|
المعاوضة على الدراهم المغشوشة
المسألة الرابعة: حكم الدراهم المغشوشة. قال الشيخ(قدس سرّه) في بيان ما للقسم الأوّل من الاُمور: ومنها الدراهم الخارجة المعمولة لأجل غشّ الناس إذا لم يفرض على هيئتها الخاصّة منفعة محلّلة معتدّ بها، مثل التزيّن، أو الدفع إلى الظالم الذي يريد مقداراً من المال، كالعشار ونحوه، بناءً على جواز ذلك، وعدم وجوب إتلاف مثل هذه الدراهم، ولو بكسرها، من باب دفع مادّة الفساد، كما يدلّ عليه قوله(علیه السلام) في رواية الجعفي مشيراً إلى درهم: «إكسر هذا، فإنّـه لا يحلّ بيعه ولا إنفاقه»([967]). وفي رواية موسى بن بكير: «قطّعه نصفين»، ثمّ قال: «ألقه في البالوعة حتّى لا يباع شيء فيه غشّ»([968]). وتمام الكلام فيه في باب الصرف إن شاء الله([969]). لكن نذكر بعضه هنا تعميماً للفائدة ونقول: مراده(رحمه الله) من رواية الجعفي ما رواه الشيخ في التهذيب والاستبصار عن ابن أبي عمير، عن عليّ الصيرفي، عن المفضّل بن عمر الجعفي، قال: كنت عند أبي عبد الله(علیه السلام) فألقى بين يديه دراهم، فألقى إليّ درهماً منها، فقال: «إيش هذا؟» فقلت: ستوق، فقال: «وما الستوق؟» فقلت: طبقتين فضّة وطبقة من نحاس وطبقة من فضّة، فقال: «إكسرها، فإنّـه لا يحلّ بيع هذا، ولا إنفاقه»([970]). والصواب: طبقة من فضّة وطبقة من نحاس، وكأنّـه صحّفه النسّاخ. ومراده من رواية موسى بن بكر ما رواه الكافي، عن محمّد بن يحيى، عن بعض أصحابنا، عن سجّادة، عن موسى بن بكر، قال: كنّا عند أبي الحسن(علیه السلام)، فإذا دنانير مصبوبة بين يديه، فنظر إلى دينار فأخذه بيده ثمّ قطّعه بنصفين، ثمّ قال لي: «ألقه في البالوعة حتّى لا يباع شيء فيه غشّ»([971]). ودلالة الروايتين على وجوب كسر الدراهم المغشوشة الخارجة عن السوق وعن الاتّجار بها ممّا ليس فيها إلّا الغشّ والمفسدة، أو الإلقاء في البالوعة بعد التنصيف، لمكان ما فيهما من الأمر بهما، ممّا لا ينبغي الإشكال والكلام فيه. نعم، لما فيهما من الضعف في السند بجهالة عليّ بن الحسن الصيرفي، وبالاختلاف في المفضّل في الأُولى، وبضعف سجّادة حتّى أنّـه جعل الكشّي عليه لعنة الله والملائكة والناس جميعاً ([972])، والإرسال في الثانية، وإن لم تكونا حجّة ودليلاً على وجوب الإتلاف، لكنّهما تكونان مؤيّداً لقاعدة وجوب دفع مادّة الفساد وقلعها، الثابت بالكتاب: Cوَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةًB،([973]) والعقل والإجماع، بل، وبضرورة فقه الإسلام، ولعلّ ما في كلامه(رحمه الله) من قوله: «كما يدلّ عليه» إشارة إلى ذلك. فتدبّر جيّداً. ثمّ إنّ الظاهر من الأمر بالكسر، وكذا من الأمر بالإلقاء في البالوعة أنّـه لم يكن يترتّب على وجوده بهيئته إلّا الفساد؛ إذ لم يكن لها منفعة ظاهرة إلّا الإنفاق المحرّم، وما يترتّب على وجوده الفساد محضاً يجب إتلافه لا محالة، حسماً لمادّته؛ قضاءً لما مرّ من أدلّته قبل ذلك بأسطر، وإلّا فلو كان يترتّب عليه منفعة محلّلة عقلائيّـة لما أمر الإمام(علیه السلام) بكسره وإتلافه، بل أرشده إلى صرفه فيه، بل كان إتلافه حينئذٍ تبذيراً للمال. وممّا ذكرناه يظهر الجمع وعدم التعارض والتنافي بين هذين الخبرين الدالّين على المنع عن البيع والإنفاق بالدنانير والدراهم المغشوشة، وبين ما يدلّ من الأخبار الصحاح ـ المنقولة في الوسائل([974]) في الباب العاشر من أبواب الصرف «باب جواز إنفاق الدراهم المغشوشة والناقصة...» ـ على جواز