|
كتاب الشُّفعة
كتاب الشُّفعة
(مسألة 1): لو باع أحد الشريكين حصّته من شخص أجنبيّ، فللشريك الآخر ـ مع اجتماع الشروط الآتية ـ حقّ أن يتملّكها وينتزعها من المشتري بما بذله من الثمن، ويسمّى هذا الحقّ بالشفعة وصاحبه بالشفيع. (مسألة 2): لا إشكال في ثبوت الشُّفعة في كلّ ما لا ينقل إن كان قابلاً للقسمة، كالأراضي والبساتين والدور ونحوها. وفي ثبوتها فيما يُنقَل ـ كالثياب والمتاع والسفينة والحيوان ـ وفيما لا يُنقَل إن لم يكن قابلاً للقسمة ـ كالضيّقة من الأنهار والطرق والآبار، وغالب الأرحية والحمّامات، وكذا الشجر والنخيل والثمار على النخيل والأشجار ـ إشكال([975])، فالأحوط للشريك عدم الأخذ بالشفعة إلاّ برضا المشتري، وللمشتري إجابة الشريك إن أخذ بها. (مسألة 3): إنّما تثبت الشفعة في بيع حصّة مشاعة من العين المشتركة، فلا شفعة بالجوار، فلو باع شخص داره أو عقاره ليس لجاره الأخذ بالشفعة، وكذا ليست في العين المقسومة إذا باع أحد الشريكين حصّته المفروزة، إلاّ إذا كانت داراً قد قسمت بعد اشتراكها، أو كانت من أوّل الأمر مفروزة ولها طريق مشترك، فباع أحد الشريكين حصّته المفروزة من الدار، فتثبت الشفعة للآخر إذا بيعت مع طريقها، بخلاف ما إذا بقي الطريق على الاشتراك بينهما، فلا شفعة حينئذ في بيع الحصّة. وفي إلحاق الاشتراك في الشرب ـ كالبئر والنهر والساقية ـ بالاشتراك في الطريق إشكال([976])، لا يترك الاحتياط في المسألة المتقدّمة فيه، وكذا في إلحاق البستان والأراضي مع اشتراك الطريق بالدار، فلايترك فيها أيضاً. (مسألة 4): لو باع شيئاً وشِقصاً من دار، أو باع حصّة مفروزة من دار مع حصّة مشاعة من اُخرى صفقة واحدة، كان للشريك الشفعة في الحصّة المشاعة بحصّتها من الثمن وإن كان الأحوط تحصيل المراضاة بما مرّ. (مسألة 5): يشترط في ثبوت الشّفعة انتقال الحصّة بالبيع، فلو انتقلت بجعلها صداقاً أو فدية للخلع أو بالصّلح أو الهبة فلا شفعة. (مسألة 6): إنّما تثبت الشفعة لو كانت العين بين شريكين، فلا شفعة إذا كانت بين ثلاثة وما فوقها، من غير فرق على الظاهر بين أن يكون البائع اثنين من ثلاثة مثلاً فكان الشفيع واحداً وبالعكس. نعم لو باع أحد الشريكين حصّته من اثنين مثلاً دفعة أو تدريجاً، فصارت العين بين ثلاثة بعد البيع، لا مانع من الشفعة للشريك الآخر، فهل له التبعيض، بأن يأخذ بها بالنسبة إلى أحد المشتريين ويترك الآخر، أولا ؟ وجهان، بل قولان، لا يخلو أوّلهما من قوّة. (مسألة 7): لو كانت الدار مشتركة بين الطلق والوقف، وبيع الطلق، لم يكن للموقوف عليه([977]) ـ ولو كان واحداً، ولا لوليّ الوقف ـ شفعة، بل لو بيع الوقف في صورة صحّة بيعه، فثبوتها لذي الطلق محلّ إشكال([978]). والأقوى عدم ثبوتها لو كان الوقف على أشخاص بأعيانهم وكانوا متعدّدين. (مسألة 8): يعتبر في ثبوت الشفعة كون الشفيع قادراً على أداء الثمن، فلا شفعة للعاجز عنه وإن أتى بالضامن أو الرهن، إلاّ أن يرضى المشتري بالصبر. بل يعتبر فيه إحضار الثمن عند الأخذ بها، ولو اعتذر بأنّه في مكان آخر فذهب ليحضره، فان كان في البلد ينتظر ثلاثة أيّام، وإن كان في بلد آخر، ينتظر بمقدار يمكن ـ بحسب العادة ـ نقل المال من ذلك بزيادة ثلاثة أيّام، إذا لم يكن ذلك البلد بعيداً جدّاً يتضرّر المشتري بتأجيله، فإن لم يحضر الثمن في تلك المدّة فلاشفعة له. (مسألة 9): يشترط في الشفيع الإسلام إن كان المشتري مسلماً، فلا شفعة للكافر على المسلم وإن اشتراه من كافر، وتثبت للكافر على مثله، وللمسلم على الكافر. (مسألة 10): تثبت الشفعة للغائب([979])، فله الأخذ بها بعد