|
مصباح 72 : ركنيّة الترتيب في الغسل
الترتيب ركن في الغسل ، فمن أخلّ به بالعكس أو الجمع بغير الارتماس ، فقدّم عضواً على محلّه عمداً أو سهواً أعاد على ما يحصل به الترتيب ، بإجماع القائلين بوجوبه ، ودلالة كلّ ما دلّ عليه من عقل أو نقل ، من نصّ أو إجماع[1] ؛ إذ المستفاد من الجميع اشتراط الترتيب في الغسل ، فيبطل بالإخلال به مطلقاً ، وإن اختصّ التحريم بالعامد ، فإنّ الأصل بجميع وجوهه يقتضي قصر الغسل الصحيح على ما عُلم صحّته ، وهو المرتّب ، فيسقط ما عداه . والإجماع إمّا منقول على الاشتراط ، كإجماع المعتبر[2] ، أو على الوجوب[3] الراجع إليه في كلامهم ؛ فإنّهم لا يريدون به مجرّد المنع من الترك ، بل ما يعتبر في صحّة الغسل . وأمّا النصّ فالفعل منه قد ورد لبيان المجمل[4] ، فكان معتبراً في الامتثال ، والقول ما بين ظاهر في الاشتراط ، كأخبار التسوية بين الحيّ والميّت[5] ؛ فإنّ الترتيب شرط في الثاني فيكون شرطاً في الأوّل ، والروايات الدالّة على الترتيب باعتبار العطف[6] ؛ لأنّ مدلولها كما عرفت هو الترتيب في الطلب لا طلب الترتيب[7] ، فيرجع إلى الشرط. وبين نصّ فيه ، كالصحيح في الصحيح : « من اغتسل من جنابة فلم يغسل رأسه ثمّ بدا له أن يغسل رأسه لم يجد بدّ اً من إعادة الغسل »[8] . ويقرب منه الخبر : « فأذا بدأت بغسل جسدك قبل الرأس فأعد الغسل على جسدك بعد غسل الرأس »[9] . والحكم فيه يعمّ الناسي والعامد ، والجاهل والعالم ، على بعد في الأخير ؛ لبعد وقوع المخالفة من العالم العامد . وأمّا الصحيح فهو كالصريح في الناسي ؛ لأنّ قوله : « ثمّ بدا له أن يغسل رأسه » يدلّ على ظهور أمر للمغتسل بعد خفائه ، وتحقّقه في الناسي ظاهر ؛ لعروض التذكّر له بعد النسيان ، بخلاف العامد ؛ إذ ليس له حالتان إلاّ باعتبار العلم والجهل ، والجهل بأصل الغسل غير مقصود ؛ لأنّ وجوب غسل الرأس في الغسل معلوم بالضرورة ، فلا يعقل الجهل به ، والجهل بالتقديم وإن أمكن لكن البناء عليه يقتضي أن يكون قد بدا له أن يغسله مقدّماً على البدن ، وليس ذلك إلاّ بإعادة الغسل ، فتسقط الفائدة في الإخبار به . ووجوب الإعادة على الناسي يستلزم وجوبها على العامد بالأولويّة والإجماع ، والإعادة على ما يحصل به الترتيب إذا أخلّ به في الرأس يقتضي الإعادة إذا أخلّ به في البدن ، فقدّم الأيسر على الأيمن ؛ للإجماع على بطلان التفرقة بينهما في الحكم الوضعي دون الشرعي ، ولا ينافي ذلك مفهوم الروايتين . -------------------------------------------------------------------------------- [1]. سيأتي من المؤلّف تفصيل الكلام حول كلّ من الإجماع والنصّ . [2]. المعتبر 1 : 184 . قال فيه : « ... لكن فقهائنا اليوم بأجمعهم يفتون بتقديم اليمين على الشمال ويجعلونه شرطاً في صفة الغسل » . [3]. الخلاف 1 : 132 ، المسألة 75 ، منتهى المطلب 2 : 195 ، ذكرى الشيعة 2 : 161 . [4]. لم نعثر على خبر يحكى عن فعل الإمام عليه السلام ، إلاّ ما ورد في وسائل الشيعة 2 : 259 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 41 ، الحديث 1 . [5]. تقدّم ذكرها في الصفحة 69 و 70 . [6]. تقدّم ذكرها في الصفحة 72 وما بعدها . [7]. راجع : الصفحة 80 وما بعدها . [8]. الكافي 3 : 44 ، باب صفة الغسل والوضوء قبله ... ، الحديث 9 ، وسائل الشيعة 2 : 235 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 28 ، الحديث 1 . [9]. فقه الإمام الرضا(عليه السلام) : 85 ، مستدرك الوسائل 1 : 473 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 20 ، الحديث 1 .
|