|
مصباح 56 : في عدم مشروعيّة الغسل لرفع الحدث الأصغر
ولا يشرّع الغسل لرفع الحدث الأصغر ، والوجه فيه ظاهر ; فإنّ الغسل عبادة توقيفيّة متوقّفة على الإذن من الشارع ، ولم يرد في الشرع الغسل لرفع الحدث الأصغر ، ولا أثبته أحد من الفقهاء ، بل المعلوم من طريقة المسلمين ، وقواعد الأصحاب ، والأخبار الواردة في سببيّة الحدث الأصغر للوضوء[1] خلاف ذلك ، ولو جاز الغسل لرفع الأصغر لتخيّر المكلّف بين الوضوء والغسل متى حصل شيء من أسباب الوضوء ، سواء وجدت أسباب الغسل أم لم توجد ، وهو خلاف الإجماع والنصوص ; فإنّ مقتضاهما تعيّن الوضوء ، لا التخيير بينه وبين غيره . [ مذهب السيّد المرتضى : ] وأمّا ما ذهب إليه المرتضى[2] ، ودلّت عليه جملة من الأخبار من إجزاء الغسل عن الوضوء[3] ، فذلك مع كونه خلاف المشهور ، مخصوص بالأغسال الثابتة الواردة في الشريعة ، ولا يدخل فيه الغسل المبتدأ لأجل هذه الغاية ، وهي رفع الحدث الأصغر ، فإنّه منفيّ باتّفاق الجميع ، والمقصود هنا نفي هذا الغسل . نعم ، قد يأتي على مذهب السيّد ومن وافقه جواز فعل الأغسال الثابتة في الشريعة بهذا القصد ، وكذا على قول الجميع في غسل الجنابة ، فإنّ رفع الحدث الأصغر من لوازمه ، فجاز أن يقصد به ، وللتأمّل فيه أيضاً مجال ; فإنّ مجرّد الرفع به لا يقتضي جواز فعله بهذا القصد ، فإنّ غسل الجنابة ـ مثلا ـ لرفع الحدث الأصغر غير معهود في الشرع ، وينبغي القطع بالمنع إذا قصد به هذه الغاية بالخصوص مع نفي الغير ; لوقوع التدافع في النيّة ، والظاهر أنّ قصد غسل الجنابة لا ينفكّ عن نيّة رفع الجنابة ، فينحصر القول فيما إذا قصد الجميع ، والجواز معه متّجه ; لأنّ قصد لازم الشيء إن لم يكن من لوازم قصده فلا أقلّ من عدم المنع منه . وكيف كان فابتداء الغسل الخارج عن الأغسال المعهودة لأجل هذه الغاية تشريع يجب نفيه ، وإن قلنا بجواز التعبّد بالغسل مطلقاً ، كما يلوح من بعض الأصحاب[4] ، فإنّ الكلام في خصوصيّة هذا الغسل ، وثبوت الغسل المطلق لكونه خيراً[5] لا يقتضي شرعيّة الغسل المذكور بالخصوص ، كما أنّ شرعيّة الصلاة على الإطلاق لا تقتضي مشروعيّة صلاة الضحى ، وشرعيّة الصوم المطلق لا توجب شرعيّة خصوص صوم الأربعاء . أمّا نحو قول الصادق (عليه السلام) : « فما أحسن الرجل أن يغتسل أو يتوضّأ فيسبغ الوضوء ، ثمّ يتنحّى حيث لا يراه أنيس فيشرف عليه ، وهو راكع أو ساجد »[6] ، فالمعنى فيه على التقسيم دون التخيير ، أن يغتسل في محلّ الغسل ويتوضّأ في موضع الوضوء ، أو على مراتب الفضيلة ، والمراد أ نّه يغتسل مع الوضوء ; لعموم الوضوء في كلّ غسل ، أو يقتصر على الوضوء . وأمّا قوله (عليه السلام) : « وأيّ وضوء أطهر من الغسل»[7] ، فهو مع كونه خلاف ما عليه الأكثر من عدم إجزاء الوضوء عن الغسل ، ولذا أوّلوه بغسل الجنابة ، فغايته إجزاء الغسل الثابت شرعاً ، وشرعيّة الغسل لرفع الحدث الأصغر أوّل الكلام . -------------------------------------------------------------------------------- [1] . راجع : وسائل الشيعة 1 : 248 ، وما بعدها ، كتاب الطهارة ، أبواب نواقض الوضوء ، الباب 2 - 5 . [2]. حكاه عنه المحقّق الحلّي في المعتبر 1 : 196 . [3]. راجع : وسائل الشيعة 2 : 244 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 33 . [4]. لم نعثر عليه . [5]. انظر : المعتبر 1 : 359 ، ذكرى الشيعة 1 : 198 . [6]. الكافي 3 : 264 ، باب فضل الصلاة ، الحديث 2 ، وسائل الشيعة 1 : 78 ، كتاب الطهارة ، أبواب مقدمة العبادات ، الباب 17 ، الحديث 5 . [7]. الكافي 3 : 45 ، باب صفة الغسل والوضوء قبله و ... ، الحديث 13 ، التهذيب 1 : 146 / 390 ، باب حكم الجنابة وصفة الطهارة منها ، الحديث 81 ، و التهذيب 1 : 148 / 399 ، باب حكم الجنابة وصفة الطهارة منها ، الحديث 90 ، الاستبصار 1 : 126 ـ 127 / 427 و 433 ، باب سقوط فرض الوضوء عند الغسل من الجنابة ، الحديث 2 و 8 ، وسائل الشيعة 2 : 244 ـ 245 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 33 ، الحديث 1، 4 و 8 .
|