اطّلاعه على البيع ولو بعد زمان طويل، ولو كان له وكيل مطلق أو في الأخذ بها، واطّلع هو على البيع دون موكّله له أن يأخذ بالشفعة له. (مسألة 11): تثبت الشفعة للسفيه، وإن لم ينفذ أخذه بها إلاّ بإذن الوليّ أو إجازته في مورد حجره. وكذا تثبت للصغير والمجنون وإن كان المتولّي للأخذ بها عنهما وليّهما. نعم لو كان الوليّ الوصيّ ليس له ذلك إلاّ مع الغِبطة والمصلحة، بخلاف الأب والجدّ([980])، فإنّه يكفي فيهما عدم المفسدة، لكن لا ينبغي لهما ترك الاحتياط بمراعاة المصلحة، ولو ترك الوليّ الأخذ بها عنهما إلى أن كملا فلهما أن يأخذا بها. (مسألة 12): إذا كان الوليّ شريكاً مع المولّى عليه، فباع حصّته من أجنبيّ أو الوكيل المطلق، كان شريكاً مع موكّله، فباع حصّة موكّله من أجنبيّ، ففي ثبوت الشفعة لهما إشكال([981])، بل عدمه لا يخلو من وجه. (مسألة 13): الأخذ بالشّفعة إمّا بالقول، كأن يقول: أخذت بالشفعة، أو تملّكت الحصّة الكذائيّة، ونحو ذلك ممّا يفيد إنشاء تملّكه وانتزاع الحصّة المبيعة لأجل ذلك الحقّ. وإمّا بالفعل، بأن يدفع الثمن ويأخذ الحصّة، بأن يرفع المشتري يده عنها ويخلّي بين الشفيع وبينها. ويعتبر دفع الثمن عند الأخذ بها ـ قولاً أو فعلاً ـ إلاّ إذا رضي المشتري بالتأخير. نعم لو كان الثمن مؤجّلاً، فالظاهر أنّه يجوز له أن يأخذ بها ويتملّك الحصّة عاجلاً، ويكون الثمن عليه إلى وقته، كما أنّه يجوز له الأخذ بها وإعطاء الثمن عاجلاً، بل يجوز التأخير([982]) في الأخذ والإعطاء إلى وقته، لكن الأحوط الأخذ بها عاجلاً. (مسألة 14): ليس للشفيع تبعيض حقّه، بل إمّا أن يأخذ الجميع أو يدع. (مسألة 15): الذي يلزم على الشفيع ـ عند أخذه بالشفعة ـ دفع مثل الثمن الذي وقع عليه العقد، سواء كانت قيمة الشقص أقلّ أو أكثر، ولا يلزم عليه دفع ما غرمه المشتري من المؤن كاُجرة الدلاّل ونحوها، ولا دفع ما زاد المشتري على الثمن وتبرّع به للبائع بعد العقد، كما أنّه لو حطّ البائع بعد العقد شيئاً من الثمن ليس له تنقيص ذلك المقدار. (مسألة 16): لو كان الثمن مثليّاً ـ كالذهب والفضّة ونحوهما ـ يلزم على الشفيع دفع مثله، وأمّا لو كان قيميّاً ـ كالحيوان والجواهر والثياب ونحوها ـ ففي ثبوت الشفعة ولزوم أداء قيمته حين البيع أو عدم ثبوتها أصلاً، وجهان، بل قولان، ثانيهما هو الأقوى([983]). (مسألة 17): لو اطّلع الشفيع على البيع فله المطالبة في الحال، وتبطل شُفعته بالمماطلة والتأخير بلا داع عقلائيّ وعذر عقليّ أو شرعيّ أو عاديّ، بخلاف ما إذا كان عدم الأخذ بها لعذر. ومن الأعذار عدم اطّلاعه على البيع وإن أخبر به غير من يوثق به، وكذا جهله باستحقاق الشفعة أو عدم جواز تأخير الأخذ بها بالمماطلة. بل من ذلك لو ترك الأخذ لتوهّمه كثرة الثمن فبان خلافه، أو كونه نقداً يصعب عليه تحصيله كالذهب فبان خلافه، وغير ذلك. (مسألة 18): الشفعة من الحقوق تسقط بإسقاط الشفيع، بل لو رضي بالبيع من الأجنبي من أوّل الأمر، أو عرض عليه شراء الحصّة فأبى، لم تكن له شفعة من الأصل. وفي سقوطها بإقالة المتبايعين أو ردّ المشتري إلى البائع بعيب أو غيره وجه وجيه. (مسألة 19): لو تصرّف المشتري فيما اشتراه، فإن كان بالبيع كان للشفيع الأخذ من المشتري الأوّل بما بذله من الثمن، فيبطل الشراء الثاني، وله الأخذ من الثاني بما بذله فيصحّ الأوّل. وكذا لو زادت البيوع على اثنين فله الأخذ من الأوّل بما بذله، فتبطل البيوع اللاحقة، وله الأخذ من الأخير فتصحّ البيوع المتقدّمة، وله الأخذ من الوسط فيصحّ ما تقدّم ويبطل ما تأخّر. وكذا إن كان بغير البيع كالوقف وغير ذلك، فله الأخذ بالشُّفعة وإبطال ما وقع من المشتري، ويحتمل أن تكون صحّتها مراعاة بعدم الأخذ بها، وإلاّ فهي باطلة من الأصل، وفيه تردّد([984]). (مسألة 20): لو تلفت الحصّة المشتراة بالمرّة ـ بحيث لم يبق منها شيء أصلاً ـ سقطت الشفعة، ولو كان ذلك بعد الأخذ بها، وكان التلف بفعل المشتري، أو بغير فعله مع المماطلة في التسليم بعد الأخذ بها بشروطه، ضمنه. وأمّا لو بقي منها شيء، كالدار إذا انهدمت وبقيت عرصتها وأنقاضها أو عابت، لم تسقط، فله الأخذ بها وانتزاع ما بقي منها من العرصة والأنقاض مثلاً بتمام الثمن من دون ضمان على المشتري، ولو كان ذلك بعد الأخذ بها ضمنه قيمة التالف، أو أرش العيب إذا كان بفعله، بل أو بغير فعله مع المماطلة كما تقدّم. (مسألة 21): يشترط في الأخذ بالشفعة علم الشفيع بالثمن حين الأخذ، على الأحوط لو لم يكن الأقوى، فلو قال: أخذت بالشفعة بالثمن بالغاً ما بلغ، لم يصحّ وإن علم بعد ذلك. (مسألة 22): الشفعة موروثة على إشكال. وكيفيّة إرثها: أنّه عند أخذ الورثة بها، يقسّم المشفوع بينهم على ما فرض الله في المواريث، فلو خلّف زوجة وابناً فالثمن لها والباقي له، ولو خلّف ابناً وبنتاً فللذكر مثلُ حظّ الاُنثيين، وليس لبعض الورثة الأخذ بها ما لم يوافقه الباقون، ولو عفا بعضهم وأسقط حقّه ففي ثبوتها لمن لم يعف إشكال. (مسألة 23): لو باع الشفيع نصيبه قبل الأخذ بالشفعة فالظاهر سقوطها، خصوصاً إذا كان بعد علمه بها. (مسألة 24): يصحّ أن يصالح الشفيع المشتري عن شفعته بعوض وبدونه، ويكون أثره سقوطها، فلا يحتاج إلى إنشاء مسقط، ولو صالحه على إسقاطه أو على ترك الأخذ بها صحّ أيضاً، ولزم الوفاء به، ولو لم يوجد المسقط وأخذ بها، فهل يترتّب عليه أثره وإن أثم في عدم الوفاء بما التزم، أو لا أثر له ؟ وجهان، أوجههما أوّلهما في الأوّل، بل في الثاني ـ أيضاً ـ إن كان المراد ترك الأخذ بها مع بقائها، لا جعله كناية عن سقوطها. (مسألة 25): لو كانت دار مثلاً بين حاضر وغائب، وكانت حصّة الغائب بيد شخص باعها بدعوى الوكالة عنه، لا إشكال في جواز الشراء منه، وتصرّف المشتري فيما اشتراه أنواع التصرّفات ما لم يعلم كذبه. وإنّما الإشكال: في أنّه هل يجوز للشريك الأخذ بالشفعة وانتزاعها من المشتري أم لا ؟ الأشبه الثاني([985]). __________________________________________ [975] ـ وإن كان الثبوت غير بعيد. [976] ـ وإن كان ثبوت الشفعة فيها وفيما يليه من البستان والأراضي لا يخلو من قوّة. [977] ـ بل له ولوليّ الوقف الشفعة كغيرهما مع الاتّحاد. [978] ـ لكن الظاهر الثبوت مطلقاً. [979] ـ ما لم توجب الغيبة لطولها وبُعد المسافة ضرراً على المشتري. [980] ـ بل فيهما وفي الاُمّ من الأولياء القهرية رعاية المصلحة لازمة أيضاً. [981] ـ غير موجّه، وثبوتها لهما لا يخلو من قوّة. [982] ـ فيما لم يستلزم الضرر على المشتري، وإلاّ فالتأخير غير جائز. [983] ـ فيما كان الثمن من لوازم المعيشة والبيت، كما هو المورد في صحيح علي بن رئاب، ويساعده الاعتبار ; لأنّ المشتري الذي يجعل الثمن متاعه وما يلزم في معيشته لابدّ وأن يكون محتاجاً إلى المبيع وشرائه احتياجاً شديداً. فالحكم بوجود الشفعة في مبيعه نحو ظلم عليه ; لأنّه لا يريد القيمة بل يريد نفس المبيع، وهذا بخلاف ما لم يكن المشتري كذلك، الذي لا يكون الحكم عليه بالشفعة ظلماً عليه(أ). أ ـ وسائل الشيعة 25: 406، كتاب الشفعة، الباب 11، الحديث 1. [984] ـ بل منع. [985] ـ بل الأوّل، فإنّ الشريك كالمشتري، فكما يجوز للمشتري الشراء والتصرّف بعدها، فكذلك يجوز للشريك الأخذ بالشفعة، كما لا يخفى.
|