|
هل يجوز الأخذ برواية الجواز؟
ثمّ إنّ الشيخ(قدس سرّه) قال: وإلّا فرواية الجواز لا يجوز الأخذ بها من وجوه([172]). وأشار بقوله: «من وجوه» إلى: 1. إنّ رواية الجواز مخالفة للشهرة والإجماع المنقول. 2. إنّها مخالفة للروايات العامّة التي سبق([173]) ذكرها. 3. إنّها مخالفة للاعتبار. إلّا أنّ هذه الوجوه ـ كما في مصباح الفقاهة ([174]) ـ مخدوشة بأجمعها، ولا يصلح شيء منها لترجيح ما يدلّ على المنع. أمّا الإجماعات المنقولة، فليست بتعبّديّـة، بل مدركها هي الوجوه المتقدّمة، ولو كانت تعبّديّـة لكانت حجّة مستقلّة، وضمّها إلى رواية المنع لا يزيد اعتبارها، بل هي بنفسها لو كانت حجّة لوجب الأخذ بها، وإلّا فضمّ الإجماعات إليها لا يوجب حجّيّتها. وأمّا الشهرة الفتوائيّـة، فهي وان كانت مسلّمة، إلّا أنّ ابتنائها على رواية المنع ممنوع جدّاً، فإنّ تلك الشهرة غير مختصّة ببيع العذرة، بل هي جارية في مطلق النجاسات. وأمّا الروايات العامّة، فقد تقدّم أنّها غير حجّة؛ لضعفها سنداً.([175]) ويرد عليه أيضاً: أنّ رواية الجواز إن لم تكن حجّة ولم يجز العمل بها، فلِمَ جعله معارضاً لرواية المنع، وذكر بينهما الجمع بوجوه تبرّعيّـة، فإنّ الجمع بين الروايات ـ ولو كان تبرّعيّاًـ لابدّ وأن يكون بين الخبرين الواجدين لشرائط الحجّيّـة، لا بين الواجد لشرائط الحجّيّـة وغير الواجد لها. والتحقيق: أنّ الروايتين لاتتعارضان؛ لعدم حجّيّتهما في أنفسهما، لضعفهما سنداً. أمّا رواية يعقوب بن شعيب، فضعيف بعليّ بن مسكين أو سكن، وكلاهما مهملان لم يذكرا بمدح ولا قدح. ورواية محمّد بن مضارب أيضاً ضعيف بمحمّد بن مضارب نفسه؛ لعدم التوثيق له في كتب الرجال. ولو سلّم التعارض بينهما، فالترجيح لرواية محمّد بن مضارب، الدالّة على الجواز؛ لموافقتها لعمومات الكتاب وإطلاقاته، كقوله تعالى: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)([176])، و(وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ[177])، و(تِجَارَةً عَن تَرَاض(([178])، والترجيح بموافقة الكتاب مقدّم على سائر المرجّحات. هذا مضافاً إلى ما يمكن أن يقال: من أنّ تخيّل ضعف رواية محمّد بن مضارب نشأ من خلط ابن مضارب بابن مصادف، والأوّل منصوص على حسنه، مع أنّ في اقتصار الكليني بنقل رواية الجواز فقط دون غيرها، إشارة إلى اعتبارها عنده، ولعلّه لاعتقاد كون رواتها بين ثقات وحسان، فتأمّل. وفي رجال المامقاني: أنّ ظاهر ما عن البرقي كون محمّد بن مضارب إماميّاً، واستشعر المولى الوحيد من رواية صفوان وابن مسكان عنه وثاقته. ثمّ روى رواية تدلّ على أنّ الإمام الصادق(علیه السلام) حلّل له جارية يصيب منها وتخدمه، وقال: إنّ فيه دلالة على كونه مورد لطف الإمام(علیه السلام)([179]). لايقـال: إنّ روايـة المنع موافـق للشهرة ورواية الجواز مخالف لها، والشهرة مـن مميّزات الحجّـة عن اللاحجّـة، ولذا مقدّمـة على المرجّحات، حتّى الترجيح بموافقة الكتاب. فإنّـه يقال: إنّ الشهرة التي هي أحد المميّزات وتجعل رواية الموافق لها ممّا لا ريب في صحّتها والمخالف لها ممّا لا ريب في بطلانها، هي الشهرة العمليّـة؛ بمعنى كون فتوى الأصحاب مستندة إليها، بحيث يعدّ رواية المخالف معرضة عنها، وذلك غير معلوم، بل معلوم العدم منهم في المقام؛ لاحتمال استناد فتوى الأصحاب بالروايات الأربعة العامّة في المنع، حيث نرى أنّ الأصحاب القائلين بالمنع لم يستندوا في فتاواهم إلى رواية يعقوب بن شعيب، الدالّة عليه. ---------------- [172]. نفس المصدر: 25. [173]. سبقت في الصفحة: 79ـ 89. [174]. مصباح الفقاهة 1: 93. [175]. تقدّم في الصفحة 79ـ 89. [176]. المائدة (5): 1. [177]. البقرة (2): 275. [178]. النساء (4): 29. [179]. تنقيح المقال 3: 188.
|