|
المبحث الخامس: في تعارض الروايات
إنّ ما ذكرناه من جواز البيع ممّن يستحلّ الميتة تامّ، لكن يمكن أن يقال: إنّ ما دلّ على جواز بيع العجين النجس واللحم المختلط بالمذكّى ممّن يستحلّ الميتة معارض مع مرسلة ابن أبي عمير، عن أبي عبدالله(علیه السلام) في العجين النجس، قال(علیه السلام): «يدفن ولا يباع»([415])، ومع ما روي في الأشعثيّات، عن أمير المؤمنين(علیه السلام) أنّـه سئل عن شاة مسلوخة واُخرى مذبوحة عن عمى على الراعي أو على صاحبها، فلا يدري الذكيّـة من الميتة، قال(علیه السلام): «ترم بهما جميعاً إلى الكلاب»([416])؛ لما فيهما من الظهور في عدم جواز البيع مطلقاً، ولو ممّن يستحلّ الميتة. ويمكن الجواب عنها ـ مضافاً إلى عدم التعارض؛ لكون الاختلاف بينهما بالإطلاق والتقييد، فإطلاق الخبرين الدالّين على منع البيع مطلقاً مقيّد بروايات المسألة الدالّة على جواز البيع بالمستحلّ بالخصوص([417]) ـ بأنّ عدم جواز البيع فيهما منصرفٌ إلى ما هو المتعارف بين المسلمين في بيع المختلط من كونه للانتفاع به في نحو الأكل وغيره من المنافع المحرّمة من الميتة، لا عدم الجواز مطلقاً حتّى يصير معارضاً مع الروايات المجوّزة. ويؤيّد الانصراف، بل يشهد عليه ما فيهما من الدفن والرمي إلى الكلاب، فإنّـه كناية عن عدم جواز منافعه المتعارفة، وهو الأكل؛ إذ ليس للدفن والرمي خصوصيّـة، فالروايتان قاصرتان عن معارضة الروايات المذكورة سابقاً؛ لعدم الإطلاق لهما، هذا أوّلاً. وثانياً: سلّمنا كون المرسلة مطلقة، إلّا أنّـه قد قامت القرينة العقليّـة على لزوم تقييدها؛ لأنّ حرمة الميتة والعجين النجس لم تكن فعليّاً في حقّ الجاهل بها، فدفنها وعدم الانتفاع منهما إسراف وتبذير، حيث يمكن الانتفاع منه في غير المحرّم فعلاً. -------------------- [415]. التهذيب 1: 414/1306، باب المياه وأحكامها، الحديث 25؛ الاستبصار 1: 29/77، باب الماء يقع فيه شيء ينجّسه و...، الحديث 4؛ وسائل الشيعة 17: 100، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 7، الحديث 4. [416]. الجعفريّات (المطبوع في ضمن قرب الإسناد): 48، الحديث 126؛ مستدرك الوسائل 13: 73، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 7، الحديث 1. [417]. منها: صحيحة الحلبي، قال: سمعت أبا عبدالله(علیه السلام) يقول: «إذا اختلط الذكيّ والميتة باعه ممّن يستحلّ الميتة ويأكل ثمنه». (الكافي 6: 260، باب اختلاط الميتة بالذكيّ، الحديث 2؛ وسائل الشيعة 17: 99، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 7، الحديث 1 وفيه: «أكل» بدل: «يأكل»). ومنها: صحيحة الثانية للحلبي، عن أبي عبدالله(علیه السلام) أنّه سُئل عن رجل كانت له غنم وبقر وكان يدرك الذكيّ منها فيعزله، ويعزل الميتة، ثمّ إنّ الميتة والذكيّ اختلطا فكيف يصنع به؟ فقال: «يبيعه ممّن يستحلّ الميتة ويأكل ثمنه، فإنّه لا بأس». (الكافي 6: 260، باب اختلاط الميتة بالذكيّ، الحديث 2؛ وسائل الشيعة 17: 99، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 7، الحديث 2، وفيه مع تفاوت يسير). ومنها: رواية حفص بن البختري، عن أبي عبدالله(علیه السلام) في العجين يعجن من الماء النجس، كيف يصنع به؟ قال: «يباع ممّن يستحلّ أكل الميتة». (التهذيب 1: 414/1305، باب المياه وأحكامها، الحديث 24؛ الاستبصار 1: 29/76، باب الماء يقع فيه شيء ينجّسه و...، الحديث 3؛ وسائل الشيعة 17: 100، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 7، الحديث 3، مع تفاوت يسير). ومنها: ما رواه عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر(علیه السلام)، قال: سألته عن حبّ دهن ماتت فيه فأرة؟ قال: «لا تدهن به، ولا تبعه من مسلم». (قرب الإسناد: 208، الحديث 1019؛ وسائل الشيعة 17: 100، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 7، الحديث 5).
|