|
المسألة الخامسة/ التطفيف
التطفيف حرامٌ، ولا إشكال في حرمته، وهو لغةً کما في الصحاح: «الطفیف: القلیل ـ إلی أن قال: ـ والتطفیف نقص المکیال».([214]) وفي لسان العرب: والتطفیف: البخس في الکیل والوزن ونقص المکیال، وهو أن لا تملأه إلی أصباره.([215]) ومعناه العرفيّ هو المعنی اللغوي. والدليل عليه الكتاب والسنّة والعقل والضرورة. أمّا الكتاب، فقوله تعالى: ﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَ لَا يَظُنُّ أُولـئِكَ أَنَّهُم مَبْعُوثُونَ * لِيَوْم عَظِيم * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.([216]) وقوله تعالى: ﴿أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمـُـخْسِرِينَ * وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمـُسْتَقِيمِ﴾.([217]) وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ﴾.([218]) وقوله تعالى: ﴿فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ﴾.([219]) وقوله تعالى: ﴿وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ﴾.([220]) وأمّا السنّـة، فقد ورد أخبار کثیرة غایة الکثرة تبلغ حدّ التواتر إجمالاً، نذکر بعضها: فمنها: خبر محمّد بن سالم عن أبي جعفر(علیه السلام)، قال: «إنّ الله لمّا أذن لمحمّد(صلی الله علیه و آله و سلم)في الخروج من مکّـة إلی مدینـة أنزل علیه الحدود ـ إلی أن قـال: ـ وأنزل في الکیـل: ﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ﴾،([221]) ولم یجعل الویل لأحد حتّی یسمّیه کافراً، قال الله تعالی: ﴿فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾([222]).([223]) ومنها: خبر صفوان بن مهران الجمّال، قال: قال أبوعبدالله(علیه السلام): «إنّ فیکم خصلتین هلك بهما من قبلکم من الأمم». قالوا: وما هما یابن رسول الله؟ قال: «المکیال والمیزان».([224]) ومنها: خبر أبي حمزة عن أبي جعفر(علیه السلام)، قال: «وجدنا في کتاب رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)إذا ظهر الزنا من بعدي کثر موت الفَجاة، وإذا طفّف المیزان والمکیال أخذهم الله بالسنین والنقص».([225]) ومنها: خبر الفضل بن شاذان عن الرضا(علیه السلام) في کتابه إلی المأمون في عداد الکبائر: «والبخس في المکیال والمیزان».([226]) ومنها: في سنن البیهقي بسنده عن ابن عبّاس قال: «لمّا قدم النبيّ(صلی الله علیه و آله و سلم)المدینة کانوا من أخبث الناس کیلاً، فأنزل الله عزّوجلّ: ﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ﴾ فاحسنوا الکیل بعد ذلك».([227]) إلی غیر ذلك من الأخبار من طرق الفریقین. وأمّا العقل، فلأنّ التطفيف وتنقيص حقّ الناس وعدم الوفاء به ظلم، ولا شكّ في حكم العقل بقبح الظلم وكشف الحرمة منه بقاعدة الملازمة العقلیّـة.([228]) وأمّا الضرورة، فلأنّ على حرمة التطفيف ضرورة فقه الإماميّـة، بل ضرورة الإسلام. قال المقدّس الأردبيلي(قدس سره) بعد ذكر الآيات المذكورة: الويل، قيل:([229]) اسم وادٍ في جهنّم، أو كناية عن عذاب وسخط من الله على من يطفّفون الميزان والكيل ويباشرونهما، الذين إذا اكتالوا من الناس حقّهم أو اتّزنوه منهم يأخذونه وافياً تامّاً كاملاً، حذف واكتفي بالأوّل. وفي الكشّاف:([230]) للإشعار بأنّهم ما يأخذون لأنفسهم من الناس إلّا بالكيل؛ لأنّـه أكمل وأمكن وأتمّ للاستيفاء والسرقة. فتأمّل. وإذا كالوا أو وزنوا هم من أنفسهم للناس يخسرون، ينقصون ذلك ولايستوفون، فتدلّ على أنّ إعطاء الناقص حرامٌ. ويدلّ عليه العقل والنقل وغيرها أيضاً من عدم جواز أخذ أموال الناس إلّا برضاهم. ويدلّ أيضاً على المنع من نقص الكيل والوزن بخصوصه بعض الآيات والأخبار أيضاً، مثل: ﴿ألّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ﴾.([231])وتحريم ذلك ظاهر لايحتاج إلى الدليل.([232]) ثمّ إنّـه لا بأس من التعرّض لبيان أمورٍ: ---------------------- [214]. الصحاح 2: 1068، مادّة: «طفف». [215]. لسان العرب 8: 173، مادّة: «طفف». [216]. المطفّفين (83): 1 ـ 6. [217]. الشعراء (26): 181ـ 182. [218]. هود (11): 84. [219]. الأعراف (7): 85. [220]. هود (11): 85. [221]. المطفّفين (83): 1. [222]. مريم (19): 37. [223]. الكافي 2: 28 و32، کتاب الإيمان والکفر، باب، الحديث 1؛ وسائل الشيعة 1: 34، کتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 2، الحديث 14. [224]. قرب الإسناد: 62، أحاديث متفرّقة، الحديث 175؛ وسائل الشيعة 17: 393، کتاب التجارة، أبواب آداب التجارة، الباب 7، الحديث 7. [225]. الكافي 2: 374، باب في عقوبات المعاصي العاجلة، الحديث 2؛ وسائل الشيعة 16: 273، کتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر، أبواب الأمر والنهي، الباب 41، الحديث 2. [226]. عيون أخبار الرضا(عليه السلام) 2: 134، باب فيما جاء عن الرضا(عليه السلام)، الحديث 1؛ وسائل الشيعة 15: 329، کتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس...، الباب 46، الحديث 31. [227]. السنن الکبري (للبيهقي) 8 : 359، کتاب البيوع، باب ترك التطفيف في الکيل، الحديث11342. [228]. قد اشتهر بين المتأخّرين النزاع في الملازمة بين حکم العقل والشرع؛ بمعني أنّ کلّما يکون تمام ملاك حکم العقل، بحيث لو اطّلع عليه العقل بحسن الفعل به أو قبحه، يکون تمام ملاك حکم الشرع حتّي يکون العقل فيما استقلّ به دليلاً عليه وکاشفاً عنه أو لا، کيلا يکون عليه دليلاً، وهذه الملازمة التي تکون مفاد القضيّـة المعروفة: «کلّما حکم به العقل حکم به الشرع». (قاعدة الملازمة بين العقل والشرع: 129، فائدة 14. [229]. اُنظر: مجمع البيان 1ـ 2: 292. [230]. الكشّاف 4: 720. [231]. الرحمن (55): 8 ـ 9. [232]. زبدة البيان: 555.
|