إنفاق الدراهم المغشوشة إذا كانت رائجة بين الناس. وذلك لكونهما ظاهرة في حرمة الإنفاق والبيع في المغشوشة في المهجورة التي صارت مادّة للفساد التي لابدّ من قلعها بمثل الإلقاء في البالوعة، وتلك الأخبار ظاهرة في المغشوش الرائج بين الناس. هذا، وبما أنّ في الرياض في الجمع بين الطائفتين وفي وجهه فرق مع ما ذكرناه ممّا لا يخلو عن مناقشة، وبما فيه من جواز الإنفاق في مورد الخبرين بعد البيان ممّا فيه المناقشة أيضاً، فينبغي، بل لابدّ من نقل عبارته، وهو قوله: ويجوز إخراج الدراهم والدنانير المغشوشة بنحو من الصفر والرصاص ونحوها، والمعاملة بها إذا كانت معلومة الصرف والرواج بين الناس، بأن يعامل بها مطلقاً وإن جهل مقدار الخالص منهما، بجنسهما كان أو غيرهما، لكن بشرط في الأوّل قد مضى. ولو لم تكن كذلك، بأن لا يتعامل بها في العادة وكانت مهجورة في المعاملة لم يجز إنفاقها إلّا بعد بيانها وإظهار غشّها، إذا كان ممّا لا يتساهل به عادة، بلاخلاف في المقامين، بل في المختلف الإجماع عليهما ([975]). وهو الحجّة، مضافاً إلى الأصل والعمومات في الأوّل، ولزوم الغشّ ـ المحرّم بالنصّ والإجماع ـ في الثاني. وبهما يجمع بين الأخبار المختلفة المجوّزة لإنفاقها مطلقاً، كالصحاح: في أحدها: عن الدراهم المحمول عليها؟ فقال: «لا بأس بإنفاقها»([976]). ونحوه الآخران، لكن بزيادة شرط فيهما، وهو زيادة الفضّة عن الثلثين، كما في أحدهما([977])، أو كونها الغالب عليها، كما في الثاني([978])، ولعلّه وارد بتبع العادة في ذلك الزمان من عدم المعاملة بها، إلّا إذا كانت كذلك. والمانعة له كذلك، كالخبر ـ المنجبر ضعف سنده بوجود ابن أبي عمير، المجمع على تصحيح رواياته فيه ـ قال: كنت عند أبي عبدالله(علیه السلام) فألقى بين يديه دراهم، فألقى إليّ درهماً منها، فقال: «إيش هذا؟» فقلت: ستوق، فقال: «وما الستوق؟» فقلت: طبقتين من فضّة وطبقة من نحاس وطبقـة من فضّـة، فقـال: «إكسر هذا، فإنّـه لا يحلّ بيع هذا، ولا إنفاقـه»([979]). بحمل الأوّلة على الصورة الاُولى، والثانية على الثانية، بشهادة ما مرّ من الأدلّة، وخصوص الصحيحين، في أحدهما: عندنا دراهم يقال لها: الشاهيّـة يحمل على الدراهم دانقين، فقـال: «لا بأس به إذا كان يجوز بين النـاس»([980]). وفي الثاني المرويّ في الكافي: الرجل يعمل الدراهم يحمل عليها النحاس، أو غيره، ثمّ يبيعها، قال: «إذا كان يجوز بين الناس فلا بأس»([981]). لكن رواه في التهذيب بإسقاط الناس وتبديله بلفظ «ذلك»، وقراءة «البيّن» بتشديد الياء، فعلاً ماضياً لا ظرفاً ([982]). وظاهره ـ حينئذٍ ـ المنع عن الإنفاق إلّا بعد البيان، فيكون من روايات المنع، لكن مقيّداً بعدم البيان، مصرّحاً بالجواز بعده، وبه مضافاً إلى الاتّفاق يقيّد إطلاق الرواية المتقدّمة بالمنع، بحملها على صورة عدم البيان إن صحّت النسخة ([983]). وفي كلامه مواضع للمناقشة: أحدها: جعله إجماع المختلف ـ الذي يكون مدركيّاً مستنداً إلى الأخبار جزماً وإلى غيرها ممّا ذكره مضافاً إلى الإجماع من الأدلّة في المقامين احتمالاً ـ حجّة على المقامين، وهو كما ترى. ثانيها: حمله الأخبار المانعة على المهجورة في المعاملة، بأن لا يتعامل بها في العادة، ففيه أنّها ظاهرة فيما كانت مادّة للفساد، وهي أخصّ من المهجورة في المعاملة كما لا يخفى، فالحمل كذلك حمل للخاصّ على العام، وهو غير تمام قطعاً. ثالثها: أنّ ما في التهذيب يكون بإسقاط «كان» و«يجوز» مضافاً إلى «الناس»، وتكون الرواية فيه: «إذا بيّن ذلك فلا بأس». رابعها: ما فيه من تقييد الأخبار المانعة بما لم يكن فيه البيان، فمع البيان يكون الإنفاق جائزاً، ففيه: أنّ الروايتين لما فيهما من الأمر بالإلقاء في البالوعة والكسر بالتنصيف غير قابلة لذلك التقييد، حيث إنّ فرض الجواز مع البيان في موردهما مناف للكسر والإلقاء في البالوعة؛ لكونه تبذيراً وإتلافاً للمال. نعم، إن كان مادّة للفساد لا حكم لها إلّا قلعها بالإتلاف بمثل الإلقاء في البالوعة أو الكسر بالتنصيف. ثمّ إنّـه قد ظهر ممّا ذكرناه عدم جواز دفع تلك الدراهم المادّة للفساد إلى الظالم الذي يريد مقداراً من المال، كالعشّار والظالم ونحوه؛ إذ العشّارون لا يأخذونها إلّا للإنفاق في السوق، فينفقونها ويجلبون بها أموال الناس ظلماً. وبذلك يظهر المناقشة في كلام الجواهر، حيث قال: وفي جواز دفع الظلمة بالدراهم المغشوشة وجهان: أقواهما الجواز، وأحوطهما خلافه([984]). ----------------- [967]. التهذيب 7: 109/466، باب بيع الواحد بالاثنين...، الحديث 72؛ الاستبصار 3: 97/333، باب إنفاق الدراهم المحمول عليها، الحديث 5؛ وسائل الشيعة 18: 186، كتاب التجارة، أبواب الصرف، الباب 10، الحديث 5. [968]. الكافي 5: 160، باب الغش، الحديث 3؛ التهذيب 7: 12/50، باب فضل التجارة وآدابها، الحديث 50؛ وسائل الشيعة 17: 280، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 86، الحديث 5، في جميع المصادر: «عن موسى بن بكر» بدل: «موسى بن بكير»، و«بنصفين» بدل: «نصفين». [969]. المكاسب 1: 118 ـ 119. [970]. تقدّم تخريجها آنفاً. [971]. تقدّم تخريجها آنفاً. [972]. اختيار معرفة الرجال: 613/1082. [973]. الأنفال (8): 25. [974]. راجع: وسائل الشيعة 18: 185، كتاب التجارة، أبواب الصرف، الباب 10. [975]. مختلف الشيعة 5: 140، المسألة 98. [976]. التهذيب 7: 108/ 462، باب بيع الواحد بالاثنين...، الحديث 68؛ الاستبصار 3: 96/329، باب إنفاق الدراهم المحمول عليها، الحديث 1؛ وسائل الشيعة 18: 185، كتاب التجارة، أبواب الصرف، الباب 10، الحديث 1. [977]. التهذيب 7: 108/463، باب بيع الواحد بالاثنين...، الحديث 69؛ الاستبصار 3: 96/330، باب إنفاق الدراهم المحمول عليها، الحديث 2؛ وسائل الشيعة 18: 186، كتاب التجارة، أبواب الصرف، الباب 10، الحديث 3. [978]. الكافي 5: 252، باب إنفاق الدراهم المحمول عليها، الحديث 1؛ التهذيب 7: 108/464، باب بيع الواحد بالإثنين...، الحديث 70؛ الاستبصار 3: 96/331، باب إنفاق الدراهم المحمول عليها، الحديث 3؛ وسائل الشيعة 18: 186، كتاب التجارة، أبواب الصرف، الباب 10، الحديث 4. [979]. تقدّم تخريجه آنفاً. [980]. الفقيه 3: 184/831، باب الصرف ووجوهه، الحديث 5، وفيه: «لا بأس به يجوز ذلك»؛ التهذيب 7: 108/465، باب بيع الواحد بالاثنين...، الحديث 71؛ الاستبصار 3: 96/332، باب إنفاق الدراهم المحمول عليها، الحديث 4، وفيهما: «لا بأس به إذا كان يجوز»؛ وسائل الشيعة 18: 187، كتاب التجارة، أبواب الصرف، الباب 10، الحديث 6، وفيه: «لا بأس به إذا كانت تجوز». [981]. الكافي 5: 253، باب إنفاق الدراهم المحمول عليها، الحديث 2، وفيه: «إذا كان بين الناس ذلك فلابأس». [982]. التهذيب 7: 109/467، باب بيع الواحد بالاثنين...، الحديث 73، وفيه: «إذا بيّن ذلك فلا بأس». [983]. رياض المسائل 8: 455 ـ 457. [984]. جواهر الكلام 24: 18.
|