عليهما كذلك بعد كون السراية من فعلهما . (مسألة 46) : لو اشترك اثنان أو جماعة في الجناية على الأطراف ، يقتصّ منهم كما يقتصّ في النفس ، فلو اجتمع رجلان على قطع يد رجل ، فإن أحبّ أن يقطعهما أدّى إليهما دية يد يقتسمانها ثمّ يقطعهما ، وإن أحبّ أخذ منهما دية يد ، وإن قطع يد أحدهما ردّ الذي لم يقطع يده على الذي قطعت يده ربع الدية ، وعلى هذا القياس اشتراك الجماعة . (مسألة 47) : الاشتراك فيها يحصل باشتراكهم في الفعل الواحد المقتضي للقطع ; بأن يكرهوا شخصاً على قطع اليد ، أو يضعوا خنجراً على يده واعتمدوا عليه أجمع حتّى تقطع . وأمّا لو انفرد كلّ على قطع جزء من يده فلا قطع في يدهما ، وكذا لو جعل أحدهما آلته فوق يده والآخر تحتها ، فقطع كلّ جزء منها حتّى وصل الآلتان وقطعت اليد ، فلا شركة ولا قطع([22]) ، بل كلّ جنى جناية منفردة ، وعليه القصاص أو الدية في جنايته (مسألة 48) : لو اشترك في قتل رجل امرأتان قتلتا به من غير ردّ شيء([23]) ، ولو كنّ أكثر فللولي قتلهنّ وردّ فاضل ديته يقسّم عليهنّ بالسويّة ، فإن كنّ ثلاثاً وأراد قتلهنّ ردّ عليهنّ دية امرأة([24]) ، وهي بينهنّ بالسويّة ، وإن كنّ أربعاً فدية امرأتين كذلك وهكذا ، وإن قتل بعضهنّ ردّ البعض الآخر ما فضل من جنايتها ، فلو قتل في الثلاث اثنتين ردّت المتروكة ثلث ديته على المقتولين بالسويّة ، ولو اختار قتل واحدة ردّت المتروكتان على المقتولة ثلث ديتها ، وعلى الوليّ نصف دية الرجل . (مسألة 49) : لو اشترك في قتل رجل رجل وامرأة فعلى كلّ منهما نصف الدية ، فلو قتلهما الوليّ فعليه ردّ نصف الدية على الرجل ، ولا ردّ على المرأة ، ولو قتل المرأة فلا ردّ ، وعلى الرجل نصف الدية ، ولو قتل الرجل ردّت المرأة عليه نصف ديته لا ديتها . (مسألة 50) : قالوا : كلّ موضع يوجب الردّ يجب أوّلاً الردّ ثمّ يستوفى ، وله وجه([25]) . ثمّ إنّ المفروض في المسائل المتقدّمة هو([26]) الرجل المسلم الحرّ والمرأة كذلك . -------------------------------------------------------------------------------- [1] ـ على ما يأتي من مصاديقها في الشرط السادس من شرائط القصاص. [2] ـ تفصيلاً، وإلاّ فالقاصد لذلك الفعل قاصد للقتل عادةً وارتكازاً، ويكون أمارة على قصده وعمده الارتكازي، كما يأتي تفصيله في كتاب الديات. فعلى هذا لا موضوعية للفعل كذلك، فإن ثبت عدم أماريّته في مورد من حيث المورد محـلاًّ أو شخصاً، ومن حيث الجهل بكون الآلة قتّالة ومن غيرها، فالظاهر عدم كونه عمداً. وبذلك يظهر حكم ما وقع من القتل في المرافعات والمنازعات الاتّفاقية التي لم تكن مسبوقةً بالإرادة والتوطئة مع تهيّئة الآلة القتّالة للنزاع، فالقتل فيه لايحكم بأنّه قتل عمد، وهو الموافق للاحتياط في الدماء، إلاّ أن يرجع القتل فيها إلى القتل العمد ارتكازاً، كضربه بالآلة القتّالة على موضع يقتل به غالباً. [3] ـ على تفصيل مرّ. [4] ـ بل يثبت القود والدية; حيث إنّ كون السبب في مثل الإلقاء في النار المحتمل فيها حصول الدهشة والتشنّج والذهول ممّا يقتل به