|
كتاب المُزارعة
كتاب المُزارعة
وهي المعاملة([1054]) على أن تزرع الأرض بحصّة من حاصلها. وهي عقد يحتاج إلى إيجاب من صاحب الأرض ـ وهو كلّ لفظ أفاد إنشاء هذا المعنى، كقوله: «زارعتك» أو «سلّمت إليك الأرض مدّة كذا على أن تزرعها على كذا»، وأمثال ذلك ـ وقبول من الزارع بلفظ أفاد ذلك كسائر العقود. والظاهر كفاية القبول الفعلي بعد الإيجاب القولي، بأن يتسلّم الأرض بهذا القصد. ولا يعتبر في عقدها العربيّة، فيقع بكلّ لغة. ولا يبعد جريان المعاطاة فيها بعد تعيين ما يلزم تعيينه. (مسألة 1): يعتبر فيها زائداً على ما اعتبر في المتعاقدين ـ من البلوغ، والعقل، والقصد، والاختيار، والرشد، وعدم الحجر لفلس إن كان تصرّفه ماليّاً، دون غيره كالزارع إذا كان منه العمل فقط ـ اُمور: أحدها: جعل الحاصل مشاعاً بينهما، فلو جعل الكلّ لأحدهما، أو بعضه الخاصّ ـ كالذي يحصل متقدّماً، أو الذي يحصل من القطعة الفلانيّة ـ لأحدهما، والآخر للآخر، لم يصحّ. ثانيها: تعيين حصّة الزارع بمثل النصف أو الثلث أو الربع ونحو ذلك. ثالثها: تعيين المدّة بالأشهر أو السنين، ولو اقتصر على ذكر المزروع في سنة واحدة، ففي الاكتفاء به عن تعيين المدّة وجهان، أوجههما الأوّل، لكن فيما إذا عيّن([1055]) مبدأ الشروع في الزرع، وإذا عيّن المدّة بالزمان، لابدّ أن يكون مدّة يُدرك فيها الزرع بحسب العادة، فلا تكفي المدّة القليلة التي تقصر عن إدراكه. رابعها: أن تكون الأرض قابلة للزرع، ولو بالعلاج والإصلاح وطمّ الحفر وحفر النهر ونحو ذلك، فلو كانت سبخة لا تقبل للزرع، أو لم يكن لها ماء، ولا يكفيه ماء السماء، ولا يمكن تحصيل الماء له ولو بمثل حفر النهر أو البئر أو الشراء، لم يصحّ. خامسها: تعيين المزروع، من أنّه حنطة أو شعير أو غيرهما مع اختلاف الأغراض فيه، ويكفي فيه تعارف يوجب الانصراف، ولو صرّح بالتعميم صحّ، فيتخيّر الزارع بين أنواعه. سادسها: تعيين الأرض، فلو زارعه على قطعة من هذه القطعات، أو مزرعة من هذه المزارع، بطل. نعم لو عيّن قطعة معيّنة من الأرض التي لم تختلف أجزاؤها، وقال: زارعتك على جريب من هذه القطعة، على النحو الكلّي في المعيّن، فالظاهر الصحّة، ويكون التخيير في تعيّنه لصاحب الأرض. سابعها: أن يعيّنا كون البذر وسائرالمصارف على أيٍّ منهما إن لم يكن تعارف. (مسألة 2): لا يعتبر في المزارعة كون الأرض ملكاً للمزارع، بل يكفي كونه مالكاً لمنفعتها أو انتفاعها بالإجارة ونحوها، مع عدم اشتراط الانتفاع بنفسه مباشرة، أو أخذها من مالكها بعنوان المزارعة، أو كانت أرضاً خراجيّة وقد تقبّلها من السلطان أو غيره مع عدم الاشتراط المتقدّم. ولو لم يكن له فيها حقّ ولا عليها سلطنة أصلاً كالموات، لم تصحّ مزارعتها، وإن أمكن أن يتشارك مع غيره في زرعها وحاصلها مع الاشتراك في البذر، لكنّه ليس من المزارعة. (مسألة 3): إذا أذن مالك الأرض أو المزرعة إذناً عامّاً ـ بأنّ كلّ من زرع ذلك فله نصف الحاصل مثلاً ـ فأقدم شخص عليه استحقّ المالك حصّته. (مسألة 4): لو اشترطا أن يكون الحاصل بينهما بعد إخراج الخراج أو بعد إخراج البذر لباذله، أو ما يصرف في تعمير الأرض لصارفه، فإن اطمأنّا ببقاء شيء بعد ذلك من الحاصل ليكون بينهما صحّ، وإلاّ بطل. (مسألة 5): لو انقضت المدّة المعيّنة ولم يدرك الزرع لم يستحقّ الزارع إبقاءه([1056]) ولو بالاُجرة، بل للمالك الأمر بإزالته من دون أرش، وله إبقاؤه مجّاناً، أو مع الاُجرة إن رضي الزارع بها. (مسألة 6): لو ترك الزارع الزرع حتّى انقضت المدّة، فهل يضمن اُجرة المثل، أو ما يعادل حصّة المالك بحسب التخمين، أو لا يضمن شيئاً ؟ وجوه، أوجهها ضمان اُجرة المثل([1057])، فيما إذا كانت الأرض تحت يده وترك الزراعة بتفريط منه، وفي غيره عدم الضمان، والأحوط التراضي والتصالح. هذا إذا لم يكن تركها لعذر عام، كالثلوج الخارقة أو صيرورة المحلّ معسكراً أو مسبعة ونحوها، وإلاّ انفسخت المزارعة. (مسألة 7): لو زارع على أرض ثمّ تبيّن للزارع أنّه لا ماء لها فعلاً، لكن أمكن تحصيله بحفر بئر ونحوه صحّت، لكن للعامل خيار الفسخ. وكذا لو تبيّن كون الأرض غير صالحة للزراعة إلاّ بالعلاج التامّ، كما إذا كان الماء مستولياً عليها ويمكن قطعه. نعم لو تبيّن أنّه لا ماء لها فعلاً ولا يمكن تحصيله، أو كانت مشغولة بمانع لا يمكن إزالته ولا يرجى زواله، بطل. (مسألة 8): لو عيّن المالك نوعاً من الزرع كالحنطة مثلاً فزرع غيره ببذره، فإن كان التعيين على وجه الشرطيّة في ضمن عقد المزارعة، كان له الخيار بين الفسخ والإمضاء، فإن أمضاه أخذ حصّته، وإن فسخ كان الزرع للزارع وعليه للمالك اُجرة الأرض. وأمّا إذا كان على وجه القيديّة فله عليه اُجرة الأرض وأرش نقصها على فرضه([1058]). (مسألة 9): الظاهر صحّة جعل الأرض والعمل من أحدهما([1059]) والبذر والعوامل من الآخر، أو واحد منها من أحدهما والبقيّة من الآخر، بل الظاهر صحّة الاشتراك في الكلّ، ولابدّ من تعيين ذلك حين العقد، إلاّ إذا كان هناك معتاد يغني عنه. والظاهر عدم لزوم([1060]) كون المزارعة بين الاثنين، فيجوز أن تجعل الأرض من أحدهم، والبذر من الآخر، والعمل من الثالث، والعوامل من الرابع، وإن كان الأحوط ترك هذه الصورة، وعدم التعدّي عن اثنين، بل لا يترك ما أمكن. (مسألة 10): يجوز للزارع أن يشارك غيره في مزارعته، بجعل حصّة من حصّته لمن يشاركه، كما يجوز أن ينقل حصّته إلى الغير ويشترط عليه القيام بأمر الزراعة، والناقل طرف للمالك، وعليه القيام بأمرها ولو بالتسبيب. وأمّا مزارعة الثاني ـ بحيث كان الزارع الثاني طرفاً للمالك ـ فليست بمزارعة، ولا يصحّ العقد كذلك. ولا يعتبر في صحّة التشريك في المزارعة، ولا في نقل حصّته، إذن المالك. نعم لا يجوز على الأحوط تسليم الأرض إلى ذلك الغير إلاّ بإذنه، كما أنّه لو شرط عليه المالك أن يباشر بنفسه ـ بحيث لا يشاركه غيره، ولا ينقل حصّته إلى الغير ـ كان هو المتّبع. (مسألة 11): عقد المزارعة لازم من الطرفين، فلا ينفسخ بفسخ أحدهما إلاّ إذا كان له خيار، وينفسخ بالتقايل كسائر العقود اللازمة، كما أنّه يبطل وينفسخ قهراً، بخروج الأرض عن قابلية الانتفاع بسبب مع عدم تيسّر العلاج. (مسألة 12): لا تبطل المزارعة بموت أحد المتعاقدين، فإن مات ربّ الأرض قام وارثه مقامه، وإن مات العامل فكذلك، فإمّا أن يتمّوا العمل ولهم حصّة مورّثهم، وإمّا