|
المبحث الأوّل: في المباشر
(مسألة 1) : المراد بالمباشرة أعمّ من أن يصدر الفعل منه بلا آلة ، كخنقه بيده أو ضربه بها أو برجله فقتل به ، أو بآلة كرميه بسهم ونحوه ، أو ذبحه بمدية ، أو كان القتل منسوباً إليه بلا تأوّل عرفاً ، كإلقائه في النار ، أو غرقه في البحر ، أو إلقائه من شاهق ، إلى غير ذلك من الوسائط التي معها تصدق نسبة القتل إليه . (مسألة 2) : لو وقع القتل عمداً يثبت فيه القصاص . والكلام هاهنا فيما لايقع عمداً ، نحو أن يرمي غرضاً فأصاب إنساناً ، أو ضربه تأديباً فاتّفق الموت ، وأشباه ذلك ممّا مرّ الكلام فيها في شبيه العمد والخطأ المحض . (مسألة 3) : لو ضرب تأديباً فاتّفق القتل فهو ضامن ; زوجاً كان الضارب أو وليّاً للطفل أو وصيّاً للوليّ أو معلّماً للصبيان ، والضمان في ذلك في ماله . (مسألة 4) : الطبيب يضمن ما يتلف بعلاجه إن كان قاصراً في العلم أو العمل ولو كان مأذوناً ، أو عالج قاصراً بدون إذن وليّه أو بالغاً بلا إذنه ; وإن كان عالماً متقناً في العمل ، ولو أذن المريض أو وليّه الحاذق في العلم والعمل ، قيل : لايضمن([1]) ، والأقوى ضمانه في ماله . وكذا البيطار . هذا كلّه مع مباشرة العلاج بنفسه . وأمّا لو وصف دواءً وقال : «إنّه مفيد للمرض الفلاني» ، أو قال : «إنّ دواءك كذا» من غير أمر بشربه ، فالأقوى عدم الضمان . نعم لايبعد الضمان في التطبّب على النحو المتعارف . (مسألة 5) : الختّان ضامن([2]) إذا تجاوز الحدّ وإن كان ماهراً . وفي ضمانه إذا لم يتجاوزه ـ كما إذا أضرّ الختان بالولد فمات ـ إشكال ، والأشبه عدم الضمان . (مسألة 6) : الظاهر براءة الطبيب ونحوه ـ من البيطار والختّان ـ بالإبراء قبل العلاج ، والظاهر اعتبار إبراء المريض إذا كان بالغاً عاقلاً فيما لاينتهي إلى القتل ، والوليّ فيما ينتهي إليه ، وصاحب المال في البيطار ، والوليّ في القاصر . ولايبعد كفاية إبراء المريض الكامل العقل حتّى فيما ينتهي إلى القتل ، والأحوط الاستبراء منهما . (مسألة 7) : النائم إذا أتلف نفساً أو طرفاً بانقلابه أو سائر حركاته ـ على وجه يستند الإتلاف إليه ـ فضمانه في مال العاقلة([3]) ، وفي الظئر إذا انقلبت فقتلت الطفل رواية([4]) : بأنّ عليها الدية كاملة من مالها خاصّة إن كانت إنّما ظأرت طلباً للعزّ والفخر ، وإن كانت إنّما ظأرت من الفقر فإنّ الضمان على عاقلتها ، وفي العمل بها تردّد([5]) ، ولو كان ظئرها للفقر والفخر معاً فالظاهر([6]) أنّ الدية على العاقلة ، والاُمّ لا تُلحق([7]) (مسألة 8) : لو أعنف الرجل بزوجته جماعاً فماتت يضمن الدية في ماله ، وكذا لو أعنف بها ضمّاً ، وكذا الزوجة لو أعنفت بالرجل ضمّاً ، وكذا الأجنبي والأجنبيّة مع عدم قصد القتل . (مسألة 9) : من حمل شيئاً فأصاب به إنساناً ضمن جنايته عليه في ماله . (مسألة 10) : من صاح ببالغ غير غافل فمات أو سقط فمات ، فلا دية إلاّ مع العلم باستناد الموت إليه ، فحينئذ إن كان قاصداً لقتله فهو عمد