|
المجموعة الثانية: روايات تحريم
المجموعة الثانية: روايات تحريم القرض الربوي 1ـ حفص بن غياث عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنّه قال: «الرباء رباءان: أحدهما حلال، والآخر حرام، فأمّا الحلال فهو أن يقرض الرجل قرضاً طمعاً أن يزيده ويعوّضه بأكثر ممّا أخذه بلا شرط بينهما، فإن أعطاه أكثر ممّا أخذه بلا شرط بينهما فهو مباح له، وليس له عند الله ثواب فيما أقرضه، وهو قوله عز وجل: (فلا يربوا عند الله)، وأمّا الربا الحرام فهو الرجل يقرض قرضاً، ويشترط أن يردّ أكثر مما أخذه، فهذا هو حرام»[33]. 2ـ وفي رواية صحيحة عن خالد بن الحجاج: سألته عن الرجل كانت لي عليه مائة درهم عدداً، قضانيها مائة وزناً، قال: «لا بأس ما لم يشترط»، قال: وقال: «جاء الربا من قبل الشروط، إنّما يفسده الشروط»[34]. وهذه المجموعة من الروايات لا تعيّن المصداق أيضاً والمورد، سيّما وأنّ ما كان رائجاً في ذلك الزمان هو الربا الاستهلاكي، ولهذا، فإن تعميم هذه الروايات لتمام أنواع الربا القرضي لا مبرّر له. الدليل الثالث: نظراً لقصور أدلة الحرمة القرآنية والروائية عن إفادة التعميم، يمكن القول: إنّ مقتضى اطلاق ـ وكذا عموم ـ أدلّة العقود، والشروط، والتجارة، والقرض أيضاً هو حلية الربا الإنتاجي. وبعبارة أخرى، يمكن أن يقال: إن إطلاقات وعمومات أدلّة المعاملات والقروض لا تخصَّص إلاّ من جانب القروض الاستهلاكية، فيما يبقى غيرها تحت العمومات والمطلقات الدالة على الجواز والحليّة والصحّة. الدليل الرابع: إن آيات تحريم الربا قد جاءت إلى جانب آيات الإنفاق، وهذا ما يشكّل بنفسه قرينةً وشاهداً على أنّ الربا المحرّم إنّما هو ما يقع موضع الإنفاق ويحلّ محلّه. وبعبارة أخرى، في المواضع التي ينبغي فيها الإنفاق والعطاء إذا لم يقم المسلم بما هو اللازم عليه بل طالب بالزيادة واستحسنها كان ذلك منه رباً، وهذا هو بعينه الربا الاستهلاكي، وإلاّ فإنّ الربا الإنتاجي لا يكون كذلك، إذ لايقع موقع الإنفاق ولا يحلّ محلّه، إنما يكون المقترض فيه غير محتاج للمقرض، بل يريد بالقرض رفع رأسماله بغية تفعيل استثماراته وتنشيطها. الدليل الخامس: لقد عدّ الربا وأكل مال الناس بالباطل في سورة النساء أمراً واحداً، حيث قال تعالى: (وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بالْبَاطِلِ) [النساء: 161]، ذلك أنّ الربا مثال من أمثلة أكل المال بالباطل. وبعبارة أخرى، إنّ الآية من نوع ذكر العام بعد الخاص، وبناءً عليه، يغدو الربا حراماً من حيث كونه أمراً باطلاً، ولا شك في أنّ الربا الاستهلاكي يتّسم بذلك، إلاّ أنّ الربا الإنتاجي الاستثماري الذي يلعب دوراً أساسياً في قيامة الاقتصاد ليس حاله كذلك. الدليل السادس: جاء في روايات تحريم الربا ذكر علل وأسباب للحرمة لا تنطبق على الربا الإنتاجي الاستثماري، فقد ذكرت بعض الروايات أنّ علة تحريم الربا ركود الاقتصاد، وتعطيل المعاملات، ففي وسائل الشيعة عن هشام بن الحكم: أنّه سأل أبا عبدالله(عليه السلام)عن علّة تحريم الربا فقال: «إنَّه لو كان الربا حلالاً لترك الناس التجارات وما يحتاجون إليه، فحرّم الله الربا لتنفر الناس من الحرام إلى