|
مصباح 63 : في تقديم أغسال شهر رمضان وليلة الفطر على الغروب
يقدّم الغسل اختياراً في شهر رمضان وليلة الفطر على الغروب ؛ لما رواه الصدوق في الصحيح ، والكليني في الحسن كالصحيح[1] ، عن زرارة والفضيل[2] ، عن أبي جعفر(عليه السلام) ، قال : « الغسل في شهر رمضان عند وجوب الشمس قبيله ، ثمّ تصلّي وتفطر »[3] . وما رواه السيّد ابن طاووس في الإقبال ، قال : « روي أ نّه يغتسل قبل الغروب[4] إذا علم أ نّها ليلة العيد »[5] . وفيهما إشكال ؛ لأنّ استحباب التقديم اختياراً ينافي التوقيت ، والوقتية ثابتة هنا إجماعاً ، فإنّها أغسال زمانيّة ووقتها الزمان الذي اُضيفت إليه ، ومعنى غسل الليل ـ مثلا ـ هو الغسل الواقع فيه ، والإضافة للظرفيّة . وهذا المعنى مع ظهوره مصرّح به في كثير من كتب الأصحاب ، كالشرائع[6] ، والقواعد[7] ، والتحرير[8] ، والمنتهى[9] ، ونهاية الإحكام[10] ، والذكرى[11] ، والدروس[12] ، والتنقيح[13] ، والمعالم[14] ، والمدارك[15] ، وغيرها[16] . وزاد في التنقيح : أنّ ما للزمان لا يجوز قبله[17] ، وهو لازم قول الباقين ؛ فإنّ وفي حديث ليلة الفطر : « إذا غربت الشمس فاغتسل »[23] . ومع ذلك فلا حاجة في التوقيت هنا إلى تحقيق معنى الإضافة ؛ لثبوته باللفظ الصريح ، وإذا ثبت توقيت هذه الأغسال بالليل لم يجز التقديم عليه حال الاختيار ؛ فإنّ أقلّ ما يقتضيه التوقيت منع التقديم عليه من غير عذر ، وأمّا مع العذر فربما جاز ذلك رعايةً لمصلحة أصل الفعل الذي يُخشى فوته بالتأخير ، كما في تقديم غسل الجمعة لخائف الإعواز[24] ، ومن ثمّ أجازه الأصحاب مع عدم صحّة السند[25] ، وأعرضوا عن الرواية الواردة هنا[26] ، مع صحّتها ورواية الشيخين لها في الكافي والفقيه . وقد يتكلّف لتطبيقه على القواعد : إمّا بالتوسّع في زمان الغسل بكونه مجموع الليل مع شيء ممّـا تقدّمه ، فيكون المتقدّم واقعاً في وقته ، وبكون[27] توقيته بالليل في الأخبار وكلام الأصحاب تغليباً للأكثر ، أو بكون الجزء المتقدّم بمنزلة الليل ؛ لاتّصاله به ، أو لأنّ الليل هنا من سقوط القرص المتقدّم على الغروب الشرعي . وإمّا بجعل المتقدّم غسلا غائيّاً ، غايته الزمان أو ما يقع فيه من الأعمال . فيكون هذا غسلا آخر مغايراً للغسل الزمانيّ الذي محلّه الليل ، ويسقط الغسل الزمانيّ به ، ومرجعه إلى التخيير بين الغائيّ والزمانيّ ، مع ترجيح الأوّل ؛ لاشتماله على فائدة الثاني وزيادة إدراك الزمان الشريف على طهارة ، وعدم مزاحمة الغسل للصلاة في أوّل وقتها . وعلى التقديرين لا يلزم القول باستحباب تقديم المؤقّت على وقته ، فيندفع الإشكال وينطبق الحديث على القواعد والاُصول ، غايته[28] إثبات غسل جديد مخيّر بينه وبين غيره ، أو تصرّف في الزمان حتّى لا يكون خارجاً . والحديث الصحيح[29]ناهض بإثبات ذلك ، وكذا الضعيف[30] ؛ للتسامح في أدلّة السنن . ويبقى الكلام في إعراض الأصحاب ، ولعلّه لترك ما يقتضيه الظاهر لا مطلقاً[31] ، وظاهر الصدوق والكليني العمل به[32] ، وقد صرّح به من المتأخّرين العلاّمة المجلسي