|
المبحث الثالث: في اشتراك الأحكام بين المسلم وغير المسلم
لا شكّ في اشتراك الأحكام بين المسلم وغير المسلم، كما أنّها مشتركة بين العالم والجاهل، بل هو من ضروريّات الإسلام: Cوَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلّا كَافَّةً للنَّاسِB([396])، ويدلّ عليه الضرورة العقليّـة. هذا، مضافاً إلى أنّ التكاليف، لطف من الله تعالى على عباده؛ لأنّ الأحكام الإلهيّـة ألطاف في الأحكام العقليّـة، وأنّها لم يشرّع جزافاً، وإنّما شرّعت لأجل درك المصالح والمنافع، ودفع المفاسد والمضارّ الموجودة في متعلّقاتها، لطفاً منه تعالى ممّا يكون واجباً عليه تعالى عقلاً، ومن البديهي عدم الفرق عنده بين المسلم وغير المسلم كليهما، حيث إنّ اختصاص التكاليف بالمسلمين يكون مخالفاً للعدل وقبيح عليه تعالى قطعاً. ولا يخفى أنّـه مع ما ذكرناه لا حاجة لإثبات العموميّـة إلى التمسّك بالإجماعات المدّعاة على أنّ الكفّار مكلّفون بالفروع كالمسلمين، مع أنّـه إجماع في المسألة الكلاميّـة والعقليّـة، وهو فيهما غيرحجّة. ولا يخفى أيضاً أنّ مرادنا من الاشتراك في التكاليف، الاشتراك في الإنشائيّـة القانونيّـة، لا التكاليف الفعليّـة وتنجّزها ممّا تكون موافقتها ومخالفتها موجبة لاستحقاق الثواب والعقاب؛ وذلك لقبح العقاب بلابيان عقلاً، ولأدلّة البراءة نقلاً من الكتاب والسنّـة، وأمّا التكاليف الإنشائيّـة القانونيّـة التي لم تبلغ مرتبة الفعليّـة ومرتبة البعث والزجر، فليس فيها هذه المشكلة. وقد ظهر ممّا بيّنّاه أنّـه لا استحقاق للعقوبة لغير المسلمين القاصرين. توضيح الظهور: أنّ فعليّـة الأحكام وتنجّزها متفرّع على قيام الحجّة عليها ووصولها إليه، فكما أنّ الأحكام لا تتنجّز على المسلم الغافل والجاهل القاصر، فكذلك لا تتنجّز على غير المسلم الغافل والجاهل المعتقد بحقّانيّـة معتقده (بالفتح). وذلك، لأنّ عقاب غير المسلم الجاهل والقاصر الغافل الذي لا يُعقَل فعليّـة التكليف وتنجّزها عليه، ظلم ومخالف للعقل؛ لحكمه بقبح العقاب بلا بيان، وللعدل وللكتاب: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً397]) و(وَمَا رَبُّكَ بِظَلّام لِلْعَبِيدِ([398])، وللسنّـة، كحديث الرفع([399]) والسعة ([400]). هذا، مع أنّـه كيف يصحّ القول بكون الغافل مكلّفاً بالتكاليف الفعليّـة المنجّزة، مع أنّ التكليف إنّما يكون -----------------------
|