|
نظريّات الحكيم نصير الدين الطوسي
1ـ العدالة تعدّ مسألة العدالة من المباحث المحوريّة التي تناولها المحقّق الطوسي في كتاب أخلاق ناصري; إذ يرى في موضع من هذا الكتاب أنّ السبب الأساسي لفساد العالم وخراب المجتمع أمران: أحدهما: الملك المستبدّ، فإنّه فاسد; بسبب ما يقوم به من إظهار الأمور الفاسدة بشكل جميل. والآخر هو طروّ بعض الظروف في المجتمع تؤدّي إلى حالة من الفوضى وشيوع الهرج والمرج والتعدّي بين الناس.([1]) ويرى أنّ أحد أهمّ الأسباب الضروريّة لوجود المجتمع هو المنع من ظهور الفاسدين، ونشر العدل بين الناس، وهو الأمر الذي عانى منه كثيراً في عصره. كما أنّ المعيار الأساسي عنده للتفريق بين السياسة الفاضلة والسياسة الناقصة، هو أنّ أهمّ خاصيّة للسياسة الناقصة هي التعدّي والاستبداد، واستعباد الناس وظلمهم. بينما تسوق السياسة الفاضلة الناس نحو السعادة والكمال، لما تؤدّيه من العدالة والابتعاد عن الظلم والاستبداد. ويعتقد أنّ من جملة الأسباب التي تردي بالمدينة الفاضلة وتفسدها هم البغاة، الذين لا يأتمرون بأمر الحكومة، ولا يأنسون بعدلها، بل يسعون دائماً للتعدّي على الآخرين. وكان هذا الحال موجوداً بكثرة في ذلك الزمان. الأمر الآخر، هو أنّ السياسة الفاضلة تقبل التحقّق برأيه. ويرى أنّ المدينة المنشودة هي المدينة التي يكون لدى الناس فيها عقيدة واحدة وغاية واحدة، ويتساعدون جميعاً للوصول إلى تحقيق تلك الأهداف عبر الإتيان بالأفعال العادلة. كما يرى أنّ المدينة الفاضلة التي تعتمد على موازين العدالة بحاجة إلى حاكم عادل; كما هو الحال بالنسبة إلى الطبيب الذي يعالج أمراض المجتمع، لكن لم يكن ليتمّ العثور على مثل هذا الجوهر الثمين في مثل تلك الأيّام. والنظرة العمليّة والواقعيّة التي كان يمتلكها المحقّق الطوسي، هي السبب في عدم اعتباره العدالة شرطاً من شروط الحاكم في ذلك الوقت، مكتفياً بذكر صفات أخرى; من قبيل الأبوة، متانة الرأي، علوّ الهمّة، الصبر على الشدائد، وجود أعوان صالحين لديه، وكونه يسيراً، وأمثال ذلك. والحال أنّه في غيره من الكتب الكلاميّة ذكر للإمام صفاتاً غيرها; من قبيل العصمة وكونه واحداً، ومنصوصاً ـ يعلم صدقه من خلال المعجزة أو الإخبار الصحيح ـ ، كونه الأعلم والأشجع، وصاحب معاجز، وأقرب الناس إلى اللّه تعالى، وأن يكون مبرّأ من العيوب التي تنفّر الناس منه. والاختلاف الآخر الذي يراه المحقّق الطوسي، هو أنّه لا يرى في سياسته الفلسفيّة ضرورة وحدة الحاكم، بل يرى إمكان أن يترأس بعض الأفاضل، أو أهل العامّة في إدارة شؤون المدينة الفاضلة، خلافاً للزعامة الدينيّة; حيث يعتقد بضرورة وحدة الإمام، كي يقضي على الدواعي المتعدّدة الموجبة لاختلاف الرأي، ووجود إشكال في إدارة المجتمع. ويجيب المحقّق الطوسي على هذا النمط من التفكير بقوله: «ينبغي العلم بأنّ الملوك والرؤساء بمثابة السيل الذي يسيل من أعلى الجبل، وكلّ من يريد أن يغيّر وجهة سيره إلى جهة أخرى دفعة واحدة، يعرض نفسه للهلاك. بينما إذا قام أوّل الأمر بالمساعدة والمداراة والتلطّف، وعمل على تعبيد المسير أمامه ورفع الموانع، أمكنه أن ينقل سيره إلى الجهة الأخرى. وهكذا بالنسبة إلى صرف رأي الرئيس عن الأمر المتضمّن للفساد، ينبغي أن يحصل عبر طريق اللطف والتدبير، فلا يعترض على أمره ونهيه، بل عليه أن يبيّن وجه المصلحة الموجودة في خلاف رأيه، وينبّهه على شناعة هذا الفعل وعاقبته السيّئة، ويتدرّج معه بالبيان في أوقات الخلوة، ويعرض عليه الرأي الصحيح، مستخدماً أسلوب الأمثال وقصص السالفين ولطائف الحيل».