|
ومنها: قصد ردع المغتاب (بالفتح) عن المنكر الذي يفعله
ولقد أجاد في البحث عنها بعض الأعاظم (قدّس الله سرّهم)، نکتفي بها بما ذكره في مصباح الفقاهة، وإليك نصّ كلامه: وقد استدلّ المصنّف على الجواز هنا بوجهين: الأوّل: أنّ الغيبة هنا إحسان في حقّه، فإنّها وإن اشتملت على هتكه وإهانته، إلّا أنّـه توجب إنقاذه من المهلكة الأبديّـة والعقوبة الأخرويّـة. الثاني: أنّ عمومات النهي عن المنكر شاملة لذلك. أمّا الوجه الأوّل، ففيه أوّلاً: أنّ الدليل أخصّ من المدّعى؛ إذ ربّما لا يرتدع المقول فيه عن فعل المنكر. وثانياً: أنّ الغيبة محرّمة على المغتاب (بالكسر)، ولا يجوز الإحسان بالأمر المحرّم، فإنّـه إنّما يتقبّل الله من المتّقين، وهل يتوهّم أحدٌ جواز الإحسان بالمال المغصوب والمسروق إلّا إذا كان أعمى البصيرة، كبعض المنحرفين عن الصراط المستقيم. ودعوى رضا المقول فيه حينئذٍ بالغيبة جزافيّـة؛ فإنّها مضافاً إلى بعدها، أنّ رضاه لا يرفع الحرمة التكليفيّـة. وأمّا الوجه الثاني، ففيه: أنّـه لا يجوز ردع المنكر بالمنكر؛ لانصراف أدلّته عن ذلك، وإلّا لجاز ردع الزناة بالزنا بأعراضهم، وردع السراق بسرقة أموالهم. نعم، قد ثبت جواز دفع المنكر بالمنكر في موارد خاصّة، كما يتّضح ذلك لمن يلاحظ أبواب النهي عن المنكر وأبواب الحدود، وقد تقدّم في البحث عن حرمة السبّ جواز شتم المبدع والوقيعة فيـه، والبهت عليه، بل وجوبها، كما يظهر من بعض الروايات المتقدّمة في المبحث المذكور. هذا كلّه فيما إذا لم يكن ردع ذلك المنكر مطلوباً من كلّ أحد، وإلّا وجب ردعه على كلّ من اطّلع عليه بأيّ نحو اتّفق، كمن تصدّى لقتل النفوس المصونة، وهتك الأعراض المحترمة، وأخذ الأموال الخطيرة، فإنّ منعه واجبٌ بما هو أعظم من الغيبة، فضلاً عنها؛ لأنّ حفظ الأمور المذكورة أهمّ في نظر الشارع من ترك الغيبة ونحوها، وقد تقدّمت الإشارة إلى حكم مزاحمة ترك الغيبة بما هو أهمّ منه.([1614]) وفي کلامه مع ما فيه من الجودة نظر ومناقشة، ففي قوله: «قد ثبت جواز دفع المنكر بالمنكر...»، إلخ منعٌ، فإنّ النهي عن المنکر بالمنکر غير جائز عقلاً وشرعاً، فإنّ النار لا تطفئ النار، وما ذکره من الموارد التي أشار إليها فخارجٌ عن مواد في البحث؛ لإنّ المنکر الذي يحصل به الإنکار خارجٌ عن أدلّة حرمة الغيبة بالتخصيص. ---------------- [1614]. مصباح الفقاهة 1: 547 ـ 548.
|