ـ طاب ثراه ـ [33] . وصحّة الحديث مع وجود القائل به وإمكان إجرائه على القاعدة يمنع من ردّه . -------------------------------------------------------------------------------- [1]. وجهه رواية عليّ بن إبراهيم عن أبيه ، إبراهيم بن هاشم . [2]. في المصادر : فضيل ، بدون «ال» . [3]. الفقيه 2 : 156 / 2019 ، باب الغسل في الليالي المخصوصة في شهر رمضان ... ، الحديث 3 ، وفيه : «ثمّ يصلّي ويفطر» ، الكافي 4 : 153 ، باب الغسل في شهر رمضان ، الحديث 1 ، وفيه: «ثمّ يصلّي ثمّ يفطر» ، وسائل الشيعة 3 : 324 ، كتاب الطهارة ، أبواب الأغسال المسنونة ، الباب 13 ، الحديث 2 . [4]. زاد في المصدر : من ليلته . [5]. الإقبال 1 : 457 ، الباب 36 ، وسائل الشيعة 3 : 328 ، كتاب الطهارة، أبواب الأغسال المسنونة ، الباب 15، الحديث 2 . [6]. شرائع الإسلام 1 : 36 و 37 . قال فيه: « وما يستحبّ للزمان يكون بعد دخوله » . [7]. قواعد الأحكام1 : 179 . [8]. تحرير الأحكام 1 : 88 . [9]. منتهى المطلب 2 : 480 . [10]. نهاية الإحكام 1 : 177 . [11]. ذكرى الشيعة 1 : 201 . قال فيه: «كلّ غسل لزمان فهو ظرفه» . [12]. الدروس الشرعيّة 1 : 87 . [13]. التنقيح الرائع 1 :129 . [14]. معالم الدين في فقه آل ياسين 1 : 70 . [15]. مدارك الأحكام 2 : 172 . [16]. الحدائق الناضرة 4 : 238 . [17]. التنقيح الرائع 1 : 129 . [18]. الكافي 3 : 40 ، باب أنواع الغسل ، الحديث 1 ، وسائل الشيعة 3 : 303 ، كتاب الطهارة ، أبواب الأغسال المسنونة ، الباب 1 ، الحديث 1 . [19]. الكافي 4 : 154 ، باب الغسل في شهر رمضان ، الحديث 4 ، وسائل الشيعة 3 : 310 ، كتاب الطهارة ، [20]. الكافي 4 : 153 ، باب الغسل في شهر رمضان ، الحديث 2 ، وسائل الشيعة 3 : 303 ، كتاب الطهارة ، [21]. التهذيب 4 : 260 / 144 ، باب سنن شهر رمضان ، الحديث 2 ، وسائل الشيعة 3 : 307 ، كتاب الطهارة ، أبواب الأغسال المسنونة ، الباب 1 ، الحديث 13 . [22]. انظر: وسائل الشيعة 3 : 308 ، كتاب الطهارة ، أبواب الأغسال المسنونة ، الباب 1 ، الحديث 14 و 15 ، و 3 : 311، كتاب الطهارة ، أبواب الأغسال المسنونة ، الباب 5 . [23]. الكافي 4 : 167 ، باب التكبير ليلة الفطر ويومه ، الحديث 3 ، وسائل الشيعة 3 : 328 ، كتاب الطهارة ، [24]. راجع : الجزء الثاني من الكتاب ، الصفحة 368 . [25]. أي : عدم صحّة سند الأخبار الدالّة على جواز تقديم غسل الجمعة لخائف الإعواز . انظر : الجزء الثاني من الكتاب ، الصفحة 368 و 369 . ونحن قد بسطنا الكلام في الهامش ، في مناقشة دعوى المصنّف من عدم نقاء سند هذه الأخبار ، فراجع . [26]. وهي رواية زرارة وفضيل ، المتقدّمة في الصفحة 35 . [27]. في «د» و «ش» : ويكون . [28]. في «ن» : غاية الأمر . [29]. أي : رواية زرارة وفضيل المتقدّمة في الصفحة 35 . [30]. أي : رواية الإقبال ، المتقدّمة في الصفحة 35 . [31]. أي : حتّى مع ما ذكره المصنّف من التقديرين . [32]. لنقلهما هذه الرواية . [33]. انظر : لوامع صاحبقراني 6 : 579 .
|