|
في اعتبار قصد الانتفاع في الحيازة وعدمه
ثمّ إنّـه هل يشترط في ثبوت حقّ الاختصاص بالحيازة قصد الحائز للانتفاع، أم يكفي مطلق الحيازة لثبوت حقّ الاختصاص؛ سواء قصد الانتفاع بالعين المحاز، أم قصد الاكتساب به بالبيع والإجارة وأمثالهما، أم تحقّق منه الحيازة لمجرّد العبث؟ قال الشيخ(قدس سرّه): ثمّ إنّـه يشترط في الاختصاص بالحيازة قصد الحائز للانتفاع. ولذا ذكروا أنّـه لو علم كون حيازة الشخص للماء والكلأ لمجرّد العبث، لم يحصل له حقّ، وحينئذٍ فيشكل الأمر فيما تعارف في بعض البلاد من جمع العذرات حتّى إذا صارت من الكثرة، بحيث ينتفع بها في البساتين والزرع بذل له مال فأخذت منه، فإنّ الظاهر، بل المقطوع أنّـه لم يحزها للانتفاع بها، وإنّما حازها لأخذ المال عليها. ومن المعلوم أنّ حلّ المال فرع ثبوت الاختصاص المتوقّف على قصد الانتفاع، المعلوم انتفاؤه في المقام. وكذلك لوسبق إلى مكان من الأمكنة المذكورة من غير قصدالانتفاع منها بالسكنى. نعم، لو جمعها في مكانه المملوك، فبذل له المال على أن يتصرّف في ذلك المكان بالدخول لأخذها، كان حسناً. كما أنّـه لو قلنا بكفاية مجرّد قصد الحيازة في الاختصاص، ]وإن لم يقصد الانتفاع بعينه[، وقلنا بجواز المعاوضة على حقّ الاختصاص كان أسهل([920]). لكنّ الحقّ، التفصيل في اشتراط قصد الانتفاع بعين المال في ثبوت الحيازة والاختصاص. توضيحه: أنّ المحاز قد يكون من المباحات الأصليّـة، كأراضي الموات والماء والحطب، وقد يكون من الأمكنة العامّة المشتركة، كالأوقاف العامّة، وقد يكون مثل ما نحن فيه، حيث لا يكون من كلّ واحد من القسمين، بل هو قسم خاصّ بدليل كون مزاحمة صاحب الأعيان النجسة ظلماً وإيذاءً، كما سبق. أمّا القسم الأوّل، فالظاهر صحّة ما ذكره الشيخ(قدس سرّه)، من الاشتراط بقصد الانتفاع بالعين المحاز؛ لقصور أدلّة الحيازة، مثل: «من سبق إلى مكان فهو أحقّ به»([921])، عن إثبات حقّ الاختصاص فيما حاز شيئاً لغير الانتفاع بعينه، كالانتفاع بثمنه بالبيع والإجارة؛ لانصرافها عمّا لم يقصد الانتفاع بعين المحاز. ولك أن تقول: المتفاهم العرفيّ بمناسبة الحكم والموضوع من الأحقّيّة هي الأحقّيّة فيما يكون انتفاعاً بالعين بما هي هي وانتفاعاً حقيقيّاً بها، لاانتفاعاً بالواسطة والعرض والمجازيّة، فالسبق لذلك القصد خارج عن مثل من سبق تخصّصاً. وأمّا القسم الثاني، فالظاهر أيضاً صحّة ما ذكره الشيخ(قدس سرّه)، من الاشتراط بقصد الانتفاع من عين المحاز مباشرة؛ لقصور دليله، وهو: «من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحقّ به»([922])؛ لأنّ الأمكنة العامّة الموقوفة، على حسب ما يوقفها أهلها والغالب فيها، وقفها للانتفاعات الشخصيّـة، لا لحيازتها ولو بقصد النقل إلى الغير، وحديث السبق جيء به للمنع عن مزاحمة الآخرين، وأنّـه إذا حاز شخص مكاناً من مسجد أو سوق أو شارع أو مكان عامّ آخر، لا يجوز لغيره المزاحمة له ودفعه عمّا حازه، فلا إطلاق له. وأمّا القسم الثالث، وهو الذي كان ملكاً ومالاً لشخص، ثمّ سقط عن الماليّـة والملكيّـة، فبقي لصاحبه حقّ الاختصاص بدليل أنّ مزاحمة الآخرين له ظلم وإيذاء له، والظلم والإيذاء حرام، فلا يجوز لأحد مزاحمته وممانعته، وهذا هو حقّ الاختصاص. وعليه، فالظاهر أنّ حقّ الاختصاص في هذا القسم ثابت مطلقاً؛ سواء كان قصد الصاحب، الانتفاع من عينه مباشرة، أو قصد الاكتساب به؛ لأنّ مزاحمته ظلم مطلقاً، وكونه ظلماً غير منوط بقصده الانتفاع من عينه، فالحقّ ثابت مطلقاً؛ لإطلاق دليله. ------------------- [920]. المكاسب 1: 107. [921]. الكافي 5: 155، باب السبق إلى السوق، الحديث 1؛ الفقيه 3: 124/540، باب التجارة وآدابها وفضلها وفقهها، باب السوق، الحديث 2؛ التهذيب 7: 9/13، باب فضل التجارة وآدابها...، الحديث 31؛ وسائل الشيعة 17: 405، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة، الباب 17، الحديث 1. [922]. عوالي اللئالي 3: 480، الحديث 4؛ مستدرك الوسائل 17: 111، كتاب إحياء الموات، الباب 1، الحديث 4. وبهذا المضمون روايات أُخرى، فراجع: وسائل الشيعة 17: 405، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة، الباب 17.
|