يقتصّ منه ، وإلاّ شبيه عمد فالدية من ماله ، فلو صاح بطفل أو مريض أو جبان أو غافل فمات ، فالظاهر ثبوت الدية إلاّ أن يثبت عدم الاستناد ، فمع قصد القتل بفعله فهو عمد ، وإلاّ فشبيهه مع عدم الترتّب نوعاً أو غفلته عنه ، ومن هذا الباب كلّ فعل يستند إليه القتل ، ففيه التفصيل المتقدّم ، كمن شهر سيفه في وجه إنسان ، أو أرسل كلبه إليه فأخافه ، إلى غير ذلك من أسباب الإخافة . (مسألة 11) : لو أخافه فهرب فأوقع نفسه من شاهق أو في بئر فمات ، فإن زال عقله واختياره بواسطة الإخافة فالظاهر ضمان المخيف ، وإلاّ فلا ضمان ، ولو صادفه في هربه سبع فقتله فلا ضمان . (مسألة 12) : لو وقع من علوّ على غيره فقتله ، فمع قصد قتله فهو عمد وعليه القود ، وإن لم يقصده وقصد الوقوع وكان ممّا لايقتل به غالباً ، فهو شبيه عمد يلزمه الدية في ماله ، وكذا لو وقع إلجاءً واضطراراً مع قصد الوقوع . ولو ألقته الريح أو زلق بنحو لايسند الفعل إليه ، فلا ضمان عليه ولا على عاقلته ، ولو مات الذي وقع فهو هدر على جميع التقادير . (مسألة 13) : لو دفعه دافع فمات فالقود في فرض العمد والدية في شبيهه على الدافع . ولو دفعه فوقع على غيره فمات فالقود أو الدية على الدافع أيضاً ، وفي رواية صحيحة : أنّها على الذي وقع على الرجل ، فقتله لأولياء المقتول ، ويرجع المدفوع بالدية على الذي دفعه . ويمكن حملها على أنّ الدفع اضطرّه إلى الوقوع ; بحيث كان الفعل منسوباً إليه بوجه . (مسألة 14) : لو صدمه فمات المصدوم ، فإن قصد القتل أو كان الفعل ممّا يقتل غالباً فهو عمد يقتصّ منه . وإن قصد الصدم دون القتل ولم يكن قاتلاً غالباً ، فديته في مال الصادم . ولو مات الصادم فهدرٌ لو كان المصدوم في ملكه أو محلّ مباح أو طريق واسع . ولو كان واقفاً في شارع ضيّق فصدمه بلاقصد يضمن المصدوم ديته ، وكذا لو جلس فيه فعثر به إنسان . نعم لو كان قاصداً لذلك وله مندوحة فدمه هدر ، وعليه ضمان المصدوم . (مسألة 15) : إذا اصطدم حرّان بالغان عاقلان فماتا فإن قصدا القتل فهو عمد ، وإن لم يقصدا ذلك ولم يكن الفعل ممّا يقتل غالباً فهو شبيه العمد ; يكون لورثة كلّ منهما نصف ديته([8]) ، ويسقط النصف الآخر . ويستوي فيهما الراجلان والفارسان والفارس والراجل ، وعلى كلّ واحد منهما نصف قيمة مركوب الآخر لو تلف بالتصادم ; من غير فرق بين اتّحاد جنس المركوب واختلافه وإن تفاوتا في القوّة والضعف ، ومن غير فرق بين شدّة حركة أحدهما دون الآخر ، أو تساويهما في ذلك إذا صدق التصادم . نعم لو كان أحدهما قليل الحركة بحيث لايصدق التصادم ، بل يقال صدمه الآخر ، فلا ضمان على المصدوم ، فلو صادمت سيّارة صغيرة مع سيّارة كبيرة كان الحكم كما ذكر ، فيقع التقاصّ في الدية والقيمة ، ويرجع صاحب الفضل إن كان على تركة الآخر . (مسألة 16) : لو لم يتعمّد الاصطدام ـ بأن كان الطريق مظلماً ، أو كانا غافلين أو أعميين ـ فنصف دية كلّ منهما على عاقلة الآخر([9]) . وكذا لو كان