أن يستأجروا شخصاً لإتمامه من مال المورّث ولو الحصّة المزبورة، فإن زاد شيء كان لهم. نعم لو شرط على العامل مباشرته للعمل تبطل بموته. (مسألة 13): لو تبيّن بطلان المزارعة بعدما زرع الأرض، فإن كان البذر لصاحب الأرض كان الزرع له، وعليه اُجرة العامل والعوامل إن كانت من العامل، إلاّ إذا كان البطلان مستنداً إلى جعل جميع الحاصل لصاحب الأرض، فإنّ الأقوى حينئذ عدم اُجرة العمل والعوامل عليه. وإن كان من العامل كان الزرع له وعليه اُجرة الأرض، وكذا العوامل إن كانت من صاحب الأرض، إلاّ إذا كان البطلان مستنداً إلى جعل جميع الحاصل للزارع، فالأقوى حينئذ عدم اُجرة الأرض والعوامل عليه. وليس للزارع إبقاء الزرع إلى بلوغ الحاصل ولو بالاُجرة، فللمالك أن يأمر بقلعه([1061]). (مسألة 14): كيفيّة اشتراك العامل مع المالك في الحاصل تابعة للجعل الواقع بينهما، فتارة: يشتركان في الزرع من حين طلوعه وبروزه، فيكون حشيشه وقصيله وتبنه وحبّه كلّها مشتركة بينهما. واُخرى: يشتركان في خصوص حبّه، إمّا من حين انعقاده، أو بعده إلى زمان حصاده، فيكون الحشيش والقصيل والتبن كلّها لصاحب البذر، ويمكن أن يجعل البذر لأحدهما والحشيش والقصيل والتبن للآخر مع اشتراكهما في الحبّ. هذا مع التصريح، وأمّا مع عدمه فالظاهر ـ من مقتضى وضع المزارعة عند الإطلاق ـ الوجه الأوّل، فالزرع بمجرّد طلوعه وبروزه يكون مشتركاً بينهما. ويترتّب على ذلك اُمور: منها: كون القصيل والتبن أيضاً بينهما. ومنها: تعلّق الزكاة بكلّ منهما إذا كان حصّة كلّ منهما بالغاً حدّ النصاب، وتعلّقها بمن بلغ نصيبه حدَّه إن بلغ نصيب أحدهما، وعدم التعلّق أصلاً إن لم يبلغ النصاب نصيب واحد منهما. ومنها: أنّه لو حصل فسخ من أحدهما بخيار، أو منهما بالتقايل في الأثناء، يكون الزرع بينهما([1062])، وليس لصاحب الأرض على العامل اُجرة أرضه، ولا للعامل عليه اُجرة عمله بالنسبة إلى ما مضى. وأمّا بالنسبة إلى الآتي إلى زمان البلوغ والحصاد، فإن وقع بينهما التراضي بالبقاء ـ بلا اُجرة، أو معها، أو على القطع قصيلاً ـ فلا إشكال، وإلاّ فكلّ منهما مسلّط على حصّته، فلصاحب الأرض مطالبة القسمة وإلزام الزارع بقطع حصّته، كما أنّ للزارع مطالبتها ليقطع حصّته. (مسألة 15): خراج الأرض ومال الإجارة للأرض المستأجرة على المزارع، لا الزارع إلاّ إذا اشترط عليه كلاّ أو بعضاً، وأمّا سائر المؤن ـ كشقّ الأنهار، وحفر الآبار، وإصلاح النهر، وتهيئة آلات السقي، ونصب الدولاب والناعور، ونحو ذلك ـ فلابدّ من تعيين كونها على أيٍّ منهما، إلاّ إذا كانت عادة تغني عن التعيين. (مسألة 16): يجوز لكلّ من الزارع والمالك ـ عند بلوغ الحاصل ـ تقبّل حصّة الآخر بحسب الخرص بمقدار معيّن من حاصله بالتراضي. والأقوى لزومه من الطرفين بعد القبول وإن تبيّن بعد ذلك زيادتها أو نقيصتها، فعلى المتقبّل تمام ذلك المقدار ولو تبيّن أنّ حصّة صاحبه أقلّ منه، كما أنّ على صاحبه قبول ذلك وإن تبيّن كونها أكثر منه، وليس له مطالبة الزائد. (مسألة 17): لو بقيت في الأرض اُصول الزرع بعد جمع الحاصل وانقضاء المدّة، فنبتت بعد ذلك في العام المستقبل، فإن كان القرار