([2]) 2ـ الإمامة في كلام الخواجة نصير الدين الطوسي من الخصوصيّات التي يتمتّع بها المحقّق الطوسي، هي أنّه كان حكيماً متكلّماً، ولديه أسلوب خاصّ به في المزج بين الفلسفة والكلام. ولعلّ من أهمّ المباحث التي شهرت المحقّق الطوسي، هو تشييده البناء الفلسفي للكلام الشيعي; حيث كان يعتمد أسلوباً فلسفيّاً لإثبات مبحث الإمامة. فيذكر أنّ المكانة التي يتمتّع بها الإنسان في الوجود تفرض أن يكون لديه عقل، يدرك به كليّات حقائق الوجود. ولكي يصل أفراد الإنسان إلى إكمال استعداداتهم الموجودة فيهم، كان لا بدّ من تعيين تكاليف لهم، تساعدهم في تعيين المصالح والمفاسد; باعتبار أنّ جميع الناس لايملكون القدرة على تشخيص المصالح الكليّة والعامّة. لذا نرى أنّ التكاليف التي وردتنا من قبل اللّه تعالى توجِد نوعاً من الإلزام والطاعة المؤديّة إلى الرياضة، والمتوائمة مع كسر قوّة الشهوة، وهذه الأمور لايمكن العثور عليها في القوانين البشريّة. لذا كان لا بدّ من إنذار البشر وتقديم البشارة لهم، ليحثّهم أكثر على الطاعة. من هنا يرى المحقّق الطوسي أنّ الغرض من بعثة الأنبياء ليس منحصراً في إصلاح الآخرة فقط، بل يعتقد بأنّ من جملة فوائد بعثة الأنبياء حفظ النوع الإنساني من الانقراض، لذا تمّ جعل قوانين عادلة لإصلاح حياة الإنسان الدنيويّة، كالنكاح والمعاملات وغيرها... وهذا الأمر مشترك بين جميع أفراد الإنسان; سواء كان عادلا أو فاسقاً أو ظالماً... .([3]) على الرغم من اعتبار كتاب أخلاق ناصري من جملة الآثار الفلسفيّة والحكمة العمليّة للمحقّق الطوسي، إلاّ أنّه لايخلو عن بيان بعض المطالب العقائديّة. وهذا الكتاب هو الوحيد في اللغة الفارسيّة الجامع في مجال الحكمة العمليّة. وقد يكون طرح الكتاب ضمن ثلاثة أقسام مستقلّة « الأخلاق، وتدبير المنزل، وسياسة المدن » بسبب عدم انفكاك هذه المطالب الثلاثة عن بعضها البعض، ولكون المباحث المذكورة فيها مترابطة; بحيث إنّه عمل على بيان بعض المباحث السياسيّة في قسم الأخلاق من هذا الكتاب. ومن أهمّ تلك المباحث مبحث العدالة; حيث يرى أنّ العادل هو الشخص الذي يمكنه أن يساوي بين أمرين غير متساويين ويوازي بينهما، وهذه الخصوصيّة للعادل تنشأ من طبيعة وقوفه على الحدّ الوسط. مثل هذا الفرد يسمّى ناموساً إلهيّاً، وهو الذي يتكفّل بتعيين الحدّ الوسط للأشياء، ويعدّ الناموس الإلهي من اللوازم الأساسيّة للعدالة. والعدالة ـ بنظر المحقّق الطوسي ـ تحتاج إلى أمرين آخرين أيضاً، هما الدينار والحاكم الإنساني، ويثبت الحاجة إليهما عبر مقدّمات فلسفيّة، حيث يقول بأنّ الإنسان مدني بالطبع، ولهذا السبب يمكنه أن يؤمّن معيشته عن طريق التعاون والتساعد مع بني نوعه، كما أنّ التعاون يكون من خلال قيام بعض البشر بخدمة بعضهم الآخر، وبالتالي يؤخذ من بعض ويعطى للبعض الآخر; كي تحصل المساواة بينهم. ولا