المصطدمان صبيّين أو مجنونين أو أحدهما صبيّاً والآخر مجنوناً ; لو كان الركوب منهما أو من وليّهما فيما إذا كان سائغاً له ، ولو أركبهما أجنبيّ ، أو الوليّ في غير مورد الجواز أي مورد المفسدة ، فدية كلّ منهما تماماً على الذي ركّبهما ، وكذا قيمة دابّتهما لو تلفتا . (مسألة 17) : لو اصطدم حرّان فمات أحدهما وكان القتل شبيه عمد ، يضمن الحيّ نصف دية التالف ، وفي رواية : يضمن الباقي تمام دية الميّت . وفيها ضعف . ولو تصادم حاملان فأسقطتا وماتتا ، سقط نصف دية كلّ واحدة منهما وثبت النصف ، وثبت في مالهما نصف دية الجنين مع كون القتل شبيه العمد ، ولو كان خطأً فعلى العاقلة([10]) . (مسألة 18) : لو دعا غيره فأخرجه من منزله ليلاً فهو له ضامن حتّى يرجع إليه ، فإن فقد ولم يعلم حاله فهو ضامن لديته ، وإن وجد مقتولاً وادّعى على غيره وأقام بيّنة فقد برئ ، وإن عدم البيّنة فعليه الدية ولا قود عليه على الأصحّ([11]) ، وكذا لو لم يقرّ بقتله ولا ادّعاه على غيره . وإن وجد ميّتاً ، فإن علم أنّه مات حتف أنفه أو بلدغ حيّة أو عقرب ، ولم يحتمل قتله ، فلا ضمان ، ومع احتمال قتله فعليه الضمان على الأصحّ . -------------------------------------------------------------------------------- [1] ـ وهو الأقوى فيه وفي البيطار الذي مثله. [2] ـ حكمه حكم الطبيب; لعدم الخصوصية له، فإنّ الختانة علم كبقية العلوم الطبية والعلاجية، فالضمان فيه دائر مدار تقصيره أو جهله. ولايخفى أنّ المتّبع في زماننا هذا ممّا يكون للمعالجة والطبابة وفروعها أنظمة معتبرة حكومية، وأنّ مثل المعالجة والطبابة محتاجة إلى الإذن ممّن يعتبر إذنهم الكاشف عن خبرويّته ومهارته، وأنّ تشخيص التقصير أو المسامحة مربوط بالخبراء منهم، وهو نظر المسؤلين في النظام الطبّي، إلاّ أن يثبت خلافه; قضاءً للزوم مراعاة الأنظمة الحكومية والدولية اللازم مراعاتها، حفظاً للحكومة، ودفعاً عن الهرج والمرج الممضى شرعاً وعقلاً، فإنّ في الإسلام الحكومة، كما عليه النقل والعقل. [3] ـ بل على النائم; قضاءً لقاعدة الضمان، وما هو المعروف، بل ممّا لا خلاف فيه من كون الضمان في الخطأ على العاقلة مطلقاً محلّ إشكال، بل منع، إلاّ أن تكون العاقلة سبباً أقوى من المباشر; لعدم الدليل على ضمان العاقلة في الخطأ على الإطلاق الشامل لجميع الموارد; حيث إنّ أخباره كلّها في مقام بيان اُمور اُخرى من متفرّعات ذلك الضمان بعد المفروغية عن أصله، من عدم المعاقلة بين أهل الذمّة، ومن تعيين العاقلة والقسمة عليهم، ومن عدم ضمان العاقلة في العمد والإقرار والصلح، ومن غيرها من الجهات، كما يظهر من الرجوع إلى عناوين الأبواب في «الوسائل»، وليس فيها مايكون في مقام بيان أصل الضمان في الخطأ على العاقلة حتّى يكون مطلقاً شاملاً لجميع الموارد، والإجماع مع احتمال استناده إلى الأخبار، كما هو الظاهر ممّا في «الخلاف» في مقام الاستدلال على ذلك، من قوله: «دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم»، (الخلاف 5: 269) بل في «الجواهر» ما يظهر منه الجزم بالاستناد، ففيه بعد نفيه الخلاف بيننا وبين غيرنا إلاّ من الأصمّ منهم الذي لايعتدّ بخلافه، وكذا الخوارج، بل عن «الخلاف» دعوى إجماع الاُمّة عليه، وأنّ خلاف الأصمّ لايعتدّ به، قال: «كلّ ذلك مضافاً إلى النصوص التي إن لم تكن متواترة فلا ريب في القطع بذلك منها». (جواهر الكلام 43: 25) وهذه العبارة صريحة بالدلالة الالتزامية على كون الإجماع ناشئاً من النصوص، ولم يكن إجماعاً تعبّدياً; حيث إنّ النصوص بعد ما كانت موجبةً للقطع، فلابدّ من استناد المجمعين إليها، فإنّه لاشيء ولا حجّة إلاّ وينتهي إلى القطع، كما لايخفى. نعم الشأن فيما ادّعاه «الخلاف» من أخبار الفرقة، و«الجواهر» من أنّ النصوص وإن لم تكن متواترة فلا ريب في حصول القطع منها بذلك، والعهدة في ذلك عليهما(قدس سرهما)، لكنّ المراجع إلى مثل «الوسائل» وغيره من مجامع الحديث، لايرى في أخبار المسألة حديثاً واحداً لبيان أصل الحكم، بل كلّها متعرّضة لاُمور متفرّعة عليه، كما مرّ بيانه، والمستفاد من مجموع الأحاديث ثبوت الضمان في الخطأ على العاقلة في الجملة، لا على نحو الكلّية والعموم، فتدبّر جيّداً. وبما أنّ الحكم مخالف للقواعد والاعتبارات العقلائية المعتبرة في باب الضمان، فلابدّ من الاقتصار على المتيقّن. هذا، مع أنّه على فرض الخبر العامّ المطلق الشامل، فعمومه لمخالفته مع الكتاب، وهوقوله تعالى: (وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)، (الأنعام (6): 164) ومع الأصول المسلّمة من عدم جواز كون عمل الشخص سبباً للضرر على الآخر، وأنّه خلاف العدل، غير حجّة وغير قابل للاستناد إليه، كما هو الواضح الظاهر. [4] ـ منطبقة مع الاُصول والقواعد والاعتبارات العقلائية. [5] ـ غير معتنى به، حيث إنّ العمل على وفقها هو الأقوى; قضاءً للقواعد المسلّمة في باب الضمان وجبران الخسارة، من كونه على المباشر، وأنّه:(وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)، وعلى السبب دون المباشر مع أقوائيّته منه، وليعلم أنّ الحكم بصدور الرواية (وسائل الشيعة 29: 265 / 1) لمتانة متنها وموافقتها مع القواعد ومذاق الشرع وعنايته بحقوق الإنسان وأبناء البشر قريب، بل مورد للاطمئنان والعِلم العادي، ولنا الفخر بأمثال هذه الرواية من جهة عناية الإسلام والمذهب بحقوق الناس، ورعاية كمال العدالة فيها بما لا مزيد عليه. [6] ـ بل الظاهر أنّه عليها; لاشتراكهما في الدخالة على السوية، وكون القتل منتسباً إليهما، وهذا المقدار من النسبة كاف في ضمان السبب بقدره، وما في المتن من الظهور مبني على المبنى المعروف، كما لايخفى. [7] ـ على كون الحكم في الظئر على خلاف القواعد، كما هو الظاهر منهم(قدس سرهم)، وأمّا على المختار من كون الرواية منطبقة مع القواعد، فتلحق بها، والكلام فيها هو الكلام في الظئر. [8] ـ إن تساويا في الاصطدام الموجب للقتل، وأمّا