Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: مكتبة دينية
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: 1ـ 1) صحيحة محمّد بن مسلم

1ـ 1) صحيحة محمّد بن مسلم

عن عبدالحميد بن عواض، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (ع)، قال: “الغُسل يجزي عن الوضوء، وأيّ وضوء أطهر من الغسل”.[1]

إنّ الاستدلال بهذه الصحيحة واضح؛ لأنّ الإمام (ع) قد صرّح فيها بإنّ الغسل أطهر من الوضوء، بيد أنّ القائلين بعدم الإجزاء أشكلوا على الاستدلال بهذه الرواية بعدّة إشكالات:

الإشكال الأوّل: لقد طُرح هذا الإشكال من قبل المحقّق الحلّي (ره) في كتاب المعتبر؛ إذ يقول:

فإن احتجّ المرتضى (رضي الله عنه) بما رواه محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (ع) قال: “الغسل يجزي عن الوضوء، وأيّ وضوء أطهر من الغسل”، وما روي من طرق عن الصادق (ع)، أنّه قال: “الوضوء بعد الغسل بدعة”. فجوابه: أنّ خبرنا يتضمّن التفصيل، والعمل بالمفصّل أولى.[2]

بمعنى أنّ الأخبار التي استدلّ بها المشهور من الفقهاء، قد فرّقت بين غسل الجنابة وغيره، وحكمت بالتفصيل، بيد أنّ الأخبار التي استدلّ بها القائل بالإجزاء لم تفصّل. وعليه، بالالتفات إلى أرجحيّـة العمل بالأخبار المفصّلة على العمل بالأخبار غير المفصّلة، إذن لابدّ من العمل بالأخبار المفصّلة.

جواب الإشكال: إنّ جواب هذا الإشكال واضح؛ لأنّ الأخبار التي يستدلّ بها السيّد المرتضى لا تنحصر بهاتين الروايتين، ففي روايات مثل مكاتبة الهمداني: “لا وضوء للصلاة في غسل يوم الجمعة”،[3] أو رواية حمّاد بن عثمان، عن رجل، عن أبي عبدالله (ع) في الرجل يغتسل للجمعة أو غير ذلك، أ يُجزيه الوضوء؟ فقال أبو عبدالله (ع): “وأيّ وضوء أطهر من الغسل؟!”،[4] تمّ بيان الحكم بالتفصيل؛ إذ صرّح الإمام المعصوم (ع) أنّ الوضوء غير لازم في مطلق الغسل. وعليه، ففي الروايات التي يستدلّ بها السيّد المرتضى هناك روايات مشتملة على التفصيل أيضاً. وبذلك تحمل عليها الروايات المفتقرة ـ بزعمكم ـ إلى التفصيل، مثل روايات محمّد مسلم.

الإشكال الثاني: إنّ هذه الرواية مجملة؛ إذ يحتمل أن تكون “الألف واللام” فيها للعهد دون الجنس. وعليه، يكون هناك احتمالان فيها؛ فتكون مجملة من هذه الناحية، ولا يمكن الاستدلال بالرواية المجملة والأخذ بعمومها.

جواب الإشكال: وجواب هذا الإشكال يتّضح من الجواب عن الإشكال الأوّل؛ إذ نقول: لو سلّمنا أنّ هناك احتمالين في هذه الرواية وأنّها مجملة، بيد أنّ دليلنا لا ينحصر في هذه الرواية، بل هناك روايات أخرى ـ مثل رواية حمّاد بن عثمان ومكاتبة الهمداني ـ غير مجملة، وإنّ “الألف واللام”
فيها لاستغراق للجنس. وبذلك يُستفاد منها أنّ “الألف واللام” في رواية محمّد بن مسلم لاستغراق الجنس أيضاً.

الإشكال الثالث: الإشكال الثالث طرحه العلّامة الحلّي على وجهين:

الوجه الأوّل: ما قاله في المنتهى:

إنّ الألف واللام [في لفظ “الغسل” في رواية محمّد بن مسلم] لا يدلّان على الاستغراق...، يحمل الألف واللام على العهد؛ جمعاً بين الأدلّة.[5]

ومراده من العهد غسل الجنابة.

وقد أفاد الشهيد الثاني هذا الإشكال على النحو الآتي:

فإنّه [أي السيّد المرتضى] اكتفى بالغُسل مطلقاً [بمعنى إجزاء جميع الأغسال عن الوضوء]؛ استناداً إلى صحيحة محمّد بن مسلم... بناءً على أنّ هذا اللام للجنس، وأنّ لام الجنس إذا دخل على اسمه أفاد العموم. والمقدّمتان ممنوعتان؛ لإمكان حمل اللام على العهد ويراد به غسل الجنابة؛ جمعاً بينها [رواية محمّد بن مسلم] وبين ما سيأتي من الأخبار الدالّة على اختصاص الحكم بغسل الجنابة نصّاً[6].[7]

وفي الحقيقة فإنّ هذا أهمّ إشكال يرد على رواية محمّد بن مسلم والروايات الأخرى التي سنأتي على ذكرها قريباً.

وحاصل هذا الإشكال والإشكال السابق عدم استفادة العموم من عبارة: “الغُسل يجزي عن الوضوء” في صحيحة محمّد بن مسلم. مع فارق أنّ عدم الإفادة في الإشكال الثاني من حيث الإجمال في الصحيحة، وأمّا في هذا الإشكال فمن طريق الحكم بعهديّـة “الألف واللام” في كلمة “الغُسل”. وبعبارة أخرى: في هذا الإشكال لا يقول المستشكلون إنّ الرواية مجملة، وإنّما يقولون إنّ “الألف واللام” في “الغُسل” للعهد الذي يشير إلى غسل الجنابة، وليس جميع الأغسال بحسب ما تدّعونه.

جواب الإشكال عن الوجه الأوّل: يقال في جواب الإشكال، أوّلاً: إنّ “الألف واللام” هنا لا يمكن أن تكون للعهد؛ إذ لم يرد ذكر لغُسل الجنابة في كلام الراوي ولا في كلام الإمام (ع) كي يتمّ الحمل عليه. ومن الواضح أنّ العهد الذهني لا يجدي في الحمل، ولا يكون مسوّغاً للحمل؛ إذ العهد الذهني لا ينافي بيان الغرض وإفادة الكلام. وثانياً: إنّ العلّة المذكورة في كلام الإمام (ع): “وأيّ وضوء أطهر من الغُسل؟” لها ظهور في عموميّـة واستغراق “الغسل يجزي عن الوضوء”؛ إذ لو قلنا إنّ المراد من “الغُسل” في العلّة المذكورة إنّما هو غُسل الجنابة، وجب أن يكون في غسل الجنابة بالأطهريّـة خصوصيّـة خاصّة تميّزه من سائر الأغسال الأخرى، في حين ليس هناك قول أو دليل على وجود خصوصيّـة خاصّة في غُسل الجنابة في الاتّصاف بالأطهريّـة. يضاف إلى ذلك: أنّ السؤال في مرسلة حمّاد بن عثمان عن إجزاء غسل الجمعة عن الوضوء، وليس فيها ذكر لغُسل الجنابة في السؤال، وقال الإمام (ع) في جواب السائل: “أيّ وضوء أطهر من الغسل؟”.[8]

الوجه الثاني: قال العلّامة الحلّي في كتاب مختلف الشيعة [ما معناه]: “المتبادر من لفظ “الغسل” هو غسل الجنابة؛ إذ عند استعمال هذا اللفظ مطلقاً، يكون المراد غسل الجنابة”.[9]

جواب الإشكال عن الوجه الثاني: في معرض الجواب عن هذا الادّعاء، نكتفي بكلام المحقّق البحراني. فقد أفاد في جواب العلّامة الحلّي قائلاً:

فإنّ غسل الحيض والاستحاضة لا يقصران في التكرار والشيوع عنه، فالحمل [حمل الرواية] عليه ـ بعد ما عرف ـ تحكّم محض.[10]

وفي الختام نذكر جواباً مشتركاً في الردّ على جميع هذه الإشكالات، وهو عبارة عن: إنّ العموم المستفاد من “الغسل يجزي عن الوضوء” إنّما هو عموم عرفي، وليس عموماً لفظيّـاً؛ بمعنى أنّه كلّما واجه العرف هذه العمومات، فهم منها الشمول والعموم، من قبيل الفهم العرفي لقوله تعالى: (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا)،[11] بالنسبة إلى جميع العقود والمواثيق؛ إذ لو لم تدلّ هذه العمومات على العموم، لزم منه أن يكون كلام الشارع الحكيم مجملاً في مقام التشريع وبيان الأحكام، وهو خلاف الحكمة والتشريع.

-----------

[1]. التهذيب، ج 1، ص 139، ح: 390؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 244، أبواب الجنابة، الباب الثالث والثلاثون، ح: 1.

[2]. المعتبر في شرح المختصر، ج 1، ص 196.

[3]. التهذيب، ج 1، ص 141، ح: 397؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 244، أبواب الجنابة، الباب الثالث والثلاثون، ح: 2.

[4]. التهذيب، ج 1، ص 141، ح: 397؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 245، أبواب الجنابة، الباب الثالث والثلاثون، ح: 4.

[5]. منتهى المطلب في تحقيق المذهب ، ج 2، ص 242.

[6]. روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان، ج 1، ص 138.

[7]. لقد ذكرنا في بداية هذه الدراسة روايات القول المشهور، والتي هي عبارة عن: مرسلة ابن أبي عُمير، ورواية حمّاد وغيرهما.

[8]. وسائل الشيعة، ج 2، ص 245، أبواب الجنابة، الباب الثالث والثلاثون، ح: 4.

[9]. راجع: مختلف الشيعة، ج 1، ص 179، المسألة: 124.

[10]. الحدائق الناضرة، ج 3، ص 124.

[11]. البقرة: 275.

العنوان اللاحق العنوان السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org