شكّ أنّ هذا العمل بحاجة إلى مقوّم وفاعل للمساواة بين الخلق; وهو الدينار. فالدينار هو السبب في نجاح المعاملات بين الناس وتبادل مختلف السلع والأمور فيما بينهم; لما يتمتّع به من قيمة مقارنة بجميع السلع الأخرى، كما يمكن من خلاله إظهار العدل المدني في المجتمع، لكن من جهة أخرى نرى أنّ الدينار عادل صامت، لا يمكنه ـ عند حصول اختلاف بين طرفين ـ أن يرفع الاختلاف في المعاملة، لذا كان بحاجة إلى عادل ناطق، وهذا العادل الناطق هو الحاكم الذي يتمّ تعيينه من قبل اللّه تعالى، ويقتدي بذاك الناموس الإلهي، أو الناموس الأوّل. وعلى هذا الأساس أيضاً، ينقسم الجائر إلى جائر أعظم وأوسط وأصغر. وكلّما مال الجور الأصغر نحو الجور الأكبر صار أعظم وأشدّ، ومع ذلك، يحاول هذا الجائر أن يظهر نفسه دائماً بغير الواقع الذي هو عليه. ويعتقد المحقّق الطوسي أنّ بعض الظلم أوضح من بعض; من قبيل الظلم الذي يمارسه الناس في معاملاتهم اليوميّة، كالسرقة والخداع واليمين الكاذبة و...، كما يوجد لدينا ظلم أعظم من ذلك، وهو قريب من الاحتيال، كالتعذيب ووضع القيود والأغلال و... .([4]) ولعلّ مراده من الحاكم الذي يتحدّث عنه هو الإمام المعصوم أو نائبه، إلاّ أنّه لم يذكره بهذا العنوان. ويبحث المحقّق الطوسي في أنّ كون الإنسان مدنيّاً بالطبع، يوجب عليه الحاجة إلى الاجتماع، لكن بما أنّ أفراد الإنسان يختلفون فيما بينهم في الدواعي والطباع والغايات، لذا هم بحاجة إلى مدبّر يحلّ النزاع والاختلاف فيما بينهم، كي يضع كلّ شخص في المنزلة التي يستحقّها، ويكون في مواجهة من يحاول التجاوز والاعتداء على حقوق الآخرين، لكن يختلف نوع التدبير باختلاف الناس في كلّ مجتمع، وتبعاً لاختلاف أهدافهم واهتماماتهم. ويرى أنّ أفضل أنواع السياسة هي سياسة الملك أو سياسة الفضلاء، الذين يعملون على تدبير أمور من يريد الوصول إلى الفضائل والمكارم، كما أنّهم يدبّرون كلّ صنف بما يتناسب مع اهتمام ذلك الصنف. في حين أنّ الأنواع الأخرى من السياسة عبارة عن سياسة الغلبة، وهي تدبير أمور الأخسّاء، بينما سياسة الكرامة هي تدبير من يريد الوصول إلى الكرامات، وسياسة الجماعة هي تدبير الفرق المختلفة للناس وفق الناموس الإلهي. 3ـ الحاكم الديني في عصر الغيبة عند المحقّق الطوسي لقد أورد المحقّق الطوسي في كتاب أخلاق ناصري آراءه الشيعيّة بشكل واضح، حيث جعل لعصر الغيبة نوعاً من السياسة ومدبّراً لها، ولعلّه سعى من خلال ذلك إلى الكشف عن غاياته الشيعيّة والفلسفيّة، وبيان حكومة حكيم مدبّر، كما أنّه كان يتحدّث عن عدم التنافي بين الحكمة والسياسة،([5]) وسعى من جهة أخرى إلى فتح المجال في إطار الوضع الموجود فعلا أمام الحاكم الذي لديه حظّ من الدين والحكمة والكياسة. ويتصوّر الرئاسة العظمى في المدينة الفاضلة على أربعة أنواع: النوع الأوّل: الملك على الإطلاق، والذي يكون لديه حكمة وتعقّل تام، ويتمتّع بالقدرة على الإقناع والدفاع والجهاد. وفي مكان آخر يذكر أنّ المحدّثين يطلقون هذا النوع من الملوك على الإمام، إلاّ أنّه لم يذكر له أىّ مورد في المقام. النوع الثاني من الرئاسة في المدينة الفاضلة، هو رئاسة الأفاضل. والنوع الثالث: رئاسة السنة. والرابع رئاسة