في صورة الاختلاف بأن كان أحدهما أكثر دخالة فيضمن بنسبة الدخالة ومقدارها في ديته ودية الآخر; للقاعدة العقلائية الممضاة شرعاً في الضمانات والدية منها، فإنّ العقلاء يضمنون كلّ شخص بمقدار تأثيره في الخسارة ودخالته فيها. وبذلك يظهر حكم الفروع الآتية من هذه الجهة. ولايخفى أنّ ما في المتن من الإطلاق في التنصيف موافق لما في «الجواهر». (جواهر الكلام 43: 63) [9] ـ بل على الآخر نفسه، ومثله الفرع التالي، ووجهه يظهر ممّا مرّ. [10] ـ بل في مالهما أيضاً. [11] ـ الأصل ما في المسألة ـ من الأحكام المخالفة لأصالة البراءة: الضمان بالدية مع فقدان المدعوّ وعدم العِلم بحاله، ومن الضمان بالدية أيضاً فيما لو ادّعى القتل على غيره مع عدم البيّنة له، وكذا لو لم يقرّ بقتله ولا ادّعاه على غيره، ومن الضمان بالدية فيما لو وجد ميّتاً واحتمل قتله ـ روايتان إحديهما: رواية عمرو بن أبي المقدام، أنّ رجلاً قال لأبي جعفر المنصور ـ وهو يطوف ـ : يا أمير المؤمنين، إنّ هذين الرجلين طرقا أخي ليلاً، فأخرجاه من منزله فلم يرجع إليّ، وواللّه ما أدري ما صنعا به؟ فقال لهما: ما صنعتما به؟ فقالا: يا أمير المؤمنين كلّمناه ثمّ رجع إلى منزله ـ إلى أن قال: ـ فقال لأبي عبداللّه جعفر بن محمّد(عليهما السلام): اقض بينهم ـ إلى أن قال: ـ فقال: «يا غلام أكتب: بسم اللّه الرحمن الرحيم، قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم): كلُّ من طرق رجلاً بالليل فأخرجه من منزله فهو ضامن إلاّ أن يقيم عليه البيّنة أنّه قد ردّه إلى منزله، يا غلام نحّ هذا فاضرب عنقه»، فقال: يابن رسول اللّه، واللّه ما أنا قتلته ولكنّي أمسكته، ثمّ جاء هذا فوجأه فقتله، فقال: «أنا ابن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) يا غلام نحّ هذا فاضرب (عنقه للآخر)»، فقال: يابن رسول اللّه، ماعذّبته ولكنّي قتلته بضربة واحدة، فأمر أخاه فضرب عنقه، ثمّ أمر بالآخر فضرب جنبيه وحبسه في السجن ووقع على رأسه يحبس عمره، ويضرب في كلّ سنة خمسين جلدة. ثانيتهما: رواية عبداللّه بن ميمون، عن أبي عبداللّه(عليه السلام) قال: «إذا دعا الرجل أخاه بليل فهو له ضامن حتّى يرجع إلى بيته». (وسائل الشيعة 29: 51 / 1 و2) وفي الاستدلال بهما مناقشة; لما في سند الأولى من الضعف بعمرو بن أبي المقدام (ثابت بن هرمز) وحكم بن مسكين; لكونهما مجهولين، ولما في دلالتها من كون المورد لها الإطراق ليلاً والإخراج من منزله، وهذا غير ما في المتن والعبائر من الدعوة، كما لايخفى، فلايبعد كون الإطلاق في قوله(صلى الله عليه وآله وسلم) محمولاً على صورة الاتّهام، ولما فيها من المخالفة للقواعد كأخذ الإقرار تهديداً الذي ليس بحجّة، ومن ضرب جنبي الممسك، وضربه خمسين سوطاً في كلّ سنة، ومن التوقيع على رأسه، فليس شيء من هذه الأحكام مورداً للنصّ ولا الفتوى في الممسك في قتل العمد فإنّ الحكم فيه الحبس أبداً فقط. وما في «مجمع الفائدة والبرهان» من