|
تذنيبٌ وتنبيهٌ
من المظنون جدّاً، أنّ التخصيص بالبيع ممّن يستحلّ الميتة في هذه الروايات كان من جهة عدم رغبة غيره، وأنّ الانتفاع من الميتة بغير الأكل لم يكن مورداً للتوجّه في تلك الأعصار بحيث يوجب الماليّـة لها وبذل الثمن بإزائها. وبالجملة، كان الانتفاع منها، الموجب للماليّـة بها في تلك الأعصار منحصراً في الأكل غالباً، والأكل الموجبة للماليّـة هو غير المحرّم منه المختصّ بالمستحلّ. والظاهر كون المقصود من المستحلّ، ولو من جهة إلغاء الخصوصيّـة وتنقيح المناط، أعمّ من الكافر وغير المسلم القاصر، أو المسلم كذلك بوحدة المناط في عدم الحرمة فيهما. وأمّا في أعصارنا، فحيث ينتفع منها باستخدام المكائن الحديثة في استخراج الموادّ الكيمياويّـة وتهيئة أنواع السماد وغذاء الحيوانات والطيور ونحو ذلك ممّا لا تقلّ نفعاً من مثل الأكل، فيجوز بيعها لذلك أيضاً، ولو من مسلم، ولا يبقى وجه لاختصاص بيعها ممّن يستحلّ أكل الميتة. ولو سلّم الاختصاص أيضاً، فلا يبعد القول بجواز بيع الميتة منفردة، ومع التمييز أيضاً من المستحلّ؛ ضرورة أنّ الاختلاط والاشتباه لا دخل له في جواز ذلك. ويشهد لذلك صحيحة حفص([411])، فإنّ العجين النجس متميّز. بل أقول: لو انضمّ إلى مضمون هذه الروايات الأخبار المستفيضة الدالّة على جواز أخذ الجزية والمطالبات من أهل الذمّة، بل مطلق المديونين إذا أدّوها من أثمان الخمور والخنازير والميتات([412])، وقد أفتى بها الأصحاب([413]) إجمالاً، مع أنّ هذه الأشياء لا ماليّـة لها عند المسلمين. وكذا ما دلّ على جواز بيع الثمرة ممّن يعلم أنّـه يجعله خمراً ([414])؛ لاستفدنا من مجموع ذلك جواز إلزام الناس بما ألزموا به أنفسهم، اعتقاداً أو عملاً، ولعلّه ينفتح بذلك باب واسع يمكن أن ينتفع به الأشخاص والدول المسلمة في معاملاتهم مع الدول الأجنبيّـة الكافرة، بل المسلمة الملتزمة بحلّيّـة ما لا نعدّه حلالاً في فقهنا، كالأسماك التي لا فلس لها، والضفادع، وسائر ما يستحلّون أكلها بحسب موازينهم. --------------------- [411]. وسائل الشيعة 17: 100، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 7، الحديث 3. [412]. وسائل الشيعة 17: 232، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 60. [413]. كالشيخ الطوسي في المبسوط 2: 233؛ وابن إدريس في السرائر 2: 43؛ والمحقّق في شرائع الإسلام 2: 63. [414]. وسائل الشيعة 17: 229، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 59.
|