الواقع بينهما على اشتراكهما في الزرع واُصوله، كان الزرع الجديد بينهما على حسب الزرع السابق، وإن كان على اشتراكهما فيما خرج من الزرع في ذلك العام، فهو لصاحب البذر، فإن أعرض عنه فهو لمن سبق. (مسألة 18): تجوز المزارعة على أرض بائرة ـ لا يمكن زرعها إلاّ بعد إصلاحها وتعميرها ـ على أن يعمّرها ويصلحها ويزرعها سنة أو سنتين مثلاً ـ لنفس، ثمّ يكون الحاصل بينهما بالإشاعة بحصّة معيّنة في مدّة مقدّرة. __________________________________________ [1054] ـ هذا من شرح الاسم، وأمّا ماهيتها فهل هي من سنخ المشاركات أو المعاوضات أو تعهد من كلّ منهما بأمر مرتبط بالآخر من تعهّد المالك تسليم الأرض وجعلها في يد العامل للزراعة وتعهّد العامل بالزراعة مع كون الحاصل بينهما على نحو خاصّ من النصف أو الثلث أو غيرهما ؟ احتمالات ووجوه أوجهها الأخير. [1055] ـ بل وإن لم يعيّن المبدأ أيضاً. [1056] ـ إذا كان التأخير بتقصير الزارع، وأمّا مع عدمه فلمّا لم يكن الزارع ظالماً حتّى لا يكون له عرق، وكان مأذوناً في الزرع من أوّل الأمر فمقتضى الجمع بين الحقّين إبقاء المالك الزرع مع أخذ الاُجرة من الزارع إن رضي بها وإلاّ فله القلع مع أداء الأرش. [1057] ـ بل أوجهها ضمان ما يعادل الحصّة المسمّى من الثلث والنصف أو غيرهما بحسب التخمين في تلك السنة، فإنّ هذا الضمان ضمان عقدي لا يديّ، كما لا يخفى، وعليه فلا فرق بين ما كانت الأرض بين يديه وبين ما لم تكن تحت يده، نعم مع إعلامه المالك وصاحب الأرض بعذره، وأنّ الفسخ بيده واختياره ومع ذلك لم يفسخ الصاحب فعدم ضمان الزارع غير بعيد فإنّه منفي بنفي الضرر، وضرر المالك مندفع بإمكان فسخه، فعدم فسخه إقدام من قبله على الضرر أو على عدم النفع. [1058] ـ هذا كلّه فيما إذا علم المالك به بعد بلوغ الحاصل، وأمّا إذا كان العلم به قبل بلوغه، فللمالك مع عدم رضائه بالإبقاء، القلع مطلقاً، سواء كان على نحو القيدية أو الشرطية. [1059] ـ بل الظاهر أنّه يعتبر في المزارعة كون الأرض من أحدهما والعمل للآخر، نعم في البقية على حسب ما اشترطاه. [1060] ـ الظهور ممنوع للشكّ في صدق المزارعة، نعم صحّة العقد كذلك مستقلاًّ تمسّكاً بالعمومات لا يخلو من قوّة. [1061] ـ مع الأرش; لأنّ الزارع ليس بظالم، كما أنّ له الإبقاء مع أخذ الاُجرة، جمعاً بين الحقّين. [1062] ـ بل الزرع الموجود لصاحب البذر; لكون الفسخ موجباً لارتفاع العقد، وفرضه كأن لم يكن، وتأثير الفسخ وإن كان من حينه إلاّ أنّه يوجب رجوع كلّ من العوضين أو بحكمهما إلى مَن انتقل عنه، وعليه فيرجع الزرع إلى مالك البذر. فإن كان هو العامل لزم عليه للمالك اُجرة مثل المنفعة الفائتة من الأرض، ومع ذلك كان المالك مخيّراً بين إبقاء الزرع مجاناً أو بالاُجرة، وإلزام العامل بقلعه. وإن كان هو المالك، استحقّ العامل عليه اُجرة المثل. نعم لا يبعد صحّة الفسخ من حينه مع التصريح به مع تراضي الطرفين، فعليه يكون الزرع بينهما. [1063] ـ لا يبعد الجواز; للعمومات وإن لم يكن من المساقاة المصطلحة بل لا يبعد الجواز في مطلق الزرع كذلك، فإنّ مقتضى العمومات الصحّة بعد كونه من المعاملات العقلائية.
|