غالباً ممّا يساعده العرف، فيكون القتل عمداً وإن يقصد به ذلك. نعم، ما كان ذلك الاحتمال فيه ضعيفاً من حيث الشخص أو النار مثلاً، وليس السبب كذلك عرفاً فالعمد فيه دائر مدار القصد. [5] ـ على ما مرّ فيها. [6] ـ إن لم يكن الفصّاد فصده عدواناً بقصد القتل، وإلاّ فعليه القود على ما فصّل وحقّق في شرح المسألة في كتاب القصاص. (فقه الثقلين في شرح تحرير الوسيلة، كتاب القصاص: 59) [7] ـ لايخفى عليك اختصاص هذا الحكم بمن كان مهدور الدم من حيث سبّه المعصومين(صلوات اللّه عليهم أجمعين) على ما يأتي تفصيله في المسألة السادسة من كتاب الديات «القول في أحكام القتل». [8] ـ بل الظاهر أنّ عليه الدية إن كان غافلاً عن أكل صاحب المنزل; حيث إنّ المتعارف في مثل ذلك إعلام صاحب المنزل بالسمّ في ذلك الطعام، وترك الإعلام يكون سبباً غير عمد عند العقلاء والعرف للقتل، كما أنّه مع احتماله أكل صاحب المنزل الطعام فالظاهر أنّ عليه القود; لكون الاحتمال منجّزاً وموجباً للاحتياط في الدماء عند العقلاء، فترك الإعلام موجب لتحقّق العمد وأقوائية السبب عن المباشر. [9] ـ على الداعي بما هو داع، وأمّا بالنسبة إلى الحافر فضمانه دائر مدار عدم الإنذار والحذر اللازم المتعارف; فإنّ مع الإنذار أقوائية السبب منتفية، وقد عذّر من حذّر. [10] ـ حيث إنّ الإلقاء عنده ممّا يقتل به غالباً عرفاً، إلاّ مع إحراز عدم العضّ وعدم كونه ضارياً، فكان العضّ اتّفاقياً، فعليه الدية. [11] ـ بل وإن لم يقصد كذلك; حيث إنّ الفعل ممّا يقتل به غالباً فيكون كافياً في العمد والقود. [12] ـ بل الظاهر أنّ عليه القود كفرعه التالي; لكون المقتول مظلوماً والملقي ظالماً في القتل عرفاً. [13] ـ بل على المكره مع التوعيد بالقتل; لأقوائية السبب، وعلى المباشر مع التوعيد بما دون القتل، والمكره (بالكسر) في المورد وفي كلّ مورد لم يكن عليه القود في الموارد الآتية يحبس أبداً; قضاءً لأولوية الإكراه عن الآمر المورد للنصّ. [14] ـ على القول بعدم القود في المميّز الرشيد، وإلاّ فمع تميزه ورشده فعليه القود، وأمّا الآمر يحبس أبداً مطلقاً حتّى على عدم القود على المميّز. [15] ـ والأقوى كون القود على المكرِه مع كون التوعيد بالقتل، وعلى المميّز الرشيد مع التوعيد بما دونه، بناءً على القود في المميّز، والمكرِه يحبس أبداً، كما مرّ; لما مرّ. [16] ـ ناش من الإذن ومن عدم جوازه، فالقتل قتل عدوان، ووجه الأرجحية أنّ الإذن على أيّ حال رافع للقصاص، بل والدية; لرجوعه إلى إسقاط حقّه وإن كان آثماً في ذلك الإسقاط، فتأمّل. [17] ـ هذا كلّه إذا لم يصل توعيده بالقتل إن لم يقتله إلى الإكراه والإلجاء، وإلاّ فالظاهر عدم الحرمة، فضلاً عن الدية والقود; قضاءً لرفع الإكراه، كما مرّ في الإكراه على قتل الغير في المسألة المتقدّمة. [18] ـ على مبنى الماتن في الإكراه، وأمّا على المختار في الإكراه على القتل بالتوعيد به فالمحتمل، بل الأقوى القود على المكرِه. [19] ـ لكنّ التحقيق أنّه إن كان الغالب في مثل هذا الإنسان إذا صعد مثل تلك الشجرة