|
بيع الكلب غير السلوقي وغير الهراش
وإنّما الكلام في الأقسام الثلاثة الاُخر، والبحث فيها يتمّ بملاحظة روايات الباب وأخبارها المتضمّنة للمنع عن بيع الكلب. وتلك الأخبار على طائفتين: الطائفة الاُولى: ما لم يذكر فيها قيد الصيد والاصطياد ونحوهما ممّا يمكن دعوى الإطلاق فيها، وهي ستّـة: أحدها: موثّقـة السكوني، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «السحت ثمن الميتة، وثمن الكلب، وثمن الخمر، ومهر البغيّ، والرشوة في الحكم، وأجر الكاهن»([666]). ثانيها: رواية حمّاد بن عمرو وأنس بن محمّد، عن أبيه، جميعاً، عن جعفر بن محمّد8، عن آبائه(علیهم السلام) ـ في وصيّـة النبيّ(صلی الله علیه و آله و سلم) لعليّ(علیه السلام) ـ قال(صلی الله علیه و آله و سلم): «يا عليّ" من السحت ثمن الميتة، وثمن الكلب، وثمن الخمر، ومهر الزانية، والرشوة في الحكم، وأجر الكاهن»([667]). ثالثها: حسنة حسن بن عليّ الوشّاء، قال: سُئل أبو الحسن الرضا(علیه السلام) عن شراء المغنّيـة، قال: «قد تكون للرجـل الجاريـة تلهيه، وما ثمنها إلّا ثمـن كلب، وثمن الكلب سحت، والسحت في النار»([668]). وفي الوسائل رواية اُخرى بهذا السند، عن حسن بن عليّ القاساني، عن الرضا(علیه السلام) ـ في حديث ـ قال: «وثمن الكلب سحت»([669]). قال سيّدنا الاُستاذ (سلام الله علیه) بعد نقل حسنة حسن بن عليّ الوشّاء: وقد أوردها في الوسائل في باب تحريم بيع الكلاب أيضاً، مع تقطيع، وتوصيف الحسن بن عليّ بالقاساني، وهو من اشتباه النسخة، أو قلمه الشريف، والصحيح: الوشّاء؛ لعدم رواية لغير الوشّاء في المقام في الكافي الشريف([670])، وعدم ذكر من الحسن بن عليّ القاساني في الرجال، فهي عين الرواية المتقدّمة.([671]) رابعها: رواية العيّاشي([672])، في ذلك الباب، وهو عين صحيحة ابن الوشّاء. خامسها: صحيحة إبراهيم بن أبي البلاد، قال: «قلت لأبي الحسن الأوّل(علیه السلام): جعلت فداك إنّ رجلاً من مواليك عنده جوار مغنّيات، قيمتهنّ أربعة عشر ألف دينار، وقد جعـل لك ثلثها، فقـال: «لا حاجة لي فيها، إنّ ثمـن الكلب والمغنّيـة سحت»([673]). وهذه الروايات الخمسة وما يشبهها ممّا هي في مقام عدّ جملة من السحت أو المنهيّ عنه، ممّا يمكن إنكار الإطلاق فيها، كما أفاده سيّدنا الاُستاذ (سلام الله علیه). أمّا الرواية الاُولى والثانية، أي موثّقة السكوني ورواية حمّاد بن عمرو وأنس بن محمّد وما يشبـه بهما، فلأنّهما في مقام عدّ جملـة من السحت، لا في مقام بيـان المعدود. قال سيّدنا الاُستاذ (سلام الله علیه): إنّها ليست بصدد بيان حكم كلّ عنوان، حتّى يؤخذ بإطلاقها، بل بصدد بيان عدّ ما هو سحت، نظير أن يقال: إنّ في الشرع محرّمات: الكذب، والغيبة، والتهمة، والرباء، إلى غير ذلك، أو في الشرع واجبات: الصلاة، والزكاة، والحجّ...، أو قوله: «بني الإسلام على خمس: الصلاة والزكاة...»([674])، فإنّـه لا يصحّ الأخذ بالإطلاق فيها، فيقال: إنّ الكذب مطلقاً حرام، ولابإطلاق وجوب الصلاة لرفع ما شكّ في جزئيّته أو شرطيّته فيها. والمقام من هذا القبيل، فإنّ قوله: من السحت كذا وكذا، في مقام عدّ أقسام السحت إجمالاً، لا بيان حكم الكلب والميتة، فالأخذ بالإطلاق في نحوه مشكل([675]). وأمّا حسنة حسن بن عليّ الوشّـاء، فلأنّها ـ كما أفاده سيّدنـا الاُستـاذ(سلام الله علیه) أيضاً ـ: بصدد بيان حكم شراء المغنّية وثمنها، لا شراء الكلب وثمنه، بل الظاهر كون ثمن الكلب مفروض الحكم، وقد شبّه ثمن المغنّية به، فلم تكن بصدد بيان حكم الكلب، فلا إطلاق فيها، تأمّل([676]). وأمّا صحيحة إبراهيم بن أبي البلاد، فلأنّ الظاهر منها ـ كما أفاده سيّدنا الاُستاذ (سلام الله علیه) ـ : أنّ ذكر الكلب مع عدم كونه مورد الكلام، لذكر التسوية بينهما، وكأنّـه(علیه السلام) بصدد بيان نحو تحقير عن ثمن