الحلال، وإلى التجارات من البيع والشراء، فيبقى ذلك بينهم في القرض»[35]. وهكذا، ينقل زرارة عن الإمام الصادق(عليه السلام)قوله: «إنّما حرّم الله الربا لئلا يذهب المعروف»[36]. ومن الواضح أن الربا الإنتاجي ليس فقط لا يسبّب ركوداً اقتصادياً لا بل يساهم في ضخّ عجلة الاقتصاد بالحراك، ويبث روحاً متناميةً في حركة الإنتاج أيضاً. ومن الممكن أن يقال: إن ما جاء في الروايات ليس علّة وإنّما هو حكمة، والحكمة وإن ثبت الحكم بثبوتها إلاَّ أنّه لا يزول بانتفائها، لكن: أولاً: إنّ حروف التعليل مثل إنّما، ولـ ، ولأن، ولئلاَّ و... ظاهرة في إفادة العلية لا الحكمة، وعلماء الأصول عندما يتحدّثون عن تنقيح المناط يستندون إلى وجود أدوات التعليل، ويرونها من العلائم القطعية الدالة عليه، فقد ذكر الميرزا القمي في كتاب القوانين: «أما الكتاب والسنة فإما يستفاد العلة منهما بصريح اللفظ الدالّ عليها بالوضع أو بسبب التنبيه والإيماء المحسوب من الدلالة الالتزامية، ولكلٍّ منهما مراتب مختلفة في الوضوح والخفاء، أمّا الأول فكقوله: لعلة كذا، أو لأجل كذا، أو كي يكون كذا، أو إذن يكون كذا ونحو ذلك، ودونها في الظهور اللام والباء، وإن كانت هذه أيضاً ظاهرة ... »[37]. ثانياً: ليس كلّ زيادة ـ كما مرّ ـ حراماً، وعليه، تكون الروايات مجملةً، والقدر المتيقّن منها هو الربا الاستهلاكي، دون أن تشمل ما سواه. ثالثاً: على تقدير عدم الإجمال في الروايات، وأنّ ما ذكر إنما هو حكمة لا علّة، يمكن ادّعاء وجود انصراف هنا، ذلك أنّ المتعارف في ذلك الزمان هو الربا الاستهلاكي، ومن ثم ليس في الروايات دلالة على ما هو أزيد منه. رابعاً: إنّ تحريم الربا الإنتاجي يخالف النص القرآني، ذلك أنّ آية حرمة الربا تعلّلها بالظلم، وإذا ما خالف مضمون رواية معطى آية قرآنية فلابدّ من طرحه أو تأويله، ومع غض النظر عن ذلك كلّه يمكن ادّعاء أنّ تحريم الربا الإنتاجي الاستثماري مخالف للعقل، ذلك أنّه ـ أي العقل ـ يمتدح هذا النوع من الزيادات. الدليل السابع: إن كلمات الفقهاء مختصّة بكشف مصداق الآيات والروايات، وهذا هو اجتهادهم في فهم القرآن والسنّة، ومثل هذا الاجتهاد ليس حجةً على المجتهدين الآخرين، وبعبارة أخرى، إذا ما لاحظنا في كلمات بعض الفقهاء تعميماً في مجالنا هنا، فإنّ هذا لا يدلّ إلاّ على تصوّراته ورؤاه لمصادر المعرفة الدينية، دون أن يحكي عن صدور الروايات والأخبار، وهذا ما لا يجعل فهمه واجتهاده سنداً أو مدركاً لبقية المجتهدين. الدليل الثامن: يمكن القول: إن السيرة العقلائية دالّة على حلية أنواع الربا الإنتاجي الاستثماري أو أنّ الشارع لم يردع عنها، وهذا بنفسه شاهد صارخ على الحليّة. ولا يجدر القول: إن هذه السيرة لا تمتدّ إلى زمن الشارع حتى يكشف عدم الردع عنها عن إمضائها، وذلك لأنّ بناء المعاملات على الإمضاء لا التأسيس، ومن هنا يكون عدم الردع عنها كاشفاً عن إمضائها. -------------------------------------------------------------------------------- (33) المصدر نفسه: 160، ح1. [34] المصدر نفسه: 190ـ191، ح1. [35] وسائل الشيعة 18: 120، ح8. [36] المصدر نفسه، ح10. [37] القوانين المحكمة 2: 84.
|