السقوط غالباً والموت معه غالباً، فالإكراه عليه كالإكراه على تناول ما يقتل بمثله غالباً، فالضمان بالقصاص على السبب; لأقوائيّته، والفعل ممّا يقتل به غالباً على المفروض، وإلاّ فإن يقصد به القتل فلا إشكال في عدم القصاص عليه، كما أنّه مع قصده القتل عليه القصاص، ووجهه ظاهر. [20] ـ المراد منه زوال الروح وإن كان له مثل حركة الشاة والطير المذبوحين الناشئة من الحرارة الطبيعية. [21] ـ ببقاء الروح وإن لم يكن له إدراك اختياري ولا حركة ولا نطق كذلك، كما قد يتّفق في الموت الدماغي. [22] ـ مع عدم إحراز التواطؤ والاشتراك على القطع كذلك، وإلاّ فالظاهر عدم الإشكال في الشركة والقطع، كما لايخفى. [23] ـ هذا الحكم مبنيّ على كون دية المرأة نصف دية الرجل، فلايجب على وليّ المقتول ردّ شيء إلى أوليائهما; لتساويهما في الدية مع الرجل الواحد، كما أنّ ما ذكره في فروعه التالية مبنيّ على ذلك المبنى أيضاً، أمّا على المختار من تساوي دية المرأة مع الرجل، كما يأتي في محلّه، فالظاهر أنّ على الوليّ وجوب ردّ دية إلى أوليائهما; لتقسّم بينهما بالسوية. وبالجملة، الحكم في المرأتين المشتركتين في قتل رجل واحد حكم الرجلين المشتركين في قتل رجل واحد. لايقال: إنّ الردّ مخالف للنصّ في المسألة، وهو صحيحة ابن مسلم قال: سألت أبا جعفر(عليه السلام): عن امرأتين قتلتا رجلاً عمداً؟ قال: «تقتلان به، ما يختلف في هذا أحد». (وسائل الشيعة 29: 84 / 15) لأنّه يقال: لادلالة ولا ذكر فيها من الردّ وعدمه، فإنّ العناية والجهة في السؤال هي أصل جواز قتلهما به ـ وإن كان فيها الإبهام ـ من دون نظر إلى شيء آخر، ويشهد على ذلك عدم تعرّض الجواب عن بقيّة أحكام المسألة، مثل أنّ للوليّ قتل واحد منهما وأخذ الدية من الآخر وردّه إلى أولياء المقتول قصاصاً، مثل ما كان القاتلان رجلين واقتصّ من أحدهما، ومثل غيره من الأحكام. وما ذكره الفقهاء من عدم الردّ كان اجتهاداً منهم (قدّس اللّه أرواحهم) على مبناهم، فكان دراية، لا رواية. وبالجملة، الردّ وعدمه مبنيّ على كون دية المرأة نصف دية الرجل وعدم تساويهما فيها، وعلى المختار فلابدّ في المسألة كبقية الفروع المذكورة من ردّ نصف الدية على أولياء المقتولتين قصاصاً بالتساوي. [24] ـ بل امرأتين، وهي الديتان الكاملتان، وعلى هذا القياس فيما كنّ أربعاً وأزيد منه. وبالجملة، حكم اشتراك النساء في القتل حكم اشتراك الرجال فيه، من دون تفاوت بينهما، كما لايخفى على المختار من التساوي في الدية، وإنّما التفاوت بالأنحاء المذكورة في المسألة، والمسألة التالية مبنيّ على مبناهم من أنّ دية المرأة نصف دية الرجل. [25] ـ لكنّه غير وجيه، بل مقتضى الوجه الوجيه الذي لايخلو عن قوّة عدم وجوب الردّ أوّلاً، ويجوز الاستيفاء قبل الردّ، كما حقّقناه في شرح المسألة في كتاب القصاص. (فقه الثقلين في شرح تحرير الوسيلة، كتاب القصاص: 156) [26] ـ التكافؤ في شرائط القصاص على ما يأتي في محلّه، وما ذكره(قدس سره) من الموارد مبنيّ على المبنى المعروف في الشرائط، فلا خصوصية له.
|