|
كلام بعض الأعاظم في سند الرواية والإشکال علی کلامهم
وفي مصباح الفقاهة: وربّما يتوهّم انجبار ضعفها بعمل المشهور، إلّا أنّـه مدفوع؛ لكونه فاسداً كبرى وصغرى، أمّا الوجه في منع الكبرى، فلعدم كون الشهرة في نفسها حجّة، فكيف تكون موجبة لحجّيّـة الخبر وجابرة لضعف سنده؟ وإنّما الشهرة بالنسبة إلى الخبر كوضع الحجر في جنب الإنسان، فلابدّ من ملاحظة نفس الخبر، فإن كان جامعاً لشرائط الحجّيّـة عمل به، وإلّا فإنّ ضمّ غير حجّة إلى مثله لا ينتتج الحجّيّـة. لايقال: إذا عمل المشهور بخبر، كشف ذلك عن احتفافه بقرائن توجب الوثوق قد اطّلعوا عليها ولم تصل إلينا، فيكون الخبر موثوقاً به، كما أنّ إعراضهم عن الخبر الصحيح يوجب وهنه وسقوطه عن الاعتبار، ومن هنا اشتهر في الألسن: أنّ الخبر كلّما ازداد صحّة ازداد بإعراض المشهور عنه وهناً. فإنّـه يقال: ـ مضافاً إلى كون ذلك دعوى بلابرهان، ورجماً بالغيب، وعملاً بالظنّ الذي لا يغني من الحقّ شيئاً ـ إنّ المناط في حجّيّـة خبر الواحد هي وثاقة الراوي، ويدلّ على ذلك الموثّقة التي أرجع الإمام(علیه السلام) السائل فيها إلى العمري وابنه؛ حيث علّل هذا الحكم فيها بأنّهما ثقتان([62]). ويدلّ عليه أيضاً الروايات المتواترة التي أرجع فيها إلى أشخاص موثّقين([63])، فإنّ من المعلوم أنّـه لا خصوصيّـة لهؤلاء الرواة، إلّا من حيث كونهم موثّقين. إذن فالمناط هي الوثاقة في الراوي. وعلى هذا، فإن كان عمل المشهور راجعاً إلى توثيق رواة الخبر وشهادتهم بذلك فبها، وإلّا فلا يوجب انجبار ضعفه. ومن هنا يعلم أنّـه بعد ثبوت صحّة الخبر لا يضرّه إعراض المشهور عنه، إلّا أن يرجع إلى تضعيف رواته. وبالجملة: أنّ الملاك في حجّيّـة أخبار الآحاد هو وثاقة رواتها، والمناط في عدم حجّيّتها عدم وثاقتهم...([64]). ويرد عليه أوّلاً: أنّ دليل اعتبار خبر الواحد هو السيرة العقلائيّـة المستمرّة إلى زمان المعصومين(علیهم السلام)، وهي عبارة عن حجّيّـة الخبر الموثوق بصدورها، وقد أمضاها الشارع الأقدس، وإن كان عدم الردع أيضاً كافياً في حجّيّتها. ويشهد على ذلك: أنّ الموجود في الأخبار المستدلّة على حجّيّـة خبر الواحد هو السؤال والجواب عن الصغرى بعد مفروغيّـة الكبرى، مثل ما رواه عبدالعزيز بن المهتدي والحسن بن عليّ بن يقطين جميعاً، عن الرضا(علیه السلام)، قال: قلت: لا أكاد أصل إليك أسألك عن كلّ ما احتاج إليه من معالم ديني، أفيونس بن عبدالرحمن ثقة، آخذ عنه ما احتاج إليه من معالم ديني؟ فقال «نعم»([65]). وكرواية أحمد بن إسحاق... قال: وسألت أبا محمّد(علیهم السلام) عن مثل ذلك، فقال: «العمري وابنه ثقتان، فما أدّيا إليك عنّي فعنّي يؤدّيان، وما قالا لك فعنّي يقولان، فاسمع لهما وأطعهما، فإنّهما الثقتان المأمونان...»، الحديث([66]). ومثلهما غيرهما([67]) ممّا فيه السؤال عن وثاقة أشخاص خاصّ بعد مفروغيّـة الكبرى؛ أي حجّيّـة خبر الثقة، وأجاب الإمام(علیه السلام) أيضاً عن الصغرى، وقد أقرّ ما في ذهن السائل من مفروغيّـة الكبرى وأمضاه. وثانياً: أنّـه لو سلّمنا أنّ الأخبار تدلّ على حجّيّـة خبر الثقة، لكنّ العرف ـ بمناسبة الحكم والموضوع وتنقيح المناط القطعي ـ يحكم باعتبار خبر الموثوق بصدوره؛ سواء حصل الوثوق بصدوره من وثاقة الراوي، أم من الشواهد والقرائن المحفوفة به، أم من الشهرة العمليّـة الجابرة لضعف سندها؛ حيث إنّها كاشفة عن وجود قرائن كافية عندهم للوثوق واعتبار خبر الضعيف، أو عن وثاقة المجهول الواقع في سند الحديث إن كان الضعف فيه للجهالة. ------------------------- [62]. الكافي1: 330، باب تسمية من رآه (علیه السلام)، الحديث 1؛ وسائل الشيعة 27: 138، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 11، الحديث 4. [63]. راجع: وسائل الشيعة 27: 77 و 136، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 8 و 11. [64]. مصباح الفقاهة 1: 19 ـ 21. [65]. رجال الكشّي: 543/935؛ وسائل الشيعة 27: 147، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي وما يجوز...، الباب 11، الحديث 33. [66]. الكافي 1: 329، باب في تسمية من رآه (علیه السلام)، الحديث 1؛ وسائل الشيعة 27: 138، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي وما يجوز...، الباب 11، الحديث 4. [67]. راجع: وسائل الشيعة 27: 11، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي وما يجوز... .
|