المغنّيات وشرائها، بأنّ ثمنها وثمن الكلب سواء، لا بصدد بيان حكم الكلب، من غير سبق سؤال وبمجرّد الاقتراح([677]). الطائفة الثانية: الروايات المفصّلة بين الصيود من الكلاب وبين الكلب الذي لا يصيد. منها: رواية أبي عبدالله العامري، قال سألت أبا عبدالله(علیه السلام) عن ثمن الكلب الذي لا يصيد، فقال: «سحت، فأمّا الصيود فلا بأس»([678]). وعن الوليد العماري، عن أبي عبدالله(علیه السلام) مثل ذلك المتن بعينه([679]). والظاهر أنّ أبا عبدالله العامري هو الوليد العامري، واشتبه في النسخة وعبّر عن العامري بالعماري، فأبوعبدالله كنية الوليد العامري، والرواية واحدة؛ وذلك لوحدة المتن والمنقول عنه، والأمر سهلٌ. ومنها: موثّقة محمّد بن مسلم وعبد الرحمن بن أبي عبدالله، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قال: «ثمن الكلب الذي لا يصيد سحت»، ثمّ قال: «ولابأس بثمن الهرّ»([680]). ومنها: رواية أبي بصير، قال: سألت أبا عبدالله(علیه السلام) عن ثمن كلب الصيد؟ قال: «لا بأس بثمنه، والآخر لا يحلّ ثمنه»([681]). ومنها: روايـة اُخرى لأبي بصير، عـن أبي عبـد الله(علیه السلام) ـ في حديث ـ أنّ رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) قال: «ثمـن الخمر، ومهر البغيّ، وثمـن الكلب الذي لا يصطاد من السحت»([682]). -------------- [666]. الكافي 5: 126، باب السحت، الحديث 2؛ التهذيب 6: 368/1061، باب المكاسب، الحديث 182؛ وسائل الشيعة 17: 93، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 5، الحديث 5. [667]. الفقيه 4: 262/824، باب النوادر، الحديث 4؛ وسائل الشيعة 17: 94، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 5، الحديث 9. [668]. الكافي 5: 120، باب كسب المغنّية وشراءها، الحديث 4؛ التهذيب 6: 357 / 1019، باب المكاسب، الحديث 140؛ الاستبصار 3: 61/202، باب أجر المغنّية، الحديث 2؛ وسائل الشيعة 17: 124، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 16، الحديث 6. [669]. وسائل الشيعة 17: 118، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 14، الحديث 2. [670]. الكافي 5: 120، كتاب المعيشة، باب كسب المغنّية وشرائها، الحديث 4. [671]. المكاسب المحرّمة 1: 99. [672]. تفسير العيّاشي 1: 321، تفسير سورة المائدة، الحديث 111. [673]. قرب الإسناد: 234، الحديث 1181؛ وسائل الشيعة 17: 123، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 16، الحديث 4. [674]. الكافي 2: 18، باب دعائم الإسلام؛ الفقيه 2: 44/196، كتاب الصوم، باب فضل الصيام، الحديث 1؛ التهذيب 4: 151 / 418، باب فرض الصيام، الحديث 1؛ وسائل الشيعة 1: 13، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 1. [675]. المكاسب المحرّمة 1: 98. [676]. المكاسب المحرّمة: 99. [677]. نفس المصدر : 99 ـ 100. [678]. الكافي 5 : 127، باب السحت، الحديث 5؛ وسائل الشيعة 17: 118، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 14، الحديث 1. [679]. التهذيب 6: 367/1060 باب المكاسب، الحديث 181؛ وسائل الشيعة 17: 119، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 14، الحديث 7. [680]. التهذيب 6: 356/1017، باب المكاسب، الحديث 138؛ وسائل الشيعة 17: 119، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 14، الحديث 3. [681]. الفقيه 3: 105/434، باب المعايش والمكاسب...، الحديث 82؛ التهذيب 6: 356/1016، باب المكاسب، الحديث 137؛ وسائل الشيعة 17: 119، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 14، الحديث 5. [682]. التهذيب 7: 135/599، باب الغرور والمجازفة وشراء السرقة...، الحديث 70؛ وسائل الشيعة 17: 119، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 14، الحديث 6.
|