|
المسألة الرابعة: النشر والتوزيع
لا شك أن أحد الدوافع الرئيسة لحكم الفقهاء صريحاً بحرمة حفظ ووجوب إتلاف كتب
الضلال، هو الحيلولة دون انتشار هذه الكتب وشياعها في المجتمع، ففي السابق كان الاستنساخ هو الوسيلة الوحيدة للنشر، من هنا حرّم الفقهاء أيّ نوع من التعامل الاقتصادي في هذا المجال، واعتبروا الناتج والربح منه غير شرعيّ أيضاً. وفي هذا المضمار، يشير صاحب «مفتاح الكرامة» لفتوى عدة من الفقهاء فيقول: «قد صرّح في السرائر في موضع منها، والشرايع، والنافع، والإرشاد، وشرحه، واللمعة، والتنقيح، وإيضاح النافع، وجامع المقاصد، والميسيّة، والمسالك، والروضة، ومجمع البرهان، وغيرها، بحرمة حفظ كتب الضلال ونسخها»([85]). وبملاحظة الأدلّة والمدارك المتوفرة نجد أن القدر الجامع والقاسم المشترك بينها جميعها هو لزوم الحيلولة أمام ما يبعث على الضلال ويطيح بالمعتقدات; فإن حفظ الأصول العقائدية الدينية هو الهدف الأساس لإرسال الرسل وإنزال الكتب الإلهية والسماوية، وقد بذلت في هذا السبيل طاقات وجهود تفوق حدّ القدرة والمكنة، وعانى أولياء الدين ورجاله والعلماء والفقهاء من المرحوم الكليني إلى الإمام الخميني، الكثير من ألوان القهر والحرمان والسجن والتعذيب والإبعاد والنفي... وعليه فحرمة نشر هذه الأفكار التي تضعضع وتزيل عقائد الناس وإيمانهم أوضح من أن تحتاج إلى استدلال، لا سيما من جانب أولئك العارفين والمطلعين على العنصر الإضلالي في الكتاب; إذ في ذلك اغراءٌ بالجهل أيضاً، وإضلال الآخرين من أكبر مصاديقه، ومع الأخذ بعين الاعتبار الآثار الناجمة عن نشر مثل ذلك في المجتمع والمفاسد المترتبة على ذلك، كيف يمكن عدم الحكم بالحرمة والحال أن الشارع المقدس وجدناه يبدي حساسيةً عالية في حالات تترتب عليها مفاسد أقلّ؟! _____________________________________ [85] . مفتاح الكرامة 4: 62.
|