أصحاب السنة. لكنّه يرى أنّ خصوصيّات الرئيس الأوّل غير متوفّرة جميعها في الأنواع الثلاثة الأخرى، بل يمكن أن تتحقّق خصوصيّات هذه الأنواع الثلاثة في مختلف أفراد الناس، حتّى أنّه يمكن في رئاسة أصحاب السنة أن تدار المدينة الفاضلة عبر مشاركة أشخاص مختلفين، إلاّ أنّهم يتمتّعون بهذه الخصوصيّات; إذ يرى المحقّق الطوسي أنّه إذا زاد عدد مدبّري المدينة الفاضلة، فسوف يجعل ذلك طريقة حكمهم في أزمنة مختلفة طريقة واحدة; وذلك لأنّهم جميعاً متّفقون على أنّ الغاية الأساسيّة من هذا الحكم هو الوصول إلى السعادة النهائيّة. وعلى هذا الأساس، فإذا قام أىّ ملك من ملوك هذه السلسلة بالتصرّف في أحكام الملك السابق، أو قام بوضع قانون جديد، يكون في الحقيقة قد أكمل القانوان السابق، بحيث أنّ الملوك السابقين لو كانوا مكانه لفعلوا مثل فعله; لأنّ طريق العقل واحد.([6]) من الملاحظ أنّ المحقّق الطوسي تحدث في بعض موارد هذا الكتاب عن سياسة الإمامة; حيث ذكر أنّ السياسة من حيث الهدف تنقسم إلى قسمين: السياسة الفاضلة أو سياسة الإمامة، والسياسة الناقصة أو المنحرفة. والغرض من سياسة الإمامة هي إيصال الخلق إلى كمالهم، وهذا الأمر يبتني على العدالة وترويج الإحسان وتعميم الخير للجميع، وهي عبارة عن الأمن والسكون والمودّة للآخرين، بالإضافة إلى العدل والعفاف. أمّا السياسة الناقصة فتتوسّل بالظلم والجور، وتفرّض على الرعية التعامل مع الملك على أساس العبوديّة له، وهذا ما يبعث على انتشار الشرّ، كالخوف والاضطراب والتنازع والخيانة. 4ـ ضرورة الحياة الاجتماعيّة ونتائجها يعتقد المحقّق الطوسي أنّ الإنسان بحاجة إلى بني نوعه، ويفتقر إلى مساعدتهم وأخذ العون منهم، بحيث إنّه لولا معاضدة الإنسان لأخيه الإنسان، لايمكن تهيئة الإنتاجات الزراعيّة; إذ بالزراعة يتمّ تأمين الغذاء، وبه تستمرّ الحياة. أضف إلى ذلك، أنّنا نرى أنّ السعي للتعاون والتساعد ـ العمل الاجتماعي ـ من الأمور المجبولة في فطرة الإنسان. وعليه، فتأمين حاجات الجسم والروح تتطلب وجود حالة من التعاون والتساعد بين بني البشر، وهو ما يفرض على كلّ فرد من أفراد الإنسان أن يقوم بما يرفع حاجات الأفراد الأخرى من الناس.([7]) ومن وجهة نظر المحقّق الطوسي، يلاحظ أنّ الحاصل من اهتمام الإنسان بتأمين حاجات أخيه الإنسان هو أمران: الأوّل: أن يكون الإنسان مضطرّاً للعيش في محيط اجتماعي; أي المجتمع. وينقسم المجتمع بدوره إلى قسمين أيضاً; مجتمع خير ـ أي الفاضل ـ ومجتمع شرّ ـ أي ناقص ـ .([8]) والإنسان إنّما يحصل على الكمال الإنساني والإلهي، من خلال العيش في المدينة الفاضلة التي تسعى لتحقيق السعادة الإنسانيّة عبر العدالة والعفاف واللطف والوفاء، وتأمين الأمن والمودّة بين الناس، لا العيش في المدينة التي ينتشر فيها الشقاء والمذمّة والاضطراب والحرب والظلم، وتميل نحو الخيانة والغيبة والشهوة.