|
ما استدلّ به على مانعيّـة قصد المنفعة المحرّمة
واستدلّ على مانعيّـة قصد المنفعة المحرّمة بوجوهٍ: منها: ما نقله سيّدنا الاُستاذ (سلام الله علیه) من الشيخ الأعظم(قدس سرّه) ، من الاستدلال بآية: Cولا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضB([790])، على اعتبار مانعيّـة قصد المنفعة المحرّمة ([791]). ثمّ قال (سلام الله علیه): ولا يخلو كلامه في المقام من نوع تشويش([792]). تقريب الاستدلال: أنّ قصد المنفعة المحرّمة في البيع معصية ومحرّم شرعاً، وإذا كان قصد المنفعة المحرّمة حراماً، فالبيع المشتمل على هذا القصد أيضاً يكون حراماً، وما كان من البيع حراماً يكون باطلاً، وإذا كان البيع باطلاً ينطبق عليه أكل المال بالباطل، فتشمله الآية. ويرد عليه أوّلاً: أنّ نيّـة المعصية ليست بمعصية إلّا ما خرج بالدليل. وثانياً: أنّ كون نيّـة المعصية محرّماً لا يوجب اتّصاف البيع بالحرمة. وثالثاً: أنّ حرمة البيع لا يوجب بطلانه، فلا يكون من أكل المال بالباطل، فلا تشمله الآية. إن قلت: قد سبق([793]) منك وجود الملازمة العرفيّـة والعقلائيّـة بين حرمة البيع وبطلانه. قلت: ما قلناه سابقاً راجع إلى الحرمة المتعلّقة بعنوان البيع ونفسه، لا المتعلّقة بما هو خارج عن البيع ومقدّمة له، والحرمة في المقام إنّما تعلّق بقصد المنفعة المحرّمة الذي هو مقدّمة للبيع وخارج عنه. ورابعاً، وهو العمدة: أنّ المراد بالباطل والتجارة وسائر العناوين المأخوذة في الآية الشريفة هو العناوين العرفيّـة، لا ما هو باطل بحكم الشرع، أو تجارة صحيحة بحكمه، ولهذا ترى أنّ الفقهاء تمسّكوا بها لصحّة التجارة في الموارد المشكوك فيها من جهة احتمال اعتبار شرط أو مانع، ولو كان المراد بالآية الشريفة ما ذكر، لما صحّ الاستدلال بها في شيء من الموارد. فالمراد بالباطل في مقابل التجارة عن تراض، نحو السرقة والخيانة والبخس والقمار والظلم، كما عن أبي جعفر(علیه السلام) تفسيره ببعضها([794])، ومن التجارة هي التجارة العرفيّـة. فعليه، يصحّ الاستدلال بها لصحّة البيع، ولو مع قصد المنفعة المحرّمة، بعد ما كان للمبيع ماليّـة عرفيّـة بلحاظ المنفعة المحلّلة؛ لعدم إسقاط الشارع ماليّته، حتّى يقال بتحكيم دليل الإسقاط على أدلّة حلّيّـة البيع والتجارة والوفاء بالعقود. فإنّ الشيء إذا كان ذا منفعة محرّمة ومنفعة محلّلة لا تسقط ماليّته بإسقاط المنفعة المحرّمة، بل تقلّ ماليّته في محيط الشرع والملتزمين بالشريعة والقانون، فيصير كأنّـه لا منفعة له إلّا المحلّلة، فيكون مالاً في الشرع والعرف، والتجارة به تجارة كذلك. وقصد الانتفاع بالمحرّم لا دخل له بماليّته، ولا بماهيّـة التجارة، بل الانتفاع به من متفرّعات التجارة ومتأخّر عنها. فلو اشترى أحد سكّيناً بقصد قتل المؤمن، وباع البائع لذلك لا يوجب ذلك فساد المعاوضة وصيرورة أخذ المال بإزائه أكلاً له بالباطل، بل يصحّ بيعها ويحرم على المشتري الإقدام على القتل. ومنها: أنّ البائع قصد المنفعة المحرّمة، وقصده ذلك يوجب قصر ماليّـة المبيع في المنافع المحرّمة، وحيث إنّ الشارع قد أسقط تلك المنافع، فالبيع يقع على ما ليس بمال، فيكون بيعه من أكل المال بالباطل. ويرد عليه: أنّ ماليّـة الشيء إنّما هي باعتبار منافعه المحلّلة، لا باعتبار المنافع المحرّمة، ولاباعتبار المنافع التي قصده شخص البائع، فقصد البائع لا يوجب عدم ماليّـة المبيع. ومنها: أنّ قصد المنفعة المحرّمة في البيع من الإعانة على الإثم والعدوان، وهي منهيّ عنها بقوله تعالى: Cوَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الاِْثْمِ وَالْعُدْوَانِB([795]). ويرد عليه: أنّ قصد المنفعة المحرّمة من دون اشتراط، ليس من الإعانة على الإثم والعدوان، هذا أوّلاً. وثانياً: ـ على تسليم صدق الإعانة ـ الحرمة متعلّقة بأمر خارج عن البيع، وهذا غير موجب للبطلان. وما قيل: إنّ المحرّم بحسب الآية الشريفة إنّما هو التعاون على الإثم والعدوان، لا الإعانة عليه، فسيأتي([796]) الكلام فيه. هذا بحسب القواعد. ---------------------- [790]. النساء (4): 29. [791]. المكاسب المحرّمة 1: 133؛ وراجع: المكاسب للشيخ الأعظم(قدس سرّه) 1: 71. [792]. نفس المصدر: 134. [793]. سبق في الصفحة: 49. [794]. راجع: مجمع البيان 4 ـ 3: 59؛ ونور الثقلين 1: 472، الحديث 198. [795]. المائدة (5): 2. [796]. سيأتي الكلام في الصفحة: 441 ـ 443.
|