|
تحقيق معنى الأكثر في عبارات الأصحاب
هذه عبارات الأصحاب ، وهي وإن كانت مضطربة في تحقيق معنى الأكثر على القول المشهور إلاّ أنّ النظر في كلام الأصحاب يقتضي أنّ المراد من قولهم : « أكثر النفاس عشرة أيّام » أنّ العشرة هي أقصى ما يمكن أن يكون نفاساً ، كما أ نّها أقصى ما يمكن أن يكون حيضاً ، وأنّ هذا القول منهم في النفاس على حدّ قولهم في الحيض من غير تفاوت بينهما ؛ لظهور العبارة في هذا المعنى ، ودلالة القرائن عليه ، وصراحة الأدلّة التي استدلّوا بها فيه ، ولما[1] ذكره الشيخ من أ نّه « لا خلاف بين المسلمين في أنّ العشرة من النفاس »[2] محمول على التجويز والإمكان ، بمعنى أ نّهم اتّفقوا على أنّ العشرة من النفاس الممكن ، وأنّ النفاس ربما ينتهي إليها بخلاف ما زاد على العشرة ؛ لوقوع الخلاف فيه . وكفى دليلا على ذلك استدلال الشيخ بروايات العادة[3] ؛ فإنّه نصّ في إرادة هذا المعنى ، والمحكم من كلام القوم حاكم على المتشابه منه . ومن ذلك يعلم أنّ اقتصاره في النهاية والمبسوط[4] على الحكم بأنّ أكثر النفاس عشرة ليس دليلا على أنّ المراد خلاف ذلك المعنى ؛ لأنّ البيان يعلم من كلامه في موضع آخر ، مع أنّ هذا المعنى ممّـا يمكن استفادته من جعل النفاس فرع الحيض في هذا الحكم ، كما يستفاد من ظاهر المبسوط[5] ، وكذا من تصريحه فيه وفي النهاية بأنّ حكم النفاس حكم الحيض في جميع الأحكام[6] . وقول المعتبر : « ترك العمل به في العشرة إجماعاً »[7] محمول على ما حملنا عليه كلام الشيخ بقرينة استناده إلى « أنّ النفاس حيض » و « أنّ أقصى الحيض عشرة » ، وتأييده الحكم المذكور بروايات العادة ، وما ذكره في حكم الاستبراء من توقّع النقاء أو انقضاء العشرة[8] . فذلك مبنيّ على أ نّها تستظهر إلى تمام العشرة ، كما هو صريح الخبر الذي استدلّ به ، وكذا ما قاله من أنّ : « النفساء لا ترجع إلى عادتها في الحيض »[9] ؛ فإنّه لمّـا وجب عليها الاستظهار إلى العشرة كان نفاسها عشرة أيّام ، فلا أثر لاعتبار العادة ، ولا فائدة في الرجوع إليها وإن كان ذلك خلاف التحقيق في معنى الاستظهار . ومنه يعلم وجه كلام العلاّمة في التذكرة في حكم استبراء النفساء[10] . نعم ، يتوجّه على العلاّمة أنّ التفصيل الذي اختاره في أكثر كتبه ليس قولا آخر في المسألة مغايراً للمشهور ، وإنّما يكون مبايناً له لو كان المشهور كون النفاس تمام العشرة ، وليس كذلك . ويمكن أن يقال : إنّ الفرق بينهما بثبوت الاستظهار على المشهور وسقوطه على قول العلاّمة كما يقتضيه ظاهر قوله : « تنفّست بأيّام العادة» من دون تعرّض للاستظهار ، أو أنّ الاستظهار على المشهور إلى العشرة كما تضمّنته موثّقة يونس بن يعقوب[11] ، وبيوم أو يومين على قول العلاّمة * . ويمكن أن يكون هذا هو السرّ في اقتصار المشهور على بيان الأكثر وعدم تعرّضهم لبيان المدّة التي تجلس فيها النفساء ، فتأمّل . -------------------------------------------------------------------------------- [1]. كذا في النسخ ، ولعلّ الأنسب باعتبار كلامه اللاحق «وما» . [2]. تقدّم ذكره في الصفحة 111 . [3]. تقدّم تخريجها في الصفحة 112 . [4]. تقدّم تخريجهما في الصفحة 112 . [5]. المبسوط 1 : 69 . [6]. النهاية : 38 . [7]. تقدّم تخريجه في الصفحة 115 . [8]. راجع: المعتبر 1 : 255 . [9]. المصدر السابق . [10]. تقدّم ذكر كلامه في الصفحة 116 . [11]. تقدّم ذكرها في الصفحة 113 ، وتخريجها في الهامش 6 .
|