|
الإشكال في دلالة أخبار التشبّه
نعم، یشکل الأمر في دلالتها؛ لما في الروایات المفسرّة للتشبّه،([36]) لاسیّما روایة أبي خدیجة في تفسیر التشبّه بتأنّث الرجل وتذکّره، فلا تشمل الروایات التشبّه لغیره؛ من خصوص تشبّه کلّ من الرجل والمرأة بالآخر في اللباس ومن الأعمّ منه ومن التشبّـه في الطبیعة؛ لکونها مخالفاً للروایات المفسرّة، فإنّ الروایات المفسرّة حاکمة علی المطلقات ومبیّنة لما هو المراد منها، فلا اعتبار بغیره، وقد ظهر ممّا ذکرناه أنّ ما ذکره مصباح الفقاهة في بیان الإشکال وإن کان تماماً، لکنّـه تکلّف وتطویل غیر لازم کما سیظهر؛ لکفایة ما ذکرناه ممّا کان مختصراً أو موافقاً مع القواعد الشرعیّـة. قال في مصباح الفقاهة: فلا دلالة فيها على حرمة التشبّه في اللباس؛ لأنّ التشبّه فيها إمّا أن يراد به مطلق التشبّه، أو التشبّه في الطبيعة، كتأنّث الرجل وتذكّر المرأة، أو التشبّه الجامع بين التشبّه في الطبيعة والتشبّه في اللباس. أمّا الأوّل، فبديهيّ البطلان؛ فإنّ لازمه حرمة اشتغال الرجل بأعمال المرأة، كالغزل، وغسل الثوب، وتنظيف البيت، والكنس، ونحوها من الأمور التي تعملها المرأة في العادة، وحرمة اشتغال المرأة بشغل الرجل، كالاحتطاب، والاصطياد، والسقي، والزرع، والحصد، ونحوها، مع أنّـه لم يلتزم به أحد، بل ولا يمكن الالتزام به. وأمّا الثالث، فلا يمكن أخذه كذلك؛ إذ لا جامع بين التشبّه في اللباس والتشبّه في الطبيعة، فلا يكون أمراً مضبوطاً، فيتعيّن الثاني، ويكون المراد من تشبّه كلّ منهما بالآخر هو تأنّث الرجل باللواط، وتذكّر المرأة بالسحق، وهو الظاهر من لفظ التشبّه في المقام... . وقد اتّضح ممّا تلوناه بطلان ما ادّعاه المحقّق الإيرواني([37]) من أنّ إطلاق التشبّه يشمل التشبّه في كلّ شيء، ودعوى انصرافه إلى التشبّه فيما هو من مقتضيات طبع صاحبه، لا ما هو مختصّ به بالجعل، كاللباس في حيّز المنع، بل كون المساحقة من تشبّه الأنثی بالذكر ممنوعٌ، بل التخنّث أيضاً ليس تشبّهاً بالأنثى.([38]) کما أنّـه اتّضح بطلانه علی ما بیّناه في اختصاص الروایات بالتشبّه في الطبیعة. ---------------------- [36]. وهي روایة الصدوق في العلل عن زید بن عليّ، عن آبائه، عن عليّ(علیهم السلام) أنّـه رأی رجلاً به تأنّث في مسجد رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) فقال: اخرج من مسجد رسول الله یا من لعنه رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)، ثمّ قال عليّ(علیه السلام): سمعت رسول الله یقول: «لعن الله المتشبّهین من الرجال بالنساء والمتشبّهات من النساء بالرجال». (علل الشرائع 2: 384، الباب 385، باب نوادر العلل، الحديث 63؛ وسائل الشیعة 17: 284، كتاب التجارة، أبواب ما یکتسب به، الباب 87، الحدیث 2). وروایة الجعفریّات عن أبي هریرة، قال: «لعن رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) مخنّثین الرجال المتشبّهین بالنساء والمترجّلات من النساء المتشبّهات بالرجال...»، الحدیث. (الجعفریّات: 242، کتاب الحدود، باب حدّ اللوطي، الحدیث 976؛ مستدرك الوسائل 13: 202، كتاب التجارة، أبواب ما یکتسب به، الباب 70، الحدیث1). وروایة أبيخدیجة، عن أبيعبدالله(علیه السلام)، قال: «لعن رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) المتشبّهین من الرجال بالنساء والمتشبّهات من النساء بالرجال، قال: وهم المخنّثون واللاتي ینکحن بعضهنّ بعضاً». (الکافي 5: 550، باب من أمکن من نفسه، الحدیث 4؛ وسائل الشیعة 20: 346، كتاب النكاح، أبواب نکاح المحرّم وما يناسبه، الباب 24، الحدیث 6). وروایة الکافي عن أبي عبدالله في الراکبة والمرکوبة، قال: وفیهنّ قال رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم): «لعن الله المتشبّهات بالرجال من النساء ولعن الله المتشبّهین من الرجال بالنساء». (الکافي 5: 552؛ باب السحق، الحدیث 4؛ وسائل الشیعة 20: 345، کتاب النکاح، أبواب النکاح المحرّم وما يناسبه، الباب 24، الحدیث 5). [37]. راجع: حاشية المكاسب (للإيرواني) 1: 20. [38]. مصباح الفقاهة 1: 335ـ 337.
|