([9]) الثاني: أنّ الاشتغال بالحرف والصناعات موجب لكسب الثروة، والثروة هي الأساس لبقاء النفس والنسل. نعم، لكي يكسب الإنسان الثروة عليه أن يختار الاشتغال بالحرف والصناعات الشريفة; كي يوصله ذلك إلى الكمال ـ المدينة الفاضلة ـ ، وعليه أثناء كسبه أن لايظلم أحداً أو يأكل حقّ أحد. ويرى أنّ ادخار المال الناتج من العمل الشريف كاشف عن بعد نظر صاحبه ـ بشرط أن لا يكون ذلك نابعاً من الحرص أو البخل، وموجباً للمشقّة على العيال، أو أن يكون موقعاً لهم في المخاطر الدينيّة أو الأخلاقيّة ـ . وأمّا من ناحية صرف المال، فيوصي أن يصرف المال باعتدال; بعيداً عن الإسراف والرياء وغيرها.([10]) 5 ـ آداب السلطة وشروطها تعتبر آداب السلطة وشروطها من الموضوعات التي اهتمّ بها المحقّق الطوسي; حيث يرى أنّ أىّ ملك يجب أن تتوفّر فيه سبع صفات: 1ـ الشرف في الحسب والنسب; حيث يؤثّر ذلك في مكانة ومنزلة الملك. 2ـ الهمّة العالية; التي تحصل لدى الإنسان بتهذيب النفس. 3ـ متانة الرأي; وتتحقّق من خلال دقّة النظر والبحث والحوار الكثير. 4ـ الإرادة، وهي النيّة والعزم القويم. 5 ـ الصبر على الشدائد والمصائب الكبرى. 6 ـ القدرة. 7ـ الأنصار المجتمعون على نصرته. من مجموع هذه الخصال، نرى أنّ الأوّل ليس ضروريّاً، وإن كان مؤثّراً. كما أنّه يمكن للملك أن يستغني عن الصفتين الأخيرتين بالخصال الأربعة الأخرى; الهمة العالية ومتانة الرأي والإرادة والصبر على الشدائد.([11]) ويذهب المحقّق الطوسي إلى أنّ شرط حفظ الدولة وبقاء البلاد منوط بحصول اتّحاد بين أربعة أصناف في المجتمع: الصنف الأوّل: أهل القلم; وهذا الصنف يشمل أصحاب العلوم والمعارف والفقهاء والقضاة والكتّاب والمهندسين والمنجمين والأطبّاء والشعراء. وهؤلاء بمثابة الماء في الطبيعة، وقوام الدين مرهون بوجودهم. الصنف الثاني: أهل السيف; وهم رجال الحرب والمجاهدون والمنخرطون في الجيش والشجعان وأعوان الملك والمحافظون على الدولة. وهم بمثابة النار في الطبيعة، ونظام العالم متوقّف عليهم. الصنف الثالث: أهل المعاملة; وهم التجار ورجال الأعمال وأرباب الصنائع وأصحاب الحرف. وهؤلاء مثل الهواء في الطبيعة، حيث يتوقّف رزق الناس عليهم. الصنف الرابع: أهل المزارعة; وهم الفلاّحون وأهل القرى والضياع. وهم بمثابة التراب في الطبيعة، وبقاء روح الإنسان وبدنه مرتبط بهم.([12]) -------------------------------------------------------------------------------- [1] . وقد أطلق المحقّق الطوسي على العامل الثاني عنوان « التجارب الهرجيّة». [2] . نصير الدين الطوسي، أخلاق ناصري، ص 210. [3] . أخلاق ناصري، ص 136. [4] . أخلاق ناصري، ص 80 ـ 82. [5] . أخلاق ناصري، ص 47. يرى المحقّق الطوسي في أحد المباحث التي يتناولها في باب الخير وأقسام السعادة، بأنّه من غير الممكن الإتيان بالأعمال الحسنة والشريفة، كالإحسان والعفو والكرم والتي تكون سبباً في حسن الحديث، من دون تحقّق بعض الأمور; من قبيل سعة ذات اليد ووفرة الأصدقاء وحسن الطالع. ويخرج بنتيجة مفادها أنّ الحكمة تحتاج إلى صناعة الملك في إظهار الإنسان شرفه وفضله. [6] . أخلاق ناصري، ص 188. [7] . أخلاق ناصري، ص 163 ـ 164. [8] . وقد اتّبع المحقّق الطوسي الفارابي في تقسيم المجتمع إلى قسمين; فاضل وناقص. [9] . أخلاق ناصري، ص 199; تاريخ فلسفه در اسلام (فارسي)، محمد شريف، ج 1، ص 814. [10] . أنظر: تاريخ فلسفه در اسلام (فارسي)، محمد شريف، ج 1، ص 812. [11] . أخلاق ناصري، ص 199 ـ 200. [12] . أخلاق ناصري، ص 202.
|