|
الإشكال على تقسيم العلّامة(قدس سرّه) للمكاسب
فيرد عليه أوّلاً: أنّ ما عدّ واجباً غير وجيه؛ لأنّ التجارة لا تصير واجبة شرعاً، ولو كان الطريق في تحصيل قوت العيال منحصراً بها، لما حقّق في محلّه من عدم وجوب ما يتوقّف عليه الواجب حتّى المقدّمات الوجوديّـة، وعلى فرض وجوب مايتوقّف عليه، يتعلّق الوجوب بعنوان آخر غير عنوان ذوات الموقوف عليها، وما ربّما يقال: إنّها صارت واجبة بالعرض، ليس وجيهاً، والتفصيل يطلب من مظانّـه. وثانياً: أنّ الحرمة في كثير ممّا ذكره، غير ثابتة، أو ثابتة العدم، كالتجارة بما لا ينتفع به، فإنّها من حيث هي تجارة ونقل وانتقال ليست محرّمة، والتصرّف في مال الغير بعد بطلان المعاملة وإن كان محرّماً، لكنّـه غير مربوط بالتجارة، وكذا التجارة بالأعيان النجسة غير ثابتة الحرمة، على ما يأتي الكلام فيها، إن شاء الله. وثالثاً: أنّ المقسم في التجارة الواجبه والمستحبّـة والمكروهة هو الكسب المنتهي إلى النقل والانتقال العقلائيّ الممضى، أعني النقل والانتقال الواقعي الذي يوصل المكلّف إلى حفظ النظام ـ مثلاً ـ بناءً على ما هو التحقيق من وجوب المقدّمة الموصلة لا المطلقة، على فرض تسليم وجوب المقدّمة، وفي المحرّمة لو كان كذلك يلزم صحّة المعاملة، وهي خلاف الواقع المسلّم عندهم، فلابدّ وأن يكون المراد فيها المعاملة العقلائيّـة التي زعم العقلاء النقل فيها. فلا يكون المقسم واحداً، إلّا أن يقال: إنّ المقسم نفس طبيعة المعاملة الجامعة بين الصحيحة والفاسدة، وحيثيّـة الإيصال من خصوصيّات القسم([35]). ومن الممكن الجواب عنه: بأنّ الإيرادات الثلاثة إمّا مبنائيّ، وإمّا غير وارد. وذلك، أمّا الثالث منها فمذبوبٌ بما مرّت الإشارة إليه من سيّدنا الأستاذ نفسه(سلام الله علیه) من أنّ المقسم في التقسيم الخماسي هو طبيعة التجارة الجامعة بين الصحيحة والفاسدة ([36]). وأمّا الأوّل منها فمبنائيّ، لا يكون وارداً على مسلك من قال بوجوب المقدّمة، كما أنّ الثاني منها أيضاً مبنائيّ، لا يكون وارداً على مسلك من ذهب إلى حرمة الأمور المذكورة تكليفاً، فإنّ الظاهر من كلماتهم وعباراتهم فى بيان الموارد للمكاسب المحرّمة، هو القول بحرمة التجارة في تلك الموارد تكليفاً، كالتجارة بالأعيان النجسة، بلحاظ دنائة هذه الأعيان وعظمة المسلم، فاعتبار عظمة المسلم واحترامه مستوجبٌ للمنع عن تجارته بهذه الأمور. نعم، لو زال دنائتها وحقارتها بمرور الأيّام، أو وجد لها منفعة محلّلة مقصودة، كتغذية الطيور والسماك بالميتة، فلا تكون محرّماً. مع أنّ بعض الأعيان النجسة المذكورة فيها يكون من الأمور التي كانت حرمة التجارة بها ثابتة ومسلّمة، كالخمر والنبيذ والفقّاع. ---------------------- [35]. المكاسب المحرّمة 1: 4 ـ 5. [36]. المكاسب المحرّمة 1: 5.
|