الأمر الخامس: أنّ المراد من حرمة الاكتساب هل هو حرمة المعاملة العقلائيّـة؛ أي إنشاء السبب جدّاً لغرض التسبيب إلى النقل والانتقال، كما ذهب إليه سيّدنا الأستاذ (سلام الله علیه) ([37])، أم حرمة النقل والانتقال الواقعيّين؟

والظاهر هو الأوّل؛ لأنّـه المتفاهم من حرمة المعاملة شرعاً، فإذا قال: «يحرم بيع الخمر» يتبادر إلى الذهن عرفاً حرمة إنشاء النقل والانتقال بقصد ترتّب الأثر؛ أي حصول الملكيّـة.

قال الشيخ الأعظم(قدس سرّه):

ومعنى حرمة الاكتساب حرمة النقل والانتقال بقصد ترتّب الأثر.

وأمّا حرمة أكل المال في مقابلها، فهو متفرّع على فساد البيع؛ لأنّـه مال الغير وقع في يده بلا سبب شرعيّ، وإن قلنا بعدم التحريم، لأنّ ظاهر أدلّة تحريم بيع مثل الخمر منصرف إلى ما لو أراد ترتيب الآثار المحرّمة، أمّا لو قصد الأثر المحلّل فلادليل على تحريم المعاملة إلّا من حيث التشريع.([38])

أقول: إن كان مراده (قدس سرّه) من حرمة النقل والانتقال هو حرمة إنشائها بغرض ترتّب الأثر المحرّم، ـ كما هو الظاهر من كلامه (قدس سرّه)؛ حيث قيّده بقصد ترتّب الأثر ـ فمتين جدّاً، وموافق لما نقلناه عن السيّد الأستاذ (سلام الله علیه).

وإن كان مراده (قدس سرّه) هو حرمة النقل والانتقال الواقعيّين ـ وإن كان ذلك بعيد عن كلامه (قدس سرّه) ـ فعدم تماميّته واضح؛ لأنّ النقل والانتقال الواقعيّين مسبّبان عن المعاملة العقلائيّـة، لا نفسها، والشاهد على ذلك أنّ النقل والانتقال أمرهما دائر بين الوجود والعدم، بخلاف المعاملة العقلائيّـة، فإنّ أمرها دائر بين الصحّة والفساد، فإن كانت صحيحة يترتّب عليها النقل والانتقال، وإلّا فلا.

وكذلك ما قاله المحقّق النائيني من أنّ الحرمة المتعلّقة بالمعاملة عبارة عن حرمة تبديل المال أو المنفعة([39])، فإن كان مراده من التبديل هو التبديل الإنشائي، فهو يرجع إلى الاحتمال الأوّل في كلام الشيخ(قدس سرّه)، ولا إشكال فيه.

وإن كان مراده هو التبديل الحقيقيّ الواقعيّ، فيرد عليه ما أوردنا على الاحتمال الثاني في كلام الشيخ(قدس سرّه)؛ من أنّ التبديل الواقعيّ مسبّب عن المعاملة العقلائيّـة، لا نفسها، وأمره دائر بين الوجود والعدم، لا الصحّة والفساد.