كونه «حكماً في قضيّة يعمله(عليه السلام) أنّه هكذا يجب ولايتعدّى إلى غيره» (مجمع الفائدة والبرهان 14: 254) غير مجد في رفع الإشكال عن إطلاق قول النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، فإنّه ليس قضيّة شخصية كما هو الواضح، ولا في رفع الإشكال عن أخذ الإقرار بالتهديد; لأنّه مخالف لظاهر الشرع، وعِلمه بالواقع ليس موجباً لارتكابه(عليه السلام) ما يوجب نسبة الخلاف إليه، هذا، مع أنّه على فرض كونه(عليه السلام) عالِماً بعِلمه كان عليه تهديد الآخر لا الأوّل الذي ثبت بإقراره وبحكمه(عليه السلام)بقتل الثاني أنّه ليس بقاتل. هذا كلّه مع أنّ الحمل على حكم المعصوم(عليه السلام) بعِلمه الخارج عن العادة، لاسيّما في مثل القتل والحبس أبداً مخالف للأصول والقواعد، ولم يوجد مثله في شيء من قضايا المعصومين(عليهم السلام). ولما في سند الثاني من جعفر بن محمّد، وهو مشترك بين جعفر بن محمّد بن عبيد اللّه، وجعفر بن محمّد الأشعري، وهما مجهولان. نعم قيل في نقل أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري، عن جعفر بن محمّد بن عبيد اللّه، نوع ارتضاء وإشعار بالحُسن، ولما في متنها من ظهورها في الإطلاق الشامل لما وجد ميّتاً مطلقاً ولو بلدغ الحيّة أو مقتولاً كذلك مطلقاً أيضاً ولو مع ادّعائه على الغير، أو عُدِم ولم يعلم حاله، ولا قائل بذلك العموم ظاهراً، ولما فيها أيضاً من المخالفة للقواعد والاُصول المسلّمة من انحصار الضمان بالدية، فضلاً عن القود في نسبة الموت والجناية إلى الضامن والقاتل تسبيباً أو مباشرة، ومن المعلوم أنّ الرواية تكون بسدد إثبات الضمان مع فرض عدم النسبة عرفاً، أي إثبات الضمان تعبّداً، كما لايخفى، وإثبات مثل ذلك الأمر التعبّدي بالروايتين الضعيفتين سنداً ودلالةً مشكل، بل ممنوع; حيث إنّ حجّية خبر الثقة إنّما تكون ببناء العقلاء، وبناؤهم على حجّيّته مع تمامية شرائط الحجّية فيه لأمثال تلك الأمور التعبّدية غير معلومة، بل معلومة العدم، فالمتّبع في المسألة القواعد من أصالة البرائة واللوث وغيرهما. ثمّ لايخفى عليك أنّ الظاهر من الروايتين على تقدير القول بهما وحجّيّتهما إنّما يكون الضمان على تقدير الدعوى بحسب ظاهر الشرع، لا في نفس الأمر، نحو ما ذكره الكليني في الكافي حملاً لرواية إرخاء الستر «وإنّما معنى ذلك أنّ الوالي إنّما يحكم بالحُكم الظاهر إذا أغلق الباب وأرخى الستر وجب المهر وإنّما هذا عليها إذا علمت أنّه لم يمسّها فليس لها فيما بينها وبين اللّه إلاّ نصف المهر». (الكافي 6: 109 / 7) فعلى هذا فلو عِلم شخص برائته من جريرته وما فعل به شيئاً لكن فقد، لايكون ضامناً، وكذا لم يكن يجب عليه أن يصل إلى أهله. وأن ليس للورثة ـ على تقدير عدمه وعدم التهمة مثل أن يكون صديقاً صالحاً أو قريباً مثل الأخ ـ أخذ الدية والقصاص وغير ذلك. مع احتمال أخذ الدية مع عدم العلم، فإنّ ظاهر الشرع يحكم للورثة بها، وأمّا القصاص فالظاهر العدم.
|